الأربعاء، 31 مارس 2010

يا نساء العالم العربي .... اتحدن

جداتنا الأوائل لم يقرن في البيوت ....فهل نقر نحن؟



الدوران في الحلقات المفرغة، هواية عربية بامتياز، فكلما حسمت قضية تأخذ بأيدينا نحو الأمام، نعود لنفتح ملفاتها من جديد وننقض ما تم الوصول إليه بهدف التقهقر إلى الوراء بدعوى العودة للأصول والجذور والتمسك بعادتنا وتقاليدنا وقوانيننا العربية المستقاة من ديننا الحنيف "الإسلام"! وربما يعمد محبو العودة إلى الجذور إلى طمر حقائق وحرق أوراق وإفساد معاني ...الخ، في سبيل تحقيق هدفهم، الذي يظهر في رداء بريء غالبا، حيث التمسك بالدين والعادات والتقاليد في مواجهة التيارات الغربية الفاسدة المفسدة!
من تلك القضايا التي كنت أعتقد أنها تم حسمها منذ عقود طويلة، قضية عودة المرأة إلى المنزل والبقاء فيه، وأن مهمتها الوحيدة في الكون هو الزواج ورعاية الزوج والأولاد وما يأتي بعد ذلك من كلمات براقة لكنها في أساسها خبيثة ومغرضة، مثل مملكة المرأة بيتها وأن المرأة مثل الجوهرة يجب الحفاظ عليها وعدم تعريضها لما يمكن أن يجرحها ويؤذيها، و غيرها من تلك العبارات الرنانة الطنانة التي هي في داخلها جوفاء لا تحمل قيمة ولا معنى حيث تكرس لقيمة المرأة الدمية وليست الانسانة التي خلقها الله في كبد مثلها مثل الرجل.

ونظرا لأننا دائما عندما ندخل في نقاش حول قضية من هذه القضايا، يتم مواجهتنا بقال الله وقال الرسول، من باب وضعنا في (خانة اليك) فإن أذعنت فستخسر قضيتك وإن عارضت تم وسمك بالكفر والخروج عن الدين، فلم يكن أمامي سوى أن أناقش هذه القضية من داخل الدين وليس من خارجه بأي حال من الأحوال.

تأتي الدعوى الخاصة بـ "مملكة المرأة بيتها" هذه من الآية الكريمة التي يعمد الجميع إلى ذكر أول كلمتين منها والتوقف، على أساس مبدأ ولا تقربوا الصلاة، فتجد الجميع يقول " وقرن في بيوتكن" ويصمت..في حين أن الأمر لا يتوقف عند هاتين الكلمتين من الآية الكريمة بل إنه يمتد ليأخذنا في طريق طويل..دعونا نقطعه سويا ولنبدأ أول خطوة فيه وهي ذكر الآية الكريمة كاملة من دون نقصان وهي الآية رقم 33 في سورة الأحزاب حيث يقول الله تعالى:

بسم الله الرحمن الرحيم
" وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى وأقمن الصلاة وآتين الزكاة وأطعن الله ورسوله إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا"

صدق الله العظيم
وهنا لمن لديه معرفة أولية باللغة العربي، يتبين أن الآية موجهة لأهل البيت، أي عائلة الرسول عليه الصلاة والسلام، وأنه في أول الآية تحدث بصيغة جمع التأنيث، ثم ختم بصيغة جمع التذكير (عنكم،يطهركم)، أي أن الأمر لا يشمل فقط نساء أهل البيت ولكن النساء والرجال وإن كان هناك تشديد على النساء لتقدمتهن وتخصيصهن في الآية. إذا الأمر الوارد في الآية الكريمة غير ملزم لجموع المسلمين من غير أهل البيت...ربما يكون هذا هو فهمي المتواضع للآية.. فماذا عن كبار المفسرين للقرآن؟

في تفسير الجلالين وهو تفسير موجز وقصير لكنه مفيد جدا نجد الآتي:

وَقَرْنَ" بِكَسْرِ الْقَاف وَفَتْحهَا "فِي بُيُوتكُنَّ" مِنْ الْقَرَار وَأَصْله : أَقْرِرْنَ بِكَسْرِ الرَّاء وَفَتْحهَا مِنْ قَرَرْت بِفَتْحِ الرَّاء وَكَسْرهَا نُقِلَتْ حَرَكَة الرَّاء إلَى الْقَاف وَحُذِفَتْ مَعَ هَمْزَة الْوَصْل "وَلَا تَبَرَّجْنَ" بِتَرْكِ إحْدَى التَّاءَيْنِ مِنْ أَصْله "تَبَرُّج الْجَاهِلِيَّة الْأُولَى" أَيْ مَا قَبْل الْإِسْلَام مِنْ إظْهَار النِّسَاء مَحَاسِنهنَّ لِلرِّجَالِ وَالْإِظْهَار بَعْد الْإِسْلَام مَذْكُور فِي آيَة "وَلَا يُبْدِينَ زِينَتهنَّ إلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا" "وَأَقِمْنَ الصَّلَاة وَآتِينَ الزَّكَاة وَأَطِعْنَ اللَّه وَرَسُوله إنَّمَا يُرِيد اللَّه لِيُذْهِب عَنْكُمْ الرِّجْس" الْإِثْم يَا "أَهْل الْبَيْت" أَيْ نِسَاء النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "وَيُطَهِّركُمْ" مِنْهُ.

أما في تفسير ابن كثير وهو تفسير مطول تم إلحاق العديد من الأمثلة والأحاديث النبوية له، نجد الآتي:

"وقرن في بيوتكن" أي الزمن بيوتكن فلا تخرجن لغير حاجة شرعية " الصلاة في المسجد"، ثم يورد حديثا ( قال الحافظ أبو بكر البزار حدثنا حميد بن مسعدة حدثنا أبو رجاء الكلبي روح بن المسيب ثقة حدثنا البناني عن أنس رضي الله عنه قال: جئن النساء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلن يا رسول الله ذهب الرجال بالفضل والجهاد في سبيل الله تعالى فما لنا عمل ندرك به عمل المجاهدين في سبيل الله تعالى، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم، من قعدت منكن في بيتها فإنها تدرك عمل المجاهدين في سبيل الله تعالى." ثم قال لا نعلم رواه عن ثابت إلا روح بن المسيب وهو رجل من أهل البصرة مشهور. إذا الحديث غير موثوق به وصعب أن نأخذ به لأن مصادره غير موثقة ورواته غير معلومين فيما عدا واحد فقط كل مؤهلاته أنه رجل مشهور من أهل البصرة والشهرة بطبيعة الحال يمكن أن تدرك أي إنسان ربما يكون تاجر أو نجار أو حداد أو فنان أو أي شئ وليس بالضرورة أن يكون عالم دين....ثم يكمل ابن كثير طريقه في سرد الأحاديث (التي تحتاج إلى مراجعة) و تؤكد أن المرأة عورة وأنها سهلة المنال بالنسبة للشيطان لذا وجب حبسها في البيت وربما في قمقم مما يشكك في صحة نسب هذه الأحاديث للرسول عليه الصلاة والسلام.
يستمر ابن كثير في تفسيره للآية " ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى" فيصف ما هو التبرج حيث اتسع تفسيره للتبرج ولم يقتصر على الزينة فقط بل امتد لطريقة السير في الشارع، ثم يكمل الجزئية الخاصة بالصلاة والزكاة وطاعة الله ورسوله وهي لا تحتاج إلى توضيح، حتى يصل إلى الجزئية الخاصة بآل البيت ونجده لا يحسم أمره متأرجحا ما بين التأكيد على أن الآية مخصصة لأهل البيت " نساء النبي" فقط والإشارة إلى كونها تشمل نساء المسلمين كلهم... ونظرا لكون الأدلة والأمثلة الخاصة بكل من الرأيين كثيرة وطويلة لدى ابن كثير فسنورد مثالا على كل منها (يمكن الرجوع للأصل في حالة الرغبة في الزيادة).. ففيما يخص كونها نزلت في نساء النبي فقد أورد:
وَقَوْله تَعَالَى : " إِنَّمَا يُرِيد اللَّه لِيُذْهِب عَنْكُمْ الرِّجْس أَهْل الْبَيْت وَيُطَهِّركُمْ تَطْهِيرًا " وَهَذَا نَصّ فِي دُخُول أَزْوَاج النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَهْل الْبَيْت هَهُنَا لِأَنَّهُنَّ سَبَب نُزُول هَذِهِ الْآيَة وَسَبَب النُّزُول دَاخِل فِيهِ قَوْلًا وَاحِدًا إِمَّا وَحْده عَلَى قَوْل أَوْ مَعَ غَيْره عَلَى الصَّحِيح وَرَوَى اِبْن جَرِير عَنْ عِكْرِمَة أَنَّهُ كَانَ يُنَادِي فِي السُّوق " إِنَّمَا يُرِيد اللَّه لِيُذْهِب عَنْكُمْ الرِّجْس أَهْل الْبَيْت وَيُطَهِّركُمْ تَطْهِيرًا " نَزَلَتْ فِي نِسَاء النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاصَّة.

أما فيما يخص كونها نزلت في عموم نساء المسلمين فقد أورد:

وَقَالَ عِكْرِمَة مَنْ شَاءَ بأهله أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي شَأْن نِسَاء النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنْ كَانَ الْمُرَاد أَنَّهُنَّ كُنَّ سَبَب النُّزُول دُون غَيْرهنَّ فَصَحِيح وَإِنْ أُرِيد أَنَّهُنَّ الْمُرَاد فَقَطْ دُون غَيْرهنَّ فَفِي هَذَا نَظَر فَإِنَّهُ قَدْ وَرَدَتْ أَحَادِيث تَدُلّ عَلَى أَنَّ الْمُرَاد أَعَمّ مِنْ ذَلِك.

ومما سبق نكتشف أن ابن كثير، رغم كونه يعمد ويرغب في إثبات أن مكان المرأة هو البيت والبيت فقط (أعتقد لغاية ما في نفسه) إلا أنه لا يستطيع أن ينفي قوة التفسير الخاص بكون هذه الآية منزلة في أهل البيت وأهل البيت فقط، نظرا لوضوح الأمر في الآية مما يجعل من الصعب نكرانه أو إغفاله أو حتى لوي عنق الحقيقة الجلية فيه.
أما تفسير الطبري وهو من التفسيرات الشائعة لدى كثير من المسلمين نجد أمرا آخر، ألا وهو أن كلمة " قرن" تم الاختلاف على طريقة قراءتها من الأساس فيقول:

وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاء فِي قِرَاءَة قَوْله : { وَقَرْن فِي بُيُوتكُنَّ } فَقَرَأَتْهُ عَامَّة قُرَّاء الْمَدِينَة وَبَعْض الْكُوفِيِّينَ : { وَقَرْن } بِفَتْحِ الْقَاف , بِمَعْنَى : وَاقْرَرْنَ فِي بُيُوتكُنَّ , وَكَأَنَّ مَنْ قَرَأَ ذَلِكَ كَذَلِكَ حَذَفَ الرَّاءَ الْأُولَى مِنْ اقْرَرْنَ , وَهِيَ مَفْتُوحَة , ثُمَّ نَقَلَهَا إِلَى الْقَاف , كَمَا قِيلَ : { فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ } 56 65 وَهُوَ يُرِيد فَظَلِلْتُمْ , فَأُسْقِطَتْ اللَّام الْأُولَى , وَهِيَ مَكْسُورَة , ثُمَّ نُقِلَتْ كَسْرَتهَا إِلَى الظَّاء , وَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّة قُرَّاء الْكُوفَة وَالْبَصْرَة : { وَقِرْنَ } بِكَسْرِ الْقَاف , بِمَعْنَى : كُنَّ أَهْل وَقَار وَسَكِينَة { فِي بُيُوتكُنَّ } . وَهَذِهِ الْقِرَاءَة وَهِيَ الْكَسْر فِي الْقَاف أَوْلَى عِنْدَنَا بِالصَّوَابِ ; لِأَنَّ ذَلِكَ إِنْ كَانَ مِنَ الْوَقَار عَلَى مَا اخْتَرْنَا , فَلَا شَكَّ أَنَّ الْقِرَاءَة بِكَسْرِ الْقَاف , لِأَنَّهُ يُقَال : وَقِرَ فُلَان فِي مَنْزِله فَهُوَ يَقِر وُقُورًا , فَتُكْسَر الْقَاف فِي تَفْعَل ; فَإِذَا أَمَرَ مِنْهُ قِيلَ : قِرْ , كَمَا يُقَال مِنْ وَزَنَ : يَزِن زِنْ , وَمِنْ وَعَدَ : يَعِد عِدْ , وَإِنْ كَانَ مِنَ الْقَرَار , فَإِنَّ الْوَجْهَ أَنْ يُقَالَ : اقْرَرْنَ , لِأَنَّ مَنْ قَالَ مِنَ الْعَرَب : ظَلْتُ أَفْعَل كَذَا , وَأَحَسْتُ بِكَذَا , فَأَسْقَطَ عَيْنَ الْفِعْل , وَحَوَّلَ حَرَكَتهَا إِلَى فَائِهِ فِي فَعَلَ وَفَعَلْنَا وَفَعَلْتُمْ , لَمْ يَفْعَل ذَلِكَ فِي الْأَمْر وَالنَّهْي , فَلَا يَقُول : ظِلّ قَائِمًا , وَلَا تَظَلّ قَائِمًا , فَلَيْسَ الَّذِي اعْتَلَّ بِهِ مَنْ اعْتَلَّ لِصِحَّةِ الْقِرَاءَة بِفَتْحِ الْقَاف فِي ذَلِكَ يَقُول الْعَرَب فِي ظَلِلْت وَأَحْسَسْت ظَلْتُ , وَأَحَسْتُ بِعِلَّةٍ تُوجِب صِحَّته لِمَا وَصَفْت مِنَ الْعِلَّة , وَقَدْ حَكَى بَعْضهمْ عَنْ بَعْض الْأَعْرَاب سَمَاعًا مِنْهُ : يَنْحَطَنَّ مِنْ الْجَبَلِ , وَهُوَ يُرِيد : يَنْحَطِطْنَ , فَإِنْ يَكُنْ ذَلِكَ صَحِيحًا , فَهُوَ أَقْرَب إِلَى أَنْ يَكُونَ حُجَّة لِأَهْلِ هَذِهِ الْقِرَاءَة مِنَ الْحُجَّة الْأُخْرَى .
ثم يكمل تفسير الآية بخصوص التبرج والصلاة والزكاة والطاعة لله وللرسول "وهو ليس موضوع بحثنا" حتى يصل إلى الجزء الخاص بأهل البيت فيقول:
{ إِنَّمَا يُرِيد اللَّه لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْت } يَقُول : إِنَّمَا يُرِيد اللَّه لِيُذْهِب عَنْكُمْ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ يَا أَهْلَ بَيْت مُحَمَّد , وَيُطَهِّرَكُمْ مِنْ الدَّنَس الَّذِي يَكُون فِي أَهْل مَعَاصِي اللَّه تَطْهِيرًا . وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْل التَّأْوِيل . ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 21725 - بِشْر , قَالَ : ثنا يَزِيد , قَالَ : ثنا سَعِيد , عَنْ قَتَادَة , قَوْله : { إِنَّمَا يُرِيد اللَّه لِيُذْهِب عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْت وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا } فَهُمْ أَهْل بَيْت طَهَّرَهُمْ اللَّه مِنْ السُّوء , وَخَصَّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ .

بل إن الأمر لا يقف عند هذا الحد عند الطبري بل يزيد فيما يؤكد وجهة نظري الخاصة بأهل البيت من الذكور والنساء فيقول في تفسيره:
حَدَّثَنِي يُونُس , قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْن وَهْب , قَالَ : قَالَ ابْن زَيْد , فِي قَوْله : { إِنَّمَا يُرِيد اللَّه لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْت وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا } قَالَ : الرِّجْس هَا هُنَا : الشَّيْطَان , وَسِوَى ذَلِكَ مِنْ الرِّجْس : الشِّرْك. اخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي الَّذِينَ عَنَوْا بِقَوْلِهِ { أَهْلَ الْبَيْت } فَقَالَ بَعْضهمْ : عُنِيَ بِهِ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلِيّ وَفَاطِمَة وَالْحَسَن وَالْحُسَيْن رِضْوَان اللَّه عَلَيْهِمْ. ذِكْر مَنْ قَالَ ذَلِكَ : 21727 - حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى , قَالَ : ثنا بَكْر بْن يَحْيَى بْن زَبَّانَ الْعَنَزِيّ , قَالَ : ثنا مَنْدَل , عَنْ الْأَعْمَش , عَنْ عَطِيَّة , عَنْ أَبِي سَعِيد الْخُدْرِيّ , قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة فِي خَمْسَة : فِيَّ , وَفِي عَلِيّ , وَحَسَن , وَحُسَيْن رَضِيَ اللَّه عَنْهُ , وَفَاطِمَة رَضِيَ اللَّه عَنْهَا " { إِنَّمَا يُرِيد اللَّه لِيُذْهِب عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْت وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا }.

