السبت، 10 سبتمبر 2011

عاش نضال المُعَلِم المصري





لا يمكننا وصف حركة المعلمين المصرية، والتي تجلت بقوة في مسيرتها يوم 10 سبتمبر، غير بالقوية والناجحة، حتى لو لم يصلوا إلى تحقيق مطالبهم بعد. عندما توجهت حاملة أدواتي الصحفية، أو بالبلدي عدة الشغل، لأبدأ معهم يومهم الذي انطلق من جوار نقابتهم في الجزيرة بالقاهرة، لم أكن أتخيل أنني سأواجه واحدة من أهم الحركات المهنية في مصر، بل ومن أكثرها تنظيماً ورقياً وتوافقاً. بدأوا بأعداد لا تتجاوز المائة، وظننت داخلي أنهم بهذا العدد سيكونوا قد حققوا نجاحاً كافيا، نظراً لأنهم من الفئات الصامتة، والتي غالباً ما تحل مشاكلها بهدوء من خلال الدروس الخصوصية، وعدم التفاعل بشكل حقيقي مع الطلاب داخل المدارس. لكن المسيرة أخذت في التزايد في الطريق حتى وصلوا إلى ميدان التحرير، فانضم إليهم عدد كبير جداً قادم من اتجاه ميدان رمسيس، وبمجرد الوصول إلى شارع القصر العيني حيث مقر مجلس الشعب ومجلس الوزراء، اكتشفت حقيقة هذا الحشد التعليمي، إذا صح التعبير، حيث آلاف قد تتجاوز العشرة آلاف معلم.
داخلياً، ورغم مهاجمة الكثير من الناس لحركة المعلمين، كنت متعاطفة تماماً مع مطالبهم، فأنا انتمي إلى جيل استفاد بحق من سنوات تعليمه، وخرجنا من مراحلنا التعليمية ونحن نحمل ذكريات جيدة أكثر من السيئة في طبيعة علاقتنا بمدرسينا ومدرساتنا، لا يمكنني أن أنسى أساتذتي نساءً ورجالاً، والذين كانوا وراء تفوقي الدراسي في بلدي الفشن بمحافظة بني سويف. كلهم علموني داخل الفصل المدرسي ولم أذهب إليهم في بيوتهم للحصول على درس خصوصي. من أجل هؤلاء ذهبت إلى مسيرة معلمي مصر، لأنني أحلم بأن يعود نموذج المدرس الذي تربيت على يديه في الثمانينات وحتى منتصف التسعينات إلى الوجود.
أهم ما يمكن أن نتوقف عنده بخصوص وقفة المعلمين، هو أنها بالفعل مثلت المدرس المصري بشكل عام، فهي لم تقتصر على مادة دراسية واحدة، حتى أمناء المكاتب ومدرسي الموسيقى والألعاب شاركوا. ولا على محافظة او مدينة مصرية واحدة، الكل أتى من كل مكان في مصر. مدرسون من بني سويف والمنيا وأسيوط وأسوان والقاهرة والجيزة و حلوان والأسكندرية ومحافظات الدلتا ومحافظات القناة ومرسى مطروح وشمال سيناء، الكل حضر حاملاً لافتاتة ليشرح مطالبه ويوضح بمنتهى القوة مأساته والسبب الحقيقي وراء مافيا الدروس الخصوصية التي يحلمون جميعاً أن تنتهي حتى تعود إليهم كرامتهم ومكانتهم بين الطلاب، ويعود المعلم ليقف في مصاف الأنبياء والرسل الذي كاد أن يكون واحداً منهم، كما قال شوقي.
حركة المعلمين المصريين، انقسمت في تشكيلات جديدة وهامة، مثل اتحاد المعلمين المصريين الذي يضم ست لجان مشهروة في ست محافظات مصرية، ونقابة المعلمين المستقلة، ورابطة معلمي الثورة بحلوان والتبين، إضافة إلى العديد من التشكيلات التي تحمل اسم مدينة أو محافظة مصرية. ورغم تعدد وتباين التشكيلات والتنظيمات للمعلمين المصريين، إلا أنهم جميعاً اتفقوا على مطالب واحدة، ألا وهي تحسين ظروف المعلمين المصريين، وتحسين بيئة العمل، ووقف استنزاف ميزانية الوزارة على المكافآت والبدلات، التي تُصرف للقيادات الإدارية فقط، إضافة إلى تطبيق الحد الأدنى للأجور على المدرسين، وسرعة تطهير الإدارات والمديريات من قيادات النظام البائد. كما وجه المعلمون أصابع الاتهام إلى حكومات مصر المتعاقبة ووزراء التعليم على الأخص، واصفين إياهم بالفاسدين، منذ تولي فتحي سرور حقيبة التعليم، قائلين؛ أنهم يتجاهلون حقهم في أجر عادل يكفل لهم حياة إنسانية، وذلك لأنهم يشعرون بعدم الحاجة إلى تطوير التعليم وتحريره، وفي القلب منه المعلم، لأنه ببساطة سيتحول إلى عبئ على سلطة مستبدة فاسدة تفضل أن تتعامل مع التعليم بوصفه ملف أمني يجب وضعه تحت المراقبة بالكامل، وذلك لأن العلاقة بين التعليم الجيد القائم على أهداف إنسانية وهوية وطنية، وبين الفساد والاستبداد علاقة عكسية.
وفي النهاية أشير، إلى أن المعلمين أصروا على عدم تسييس حركتهم ورفضوا أن يرفع أي تيار سياسي لافتاته أثناء وقفتهم، لكن كالعادة كسر الإخوان المسلمون الاتفاق ورفعوا لافتاتهم، فلما جوبهوا بالرفض الشديد قاموا بإنزالها وركنها جانباً، كما عبر كثير من المدرسين عن استيائهم من وصف القنوات التلفزيونية المصرية لوقفتهم بأنها لم يحضرها سوى العشرات، في حين أن الحقيقة هي؛ إغلاقهم لشارع القصر العيني وشارع مجلس الوزراء، ما جعل عناصر الشرطة والجيش تحيط بهم، وتغلق عليهم بكردونات أمنية. أمهل المدرسون الوزير أسبوعاً حتى يستجيب لمطالبهم، وإلا فسينفذوا الإضراب العام عن العمل مع بداية العام الدراسي الأسبوع القادم.
اعتدنا في العشرين عاماً الماضية أن نتعامل مع المدرس المصري باستهانة، حتى أصبحت مهنة التدريس والمدرس أضحوكة، يتبادلها الجميع في نكات تقلل من قيمة المعلم وتصوره بالتافه المتهافت على المال، والماص لدماء أولياء المور، لكنني أعتقد أننا يجب أن نغير تلك النظرة ابتداءا من اليوم 10 سبتمبر 2011. عاش نضال المعلم المصري.

هناك 4 تعليقات:

  1. الله عليك يا استاذه ربنا يبارك فيك

    ردحذف
  2. القوه ورصانة الفكر والمنطلق العاقل السليم أن تستجيب للحق والصواب وفق مقتضيات الضرورة والموقف ولكن المصارحه فى الرأى والشفافيه فى السلوك تقتضى توضيح ذلك بعيد ا عن مكافأة الامتحانات أو كادر المعلم المشئوم ويجب النظر الى المعلم بعيدا عن سائر الوظائف لأنه مصدرها جميعا فهو من يشكل القاضى والطبيب والمهندس والمحامى وحتى المدرس وسائر الكوادر وفاقد الشئ لايعطيه ولذا يجب ان يكون المعلم قدوة مختاره من صفوة المجتمع دون النظر الى المجموع والتنسيق فحسب مثل كليات الفنون العسكريه والشرطه والجويه وغيرها لان فالمعلم حال حضارة الامم ..وأيضا نتابعه فى السلوك من يخالف يعاقب بأشد العقوبات ؟؟؟؟؟

    ردحذف
  3. كنت حاضرا الوقفة أو الانتفاضة التي أحيا بها المعلمون دورهم الاجتماعي / السياسي ،ولكن لا أظن أني سأطلع على أشمل وأجمل من هذا المقال تعبيرا عن هذا اليوم الذي أعتبره يوما تاريخيا مشهودا في تاريخ المعلم المصري .
    قباري البدري ـ نقابة المعلمين المستقلة ـ السويس

    ردحذف
  4. احمد سعيد -MASRAWY ANA11 سبتمبر 2011 في 9:27 ص

    سدد الله خطاكى
    لقد وصفتى واجزتى وتوافقتى ودعمتى وذلك لاحساسك بهم وطنك ومقياس تقدم الامم وهو التعليم
    تحياتى

    ردحذف