الثلاثاء، 17 مايو 2011

قليل من الهذيان الاقتصادي - تنويعات على خراب مصر






أنا لست بالخبيرة الاقتصادية، ولا أدعي امتلاكي لإجابات محكمة عن مشاكل الاقتصاد المصري التي يلقون بها في وجوهنا وكأننا نحن الذين "خربناها وقعدنا على تلها"، لكني على الأقل أمتلك عقلاً صغيراً يحاول التفكير وربط الأمور ببعضها.
تخرج علينا كل يوم آراء من الخبراء الاقتصاديين وتصريحات من السادة المسئولين الجدد في وزارة عصام شرف تؤكد بأننا وبدون أي نوع من الزينة سوف نشحذ قريباً ونموت من الجوع خلال الستة أشهر القادمة، لو لم تنته موجة الاعتصامات والإضرابات العمالية التي يحبون تسميتها بالفئوية، والتي تجتاح ربوع مصر الآن. كلل رسائل الفزع تلك، التصريحات التي خرج علينا بها المجلس العسكري الموقر، حيث حذر من تردي الأوضاع الاقتصادية عقب الثورة. تعالوا نفكك معاً هذا التحذير:
قال اللواء أركان حرب محمود نصر، مساعد وزير الدفاع للشؤون المالية، أن قطاع السياحة تراجع دخله بنسبة 80% وأن الحجوزات السياحية شهدت تراجعاً بنسبة 20% بسبب أحداث إمبابة، وهنا أوجه سؤالي الساذج إلى المجلس الموقر، لماذا تركتم الحبل على الغارب للجماعات الدينية المتطرفة وفتحتم لهم الأبواب على مصراعيها وتركتم لهم الشارع كي يعيثوا فيه فساداً وينشروا أفكارهم المتطرفة عبر مشايخهم الذين يشيعون الكره والفرقة بين الناس باسم الدين، دون أي رادع أو موقف قوي يوازي على الأقل نصف مواقفكم من الناشطين السياسيين الذين أصدرتم بحقهم أحكاماً عسكرية ظالمة، واتهمتموهم بالبلطجة رغم كل الأدلة والشهود النافية التي قُدمت لكم؟ لماذا لم تتخذوا مواقف رادعة منذ حادثة كنيسة صول واكتفيتم بعادة تقبيل اللحى المقيتة وتركتم من اعتدى على حرمات الأضرحة وقطع أذن المسيحيين طليقاً، ووقفتم تتفرجون على موجة رفض المحافظ المسيحي في قنا والتي ألفها وأخرجها مشايخ السلفيين في المحافظة؟ لماذا سمحتم بعودة ما لا يقل عن 3000 إرهابي مصري كانت أسماؤهم على قوائم الانتظار بكافة الموانئ والمطارات بالدولة وفتحتم الباب للجماعات الإسلامية ذات التاريخ الإرهابي الطويل وسمحتم للأخوين الزمر بالخروج من السجن في مشهد أشبه باستقبال الفاتحين؟ لماذا حتى الآن لم تصدروا قانون دور العبادة الموحد وتفعلوا كافة القوانين التي تساوي بين المواطنين المصريين وتتيح حرية العقيدة؟ هل بعد كل ما سبق نُلام نحن الشعب المصري على تراجع السياحة؟ أم تُلامون أنتم لأنكم أخفقتم في إدارة الملف الطائفي في مصر؟
أما بالنسبة للبورصة فهل ستضعون مشاكلها على كاهل الشعب المصري أيضاً؟ هل كان ضمن قائمة سوءاتنا أن نكتشف فساد أغلب رجال الأعمال المصريين، وأن معظم المستثمرين العرب اعتمدوا على الرشاوى والفساد الإداري المصري لأخذ ما لا حق لهم به؟ "مع الاحترام بالطبع للمستثمرين المصريين والعرب المحترمين"، ومع ذلك فالبورصة على مدار اليومين الماضيين أغلقت على ارتفاع ملحوظ، وكذلك صرح رئيس البورصة المصرية محمد عبد السلام، بأن درجة المخاطر السياسية انخفضت في مصر بعد الثورة مع اتجاه البلد إلى القضاء على الفساد، وهو ما أدى إلى تحول ملموس في هيكل المستثمرين في البورصة، حيث أصبحت المؤسسات وصناديق الاستثمار تسيطر على ما يزيد عن 60% من تعاملات السوق اليومية في المتوسط بعد أن كانت نسبتهم قبل الثورة لا تزيد عن 30%. أليس ذلك أمراً إيجابياً وينبئ بالخير؟
أما بخصوص ما صرح به المجلس العسكري الموقر بأن مصر موضوعة في درجة المخاطر فيما يتعلق بالتصنيف الائتماني، فالرد أيضاً يأتي على لسان رئيس البورصة ، حيث قال أثناء زيارته للكويت، أن المخاطر السياسية خلال حقبة الرئيس السابق مبارك كانت مرتفعة من عدم التيقن بمن سيقود مصر من بعده، خاصة أنه لم يتخذ نائباً له طوال فترة حكمه، ما أشاع حالة شك في كيفية انتقال السلطة، إلى جانب الاضطراب الاجتماعي والتشدد الديني، وهي العوامل التي أدت إلى وضع مؤسسات التصنيف الائتماني الكبرى في مصر في درجة الضعيف مع عدم التوصية بالاستثمار فيها. إذا فلنشكر الثورة والثوار يا مجلسنا العسكري العظيم لأنهم قضوا على ديكتاتورية آل مبارك التي كادت أن تقذف بمصر والمصريين إلى الجحيم، وأن الثورة أنقذتنا قبل الدمار بهنيهة بسيطة، وبالتالي نرجوكم أن لا تلقوا بهذا العبئ على كواهلنا لأننا الآن نعيد بناء ما تم تدميره بالفعل.
نعود مرة أخرى إلى محمد عبد السلام، الذي يثلج صدورنا بتصريحه في جولته الخليجية، أن هناك 400 مؤسسة جديدة تدخل السوق المصرية لأول مرة وهي في غالبيتها مؤسسات كبرى ومن مختلف الجنسيات، يعود رئيس البورصة ويكمل تصريحاته بقوله؛ أن تأثير الاضطرابات على البورصة المصرية كان محدوداً، حيث لم يزد التراجع عن 4% منذ إعادة فتح السوق، وأنه من الأمور اللافتة للنظر أن غالبية المستثمرين الأجانب اتجهوا إلى الشراء لاستغلال فترة تدني الأسعار، مما يؤكد جاذبية السوق المصرية، نظراً للأساس القوي الذي تتمتع به الشركات المقيدة بالبورصة. وإلى هنا نشكر ملاك الرحمة محمد عبد السلام رئيس البورصة المصرية، الذي أنقذنا بتصريحاته من الشعور بالذنب " لا نكون إحنا اللي خربنا البلد بصحيح ولا حاجة لا سمح الله".
نعود إلى تصريحات وتحذيرات المجلس العسكري الموقر والذي ينذرنا فيها بأننا على وشك الشحاذة رسمياً في خلال ستة أشهر، حيث يقول جزاه الله خيراً عنا إنشاء الله يا أحباب؛ أن معدل الفقر يقترب الآن من 70% منها 6% معدم، وأن الدين العام المحلي والخارجي وصل إلى 1080 مليار جنيه، والسؤال هنا، هل افتقر الناس وبلغت ديوننا هذا الحجم في أربعة أشهر؟ أم أن هذا هو حال البلد الذي أدى من الأساس إلى خروج الناس عن طورها في ثورة هزت أرجاء البلاد؟ أليس ذلك حرياً بكم كي تسرعوا في محاكمة مبارك وعائلته وحاشيته الفاسدة وتتخذوا كل الإجراءات اللازمة من أجل استعادة أموالنا المنهوبة في الخارج؟ أم أن تباطؤكم في المحاكمات واتخاذ الإجراءات اللازمة يعيد عليكم اللوم، بأنكم بدلاً من إدارة البلاد بأسلوب صحيح يقيمها مصلوبة القامة، تأخذونها إلى هاوية أشد وعورة؟ وبالتالي فعليكم بدلاً من إقامة الندوات في الفنادق الفاخرة كي تحذروننا من مصيرنا المؤلم القادم، أن تعودوا إلى مكاتبكم لتجتمعوا فيها وتتخذوا القرارات الحاسمة والمطلوبة لإنهاء هذه الأزمة في أسرع وقت ممكن.
أرجوكم كفى رعباً للشعب المصري الذي قام بأعظم ثورة في التاريخ الحديث، والذي هب بعد طول صبر ومعاناة من أجل كرامته وتحقيق العدالة على أرضه، وبدلاً من هذا الفزع، قوموا بواجبكم المنوط بكم كمجلس رئاسي للدولة، فإن كنتم غير قادرين على إنقاذ البلد، اتركوا الحكم لمجلس رئاسي مدني، على الأقل نتمكن من التحدث معه ومعارضته ونقده والخروج عليه دون الخوف من ملاحقتنا بالمحاكمات العسكرية ..... والله الموفق.