وتفسير الطبري للآية طويل حيث يستمر في تدعيم وجهة نظره الخاصة بكون أهل البيت هم عائلة الرسول ( علي وفاطمة والحسن والحسين فقط)، مما يزيد من تخصيص وقصر الآية على عدد محدود من ذوي الرسول وبما لا يشمل حتى زوجاته.

ونصل في النهاية إلى تفسير القرطبي الذي يتفق في الرأي مع الطبري بخصوص اختلاف قراءة "وقرن" مما يؤدي إلى اختلاف المعنى بين البقاء في المنزل أو الوقار والسكينة، لكنه أكثر ميلا للقراءة الخاصة بالاستقرار في المنزل، أما فيما يخص تخصيص الآية لأهل البيت فقط أم لعموم نساء المسلمين فيقول الطبري:
الثَّانِيَة : مَعْنَى هَذِهِ الْآيَة الْأَمْر بِلُزُومِ الْبَيْت , وَإِنْ كَانَ الْخِطَاب لِنِسَاءِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَدْ دَخَلَ غَيْرهنَّ فِيهِ بِالْمَعْنَى . هَذَا لَوْ لَمْ يَرِد دَلِيل يَخُصّ جَمِيع النِّسَاء , كَيْف وَالشَّرِيعَة طَافِحَة بِلُزُومِ النِّسَاء بُيُوتهنَّ , وَالِانْكِفَاف عَنْ الْخُرُوج مِنْهَا إِلَّا لِضَرُورَةٍ , عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي غَيْر مَوْضِع . فَأَمَرَ اللَّه تَعَالَى نِسَاء النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمُلَازَمَةِ بُيُوتهنَّ , وَخَاطَبَهُنَّ بِذَلِكَ تَشْرِيفًا لَهُنَّ , وَنَهَاهُنَّ عَنْ التَّبَرُّج , وَأَعْلَمَ أَنَّهُ فِعْل الْجَاهِلِيَّة الْأُولَى فَقَالَ : " وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّج الْجَاهِلِيَّة الْأُولَى " .

ثم يسهب في وصف أشكال التبرج أيام الجاهلية الأولى وهو مما لا يمكن أن يقع في عصرنا الحديث حتى في أكثر المجتمعات فجورا لأنه ينافي حقوق الإنسان وحقوق المرأة المكفولة لها عالميا، وعلى سبيل المثال يذكر القرطبي:
وَكَانَ النِّسَاء فِي الْجَاهِلِيَّة الْجَهْلَاء يُظْهِرْنَ مَا يَقْبُح إِظْهَاره , حَتَّى كَانَتْ الْمَرْأَة تَجْلِس مَعَ زَوْجهَا وَخِلّهَا , فَيَنْفَرِد خِلّهَا بِمَا فَوْق الْإِزَار إِلَى الْأَعْلَى , وَيَنْفَرِد زَوْجهَا بِمَا دُون الْإِزَار إِلَى الْأَسْفَل , وَرُبَّمَا سَأَلَ أَحَدهمَا صَاحِبه الْبَدَل .!!!!!!!!!!!!؟
مع ذلك نجد القرطبي يناقض نفسه في النهاية عندما يأتي على تفسير الجزء الخاص بأهل البيت في الآية الكريمة فيقر بأن الآية نزلت في أهل النبي، فيقول:
قَالَ الزَّجَّاج : قِيلَ يُرَاد بِهِ نِسَاء النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقِيلَ : يُرَاد بِهِ نِسَاؤُهُ وَأَهْله الَّذِينَ هُمْ أَهْل بَيْته.

وبعد أن أوردنا أشهر أربع تفسيرات قرآنية للآية، نجد أن الكفة الراجحة تميل نحو أن هذه الآية مخصصة فقط لآل البيت، سواء كان المعنى المقصود هو البقاء في المنزل أو الوقار والسكينة حيث اتفق اثنان على ذلك بينما تأرجح اثنان بين كونها تقصد أهل البيت فقط أم عموم نساء المسلمين، بل إن الأمر مضى لتضييق أهل البيت، على فاطمة وعلي والحسن والحسين دون زوجات الرسول.... لذا وبعد كل ما سبق هل يمكن أن نفكر في الآية على أنها إلزاما وحكما إسلاميا للمرأة بأن تعيش حبيسة دارها خاصة وأننا نعيش في عام 2007 ؟ أما بخصوص الأحاديث الواردة بخصوص هذا الأمر فأنا أطالب علماء الدين بمراجعتها للتأكد من صحة نسبها للرسول، خاصة وكما رأينا لدى ابن كثير، أنه غير متأكد من صحة سند الحديث الذي أورده في تفسيره، كما أن بعض هذه الأحاديث، من الصعب أن أصدق (بشكل شخصي) أن الرسول الذي لا ينطق عن الهوى قد قالها في يوم من الأيام.

التاريخ الإسلامي ينفي قرار المسلمة في بيتها

لم يذكر التاريخ الإسلامي منذ بداية سطوره الأولى، أن المرأة اختبأت داخل المنزل منتظرة حتى يحدد الرجل مصيرها، لم تقر النساء المسلمات الأوائل في البيوت ولم يكن مواطنات من الدرجة الثانية في الأمة الإسلامية الوليدة وحتى اكتمل بنائها، بل اشتركن في بنائها منذ اللحظة الأولى. وأعتقد أن المسلم العادي درس في المدرسة عددا لا بأس به من الشخصيات النسائية التي شاركت في بناء الأمة منذ لحظاتها الأولى، منهن على سبيل المثال لا الحصر أول شهيدة في الإسلام سمية بنت الخياط، أم عمار ابن ياسر، من أوائل من بايعوا الرسول على الإسلام، فكانت واحدة من سبعة يعدوا أول من اعتنق الدين الجديد بعد أبو بكر وعلي وخديجة رضي الله عنهم جميعا، وهي تعد أول من أظهر اعتناقه الإسلام وأول من استشهد في سبيله على مستوى الذكور والإناث، وقد تحملت العذاب الذي كيل لها في حي من بني المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم، وأبت غيره حتى طعنها أبو جهل بحربة بيده في قُبلها فماتت على إثرها.
ولماذا نذهب بعيدا والسيدة خديجة بنت خويلد أكبر مثل على دور المرأة الحيوي والجوهري في بناء الأمم وتشييدها، ليس بالاختباء في المنزل والغياب عن مراكز صنع القرار ولكن بالبقاء في قلب الأحداث، بل وتحريكها، ولن أقوم بسرد ما يعلمه أقل المسلمين علما بخصوص أمنا خديجة التي بذلت الجهد والمال في مناصرة الرسول والاسلام حتى ماتت ويكفي ما قاله عنها رسول الله عليه الصلاة والسلام عندما شعرت عائشة بالغيرة منها وقالت " هل كانت إلا عجوزا فأبدلك الله خيرا منها" فغضب الرسول حتى اهتز مقدم شعره من الغضب ثم قال: " لا والله ما أبدلني الله خيرا منها، آمنت بي إذ كفر الناس، وصدقتني إذ كذبني الناس، ورزقني الله منها أولادا إذ حرمني النساء" .

وماذا عن باقي نساء الإسلام في عهد رسول الله عليه الصلاة والسلام؟ يذكر التاريخ أن الرسول (ص ع م) عمل على تحرير المرأة وإشراكها حتى في ميادين القتال والحرب، فعندما نزلت الآية التي تعطي للمرأة حق الميراث من أبويها وذويها جاء بعض من المسلمين إلى رسول الله وقالوا له " كيف تعطي المرأة الربع والثمن، وتعطي البنت والأخت النصف، وهي لا تركب فرسا، ولا تقاتل عدوا ولا تحوز الغنيمة". ولم يستجب الرسول لطلبهم مما حتم على المرأة أن يكون لها دورا في الجهاد من أجل نشر الدين الذي حقق لها الحرية والعدالة ووضعها في مصاف البشر، فنجد أن السيدة فاطمة بنت النبي والسيدة عائشة وأم سلمة من زوجات النبي قد شاركن في غزوة أحد، ولم يكن وحدهن بل شاركت النساء من زوجات المهاجرين والأنصار حيث كن يقدمن الخدمات الميدانية للمجاهدين، وقد روى الإمام مسلم عن أنس أنه قال (كان رسول الله (صعم) يغزو بأم سليم، ونسوة الأنصار معه، لما غزا يسقين الماء، ويداوين الجرحى). بل إنهن شاركن في القتال على حسب رواية الإمام مسلم عن أبي طلحة أنه رأى أم سليم في غزوة حنين وبيدها خنجر، فعرض الأمر على رسول الله، فقال: يا أم سليم ما هذا الخنجر؟ فقال: أخذته حتى إذا قرب مني مشركا أبقر بطنه، فضحك النبي ثم قالت: يا رسول الله، إن الطلقاء الذين انهزموا هل أقتلهم؟ فأجاب: يا أم سليم إن الله قد كفانا.)
ويذكر التاريخ أيضا قصة لامرأة تدعى أم عطية، فقد روى الإمام مسلم أنها قالت: غزوت مع رسول الله سبع غزوات، أخلفهم في رحالهم، فأصنع لهم الطعام، وأدواي الجرحى، وأقوم على المرضى.).. ولعل من أكثر الطبيبات والأطباء شهرة في عهد الرسول "رفيدة" التي كانت لها خيمة مخصوصة تقوم فيها بمداواة الجرحى، وفي غزوة الخندق لعبت دورا كبيرا حتى أن رسول الله أمر قوم سعد ابن معاذ بعد أن أصيب في المعركة قائلا: اجعلوه في خيمة رفيدة حتى أعوده قريبا. ولا أعتقد أن التاريخ ذكر شيئا مشابها على لسان رسول الله بخصوص رجل.

مسلمات طليعيات في عصر الخلافة

دائما هناك نماذج نسوية مضيئة على امتداد عصور الخلافات الإسلامية التي تعاقبت على المسلمين، منذ وفاة الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام، وحتى نهاية عصر الخلافات، وإن كنا دائما ما نواجه مقولة من إخواننا، مؤيدي استئثار الذكور بالشارع والحياة العامة، تذكر أن النماذج الإيجابية من النساء قليلة جدا مقارنة بالرجال الذين ذكرهم التاريخ، وفي الحقيقة هي مقولة حق يراد بها باطل، حيث أن التاريخ لم يذكر أن الرجال عن بكرة أبيهم على امتداد العصور التاريخية كانوا نابهين وزعماء وعلماء ... الخ، لكن أتى على ذكر نماذج قليلة من الرجال التي أثرت في مسار الأحداث التاريخية، وبنظرية النسبة والتناسب سنجد أن المسألة متساوية في النهاية، لأن المرأة دائما ما كانت تتعرض مع كل عصر ظلامي إلى الحجر عليها وتضييق سبل الحياة حولها مما يجعلها تضطر إلى الانسحاب والاحتجاب في المنزل، ولا أدل على ذلك من مثال، إلا عصر المماليك وتحديدا عصر الحاكم بأمر الله. لذا فإنه بالمحصلة سنجد أن نسبة النساء النابهات اللائي شاركن في الحياة وساعدوا على تغييرها، مساوية للرجال وفقا للظروف القاهرة التي كانت تفرض عليها في عصور كثيرة.
أيام الخلفاء الراشدين عاشت المرأة ظروفا متميزة، سمحت لها بأن تشارك الرجل في كل الميادين حتى ميادين القتال، فلقد كانت أروى بنت حارس بن كلدة، في ميادين القتال محاربة ضد الفرس، حيث جعلت من جلبابها علما رفعته، فتبعتها النساء المسلمات وركبن معها خيولا، ودخلن ساحة القتال، وحينما لاقين المقاتلين الرجال الذين كانوا يقاتلون ضد جيش فارس انضممن لهم، وشاركن في الهجوم على العدو. وفي غزوة اليرموك عندما كان خالد بن الوليد ينظم الجيش، جاءت النساء وطالبت خالد بأن يحدد لهن دورا، فقام بتحديد أدوارا عدة لهن، وجعل فرقة من النساء تحت قيادة خولة بنت الأزور، وسمح لهن بدخول ميدان الحرب، فدخلن وحاربن بثبات وقوة وشرف إلى أن جرحت خولة بطعنة سيف. ويذكر أنه أثناء عملية التعبئة لليرموك، قررت عددا من النساء أن ينصرفن عن الحملة في جمعية الجيش على العدو، فقامت خولة ومعها بعض من النساء وقصدن أعمدة الخيام وأخذن يضربن بها تلك النساء، وقلن لهن أخرجن من بيننا فإنكن تسئن سمعتنا في المعركة، مما جعل تلك النسوة يندمن على ما فعلن واعتذرن وعدن إلى الصف وقاتلن قتالا شديدا.
وقد حضرت غزوة اليرموك أم عبد الله بن يزيد الكلبية، وكان زوجها حبيب ابن مسلمة قائدا للجيش الإسلامي في محاربة الروم من قبل معاوية بن أبي سفيان، وقد ركب ليلا للهجوم على العدو، فسألته: أين تذهب يا حبيب؟ فأجاب: أن أظفر على خيام هذه الطوائف الطاغية، أو أذهب إلى الجنة. ولما ذهب زوجها وانتصر، قال عمر: إن أم عبد الله أحق به فإنها كانت توفر لنا القرب يوم أحد.
وأم عمارة نسيبة بنت كعب الأنصاري، جاءت إلى الخليفة أبو بكر الصديق عندما جهز جيشا بقيادة خالد لقتال مسيلمة الكذاب لما ادعى النبوة، وطلبت أن يسمح لها بالدخول في صف الجيش الإسلامي، فسمح لها، والتحقت بصفوف المقاتلين، ولما اشتدت الحرب، ظلت تترقب حتى حملت على مسيلمة الكذاب لقتله، لكنها لم تتمكن من قوة دفاع رجاله عنه، وقطعوا يدها، فلم تعبأ وحولت مرة ثانية، فرآها ابنها فأسرع إلى قتل عدوها. وقد كانت أم عمارة قد جرحت في حرب اليمامة إحدى عشر مرة بالسيف والنبال والرمح، لكنها ثبتت حتى نهاية الحرب، ولما عادت إلى المدينة ظلت تحت العلاج، وكان الخليفة أبو بكر يعودها بنفسه حتى يطمئن عليها.
وشخصية هند بنت عتبة التي ربما يكرهها بعضنا كونها آكلة كبد حمزة في أحد، لكنها بعد إسلامها تحولت لخير نصير ومدافع عنه وعملت جاهدة على أن تكفر عن ما قامت به في جاهليتها، ومن الأمثلة على ذلك عندما تأخر فرسان الجيش الإسلامي في غزوة اليرموك وكان من بينهم زوجها أبو سفيان، وجاءوا إلى نساء المسلمين في الصفوف الخلفية، وكانت من بينهن هند بنت عتبة، وعلمت مع النساء أن الرجال جبنوا وهربوا من صفوف القتال، فقلن بصوت مرتفع: أيها الرجال أين تذهبون، وأنتم تهربون، وإلى أي جهة من جنة الله تنزوون، إن الله مطلع على أموالكم فاتقوه. وأخذت هند عامود خيمة وضربت به على رأس فرس زوجها قائلة: يا ابن صخر ارجع إلى محاربة العدو فورا، واجعل نفسك فداءاً في سبيل الحصول على رضاء الله تعالى حتى يغفر لك ذنوبك التي سبقت منك، واذكر تلك التي كنت فيها تحرض على الناس على خلاف رسول الله وتساعد الكفار والمشركين على محاربته.
وكانت أسماء بنت أبي بكر (ذات النطاقين) قد مالت بفرسها إلى جانب فرس زوجها الزبير بن العوام، ووقفت في صف الفرسان تقابل جيش العدو، ولم تكن أقل شجاعة من زوجها في استخدام السيف ومواجهة الكفار، فكانت شجاعتها هي ومن معها من النساء تشجع الرجال على الثبات في الميدان، وانتهى القتال بفتح اليرموك.
أما أم حرام بنت ملحان زوجة الصحابي عبادة بن الصامت، فكانت قد طلبت من رسول الله أن يدعو لها بأن تكون من غزاة البحر، فأجاب لها طلبها، وبالفعل شاركت في غزوة معاوية إلى الشام ثم إلى قبرص في زمن خلافة عثمان بن عفان وقد كان في هذه الغزوة أبو ذر الغفاري وزوجها، وقد توفت بعد فتح قبرص ودفنت فيها.
كما شاركت بكارة الهلالية في موقعة صفين مع علي بن أبي طالب، وكانت إلى جانب شجاعتها صاحبة لسان فصيح في الشعر والنثر ولها كلمات حماسية ألقتها في المعركة حرضت فيها على التضحية والتفاني في قتال الأمويين. وكذلك زرقاء بنت عدي بنت قيس الهدانية، كانت من اللواتي قاتلن في معركة صفين ضد الأمويين، وكانت مثل بكارة تملك الفصاحة والبلاغة، ومن شجاعتها أنها اعترفت بدورها إلى جوار علي بن أبي طالب أمام معاوية نفسه عندما وقعت في الأسر.

المرأة المسلمة تشارك في السياسة والدين

وأثبتت المرأة في عصر الخلفاء الراشدين أنها صاحبة رأي وعلى علم بأمور دينها ودنياها، فكانت تحاجج القادة والخلفاء في الشارع والمسجد، مما يدل على أنها لم تكن قابعة بالمنزل تنتظر المصير الذي يقره لها الرجل، ويذكر أنه لما عاد خالد بن الوليد من غزوة اليرموك نزلت زرعة بنت حارث من تل كانت عليه وقالت: يا خالد إنك من شجعان العرب وعظمائهم، وطبيعي أن يتبع الناس أميرهم في ميدان الحرب، فإذا ثبت هم يثبتون.
فأجابها خالد: إن كلامك صحيح، ولكني لم أكن من الهاربين، ولم تتغير حالتي في أي وقت من الأوقات وقد حاربت جيش الروم إلى آخر الحال.
وعندما وقف عمر بن الخطاب في المسجد يخطب الجمعة وتحدث عن مهور النساء، ردته إحداهن قائلة أن هذا يخالف القرآن الكريم الذي قال " وآتوا النساء صدقاتهن نحلة"، فقال عمر كلمته الشهيرة" أصابت امرأة وأخطأ عمر." ومن هذه الواقعة نستطيع اكتشاف أن المرأة كانت تخالط الرجل في المسجد وتحاجج الإمام ، ومحاجة الإمام تعني أنها لم تكن تجلس في غرفة منعزلة داخل الجامع ويصل إليها صوت الإمام عبر مكبر للصوت، إنما كانت تجلس قبالته في صفوف المصلين تسمع الخطبة وتناقشها بجرأة.

كما شاركت المرأة في سياسة أمتها الإسلامية منذ اللحظة الأولى، فهناك في التاريخ ما يسمى بـ "بيعة النساء" وإن قام فقهاء عصرنا بالتشكيك فيها وقالوا أنها مختلفة عن بيعة الرجال وناقصة وغير ملزمة بشكل كلي، حيث ينقصها الكيفية، إذ لا يتطلب فيها المصافحة كما في بيعة الرجال، والاختلاف على الحدود إذ تقتصر على الطاعة في المعروف، والاختلاف في مساحة المسامحة حيث عدم الوفاء بالبيعة يعد انتقاصا في دين المرء وتعديا على حق من حقوق الله عند الرجال، لكن لا تحمل كل تلك المعاني عند النساء.
ويرد محمد زيدان على هذا الإدعاء في دراسة له عن البيعة الإسلامية قائلا: ويعكس هذا الفصل النظري والمفاهيمي بين الرجال والنساء في الأهلية السياسية غياب الوعي بالتفرقة بين البيعة العينية والبيعة الكفائية من ناحية، وافتراض نقص أهلية المرأة فطريا وجبلة من ناحية ثانية؛ إذ إن بيعة النساء تتجاوز حدود الطاعة في المعروف لتشمل البيعة على العقيدة أي الالتزام السياسي، وعليها بايع رسول الله نساء الأنصار، والمهاجرات بعد صلح الحديبية، ونساء قريش بعد الفتح على ذلك وهي البيعة الواجبة عينا على كل مسلم ومسلمة بدون اختلاف في الصيغة أو تمييز في المسئولية، كذلك قد تبايع المرأة البيعة الكفائية، وتعد شخصية مثل "نسيبة بنت كعب" نموذجا على هذا الحالة، فقد بايعت الرسول على الجهاد في بيعة العقبة الثانية، وقاتلت في غزوة أحد، ويوم اليمامة، وغزوة خيبر، كما بايعت بيعة الرضوان التي بايع فيها الصحابة رسول الله على الموت! وهو ما يدل على التزامها بالبيعة رغم أنها بيعة كفائية لأن فروض الكفاية على أهلها فروض عين، فلا مجال لمسامحة النساء كما ذهب الرأي سالف الذكر؛ وهو ما يعني وجوب التزام النساء بالبيعة أيًا كان نوعها، كل امرأة وفق أهليتها، وعدم وجود مجال للمسامحة أو قبول مبدأ "نصف المسئولية ونصف الحق" كما ذهب التقسيم السابق.
أما الانشغال بحرمة المصافحة فهي قضية خلافية، ومن الطريف الانشغال بها عند دراسة الرواية عن صيغة بيعة الرسول للنساء عن تأسيس وجوب مشاركة النساء في العمل السياسي والعمل العام بكافة صوره ابتداء، وهو ما غرسه الرسول في الجماعة المسلمة منذ بواكير الدعوة بما لا يدع مجالا للبس أو شك."

نساء عالمات وأديبات وفقيهات وأئمة

بعد أن فتح الإسلام الباب للمرأة كي تنطلق، حلقت بكلا جناحيها عاليا، فكانت طبيبة وعالمة وشاعرة وخطيبة وفقيهة بل ثائرة وإمامة، وليس أدل على ذلك من السيدة عائشة رضي الله عنها التي تعد من أهم رواة الأحاديث النبوية على الإطلاق، وقد نقل عنها وحدها 2200 حديث، والسيدة نفيسة العلم نفيسة بنت الحسن بن زيد بن الحسن بن الإمام علي، حفيدة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد ذهبت السيدة نفيسة إلى القاهرة عام 193 هجرية، قبل أن يقدم إليها الإمام الشافعي بخمس سنوات، ونزلت بدار سيدة من المصريين تُدعى "أم هانئ" وكانت دارًا رحيبة، فأخذ يقبل عليها الناس يلتمسون منها العلم، حتى ازدحم وقتها، وكادت تنشغل عما اعتادت عليه من العبادات، فخرجت على الناس قائلة: "إني كنت قد اعتزمت المقام عندكم، غير أني امرأة ضعيفة، وقد تكاثر حولي الناس فشغلوني عن أورادي، وجمع زاد معادي، وقد زاد حنيني إلى روضة جدي المصطفى" ففزع الناس لقولها، وأبوا عليها رحيلها، حتى تدخَّل الوالي "السري بن الحكم" وقال لها: "يا ابنة رسول الله إني كفيل بإزالة ما تشكين منه" ووهبها دارًا واسعة، ثم حدد موعدًا -يومين أسبوعيًا- يزورها الناس فيهما طلبًا للعلم والنصيحة، لتتفرغ هي للعبادة بقية الأسبوع، فرضيت وبقيت.
وكان الأمراء يعرفون قدرها وقدرتها على توجيه عامة الناس، بل دفعهم للثورة في الحق إن احتاج الأمر، حتى أن أحد الأمراء قبض أعوانه على رجل من العامة ليعذبوه فبينما هو سائر معهم، مرّ بدار السيدة نفيسة فصاح مستجيرًا بها، فدعت له بالخلاص قائلة: "حجب الله عنك أبصار الظالمين" ولما وصل الأعوان بالرجل بين يدي الأمير، قالوا له: إنه مرّ بالسيدة نفيسة فاستجار بها وسألها الدعاء فدعت له بخلاصه، فقال الأمير: "أو بلغ من ظلمي هذا يا رب، إني تائب إليك واستغفرك؛ وصرف الأمير الرجل، ثم جمع ماله وتصدق ببعضه على الفقراء والمساكين".
ويذكر القرماني في تاريخه ويؤيده في روايته صاحب الغرر وصاحب المستطرف -وهما من رواة التاريخ الثقاة - أن السيدة نفيسة -رضي الله عنها- قادت ثورة الناس على ابن طولون لمّا استغاثوا بها من ظلمه، وكتبت ورقة فلما علمت بمرور موكبه خرجت إليه، فلما رآها نزل عن فرسه، فأعطته الرقعة التي كتبتها وفيها: "ملكتم فأسرتم، وقدرتم فقهرتم، وخولتم ففسقتم، وردت إليكم الأرزاق فقطعتم، هذا وقد علمتم أن سهام الأسحار نفاذة غير مخطئة لا سيّما من قلوب أوجعتموها، وأكباد جوعتموها، وأجساد عريتموها، فمحال أن يموت المظلوم ويبقى الظالم، اعملوا ما شئتم فإنَّا إلى الله متظلمون، وسيعلم الذين ظلموا أيّ منقلب ينقلبون"! يقول القرماني: فعدل من بعدها ابن طولون لوقته!
ولمَّا وفد الإمام الشافعي -رضي الله عنه- إلى مصر، وتوثقت صلته بالسيدة نفيسة، واعتاد أن يزورها وهو في طريقه إلى حلقات درسه في مسجد الفسطاط، وفي طريق عودته إلى داره، وكان يصلي بها التراويح في مسجدها في شهر رمضان، وكلما ذهب إليها سألها الدعاء، حتى إذا مرض كان يرسل إليها من يُقرئها السلام ويقول لها: "إن ابن عمك الشافعي مريض ويسألك الدعاء". وأوصى الشافعي أن تصلي عليه السيدة نفيسة في جنازته، فمرت الجنازة بدارها، حين وفاته عام 204 هجرية وصلّت عليه إنفاذًا لوصيته. وأعتقد أن هذا أبلغ رد يمكن أن يوجه على معارضي إمامة المرأة الصلاة، حيث صلت السيدة نفيسة على الإمام الشافعي بطلب منه، كما أنهما اعتادا أن يجتمعا في دارها يوميا دون أن يوجه إليهما أحدا تهمة المخالطة غير الشرعية، مما يدل على أن المرأة والرجل شريكين حقيقين في كل مكان، السوق والمسجد ومجالس العلم، وأن الاختلاط بينهما ليس كله شر مثلما يصور علماء ديننا المعاصرين للأسف.
إن دعاوى التضييق على المرأة باسم الدين باطلة من أساسها، حتى ولو كان بدعوى أن المرأة يجب أن تلزم دارها اتقاء لأي اعتداء جنسي عليها أو لأنها قد تكون ضعيفة أمام الإغواءات الذكورية ( صورة الذئب والحمل المقيتة)، لأن الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز ساوى في العقاب بين الزاني والزانية مما يساوي بينهما في تحمل المسئولية، كما أن حفظ الفروج واجب ليس على المرأة وحدها ولكن على الرجل أيضا كما قال الله تعالى في كتابه العزيز في الآية 35 من سورة الأحزاب:
بسم الله الرحمن الرحيم
إن المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات والقانتين والقانتات والصادقين والصادقات والصابرين والصابرات والخاشعين والخاشعات والمتصدقين والمتصدقات والصائمين والصائمات والحافظين فروجهم والحافظات والذاكرين الله كثيرا والذاكرات أعد الله لهم مغفرة وأجرا عظيما.
صدق الله العظيم

ولا أبلغ للرد على دعاة عودة المرأة للمنزل باسم الدين سوى هذه الآية القرآنية البليغة التي ساوت في كل الأمور بين المرأة والرجل، مما يدل على أن المسئولية متساوية بين الاثنين في الإسلام وبالتالي القدرة على الفهم والعقل والوعي متساوية لدى الطرفين، مما يؤدي في النهاية إلى تساوي دور كل من الرجل والمرأة في المجتمع سواء كان في المنزل أو في الشارع، وإن كانت المرأة يجب أن تقر في بيتها للحفاظ عليها من شرور الشارع، فمن منطلق هذه الآية يجب على الرجل أيضا أن يقر في بيته ولنتحول بعد ذلك إلى مجتمعات تتحرك داخل المنازل.
وفي النهاية لا أملك سوى أن أقول " يا نساء العالم العربي والإسلامي اتحدن ولا تنسقن وراء هذه الدعاوى بل دافعن عن حقوقكن التي كفلها الله لكن ولا تنتظرن أن يمنحها أو يمنعها عليكم الرجال.




َ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق