الجمعة، 24 فبراير 2012

ظلال السوق الحر على الكيان الأنثوي

ربما تأتي كلماتي القادمة مخالفة لتوقعات الكثيرين من مجتمعنا المصري، الذي تأتي مفردة "ليبرالية" لديه كمرادف للتحرر التام، لدرجة أن عقل البعض يذهب به إلى البعيد، فيعتقد أن الليبرالية هي الحرية غير المشروطة، والتي قد تصل بالإنسان إلى ارتكاب كل الموبقات المعروفة منها وغير المعروفة. لكن الحقيقة هي أن الليبرالية والتي تتبنى الآليات الرأسمالية في شقها الاقتصادي، أبعد ما تكون عن هذا التخيل الجامح للتحرر، بل إنها تكرس في آلياتها إلى تقييد حركة الأفراد في المجتمع، ودائماً ما يكون رجال السياسة فيها في تحالف مع رجال الدين لخدمة مصالح الرأسماليين أو أصحاب الشركات والاستثمارات الكبرى لديها.
الليبرالية ونسختها الحديثة الـ "نيو ليبرالية" أو السوق الحر، هي في الحقيقة تنتمي للجانب اليميني من الفكر البشري، وبمعنى أكثر وضوحاً تنتمي إلى الفكر الأصولي وليس التجديدي، ولا تتحرك نحو التطور الفكري إلا إذا اقتضت متطلبات الآلة أو الاستثمار ذلك الأمر، لتفتح سوقاً جديداً لترويج سلعها، كما أنها في الأغلب تستخدم الدين والأخلاق لإخضاع الأفراد لها، وكله تحت شعار كبير اسمه الديموقراطية أو الحرية الفردية، التي تمنحها للناس باليمين ثم تسحبها "بصنعة لطافة" باليسار. الحقيقة هي أن الرجل متساو تماماً مع المرأة في الليبرالية، ولكن في القهر وليس في الحياة التشاركية السعيدة التي تساعد على خلق مجتمع إنساني متطور فكرياً. ولكن بما أننا بصدد الحديث عن المرأة بالتحديد في الفكر الليبرالي أو المجتمع الرأسمالي، فسنركز عليها، لكننا بالتأكيد سنأتي على ذكر الرجل باعتباره الشريك الوحيد للمرأة في الحياة التي نعيشها.
تعمل الرأسمالية منذ بذورها الأولى التي بدأت مع عصر النهضة، على تطوير استخدام الآلة وذلك لزيادة حجم الإنتاج بما يسمح بزيادة الأرباح لدى صاحب رأس المال، ومن هنا بدأت الإنسانية تشهد الاكتشافات العلمية الحديثة التي تم تسخيرها لتطوير الآلات، التي أدَّت بالتبعية إلى زيادة الإنتاج والاستغناء عن العمالة الزائدة، حيث أن إنتاج متر من القماش قد يحتاج إلى مجهود أربعة عمال منهم نساء على "نول نسيج" بينما آلة نسيج واحدة تستطيع أن تنتج مئات الأمتار في وقت قليل وبإشراف عامل واحد. أدَّى ذلك إلى زيادة الإنتاج والاستغناء عن العمال، ومن هنا بدأت المجتمعات الأوروبية تروج للأفكار الخاصة بطبيعة جسد المرأة المرهف والحساس والذي لا يتمكن من مواجهة قسوة الآلة التي تحتاج إلى قوة عضلية. الأساس في الفكرة هو التخلص من عبء العمالة الكثيرة التي سيتم تسريحها على إثر تطور الآلات، فكان من السهل في البداية التخلص من العمالة النسائية بدعاوى أخلاقية، وبالطبع ساندتها دعاوى دينية تزعمها القساوسة لتأكيد رهافة المرأة، وأن مكانها هو المنزل للحفاظ على طبيعتها الحساسة من قسوة الحياة الخارجية، وأن دورها الرئيسي هو رعاية أبنائها في المنزل.
حدث نفس الشيء في الولايات المتحدة الأمريكية في القرن السادس والسابع عشر عندما اعتمدوا على المهاجرين الأوائل في مناجم الفحم، ولم يفرقوا في ذلك بين رجل أو امرأة، فكانت النساء تعمل مثل الرجل تحت قسوة شروط العمل في المناجم دون أن يعبأ أحد بكرامتها ورهافتها ووضع جسدها الضعيف، ولكن وبمجرد اختراع الديناميت وتطوير الآلات المستخدمة في المناجم، إضافة إلى استخدام الأفارقة الذين تم استعبادهم في الأرض والمناجم الأمريكية، خرجت شعارات المرأة المرهفة والحساسة، زينة بيتها وجوهرة عائلتها إلى آخره من قيم الشرف والأخلاق، وبالطبع لم ينس الرأسماليون الاستعانة برجال الدين لتأصيل هذه الفكرة، وكله من أجل الخلاص من العمالة الزائدة التي تترتب على تطور الآلة.
عندما تشبعت الأسواق بالمنتج الزائد عن حاجة الأفراد، كان لابد من البحث عن أسواق جديدة لتسويق تلك السلع بها، لأن الرأسماليين ما كانوا ليكتفوا بما حققوه في نطاقهم الإقليمي، ومن هنا أتت الإمبريالية أو الفكر الاستعماري التوسعي والذي كان الغرض الرئيسي منه فتح أسواق جديدة لمنتج الآلة الشرهة التي لا تتوقف ولا تشبع. وبالطبع جاء الدور على الرجل هنا ليكون هو القربان المقدم على مذبح الرأسمالية، حيث خاضت الدول الكبرى حينها مثل إنجلترا وفرنسا حروباً موسعة غزيا بها العالم كله تقريباً وقسماه فيما بينهما فيما عدا أجزاء بسيطة استأثرت بها إيطاليا وألمانيا على سبيل المثال. عندما غاب أو مات الرجل في الحرب، احتاج صاحب الآلة إلى عمالة بديلة، حينها تنكر للأقوال السابقة ودعم حركات التحرر النسائي وحقها في العمل والاستقلال المادي، فأخرجها من بيتها لتعمل في ظل نفس الظروف القاسية التي كان يعمل تحتها الرجل، ولم يراع طبيعتها الجسمانية المرهفة، كما أنه لم ينس الاستعانة برجال الدين لدعم فكرته، فبرروا قتل شعوب أخرى باسم الوطنية ونُصرة الله، وبرروا خروج المرأة باسم مساواتها في الحقوق والواجبات للرجل لأن الله خلق البشر متساوين.
المرأة في الرأسمالية ببساطة تماماً مثل الرجل، مجرد أداة يتم استخدامها لصالح صاحب رأس المال والآن لصاحب الاستثمارات العالمية والشركات العابرة للقارات، التي تحكم مصالحها السياسات في العالم كله، فهي لا تعني بآدمية المرأة ولا الرجل ولا يهمها كثيراً حقهما في الحياة، وإنما تقدم فقط ما يسمح لهما بخدمة طموحاتهم الاستثمارية. رغم ذلك فالمرأة في ظل آليات الرأسمالية أو شكلها المتطور الآن المعروف بالسوق الحر، يتم تسليعها بشكل يسحب منها آدميتها أكثر، ونظرة بسيطة على الولايات المتحدة الأمريكية، وما روجت له منذ عقود بما يُعرف بالحلم الأمريكي، تجعلنا ندرك قيمة المرأة في النيو ليبرالية، فمع الصورة التسويقية المستخدمة منذ خمسينات القرن الماضي، حيث امرأة جميلة تقف في مطبخها الحديث وتُجهز الطعام لطفلين يلمعان، بينما الزوج يدخل من باب المنزل في بِزته الأنيقة وأسنانه البيضاء تبرق من وراء ابتسامته العريضة، نجد المرأة السلعة تنتشر على نطاق واسع، حيث فتيات "البلاي بوي"، وأفلام "البورن"، وفتاة الإعلانات التي يجب أن تكون نصف أو ربع عارية لتُروج لكافة السلع على اختلافها. المرأة في عالم الرأسمالية لا تستطيع أن تُنافس على وظائف البنوك ولا الشركات الهندسية ولا المستشفيات، بينما المتاح لديها دائماً العمل في البارات ونوادي التعري والعمل كموديل لمجلات الجنس وغيرها من الأعمال الشبيهة، والحقيقة التي لا يعرفها كثيرون أن نسبة العمالة النسائية في أمريكا لا تتجاوز 20% من حجم العمالة الأمريكية ككل، فما بين الترويج في الكنائس وغيرها من دور العبادة على اختلاف الأديان، لأفكار الدرة المكنونة ودور المرأة في المنزل، وما بين استخدامها كأداة جنسية لترويج السلع وتسلية عالم رجال الأعمال والساسة، تسقط المرأة في المجتمع الرأسمالي والذي تجسده أمريكا بقوة. في النهاية لا تعني الليبرالية، حرية المرأة أو الحرية بشكل عام، وإنما تعني ببساطة، تطبيق آليات السوق الحر الذي يستعبد المرأة والرجل لخدمة مصالح الرأسماليين وأصحاب البنوك.

الخميس، 9 فبراير 2012

أيها الرجل العزيز ...عصر الحرملك انتهى!


عندما ترغب في أن تشهر سيفك وتثبت قوتك وسيطرتك على المكان، فخذها نصيحة مني باعتباري أنتمي لفئة النساء، أصدر قوانيناً تقهرنا بها وتُحجم حركتنا وتمنعنا من الإبداع والمشاركة بفعالية في المجتمع حتى تجمع الجماهير حولك، فإذا ما اعترضك بعض الخبثاء من الذين يُعملون عقلهم ويفكرون، أُخرج عليهم ببعض من آيات القرآن أو الإنجيل حتى تكتم أصواتهم وتوقف عجلة أدمغتهم الدائرة، فإذا ما ظلوا على اعتراضهم، لا تخف لأن الجماهير الغفيرة لا تعلم حقيقة دينها وتتلقاه بالسمع فقط من رجال دين مسيسون في الأساس.

إن ما ذكرته سابقاً، هو ببساطة شديدة تلخيص لتاريخ وضع المرأة على مر العصور في شرقنا السعيد، حيث يواجه ولاة الأمور الأزمات الاقتصادية والاجتماعية دائماً بالهرب داخل رداء المرأة باعتبارها الحلقة الأضعف، لأنها ببساطة الأضحية الدائمة التي تقدمها كافة الأسر الشرقية قرباناً للفقر والهزيمة، وبالتالي هي لا تملك دائماً الأدوات اللازمة للدفاع عن حقوقها ومكانتها الحقيقية في المجتمع.

المرأة العربية أو الشرقية، دائماً منسية. تقف في الأزمات والصعاب لتساعد الرجل وتدفعه للأمام، فيكرمها ويدافع عنها، وبمجرد أن يسيطر على الأمور ينساها أو ينحيها جانباً ويطلب منها باسم الأخلاق والدين أن تعود إلى منزلها بدعوى حمايتها وأن المنزل هو مكانها الحقيقي!

في الربيع العربي لم تكن المرأة مجرد مشارك في الثورة ولكنها كانت فاعل رئيسي في الأحداث، وبمجرد أن استوى الرجل على عرش السلطة بدأ يفكر في تحجيم حريتها وتضييق الخناق عليها، وفي مصر وهي واقعنا الذي نعيشه، لم يتوان الرجل في كافة أشكاله السياسية سواء الليبرالية أو اليسارية أو الدينية، عن إغفالها ونكران مكانتها وحقها في أن تستوي إلى جانبه على عرش الانتصار على الفساد، فاختفت من كافة التشكيلات الوزارية والسياسية، حتى القوانين الاجتماعية التي تحفظ لها حقها كإنسان تم نسبها إلى المفسدين السابقين، وبدأت تتوارد علينا عبارات مثل " قوانين سوزان مبارك". نفس الشيئ حدث عندما أغتيل السادات وجاء مبارك بعده، تم الادعاء بالقول أن قوانين الأسرة التي أنصفت المرأة هي " قوانين جيهان السادات".

كانت البداية مع إلغاء كوتة المرأة في البرلمان، وللأسف الشديد ناصرت القوى المدنية غيرها من القوى الدينية، وادعوا أن الكوتة باطلة لأنها ضد الديموقراطية، وأن على المرأة أن تبذل مجهوداً في المجتمع حتى تحصل على أصوات الناخبين. وهذا الادعاء باطل في أصله، لأنه ببساطة كان يجب وفقاً لمقتضيات الديموقراطية، أن يتم إلغاء كوتة العمال والفلاحين أيضاً، لأنها تمييز مجتمعي مساوي تماماً لكوتة المرأة. كذلك تم إغفال أن المرأة تلعب الدور الأكبر في العمل الاجتماعي والخيري، فكافة المؤسسات الاجتماعية والجمعيات الخيرية، الفاعل الرئيسي فيها امرأة. لكن للأسف العادات والتقاليد الشرقية التي تسيطر على عقول أغلبية الشعب المصري والعربي لا تؤمن بدور المرأة السياسي، فكانت الكوتة هي الحل الأمثل لتدريب الشعب على انتخاب المرأة، خاصة وأن الكوتة جاءت في شكل ديموقراطي، ألا وهو أن يتم التنافس في الدوائر بين النساء وبعضها، تماماً مثل العمال والفلاحين. كما أنه كان قد تم تحديد عمر الكوتة بعشر سنوات فقط، بعدها تعود المرأة للتنافس بشكل طبيعي على المقاعد الانتخابية في الدوائر المختلفة.

الآن وبعد أن ضاعت منا الكوتة في زحام الانشغال بتقسيم الكعكة السلطوية، نواجه تهديد مباشر من القوى الدينية التي سيطرت على البرلمان لقوانين الأسرة التي فازت بها المرأة بعد كفاح طويل بدعوى لا شرعيتها، فنسمع مثلاً الاعتراضات على قانون الخلع بدعوى أنه لم يُطبق وفقاً للشريعة الإسلامية الصحيحة، وأنه كان وراء تفكك الأسرة المصرية، ولا أدري كيف يكون الخلع غير شرعي وقد وافق عليه الأزهر، كما لا أدري كيف خرب بيوت المصريين وقد حل أزمات آلاف النساء اللائي كن يقفن في طوابير المحاكم لسنوات طويلة في انتظار حكم قضائي بتطليقهن من أزواجهن. نفس الشيئ يواجهه قانون حضانة الأطفال والرغبة في خفض سن الحضانة مرة أخرى إلى سبع سنوات للذكر وتسع سنوات للأنثى، في حين أن المطلوب فقط هو تعديل شروط حق الرؤية للأب وإضافة حق الاستضافة عليه. هل من المعقول أن أمنع المرأة قانوناً من حقها في الزواج مرة أخرى طالماً أبنائها في حضانتها وبعد أن يمر سبع أو تسع سنوات من عمرها، يكون قطار الزواج قد فاتها بعدها، انتزع منها أبنائها؟ وهل من المعقول أن أفرق بين الإخوة أنفسهم في تفاوت أعمارهم، لينقسموا بعضهم لدى الأم والبعض الآخر لدى الأب؟ إن قانون الحضانة جاء بعد عذابات ومآسي مريرة عانى منها الأطفال والأمهات عقود طويلة ولا يمكن لنا الآن أن نعود إلى الوراء لنواجه مشاكل عذبت المجتمع سابقاً.

لا أعتقد أن المرأة المصرية التي تنتمي إلى القرن الواحد والعشرين ستصمت على هذه الخرافات التي يخرجون علينا بها من وقت لآخر، وكله باسم الدين والديموقراطية. ولا أعتقد أن قطار النساء سيتوقف عند الدفاع على مكتسباته السابقة، بل سيمضي إلى الأمام ليقتنص مكتسبات جديدة. أيها القائمون على تشريع القوانين الآن؛ لا تعتقدوا أن ضعف التمثيل النيابي للنساء داخل البرلمان سيدعم توجهاتكم لسلبنا حقوقنا، فنحن لم نعد درراً مكنونة ولا جواهر ثمينة، لأنكم إذا أردتم أن تجعلوا منا أشياء ثمينة تحفظوها في البيوت، عليكم أن تدفعوا المقابل المادي الفاحش، ولا أعتقد أن رجال مصر يملكون الآن أي أموال يغدقون بها على النساء حتى تعود إلى الخدور وتعيش دور الحُرمة داخل الحرملك.