السبت، 17 نوفمبر 2012

يحدث في مصر الشقيقة ...لكن بلا تعاطف


هل تعودنا أن نرى أجساد أبنائنا وأخواننا وأخواتنا مقطعة الأوصال على الطرقات دون أن يطرف لنا رمش؟ هل اعتدنا أن نسمع أخبار انهيار العمارات دون قصف إسرائيلي ويموت أسفل رُكامها العشرات فنقلب صفحة الجريدة وننتقل إلى الموضوع التالي؟ هل أصبح من الطبيعي أن تُدعك أجساد المصريين في حوادث القطارات فلا نهتم حتى بتوجيه اللوم لأحد؟  هل أصبحنا أثرياء لدرجة أن نتبرع لغزة بالدواء والغذاء والكهرباء والغاز وليموت فقراء المصريين من المرض وليموت أطفال الشوارع بلا مأوى وليتعفن المصريين في الظلام، ولينهار المصريون قهراً في طوابير الخبز وأنابيب الغاز.

لكن إذا حدث شيئاً لسوريا أو لغزة، فعلينا جميعاً أن نصطف في طوابير الولولة والبكائيات العربية والإسلامية الحزينة، وليهرول رئيسنا المفدى مرسي هو ورئيس وزرائه قنديل ومعهما جحافل زعماء الأحزاب واللاعبين في ساحة السياسة من كافة التيارات، لاستعراض بطولاتهم العروبية أو الإسلامية، لكنك إذا بحثت عنهم في مصيبة تخص الإقليم المصري الشقيق فلن تجدهم، بل ستكتشف أنهم عاكفون ليل نهار على تصحيح الأوضاع الخليجية العربية داخل الأراضي المصرية، ولتحترق الأوضاع المصرية فهي في النهاية ليست من الأولويات.

منذ أن اندلعت أحداث غزة، ونحن نعيش في موشحات ولولة ليل نهار، وحملات جمع تبرعات وشاحنات إعانات طبية ومواد إعاشة ترتحل إلى هناك، لكننا لم نسمع مثلاً أن أحد الجهاديين العظماء أو هؤلاء الذين يصدعون أدمغتنا بشعارات مثل " على القدس رايحين شهداء بالملايين"، قد حمل حقيبته وذهب ليستشهد في غزة كخطوة أولى للقدس مثلاً، رغم أن الأمر ليس صعباً فبإمكان أي إنسان أن يسافر إلى رفح بالمواصلات العادية ومنها إلى غزة، حيث الأنفاق متاحة لكل مواطن جهادي أو غزاوي رغب في أن ينقل وطنه إلى سيناء، حيث لا رقابة ولا شرطة ولا حتى عسكري دورية سيمنعه. كما أن زعماء الحناجر أمثال هذا الشيخ الدكتور الذي يُكحل عينيه ويُصر على أن القدس هي عاصمة الولايات العربية المتحدة، اختفوا تماماً ولم نرهم أو نرى أولادهم الذي يعترضون حياتنا ليل نهار بدعوات الأسلمة وتطبيق الشريعة والجهاد ووعود الجنة المليئة بجبال العسل والذهب. كلهم اختفوا بينما تركوا الساحة لمتخصصي الولولة على العروبة وحلقات الصلاة والدعاء على الصهاينة القردة الخنازير ومتخصصي جمع قوت الغلابة المصريين من أجل شراء أدوية ومواد إعاشة للغزاوية.

إن كنتم لا تدرون، فمنذ ان اندلعت أحداث غزة الأخيرة، مات وأُصيب من المصريين أكثر من الذين ماتوا تحت القصف الإسرائيلي، لكننا في مصر نموت دون قصف ولكن من الإهمال ومن هوان أعمارنا على ولاة أمورنا. خمسون طفلاً ماتوا في حادث أتوبيس دعكه قطار أسفل عجلاته بأسيوط، أكثر من عشرة مصريين ماتوا في انهيار عقار بأسيوط أيضاً....فهل أسيوط بعيدة عننا إلى هذه الدرجة بينما غزة أقرب إلينا من حبل الوريد؟ هل من الصعب على رئيس وزرائنا القنديل أن يقطع تذكرة في أتوبيس متجهاً نحو أسيوط ليتعاطف مع أهالي المصابين والقتلى هناك، كما فعل وذهب إلى غزة؟ هل صعب على الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح أن يجمع بطاطينه وأدويته ويشحنها على أسيوط كما فعل مع غزة؟ آسفة فلقد نسيت، فأسيوط تنتمي إلى مصر الشقيقة لكن غزة هي نبراس عروبتهم وفخر إسلامهم والطريق إلى تطبيق شريعتهم!

أنني أعلن وبكل بساطة أن تعاطفي مع غزة لا يتجاوز تعاطفي مع أهل اليابان عندما تعرضوا لزلزال عام 2011، وأن صورة لطفلة من غزة تذاكر على نور مصباح الغاز بعد انقطاع الكهرباء جراء القصف لا تهز شعرة في بدني، فهناك قرى مصرية كاملة لا تصل إليها الكهرباء وأبنائهم لا يتمتعون حتى برفاهية الذهاب إلى المدرسة لأنها تبعد عنهم كثيراً ولا توجد لديهم مواصلات إنسانية أو غير إنسانية حتى لتنقلهم إلى هذه المدارس، كما أنني بصفة شخصية أعرف أطفالاً كثيرين يملأون شوارع القاهرة يشحذون ويبيعون المناديل كي يوفروا لأنفسهم القليل من المأكل ولا يجدون المأوى فينامون أسفل الكباري وعلى الأرصفة، فهل واجب علي التعاطف مع صورة طفلة غريبة ترتدي ملابساً فاخرة ويظهر تماماً أنها مُعتنى بها جيداً، لمجرد أنها يا حرام تذاكر على ضوء مصباح الغاز؟ فلتحمد الله على نعمة الغاز الذي عبأت به المصباح وأشعلته، فنحن في مصر مهددون حتى باختفاء هذا الغاز.

لن أتعاطف مع غزة ولكنني أتعاطف مع العريش ورفح التي لا ندري عنهما شيئاً ولا يصلنا عنهما سوى أخبار تنهش في قلوبنا، من أقوال بسيطرة الجماعات الجهادية التي سمح لها دكتور مرسي بالعودة إلى أرض مصر، أو أصدر لهم عفواً رئاسياً فأخرجهم من السجون، فسيطروا على البلدين في سبيلهم لإعلانهما إمارة إسلامية تماماً مثلما فعلت حماس بغزة. وأقوال أخرى تؤكد بعدم وجود أي دوريات شرطة أو جيش وأن قسم الشرطة برفح مُغلق منذ زمن طويل وأصبح مرتعاً للغربان. وأقوال بأن البلدين يتم إعدادهما الآن لأن يكونا الوطن الجديد للغزاوية بعد أن يتم تمليك أراضيهما للحمساوية، وأن هذه الخطة تم البدء في تنفيذها بالفعل وما أحداث غزة الآن إلا جزء من الخطة كي يتم تهجير الغزاوية إلى العريش ورفح المصرية بدعوى إغاثتهم من القصف الإسرائيلي. لا أفتي بأن كل ما سبق معلومات صحيحة، لكن في ظل التعتيم الكامل والمتعمد من حكومة القنديل لحقيقة الوضع في سيناء، فمن حقنا أن نتعامل مع الشائعات والأقوال ونطالب بالتفسير.

لا أتعاطف مع غزة ولا سوريا ولا أي بقعة أرض خارج الخريطة المصرية، لكنني أتعاطف مع مصر بلدي والمصريين أهلي وعندما أطمئن علينا، على مصرنا، يمكنني حينها أن أترفه بالتعاطف ومساعدة الآخرين ...نعم فغزة هي الآخر ونحن هنا في مصر الوطن ...وليست مصر الشقيقة!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق