الثلاثاء، 15 مارس 2011

دورة 2010 مسمار أخير في نعش "البوكر العربية"

كان حفل توزيع جوائز البوكر للرواية العربية 2010، بمثابة تصريح علني بأن الجائزة بعد دخولها غرفة الإنعاش العام الماضي، شارفت على لفظ أنفاسها الأخيرة " ويا تلحقوها يا ما تلحقوهاش". بالطبع هذا لا يعني أنني أقر بأن الأعمال الفائزة في أي من العامين لا تستحق الجائزة، فلقد استمتعت بشدة برواية " ترمي بشرر" للعبقري السعودي عبده خال، ولم أقرأ حتى الآن روايتي " القوس والفراشة" للمغربي محمد الأشعري، و "طوق الحمام" للسعودية رجاء العالم، لكن دعونا نسبح قليلاً في عالم البوكر منذ بدأ وحتى الآن.
دائماً ما تثبت لي الحياة أن ما يولد عملاقاً يموت قزماً، وها هي البوكر تتقزم عاماً بعد عام، رغم أنها ولدت عملاقة تصحبها ضجة غير مسبوقة في عالم الأدب العربي، حتى أنني لأجزم بأنها ساهمت بشكل كبير في نهضة الرواية العربية وعودة القارئ العربي إلى أحضانها بعد طول خصام، لكن هل كعادتنا كعرب " تبوظ طبخاتنا عشان ناقصة شوية ملح"؟ في العام الأول فازت مي منسى كامرأة وحيدة في القائمة القصيرة برواية أبلغ وصف لها أنها كانت بلا ملامح في حين تم رفض روايات لكاتبات عربيات مرموقات مثل هدى بركات مثلا، فكان التساؤل هو، هل يعمدون إلى تنحية الروايات المتميزة للنساء من أجل إفساح الطريق لرجل؟ في العام الذي تلاه فازت إنعام كا جاجيه بروايتها اللطيفة " الحفيدة الأمريكية" والتي كانت تتميز بفرادة موضوعها، لكنها في الحقيقة تمتعت بسقطات كبيرة في بنية الكتابة نفسها، وبالطبع كان من الصعب أن تنافس على الجائزة الكبيرة، والتي فاز بها يوسف زيدان برواية عزازيل التي كانت متميزة بالفعل، لكنها لا ترقى إلى عظمة " زمن الخيول البيضاء" لإبراهيم نصر الله، فبزغ السؤال هنا: هل هناك احتكار مصري للجائزة الكبرى " بهاء طاهر ويوسف زيدان في عامين متتالين"، وهل هناك عمد إلى أن تبقى المرأة مجرد تمثيل مشرف للنساء وتكملة لديكور المساواة بين الجنسين في الوطن العربي؟ في العام الثالث انطلقت سلسلة من الفضائح في كل الجرائد العربية قبل حتى الإعلان عن القائمة القصيرة للجائزة، وكان مصدر الشائعة الجرائد اللبنانية، التي تحدثت عن مافيا تديرها جومانا حداد عرابة الجائزة، واتفاقية عقدتها مع علوية صبح الأديبة اللبنانية، كي تفوز بالجائزة عن روايتها " اسمه الغرام"، ثم توالت الفضائح بانسحاب الناقدة المصرية شيرين أبوالنجا من لجنة التحكيم، معلنة أنها لم تطمئن إلى سلامة آليات النقد المتبعة لاختيار الأعمال الفائزة، وذلك قبل إعلان القائمة القصيرة التي اختفت منها رواية صُبح، وحلت محلها رواية المصرية منصورة عز الدين، والتي ظهرت كاسم بديل سريع تم اختياره من أجل سد خانة كوتة المرأة في جائزة البوكر، في الوقت الذي اضطرت فيه اللجنة لإخراج علوية صبح من القائمة بشكل ظهر مريبا للغاية، كأن اللجنة تقول " يا حيطة داريني"، فلقد كانت "اسمه الغرام" رواية متميزة وتستحق بالفعل الصعود للقائمة القصيرة.
أما هذا العام فلقد غابت الجائزة بشكل كبير عن المشهد الإعلامي، وكأن الصحف والإعلام العربي لم يعد يهتم بالجائزة التي نقص رصيدها كثيراً في دورة 2009، ولكني أظن أن طوفان الثورات العربية ساهم بشكل كبير في التغطية على أي حدث آخر على الساحة. لم أتابع كعادتي كل عام الأعمال المرشحة للجائزة، فلقد كنت أقرأ على الأقل خمسة أو ستة من الروايات المرشحة في القائمة الطويلة وقبل إعلان القائمة القصيرة، لكني حرصت على حضور حفل إعلان الفائز بالجائزة، ربما لأنني أحببت أن ألتقي بالأديب الكبير فاضل العزاوي، وأخبره كمراهقة مزمنة أنني أحبه كثيراً، لكنني في الحقيقة كنت قد سجلت تحفظي على اختيار رواية "معذبتي" لبن سالم حميش وزير الثقافة المغربي ضمن القائمة القصيرة، فالرجل وزير ومازال على رأس منصبة، ومهما كانت الرواية عظيمة، فمنصبه سيجرح أمانة الاختيار، لكن الحمد لله كانت اللجنة ذكية واختارت رواية وزير الثقافة المغربي السابق محمد الأشعري " القوس والفراشة" لتفوز مناصفة مع رواية السعودية رجاء العالم "طوق الحمام"! في الحقيقة أنا كدت ألطم خدودي عندما تم إعلان هذه المناصفة العجيبة، ورددت داخلي " يا فرحة ما تمت خدها الغراب وطار"، فعندما تفوز امرأة عربية بالجائزة، يضعون جوارها محرم رجل، وكأن المرأة لا يمكنها أن تهنأ بشيء وحدها في هذا العالم العربي يا ولداه.
أنا لا أفاضل بين روايتي رجاء والأشعري، لأنني في الحقيقة لم أقرأهما بعد لأصدر قراراً خاصاً من قبلي، لكنني أتساءل عن المعايير التي يتم اختيار الروايات الفائزة على أساسها، والتي يجب أن تقل عنها رواية دون الأخرى ولو بمقدار نصف في المائة، إذا ما تصارعت روايتان على القمة. كيف يمكن منح الجائزة مناصفة بين روايتين في ظل معايير محددة؟ أم أن الحقيقة ظهرت وبانت أخيراً، ولا توجد معايير من أساسه، واختيار الروايات يتم على أسس وأهواء شخصية تتغير كل عام بتغير لجنة التحكيم؟. الأمر الآخر الذي لفت انتباهي أيضاً، هو اختيار بروكلين هايتس لميرال الطحاوي ضمن القائمة القصيرة، رغم أنها فازت بجائزة نجيب محفوظ، ومن المعروف أنه من شروط قبول الأعمال الأدبية في أي جائزة، أن لا تكون قد فازت بجائزة من قبل؟
أسجل احترامي لكل الأدباء والأديبات الذين فازوا بالجائزة، لكنني لا أستطيع أن أنافق، فجائزة البوكر العالمية، تشوهت كثيراً عندما تم تعريبها، حيث تطبعت بطبائعنا العربية، من مافيات ولوبيات ثقافية، واختفاء كامل لمعايير وأسس واضحة، وخضوع كامل لأهواء بشر، وكذلك خضوع كامل لمعايير أخلاقية وسياسية تخص أبوظبي راعية الجائزة، فهناك الكثير من الأعمال العظيمة التي تم رفضها، فقط لكونها تسير في مسار سياسي مخالف لتوجهات الإمارات، وأخرى تم استبعادها لأنها تخرج عن منظومة أخلاقيات الإماراتي المتحفظ، فقط " ترمي بشرر" لعبدو خال، غردت خارج السرب، ربما بقصدية توجيه ضربة موجعة للنظام السعودي، وتذكيره بوجود قوة إماراتية تجاوره، بأسلوب ناعم مغلف بالثقافة، لكن يا حرام، رواية خال تم التعتيم عليها تماماً بعد ذلك، حتى أنها ممنوع بيعها داخل الإمارات نفسها، ويبدو أن رجاء العالم بكتابتها النسوية وتأكيدها بمظهرها غير الملتزم بالنقاب المفروض على السعوديات، جاءت كنوع من الترضية للمملكة، لأنها مع رجاء ترسل رسالة إلى العالم، مفادها: أن النساء السعوديات متحررات ومنطلقات ولا ينقصهن شيء، وبالتالي يردون على آلة الإعلام الغربي الضاغطة على المملكة كي يطلقن يد النساء المغلولة داخلها قليلاً.
بقى تساؤل خبيث لا أستطيع منع نفسي من إطلاقه: لماذا أشاد الأديب المصري الكبير جمال الغيطاني بأعمال القائمة القصيرة لعام 2010 وأعلن رضاه عن اختيارات اللجنة هذا العام؟ في حين أنه كان من كبار المهاجمين للجائزة خلال الأعوام الماضية، واشتدت طلقاته النارية العام الماضي بالتحديد، رغم أنه كان من الأولى به أن يجامل منصورة عز الدين، تلميذته التي تعمل تحت رئاسته منذ نعومة أظافرها في أخبار الأدب، حيث كان من المفترض على الأقل أن يصمت مراعاة لتلميذته، حتى لو كانت روايتها رديئة من وجهة نظره؟ سامحوني فأنا فلاحة وأفهم في الأصول .