الاثنين، 17 ديسمبر 2012

وطن يموت بهدوء


" علينا بالفعل أن نتعامى لكي لا نلحظ بأننا داخل مدن تموت بهدوء وفي ظل الإهمال الكلي. بعد مدة قصيرة لن يكون هناك إلا الرماد وسيكون سكان هذه المدن أول من يشعل النار فيها وفي الحيطان التي تحميهم". واجهني هذا المقطع من رواية الأديب الجزائري واسيني الأعرج " طوق الياسمين"، وكأنه دون أن يعلم يجيب على سؤالي الذي يدور في خلدي منذ قيام ثورة 25 يناير وكل الحرائق والاستقطابات والنزاعات المتصاعدة بين الأطراف السياسية في مصر وبين باقي أفراد الشعب وخاصة فئة الشباب التي تنتمي إلى مجتمع لا يعبر بأي شكل من الأشكال عن تطلعاتهم وطموحاتهم ورؤاهم الخاصة: مصر إلى أين؟.

يبدو أن الحقيقة هي أننا ننتمي إلى وطن يموت ويتنازع على جسده العليل الجميع، معتقداً أنه سيفوز بغنيمة ما، لكن الواقع هو؛ أن هذا الوطن لم يعد لديه ما يعطيه بل ينتظر من ينقذه من علته التي تذهب به نحو الموت. ومع احترامي لكل الأطراف السياسية بما فيها تيارات الإسلام السياسي التي تستميت من أجل الاستحواذ على مقدرات مصر، فإنها جميعاً لا تدرك حقاً أنها في وطن يموت وأن إنعاشه وعودته للحياة مرة أخرى ليس في أيديهم بل في أيدي جموع الشباب الذي خرج في وطن لا يناسب أحلامه، ضيق وليس على مقاسهم وأنهم ضاقت بهم كل السبل ولم يعد لديهم سوى سبيل واحد، ألا وهو الهدم وإشعال الحرائق في كافة الحوائط، حتى تلك التي تحميهم، لأنهم لم يعودوا بحاجة للحماية بل إلى التحليق في فضاء عصرهم الذين يرونه ولا يستطيعون القبض عليه.

نعم أو لا في الاستفتاء لن تحقق شيئاً لكل هؤلاء السياسيين الذين يتصارعون حتى آخر رمق لتحقيق انتصارات، هي في النهاية لا تعني المستقبل في شيئ، والمستقبل يكمن في تلك العيون الزائغة لهؤلاء الأرتال من الشباب في كل الأعمار حتى بين المراهقين الذين لا يتجاوزون الخامسة عشر من عمرهم والذين يحلقون بأفكارهم أبعد من خيالنا ولا يهتمون بقوالبنا القديمة المهترئة، والتي لا تعني بالنسبة لهم سوى تخاريف كبار لا ينتمون إلى العالم. إن هذا المراهق الذي يحلم باختراع لعبة أليكترونية جديدة أو تأسيس تطبيق جديد على جهاز الآي فون، لا ينظر بعين الاعتبار إلى كلمات نرددها بملل مثل " الاستقرار، الحفاظ على لقمة العيش، المقدسات، الحفاظ على الوطن...إلخ".

على من وضعوا الدستور وعلى من يدافعون عنه أو يرفضونه أن يتوقفوا قليلاً وينظروا خارج الصندوق الذي اعتادوا العيش داخله لعقود طويلة، ليسألوا أنفسهم سؤالاً واحداً: كم عام بقى لهم على هذه الأرض وإلى من سيورثونها؟ وهل ذلك الوطن المحتضر يستحق كل هذا التناحر من أجل الفوز بجثته؟ وما الذي سيضيرهم لو تركوا الدفة للمستقبل قبل أن يقتلوه؟.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق