الأربعاء، 31 مارس 2010

صديقتي التي أخطأت - 1

عندما لم تحصل في الثانوية العامة على مجموع يؤهلها إلى كلية الطب، التحقت فوراً بكلية التجارة وفقاً لمكتب التنسيق، وانكمشت أحلامها حتى اكتفت بأن تكون زوجة صالحة وأم. صديقتي النابهة حولت دفة أحلامها إلى ولديها، وأقامت معسكراً دراسياً غير قابل للاختراق استطاعت معه أن تجعل من ولديها متفوقين دراسياً، ومعهما سرحت بأحلامها وقررت أن يصبح الكبير مهندساً مثل والده أما الصغير ولأنه يشبهها كثيراً فعليه أن يكون ما لم تتمكن من أن تكونه" طبيب". صديقتي التي سجنت عقلها ونفسها في سياج طفليها الحريري، أفاقت يوماً بعدما شب طفليها عن الطوق وأصبحا مثلما خططت، لتجد نفسها وحيدة تماماً، حيث زوجها مثلما اعتاد منذ اليوم الأول من الزواج أن يغيب في عمله دائماً ولا يعود إلى المنزل سوى ساعات قليلة ليأكل ما تفننت في طبخه ويسألها عن حال الأولاد ثم ينام بعد أن يقضي وطره منها كلما تيسر. أما طفليها فأصبح لكل منهما حياته الخاصة التي لا يريد كشفها حتى لأمه وتماماً مثل والدهما لم يعد البيت بالنسبة لهما سوى محطة للأكل والنوم.
صديقتي التي تخطت الأربعين من العمر الآن، اكتشفت أنها كانت غبية بما يكفي أن تتعامل مع طفليها على أنهما هي وليس فقط جزءً منها، ولم تجد أحداً لتستنجد به سواي لتسألني ماذا تفعل في وحدتها، فلم أجد سوى أن أقترح عليها القراءة والذهاب إلى النادي لممارسة الرياضة والاندماج في تجمعات النساء هناك، لكن لكونها امرأة طموحة من البداية لم تشعر بالاكتفاء، وبدأت تفكر في العمل. لم أستطع بالطبع أن أساعدها في هذا الأمر حيث أن سوق العمل لن يحتمل امرأة أربعينية ليس لديها أي خبرة وبالتأكيد سيفضل شاب أو فتاة في مقتبل العمر لديهما طاقة الجري و مثابرة الأعمال الشاقة التي قابلناها جميعاً في بداية مستقبلنا العملي. عندما أدركت صديقتي هذه الحقيقة حبست نفسها في المنزل لا تفعل سوى الندم لأنها أضاعت عمرها في شيئ كان بإمكانها أن تفعله وهي تعمل، وبدأت تغبطني لما أنا عليه حيث لا وقت لدي كي آخذ حتى نفساً عميقاً بارتياح وأنا أدور في مطحنة العمل ومتطلبات الأبناء، وفي إحدى مرات سقوطي مريضة من كثرة التعب، زارتني وقالت لي "أنا معجبة بك جداً ورغم إنك مريضة إلا إنك جميلة " وعندما استفسرت عن معنى الجملة الغامضة قالت " أنت لديك أسباب قوية كي تستحقي الراحة في الفراش، أما أنا فلا أفعل سوى الراحة التي وصلت بي إلى حد الإنهاك".
طوال عمري وأنا لا أجد سبباً منطقياً واحداً يجعل المرأة تجلس في منزلها دون عمل، لكن صديقتي الأربعينية قدمت لي أكثر الأسباب وجاهة في الحياة، خاصة عندما حكت لي مأساتها مع زوجها الذي يتدخل بالرأي في كل شيئ ترغب في شرائه وقالت بسخرية، ربما من حالها " طبعاً مش هو اللي هيدفع!".

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق