الأحد، 8 يناير 2012

مثلما عاش ... إبراهيم أصلان يرحل في هدوء

كانت "حجرتان وصالة" هي المجموعة القصصية الأخيرة التي قدمها الأديب الراحل إبراهيم أصلان لعالم الإبداع العربي، وكما اعتدنا منه قدم فكرة غير مسبوقة في هذا العمل الرائع، فلأول مرة نقرأ عن عالم الشيخوخة، برتابته وفقدانه لوهج الأمل في الغد والتخطيط للمستقبل والطموح لتحقيق الأهداف، ومع ذلك نقرأ بشغف عن هذا العالم ونشعر وكأننا ندخل إلى منطقة جديدة في الحياة. فهكذا كان إبراهيم أصلان، لا يمسك بقلمه إلا من اجل أن يفتح بوابة إبداعية كانت مغلقة قبله.
الكاتب مصطفى عبدالله يسرد تفاصيل آخر لقاء جمعه بأصلان قائلا: "التقينا في القاعة الذهبية بمتحف المنيل أثناء واحدة من احتفاليات دار الشروق، وكنت قد أنهيت لتوي مجموعته الأخيرة "حجرتان وصالة"، حيث هنأته على براعته وتجديده الدائم في الكتابة، فلقد استطاع أن يعكس بنجاح، مشاعر اثنين من كبار السن بصدق أقنع القارئ"، ويتحدث عبد الله عن شخصية الأديب الراحل قائلاً: "كان منطويا قليل الكلام عكس باقي أدباء جيل الستينات، ولم يكن يهتم بالأضواء ورغم قلة إنتاجه الأدبي، إلا أنه لم يكن يقدم سوى اللافت للنظر والمختلف عمن سبقوه او عاصروه".
كان أصلان يقدم نصوصا إبداعية، لا يمكن وصفها إلا بالسهل الممتنع، فلا يمكن لمن يقرأ أعماله أن يشعر معها بصعوبة الفهم أو المتابعة، لكنه في ذات الوقت إذا ما حاول كاتب محاكاة أسلوبه، شعر بأنه لا يستطيع الاقتراب منه؛ يقول الأديب إبراهيم عبد المجيد: "أصلان تمتع بطريقة فريدة في الكتابة، سبق بها جيله وقفز بالقصة القصيرة العربية إلى منطقة حديثة تحاكي الأساليب العالمية، فلقد كان بلا شك مجددا"، أما على المستوى الشخصي، فلم يستطع عبد المجيد إخفاء ألمه الشديد حيث تفاجأ بالخبر وهو في طريق عودته من الأسكندرية، فلم يدر ماذا يفعل سوى أن يبكيه في صمت داخل منزله.
إبراهيم الخجول المتواضع
كان المقال الذي رثى فيه أصلان صديقه الأديب الراحل خيري شلبي جِد محزن ويبعث على الأسى، فلقد كان كلاهما رفيق عمر ودرب طويل، والآن وقد لحق بصديقه بعد أقل من ثلاثة شهور؛ يقف زين خيري شلبي بجوار هشام إبراهيم أصلان، وهو يبكي والديه "خيري وإبراهيم". زين يؤكد أنه يشعر الآن فقط بأن والده قد توفى وأنه لأول مرة يدرك حقيقة انه اختفى فعلاً ولن يتمكن من رؤيته مرة أخرى: " لقد كان والدي وأصلان شخصا واحدا بالفعل، فعندما توفى والدي كنت مطمئنا أن هناك عمي إبراهيم ألجأ إليه في شدتي وحيرتي، لكن الآن أشعر فعلاً أنني قُطِعت، للأسف مصر تخلو تدريجيا من عظمائها".
لم يكن إبراهيم أصلان يتعامل مع من حوله باعتباره أديبا كبيرا، فلقد كان خجله وتواضعه يسبقانه حيثما ذهب. يحتضن الأدباء الصغار، ويستقبل قراءه بترحاب ويسير في الشوارع غير مكترث لشهرته.
القاصة عزة سلطان تقول: " كان أصلان إنسانا يتمتع برحابة صدر غير اعتيادية، ولديه قدرة على استيعاب الآخر مهما كان دون قيد أو شرط. أذكر أنني في بداية مشواري الأدبي في التسعينات، عندما قابلته للمرة الأولى في حياتي، ذهبت وتحدثت معه على أنه صنع الله إبراهيم، فلقد كنت أخلط كثيرا بينهما في الشكل، لكنه لم يشعر بأي ضيق واستقبلني مرحبا وصحح خطأي ببساطة، بل أنه ساعدني على نشر أعمالي واحتفى بكتاباتي في صفحته الثقافية بجريدة الحياة. إبراهيم أصلان خسارة حقيقية للإنسانية وليس للأدب فقط".
مكتبة الأسرة
ولعل أهم درس قدمه إبراهيم أصلان إلى المجتمع الثقافي قبل أن يرحل، هو أداؤه العادل والحيادي في اختيار الأعمال المقدمة عن طريقة مكتبة الأسرة، والتي اعتاد أغلب الناشرين والكتاب أنها مخصصة لأصحاب النفوذ او من يقتربون منهم وتؤكد ذلك فاطمة البودي صاحبة دار نشر عين بقولها: "لم تطل فرحتنا بتوليه رئاسة لجنة اختيار الأعمال بمكتبة الأسرة، فلقد كان حريصا على إعادة الألق والزهو إلى هذا المشروع من خلال تقديمه لأعمال هامة ومفيدة للقارئ المصري فعلاً". ولا تخفي البودي حزنها لأنها لم تتمكن من نشر عمل له من خلال "عين"، حيث كانت قد اتفقت معه على أن ينشر عمله القادم لديها، ومازالت تأمل أن تتمكن من نشر أعماله الكاملة، لأن ذلك حسب قولها :" إثراء لأي دار نشر وقيمة هامة نقدمها للقارئ العربي".
أما إسلام عبد المعطي صاحب دار نشر روافد فيقول: " كان احتكاكي الرئيسي معه عندما تولى رئاسة لجنة مكتبة الأسرة، فلقد كانت شبه مغلقة على الخاصة من المقتربين من السلطة الثقافية في مصر، لكنه غير وجه هذه اللجنة تماما، وبدأنا نشهد حيادية شديدة في اختيار الأعمال دون تدخل من أي واسطة".

هناك تعليق واحد:

  1. مصري اصيل مش من جرابيع التحرير9 يناير 2012 في 12:48 ص

    رحم الله الاديب الكبير

    ردحذف