الأحد، 17 مارس 2013

ارسم لون ...عبر


ببساطة شديدة ودون أدنى تعقيدات؛ الزمن سيقول كلمته في النهاية وهذا الزمن هو زمن "الهارلم شيك" و الجرافيتي على الحيطان والرسم على الأرصفة والدراجات النارية التي يستقلها شاب تحتضنه فتاة من الخلف بينما غطاء رأسها يتطاير إلى الوراء، والقبلات المسروقة في السيارات والشوارع الخلفية. إنه زمن أوكا وأورتيجا وأغنية الحسن والحسين التي تحولت إلى نشيد شعبي بعد محاولة تجريمها دينياً. زمن فرق الميتال والشباب يعبر بجسده بعنف في حفلاتها. زمن لا يوجد فيه عيون خائفة ولا أيادٍ مرتعشة.

هل أتاكم حديث هؤلاء؟ هل شاهدتموهم في مختلف الشوارع والأزقة؟ وإذا كانت أعينكم قد وقعت عليهم، ماذا فعلتم؟ غمغمتم في استنكار أم ابتسمتم على استحياء؟ صرختم في بكائية على الأخلاق المهدورة أم سحبتم هؤلاء الشباب إلى الشرطة لأنهم يُكسرون قوالب المجتمع؟ ...مجتمعكم أنتم.

عن نفسي أبتسم وأحياناً أضحك بصوت عالٍ دون استحياء، فهؤلاء الشباب يفعلون ما لم أستطع أن أفعله أنا في مواجهة حقيبة ضخمة معبأة بالقوانين والأخلاقيات والثوابت والعقائد والشعائر والأساطير وحكايات الجن وخرافات المردة والشياطين. لا أنكر أنني سببت لأهلي الكثير من الزعر والصدمات المتتالية واتخذوا ضدي سلسلة من القرارات المضادة، فرضخت لكثير من الأمور وعاندت وانتصرت في أمور أخرى، لكن محصلة تمردي في النهاية لم تكن كثيرة ولا مثيرة ولا مسيلة حتى للعاب التاريخ...ما يحدث الآن في الشوارع يروي أحلامي الصغيرة، وهو ما يخط بسن قلمه المدبب تفاصيل المستقبل القادم.... مستقبل بلا تابوهات ولا أساطير أخلاقية.

عندما يتسرب إلى أذني معلومات عن مجاميع مختلفة من الشباب يعلمون بعضهم البعض الوسائل المختلفة لمواجهة الشرطة، وكيف أنهم يرون أنها مع الحكومة لا يستحقون الشفقة ولا الرحمة، وبغض النظر عن أسبابهم المتباينة وإن كنت أتفق أو أختلف معها؛ أعلم تماماً أن كل أساطير الميري والقائمين على أبواب الجنة في زوال وأن القادم سيكون فضاءً بلا حجب ولا أستار. فضاء إنساني بلا سلاسل ملفوفة حول الأقدام أو عيون مرعوبة من العقاب، وأتيقن أن كل الحروب المشتعلة من أجل دستور ومقاعد برلمانية؛ مجرد حروب بين كائنات فضائية لم يعد لها مكان على أرض الواقع الحقيقي.

أصدقائي في الشوارع؛ يا من ترسمون على الأرصفه مزينين إياها بهتافات تعبر عن موقفكم من الذين يتربعون على عرش سماء مصر، ويا من تتحدون من يقف أمامكم برقصة "الهارلم شيك" على أبواب قصر السلطان، ويا من تحملون ألوانكم لتفرضوا أحلامكم على حوائط سور السجان، ويا من استبدلتي خصلات شعرك الحرة بأطراف طرحة تتماوج مع الريح خلفك، لكنك تحتضنين حبيبك بلا خوف أمام الجميع في الطرقات، ويا من تشغل ساعاتك بتعلم فنون القتال وتصنيع أدواته ....أنا معكم والزمن القادم ملككم أنتم وليس ملكاً لذقون شابت على مجلدات خطها بشر ينتمون لقرون ولت ولن تعود.

الاثنين، 11 مارس 2013

سميرة والعنصرية


هل سميرة إبراهيم عنصرية؟ سؤال قد يبدو غبياً لكم  وفي نفس الوقت قد يفتح علي نيران تويتر اللاذعة، لكنني قررت في النهاية أن أتلقى كافة الطعنات الصديقة بصدر رحب، ويكفيني فخراً أنني سأقول "الكلمتين اللي في نفسي" وتكالي على الخالق الذي لا تضيع عنده الحقوق ولا النوايا الطيبة.
سميرة إبراهيم التي تم حجب جائزة المرأة الشجاعة عنها لأنها تفوهت بكلام عنصري ضد أمريكا واليهود، لا تختلف عن جموع المصريين وربما العرب وفي مقولة أخرى مسلمي العالم، فنحن يا سادة ببساطة نرضع العنصرية ضد كل ما هو مختلف عنا منذ الطفولة. أعترف وبمنتهى الأمانة أنني لفترة ليست بعيدة كنت وبكل صدق أكره اليهود في المجمل وأتفوه بجمل مثل " القردة والخنازير" و " ربنا ياخد اليهود" و "أنت يهودي يا ابني؟" دلالة على البخل والخبث، وأعترف أيضاً أنني عندما سقط البرجين في 11 سبتمبر الشهير، هللت وكأنه نصر أتى من عند الله وهتفت بعلو صوتي "الله أكبر، الله أكبر". أنا في الماضي وسميرة إبراهيم وغيرنا من الملايين فُطمنا على مبادئ عنصرية ضد الآخرين دون أن نتوقف لحظة ونفكر في حيثيات هذا الكره الذي نكنه، ولا دون أن نميز بين يهودي عادي وآخر منتمي للفكرة الصهيونية ويؤصل لها، أو على الأقل إسرائيلي، نحن لم نفكر في الفصل بين المواطن الأمريكي العادي وبين الإدارة الأمريكية أو المشروع الأمريكي للهيمنة على العالم، نحن ببساطة تربينا على أن كل شيء مستهجن من قبلنا هو بالضرورة مؤامرة ضد الإسلام، ولم نضع في حساباتنا حيثيات سياسية أو اقتصادية أو جغرافية أخرى.
هذا هو واقع سميرة وواقعنا جميعاً، تلك النظرة الضيقة التي ننظر من خلالها إلى العالم ولا نفكر في توسيع مداركنا لأي نظرية أو حتى فكرة طالما لا تأتي من داخلنا، ولا يتم تفسيرها دينياً وبأسانيد من أشخاص تاريخية لمجرد أنها عاصرت بزوغ الرسالة الإسلامية، أو حتى أتوا بعد اكتمال الرسالة ووفاة الرسول عليه الصلاة والسلام، لمجرد أنهم سلف صالح وكأن كل ما هو معاصر طالح.
ما فات ليس دفاعاً عن سميرة، لكن تسجيل لواقع نعيشه فنحن لا نطيق أمريكا ولا نستطيع أن نعيش بعيداً عنها، وهذا هو ما فعلته سميرة بالضبط، فالفتاة تكره أمريكا واليهود، لكن عندما تأتي من قبلهم جائزة مدججة بآلاف الدولارات، فهي مستعدة أن تنسى كراهيتها وتدعي العكس فوراً. وفي الحقيقة فإنها لم تأت بموقف نادر غير مسبوق، لأن قادة مصر الحاليين أعزهم الله ورعاهم، قدموا القدوة الصالحة لذلك فبعد أن كان اليهود "أنجاس" وبعد أن كان أسامة بن لادن زعيم عظيم سحق الأمريكان في عقر دارهم، أصبحت إسرائيل صديقة ودعوا لعودة يهود مصر إلى أرضهم الأم، وصارت أيديهم تشد على أيدي زعماء أمريكا، ولا يتحدثون إلا للصحف الأمريكية.
لذلك أدعو النشطاء الصناديد أن ينحوا قصة سميرة جانباً وليرفعوا سيوفهم البتارة في وجه من يستحق المبارزة.

الثلاثاء، 5 مارس 2013

المواطن الترامادولي

أقسم بالله العظيم أنني لا أقول ولن أقول إلا الحق: أعترف بأنني لم أتعاطى الترامادول حتى الآن، كما أنني لم أتابع تطور السلوك الخاص بشخص تعاطاه أمامي لأشهد التحولات التي تطرأ عليه تدريجياً، لكنني دائماً ما أسمع تعليقات من الأصدقاء من حولي عن الأشخاص غريبي الأطوار بأنهم ولابد (ضاربين ترامادول)، فأخذت انطباع عام بأن كل شخص (تنح، شاذ، عديم الإحساس، ثقيل اللسان، زائغ العينين، لا يفقه تبعات تصرفاته، متخلف، غبي، ردود فعله غير محسوبة....إلخ) يكون فوراً ( ضارب ترامادول).
قصصي مع الترامادوليين لا تنتهي فهم حولنا في كل مكان، أكاد أجزم بأن أغلب شعب القاهرة يتصف بأنه مواطن ترامادولي أصيل. يمكنني تصنيف فئات الشعب الترامادولي في قوائم متعددة، لكن مساحة المقال هنا لا تتسع لها جميعاً، لذلك قررت أن أتكلم عن قائمة سائقي الميكروباص، فبغض النظر عن كونهم يقهرون الزحام بالصعود على الأرصفة ومفارق الطرق ليعبروا إلى الجانب غير المزدحم متسببين بذلك في أغلب الحوادث على الطرق السريعة، غير آبهين لحياتهم هم شخصياً، وبغض النظر عن كونهم متأثرين بأفلام الكرتون ومؤمنين بإمكانياتهم الخارقة في التقلص كي يعبروا بين السيارات عبر شريط ضيق جداً غير معتبرين لأي سيارة أخرى جوارهم، وبغض النظر عن توقفهم في منتصف الطريق وفجأة ودون أي مقدمات ويقودون عرباتهم بينما لم يترجل الراكب بعد ويستقر على الأرض، مشترطين الليونة والمرونة لدى ركابهم بحيث يتحدون الجاذبية الأرضية والسيارات المسرعة في نفس الاتجاه ....إلخ.
بغض النظر عن كل ما سبق فهم يسيرون على الطرقات يهددون علناً وبمنتهى الوضوح البشر من حولهم، ودعوني أقص لكم ما حدث:
تعرضت لعطل بسيارتي على محور 26 يوليو، فاستطعت قبل توقف السيارة النهائي أن أركنها أقصى يمين الطريق وقمت بتشغيل ضوء الإنذار ثم أخرجت المثلث الأحمر رغم ضوء الشمس الساطع ووضعته خلف السيارة، واتصلت بالنجدة العائلية (لا يوجد نجدة رسمية) ثم جلست في سيارتي. بعد كل ما سبق لم يستوعب سائق الميكروباص العظيم أن السيارة معطلة، وأخذ يطلق نفيره ويشير بيده، فأشرت وأخذت أصرخ بأعلى صوت أن السيارة معطلة، لكنه قرر أن يعلمني الأدب وقام بصدم السيارة، عندها ترجلت وذهبت إليه لأحاول فهم ما لم يفهمه مع كل الإجراءات التي قمت بها، ففوجئت أنه رغم شرحي أيضاً لم يفهم بينما سيجارة في يده يتهاوى رمادها وعقبها المشتعل يحرق أطراف أصابعه. قررت تركه والتزام مقري داخل السيارة واستقبال مصيري المؤسف بصدر رحب، ففوجئت به يخرج من خلف سيارتي ويتجه بقصد صدمي. تفاديت الاصطدام بأعجوبة، ولولا أن أحد أقاربي وصل لمقر الأحداث كنت تحولت إلى "كفتة" بينما ركاب الميكروباص يجلسون دون تحريك ساكن أو إظهار تعاطف.
بعد ما سبق أيقنت تماماً أننا لم نعد في قاهرة المعز وإنما قاهرة الترامادول.