الأربعاء، 31 مارس 2010

هل أصاب التَيَبُس أجساد المصريين وأصبحنا شعباً معلباً؟

أمنية طلعت

أعشق الموسيقى منذ الطفولة، وأحب سماع جميع أنواعها، وأجمل ما يحدث لي عند تسلل الأنغام بخفة من أذني باتجاه قلبي مباشرة، هو استجابة جسدي لها. هذا هو ما عرفته عن نفسي وعن جميع المصريين الذين تربيت بينهم منذ تنفست هواء تلك البلاد بعد أول صرخة لي بعد الميلاد. تعودت أن أرى الرجال والنساء في الأسواق يتمايلون برؤوسهم ويصفقون ويدورون بأجسادهم استجابة للمواويل التي كانت تنبعث دائما من كل مكان أينما ذهبت في بلدتي الصغيرة "الفشن" التابعة لمحافظة بني سويف. لم يختلف الأمر كثيرا وربما زاد عندما انتقلت للعيش في القاهرة عند التحاقي بالجامعة، كنا نحن المصريين نغني ونرقص عند الحزن وعند الفرح، فقط أدر صوت المذياع على أغاني البرنامج العام أو إذاعة الشرق الأوسط وارفع الصوت ليسمعه الجميع، ثم انظر حولك لتجد الأجساد ترد على الموسيقى بتمايلات خلابة، جريئة من قبل الرجال وخجولة من قبل النساء.
عندما غادرت القاهرة عام 2001 كان الأمر على ما هو عليه، رغم ضيق العيش الذي استشرى بين الناس ورغم الأزمات السياسية التي كانت تتصاعد بقوة، كنت أشعر دائما أن المصريين شعب لا يقهره أي شئ مهما كان، يضحك على أزماته بإطلاق النكات ويغني ويرقص حتى عندما يعصره الألم. لم أشك أبداً في نظريتي تلك ودائما ما كنت أجلس بين أبناء الشعوب العربية الأخرى وأقول، أننا لا يمكن أن ننتهي أو ننهزم أبداً طالما في داخلنا القدرة على الضحك والغناء والرقص. لكن بعد ما رأيته بعيني أثناء حفل نجم الجاز المصري يحيى خليل في دار الأوبرا، اهتزت قناعتي تلك وخرجت من الحفل وأنا أتساءل " ماذا حدث للمصريين؟".
لم أشهد في حياتي حفل للجاز يجلس جمهوره على مقاعد جلدية متخشباً، يصفق على استحياء ويعلن عن إعجابه بالفنان بهدوء مشوب بالحذر، بل إنهم كانوا ينظرون لي ولمن كانوا معي بتعجب شديد وكأنهم يتساءلون عن الكوكب الذي هبطت منه تلك الكائنات الفضائية، التي تصفق بشدة وتتمايل مع الأنغام بقوة؟ لم تكن تلك حفلتي الأولى التي أحضرها ليحيى خليل، فلقد اعتدت حضور كل حفلاته قبل أنا أغادر القاهرة، ولأنني من محبي الجاز ومن متتبعي جميع حفلاته في كل مكان ذهبت إليه في العالم، أؤكد لكم أن هذه الحفلة كانت الأولى في حياتي التي يحضرها الجمهور وهو جالس على مقاعده يستحي حتى من مجرد التمايل بالرأس مع أنغام الموسيقى.
أعلم أيضا أن نجم الجاز المصري الشهير، قدم حفلاً أكثر من رائع كما اعتدت معه واعتاد جمهوره، ولم يكن العيب منه، بل من الجمهور الذي تغير كثيراً، ورغم أنهم كانوا مستمتعين بالحفل إلا أن داخلهم كانت تتصارع الرغبة الانسانية الأصيلة في الرقص والتصفيق مع تلك الدعاوي التي صمت الآذان في كل الفضائيات المبجلة، التي تعيب الرقص وخاصة رقص المرأة، بل إنه من المعتاد الآن أن نتابع عضو مجلس شعب محترم يخرج علينا وكأنه مفتي الديار المصرية، ويطالب بمنع مطربة ترقص في كليباتها من دخول مصر أو منع كليباتها من القنوات المصرية لأن هذا ينافي ديننا وتقاليدنا! بالإضافة إلى كم الشائعات التي تلاحق الراقصات ووصفهن بالعهر والفجر، ناهيك عن الجرائد التي تقتات على مثل تلك الشائعات.
إن ملاحقة الناس في كل مكان بدعاوي تجار الدين الذين يتربحون من وراء تعذيبنا، أصاب المصريين بتَيبُس في الأجساد، في الوقت الذي راجت فيه بيع بدل الرقص الشرقي وأصبحت من أساسيات جهاز العروس، حيث أنه حلال أن ترقص المرأة لزوجها فقط - ولا أدري إلى متى ستصمد الزوجة الراقصة في تقديم عروضها على مدار سنوات الزواج - وحرام عليها أن تستجيب لصوت الموسيقى في أي مكان، كما أصبح الوصف الشائع لأي رجل يحاول التعبير بجسده عن استمتاعه بالموسيقى أنه شاذ جنسياً!
هل أصبحنا شعباً معلبا؟ هل أصبح المصريين متيبسون لا يعرفون كيف يعبرون بأجسادهم عن سعادتهم أو استمتاعهم بالموسيقى....هذا الاختراع البشري العظيم الذي يأخذ بأيدينا من بقاع الحزن إلى جنان الفرح؟.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق