الأربعاء، 31 مارس 2010

أسمهان وسولاف ..معزوفة نسائية مبهرة

يكفي أن تدير واحدة من أغاني أسمهان حتى تمتلئ نفسك بالعشق ولا تلبث أن تحلق بالطيران في أي سماء ترغب في التحليق إليها، فما بالك بأن تتجسد أسمهان أمامك وتؤنس لياليك ثلاثين يوماً؟ ..هي أسمهان ..نعم لقد حلت روح أسمهان في جسد الفنانة السورية سولاف فواخرجي، فلم نشاهد أداءاً رائعاً منها لشحصية أسمهان، بل كانت روح أسمهان تتلبس سولاف فشاهدنا جسدها يتحرك بإشارات مباشرة من أسمهان، التي بالتأكيد وجدتها فرصة جيدة لتعيد سرد قصتها على الأرض من جديد على مسامعنا وأمام أعيننا.
لم تكن شخصية أسمهان بالسهلة أبداً حتى نصف أداء سولاف بأنه أداءً محكماً أو بأنها أجادت تجسيد شخصية الأميرة آمال الأطرش، التي عاشت على أرضنا فترة قصيرة جدا من السنين خطت فيها أسطورة رائعة من أساطير الغناء العربي، فلم تكن الأميرة آمال مجرد مطربة تمتلك صوتاً ساحراً وإنما كانت قصة كفاح حقيقية ضد القيود المفروضة على المرأة في النصف الأول من القرن العشرين، وزادت عليها قيوداً خاصة كونها ابنة أمير من أمراء دروز جبل السويداء بسوريا ثم زوجة الأمير حسن الأطرش. كيف يمكن أن تكون أسمهان قد عاشت وواجهت مثل تلك القيود التي حاولت باستماتة قص جناحيها وتقليم أظافرها التي كانت تنشبهم بإصرار في حجر الفن الذي كان مبتغاها وهدفها الذي ترجو أن تعيش له وحده.
معزوفة من الألم والوحدة والخوف الدائم من الموت، تقابله رغبة حقيقية في الحياة والانطلاق في الكون بلا حدود، تواجه إجحاف أخيها الدائم لها وملاحقة عشيرتها في الجبل بكل تقاليدهم الخاصة بالنساء، وأزواجها الذين لا يحتملون فكرة نجاحها وكيانها المستقل المتوهج بذاته، ورغم ذلك تمضي في الحياة بعزم وإصرار أكيد على الحياة، ولا تألوا على نفسها جهدا حتى لو كان خطراً كي تساعد وطنها على الاستقلال وتخوض غمار مغامرة غير محسوبة، لا تفكر في نفسها أو فيما يمكن أن تتعرض له، فقط تضع حرية وطنها نصب عينيها وتمضي، ومع ذلك لا تتلقى سوى اللوم والملاحقة الدائمة والمحاربة المستميتة لتحقيق حلمها الوحيد الذي لا ترجو سواه من الدنيا...أن تغني.
هذه هي أسمهان ..كتلة من العشق والعاطفة المشبوبة والرغبة العارمة في الحياة والانطلاق، تتحرك كما يوجهها قلبها بلا حسابات لكل القيم والتقاليد الموجعة التي تلف عنق النساء جميعا، فما بالك بأميرة ترغب بأن تكون مطربة في زمن كان الفن فيه أمراً معيباً وخارجاً عن الأعراف والتقاليد.
لقد كانت أسمهان رغم قصر عمرها حركة تمرد نسائية قائمة بذاتها، لذا كان من الطبيعي أن تموت غدراً كحال كل النساء المتمردات على القيود في تاريخ البشرية بجميع أصقاع الأرض. ولذلك لم أكن أعتقد أبداً أن هناك ممثلة بإمكانها أن تجسد شخصية أسمهان كما ينبغي، فهي لن تجسد قصة حياة مطربة وحسب، وإنما ستجسد حركة تاريخ حقيقية تمثلت في امرأة عاشت بروحها وجسدها دفعة واحدة واحتملت من العذاب والإيلام ما لا طاقة لبشر به ورغم ذلك مضت في سبيلها بعنفوان غير مسبوق كي تحقق ما ترغبه رغم أنف قانون عشيرتها وقانون الرجال وحتى قانون الإنجليز، لكن الأسطورة الفنية الجديدة سولاف فواخرجي ألقت بكل ظنوني عرض الحائط، وتقدمت بخطىً ثابتة لتشعل نار الحياة من جديد في شخصية أسمهان، فتقدمها لنا بكل ما تعتمل من تناقضات وأسى وعشق وخوف من الحياة وفر وكر من نفسها وإقبال وإدبار على أمومتها، قدمتها بأداء أكره أن أطلق عليه "احترافي" فلم تكن سولاف ممثلة محترفة أدت دوراً تمثيليا ببراعة وكفى، بل نفخت سولاف الروح في شخص أسمهان من جديد، وسمحت لها أن تعود إلى الأرض لتحيا بيننا ثلاثين يوماً كاملة، نستمتع بها ونتفاعل مع قصتها وقضيتها العادلة.
لقد تمكنت سولاف من سحب شهقاتنا انفاعلا بالأحداث بمنتهى السهولة، واستطاعت أن تقنع ابني وابنتي بعدالة قضيتي عندما أوقظهم كل جمعة على صوت أسمهان، فبعدما كان التذمر هو رد الفعل الذي ألقاه كل أسبوع، أصبحت الابتسامة هي التي تظلل وجوههم، فشاركاني عشق أسمهان الذي أحياه منذ سنين طويلة. دعونا نعترف أن شخصية أسمهان احتاجت امرأة تمتلك من التمرد ما يكفي لتدفع بروح أسمهان بكامل حضورها أمام الكاميرات، ورغم انطباعي القديم عن شخصية سولاف بأنها امرأة عذبة هادئة تكاد تقترب من الحلم أكثر من الواقع، إلا أنها حطمت ذلك الانطباع وأصبحت الآن على قناعة تامة بأن سولاف فواخرجي تمتلك من التمرد والعنفوان ما يجعلها تخط بنفسها أسطورة جديدة لامرأة مبدعة في عالم التمثيل، وتلك المرة سيكون اسم الأسطورة ...سولاف فواخرجي.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق