الأربعاء، 24 أبريل 2013

حكايات وروايات جائزة البوكر 2013


تناقضات وأخطاء لجنة تحكيم يترأسها أستاذ اقتصاد
إبراهيم عيسى ضد قطر وينشر "مولانا" بها 

استطاعت الجائزة العالمية للرواية العربية والمعروفة باسم " البوكر" ان تحجز لها مقعدا في جنة الشهرة والفخامة داخل المجتمع الأدبي العربي، لما لها من بعد عالمي وما تقدمه من عروض ترجمة تنهال على الكتاب الفائزين من قبل دور النشر العربية، ناهيك عن القيمة المادية المجزية لها والإعداد المنظم والمتميز الذي يصحبه عادة تغطية إعلامية واسعة على مستوى العالم، حتى كادت تقف في نفس الخانة التي تتربع فيها جائزة نوبل للآداب وإن كانت على مستوى إقليمي عربي.
ما سبق لا شك فيه، لكن الجائزة - ربما للمرض النفسي الدفين الذي يتغلغل في نفوسنا نحن العرب، حيث أن أغلبنا مصاب بداء المؤامرة والشك دائماً في نتائج أي مسابقة علمية أو أدبية، ربما لتجاربنا المريرة الطويلة السابقة حيث يفوز دائماً صاحب الحظوة الكبرى  لدى أصحاب الكلمة والنفوذ، وحيث هناك بعد خفي غير منظور لا علاقة له بالأدب يقف خلف النتيجة – تعرضت الجائزة كل عام للغط والتشكيك في أمانة لجنة التحكيم ودقة اختيارها، بل وتم إشاعة وجود اتفاقات مسبقة وأوامر عليا تحدد الوجهة العربية القادمة للجائزة الكبرى لأسباب سياسية أو اقتصادية.
هذا العام بدأت الانتقادات مبكراً عقب الإعلان عن القائمة القصيرة، حيث اندهش الوسط الثقافي  المصري أن رئيس لجنة التحكيم هو  جلال أمين أستاذ الاقتصاد والكاتب الذي تخصص في رصد تطورات المصريين خلال القرن العشرين وما بعده، ولم يقترب من بعيد أو قريب ناحية الأدب بشكل مهني. كان الانتقاد التالي هو اختيار رواية مولانا للكاتب الصحفي إبراهيم عيسى، والذي لا يمكننا التعليق على تميزه الإعلامي والصحفي، ولكن تم النظر إلى دخوله في القائمة القصيرة باعتباره المصري الوحيد، بمثابة إهانة موجهة للأدباء المصريين، خاصة وأن هذا العام تم تقديم روايات متميزة لكتاب مهمين من مصر تم تجاهلهم جميعاً في سبيل مولانا. الاندهاش الذي أصاب الوسط الثقافي أيضا هو أن رواية إبراهيم عيسى صادة عن مؤسسة قطر للنشر "بلمزمبري"، وليس عن دار نشر مصرية، وإن كان الأمر لم يكن ليلفت الانتباه أو يثير الريبة والتساؤل سابقاً، لكن الآن وعيسى يقف في صفوف المعارضين للتدخل القطري في الشئون الداخلية المصرية والاتفاقات المريبة بينها وبين رئيسنا المفدى وحكومته الجليلة، فلا نملك سوى أن نخرج من جراب الحاوي علامة استفهام كبيرة ونتركها معلقة في الفضاء ربما تلقينا عنها إجابة.
أما جلال أمين فقد أجاب على تساؤل علاقته بالأدب خلال المؤتمر الصحفي الذي أعقب إعلان النتيجة النهائية، حيث قال أنه قارئ مميز وأن النقاد المتخصصون يرتكبون أخطاءً فادحة كثيراً، وضرب مثلاً بتي إس إليوت الذي رفض نشر رواية عام 1984 لجورج أورويل والتي أصبحت عملاً أدبياً خالداً بعد ذلك، لكن جلال أمين، لم يسرد ملابسات رفض إليوت آنذاك للرواية والذي يعود إلى أنها كانت مكتوبة بأسلوب أدبي حديث بينما كان إليوت ينتمي إلى المدرسة التقليدية، وإن نظرنا إلى الأسلوب الذي اعتمده أمين وباقي لجنة التحكيم هذا العام، سنجدهم جميعاً قد مالوا ناحية الشكل التقليدي للبناء الروائي، حيث تم استبعاد الأعمال التي تعتمد أساليباً تجريبية في الكتابة، وهذا ما أكده أمين في المؤتمر الصحفي متحدثا عن المعايير التي على أساسها تم اختيار الأعمال الفائزة بالقائمة القصيرة ومن ثم الفائز الأول، حيث قال: الرواية من وجهة نظري يعني حدوتة كما نُعرفها في مصر فإذا ما ابتعدت عن سياق الحدوتة فهي لم تعد رواية".
أعترف أنني أنتمي لنفس المدرسة، فأنا أميل إلى قراءة الروايات الحواديت ولكن هذا لا يعني أن الأساليب الأخرى للكتابة الأدبية ليست صحيحة ولا إبداعية. إذا فإن جلال أمين اعتمد الأمر ونقيده، فهو لا يعجبه تقليدية إليوت بينما يعتمد هو الأسلوب التقليدي!.
تبقى نقطة أخيرة أحب أن أطرحها بقليل من الخبث الذي يحيط به كثير من الاندهاش وعلامات التعجب، ففي أثناء المؤتمر الصحفي الذي أعقب إعلان فوز سعود السنعوسي وروايته ساق البامبو من الكويت، والذي حضره رئيس لجنة التحكيم وأعضائها بجانب السنعوسي، ألقيت بسؤالاً بريئاً للغاية وربما يكون تقليدياً جداً ألا وهو: لماذا يفوز كل عام امرأة واحدة فقط ضمن القائمة القصيرة، فيما عدا عام 2011، الذي تقاسمت فيه رجاء العالم السعودية، المغربي محمد الأشعري الجائزة الأولى، حيث تأهلت ميرال الطحاوي أيضاً بروايتها بروكلين هايتس في القائمة القصيرة.
لن أتطرق للإجابات التي تلقيتها من رئيس لجنة التحكيم وعضو آخر في اللجنة حيث جاءت الردود عصبية جداً تسير في إطار درء أي اتهامات تخص توجهات مسبقة للجان التحكيم، لكن إجابة زاهية إسماعيل الصالحي أستاذة الأدب العربي القديم في جامعة مانشستر بإنجلترا، وعضوة لجنة التحكيم هو ما أثار انتباهي حيث قالت؛ أن مستوى الكتابات التي تقدمت بها الأديبات العربيات للجائزة كان دون المستوى ويدور كله حول الحب والانكسار عقب مغادرة الحبيب، وأن رواية جنى الحسن "انا هي والأخريات" كانت أفضل المعروض وإن كانت تسير في نفس السياق. إلى هنا "ماشي الحال" لكن ما ذكرته عقب ذلك هو ما نسف مصداقيتها عندي، أو بمعنى أدق درايتها وتمكنها من الأدب العربي نفسه وبالأخص الرواية، فهي ذكرت أنها لا تدري لماذا لم تتقدم الكاتبات الكبيرات للجائزة، خاصة وأن أحلام مستغانمي أصدرت في نفس العام روايتها " الأسود يليق بك" !!!!!!! علامات التعجب السابقة هي ما ارتسمت على وجهي عقب أن قذفت بعبارتها العبقرية السابقة، فأحلام مستغانمي مع كامل احترامي لها لا تكتب سوى عن الحب والتنهيد والبكائيات على الحبيب الذي هجر، ثانياً وهو الأهم أن الأديبة الكبيرة بحق وإحدى ملكات الرواية العربية: هدى بركات كانت ضمن القائمة الطويلة لجائزة البوكر هذا العام بروايتها "ملكوت هذا الأرض" والذي تبتعد بالطبع عن بكائيات عشق النساء، لكن ربما عمق أسلوب هدى بركات وحداثيته لم تستطع دكتورة زاهية وباقي أعضاء لجنة التحكيم أن تستوعبه وبالتالي تم استبعادها من القائمة القصيرة.
في النهاية لا أملك سوى الاحتفاء بالجائزة التي أثرت الحياة الأدبية العربية ووسعت من الرقعة الجغرافية للكتابة العربية، ومبروك للفائزين خاصة السنعوسي الذي أعاد وضع الكويت على خارطة الأدب بقوة.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق