الأحد، 9 يناير 2011

كيرياليسون .... يا رب ارحم



"لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى ذلك بأن منهم قسيسين ورهبانا وأنهم لا يستكبرون وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق يقولون ربنا آمنا فاكتبنا مع الشاهدين"، " إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئون والنصارى من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون".
الآيات السابقة من سورة المائدة، فلماذا لا يسمعها المسيحيون في مصر تخرج من أفواه المشايخ، الذين يملأون فضاء مصر سماً من على منابرهم في كل الشوارع والأزقة والحارات؟. بات مسيحيو مصر على يقين من أن الإسلام دين يحض على العنف والكراهية ونبذ الآخر، باتوا يوقنون أنهم ليسو إلا كفار جاحدين لحق الله، في أعين كافة المسلمين، خاصة وأن هذا هو الخطاب الديني الإسلامي المعروف والمنتشر في مصر منذ ما يقرب من العشرين عاماً الآن. لن أتحدث عن الأزهر ومشايخه لأنه وبكل بساطة، فقد مسلمو مصر الثقة فيه واعتبروه هيئة حكومية بحتة، تعمل ضد مصلحتهم تماماً مثل الحكومة التي تسيطر عليه، لذا وعذراً للأزهر وكافة رجاله، لم تعودوا ذوي قيمة في البلاد، تحديداً أمام مشايخ القنوات الدينية المتطرفة، التي تركتها حكومتنا الغراء بمشايخها الأفاقين والمرتزقة، تعمل بمنتهى الحرية ودون ضوابط، فعاثوا فساداً في البلاد ونشروا ثقافة الجهل والتخلف والعنف والكراهية والتكفير بين كل الناس، حتى بات أغلب مسلمي مصر، يؤمنون تماماً بأن المسيحيين كفار وفاسقون وأن وجودهم بينهم يجلب عليهم غضب الله.
عقب حادث كنيسة القديسين في الإسكندرية، لم يكن لدي ما أقوله، فأنا وبكل بساطة ضمن قائمة المغضوب عليهم من قبل التكفيريين الوهابيين، الذين يعبئون هواء مصر غازاً ساماً بأجندتهم، التي يتلقون مقابل تنفيذهاً أموالاً طائلة. فكرت كثيراً في كتابة مقال، لكنني لم أجد شيئاً لأقوله، أكثر مما قلته سابقاً وتم تكفيري على أساسه. فضلت الصمت، خاصة وأن الزفة الإعلامية التي رفعت شعار الهلال والصليب، طغت على جميع الأصوات، وتصدرت المشهد، فلم يكذب أجدادنا عندما قالوا " يقتل القتيل ويمشي في جنازته"، فالإعلام المصري، حتى بمنافذه التي تدعي الاعتدال، كانت جزء من لوحة التطرف البشعة التي أصبحت تمثل صورتنا الآن، ولا يمكن تبرئتهم، بمشايخهم الذين يستضيفونهم في كل موضوع، ليشيعوا أفكاراً، وإن لم تكن تحض على الكراهية بشكل مباشر، إلا أنها لا تخلوا منه.
قررت أن أحضر قداس ليلة عيد الميلاد، بصفتي مواطنة مصرية مسلمة تتضامن مع أهلها في الوطن من المسيحيين، كنت أعزي نفسي قبل أن أعزيهم، أحاول أن أعلن أسفي وحزني على ما صار عليه وطني، أبكي لما حدث وأعلن عجزي وقلة حيلتي، حيث لم يبق لي سوى قلبي لأغير به. هيأت نفسي ببساطة لسماع عبارات كراهية ضد المسلمين، وقلت لنفسي أن ذلك سيكون أبسط حقوقهم، وأن علي أن أتقبل هذا الكلام، لكنني وعلى العكس تماماً لم أسمع سوى عبارات المحبة، فالقسيس بدأ خطبته، بتوجيه الشكر إلى كل مسلم تضامن مع مصابهم، وطلب من شعب الكنيسة، أن يصبر على المصاب الأليم، وأن لا يفعل شيئاً سوى الصلاة لمن استشهد والصلاة لمن اعتدى عليهم، حتى يرحمه الله ويهديه إلى الصواب. أؤكد لكم أن القسيس لم يعلم أن هناك مسلم بالكنيسة، فلقد ذهبت مع صديقتي المسيحية، باعتباري مسيحية أيضاً، وكان هذا هو الأمر الذي زلزلني من داخلي، فمشايخ الكراهية، لا يفعلون سوى الصراخ في الميكروفونات والدعاء على غير المسلمين، بأن تتم إبادتهم، في حين يصلي القساوسة من أجل هداية متطرفينا! ومن هنا قررت أن أكتب شيئاً، خاصة بعد أن تلى القسيس صلاة " كيرياليسون، يا رب ارحم"، والتي تحمل في مضمونها رسالة حب وسلام للكون كله، وتدعو لكل الكائنات بالخير.
أنا الآن لا أكتب مقالاً أحلل به ما جرى وما سيجري. أنا الآن لا أكتب مقالاً أدعوا فيه إلى نبذ العنف والتطرف والكراهية بين المسلمين والمسيحيين. أنا الآن لا أدعي كذباً بأننا مازلنا نسيج واحد وأن الهلال مازال يحتضن الصليب. أنا الآن لا أكتب منددة بحكومتنا التي عجزت عن حل كل الأزمات بما فيها أزمة المواطنة والوحدة الوطنية. أنا الآن لا أتهم جهات أجنبية بمسؤوليتها عن الحادث. ولا أتهم مشايخ الفتنة والتطرف بأنهم القاتل الحقيقي. ولا أشير بأصابع الاتهام إلى بعض الباباوات المتطرفين الذين قالوا عن المسلمين أنهم ضيوفاً في مصر، ولا ألفت النظر إلى كُتاب أقباط المهجر الذين يشيعون أن المسيحيين هم السكان الأصليين لمصر وأن المسلمين مجرد غزاة. أنا الآن لا أفعل سوى أن أرفع يدي عالياً بالدعاء لأقول " الرحمة يا الله"، " يا رب ارحم"..... كيرياليسون.