الأربعاء، 31 مارس 2010

نساء الدرك الأسفل وإشاعة تمكين المرأة

ننام ونصحو على معلقات تمكين المرأة التي يستند إليها كل مسئول في مصر والوطن العربي، فقط كي يبلغ المراقبين في أمريكا وأوروبا، أننا شعوب محترمة تعطي لنسائها الحق في الحياة بحرية وقوة واعتمادية!. لكن على أرض الواقع الذي نعيشه سنجد أن قصة تمكين المرأة ومظاهرها لا تتخطى كونها ديكور لتزيين أروقة الحكم العربي، متمثلة في كوتة نسائية في البرلمان هنا ووزيرة هناك، جمعية تناصر المرأة هنا ومركز حقوقي يبكي على النساء المضروبات حتى الموت هناك ...إلخ.
لقد فجرت داخلي قصة نادية عبد الله شاهين، التي نشرت مأساتها جريدة "البديل" منذ فترة وجيزة، سؤال مهم جدا؟ هل مازال هناك نساء لا يقرأن ولا يكتبن في مصر؟ أي هاربات من صفوف التعليم الأساسي، الذي من المفترض أن يقع على عاتق وزارة التربية والتعليم، بحيث تلاحق إداراتها في أنحاء مصر المعمورة، الأطفال الهاربين من صفوف الدراسة، لتلزمهم من خلال أولياء الأمور بالانتظام في الصف التعليمي. عندما كنت طفلة في مرحلة التعليم الابتدائي، كان أبناء وبنات الفلاحين يهربون من التعليم كي يساعدوا آبائهم في الزراعة، لكن مندوبي الإدارة التعليمية كانوا يحضرون هؤلاء الأطفال دون إرادة أولياء أمورهم ويجبروهم على الالتزام بالصف التعليمي، وفيما يبدو لي أن هذا لم يعد يحدث الآن وربما لم يعد يحدث على الأقل منذ عشرين عاماً، لتتجلى النتيجة في نادية وغيرها من النساء بل وبالتأكيد الرجال في كل مكان بمصر.
لقد اضطرت نادية أن تضع أبنائها في الملجأ لأنها لا تعرف كيف تتصرف وهم معها، بعد أن تم إلقائها في الشارع على يد زوجها العزيز بعد أن نقلها إلى منزل إيجار، أوهمها أن مدة عقده ست سنوات، لكنها بعد ستة أشهر وجدت نفسها في الشارع، وبعد أن رفقت بها المحافظة ومنحتها منزلا حجرة وصالة، ضحك عليها واحد من الموظفين وجعلها توقع على عقد تنازل له وهي لا تعرف القراءة والكتابة.
في عام 2008 مضطرة أن أعود بالزمن إلى الوراء على الأقل مائة عام، وأرفع عقيرتي وأطالب بحق المرأة في التعليم، حتى لا تقع بين فكي الزوج القاسي والموظف النصاب، حتى تتمكن وحدها من إعالة أطفالها حيث غالباً ما لا يكترث الرجل كثيرا لمسألة الأبناء حتى لو كانوا ذكورا ويحملون اسم سعادته. في القرن الواحد والعشرين مضطرة أن أؤجل قليلا مسائل المساواة الرفيعة الشأن التي كنت أتخيل أنها أصبحت مطلب العصر الحديث بعد أن حققت المرأة نجاحات عدة على مدار العقود الماضية، وأطالب فقط حكومتنا الغراء بأن توفر السبل اللازمة لمحو أمية المرأة وتعليمها، على الأقل مرحلة التعليم الإلزامي حتى تتوفر على القراءة والكتابة التي ستحميها من عدم التعرض إلى النصب والاحتيال وتمكنها من التصرف جيدا في مواقف حياتها الصعبة، عندما يدير لها الذكر ظهره ويلقي بها إلى قارعة الطريق.
إن موضوع تمكين المرأة الفضفاض، يجعلني أطالب مسئولينا بأن يكفوا عن تعليق الزينات والكهارب المتمثلة في الوزيرة ورئيسة مجلس الإدارة والقاضية .....إلخ، إلا إذا كن وصلن إلى تلك المناصب بمجهودهن، ويلتفتوا قليلا إلى الطبقات التي تعيش في بئر السلم الاجتماعي ويمكنوا نساء تلك الطبقات، لأن من بئر السلم تخرج كل المصائب التي ترغب الحكومة قبلنا جميعا في القضاء عليها. نحن لا نهتم بالست النائبة في مجلس الشعب أو الشورى في الوقت الذي تعتقد فيه المرأة أن جسدها حرام وأنها مواطن درجة ثالثة عليها أن تعيش كخرقة بالية، يستخدمها الجميع في مسح أمراضهم وأقذارهم وتخلفهم!
من فضلكم توقفوا عن مضغ "لبانة" تمكين المرأة، ومكنوها بالفعل دون صوت عالٍ يحاصرنا في الجرائد والمجلات والفضائيات، ودون حفل شكر لهذا الأمير وهذا الوزير وهذا الشيخ وهذا الرئيس، الذي سجل هدفا جديدا في عارضة تمكين المرأة، وقام بتعيين مائة في شركة أو أولى مهام منصب ضخم لامرأة ....إلخ. إن تمكين المرأة لا يعني سوى النزول إلى الدرك الأسفل الذي أعلم تماما أنه ليس محجوزا لكم، والنظر بصدق لحال نساء "الدرك" لتمكنوهن بالفعل، وصدقوني إن الجعجعة في الصحافة والإعلام من خلال تمكين نساء الدرك الأسفل، أكثر بريقاً وزهواً وبإمكانكم أن تكسبوا من خلالها أبناطاً أعلى عند حكومات أمريكا وأوربا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق