الاثنين، 12 مايو 2014

العلاقة الشرعية بين الأمن الوطني والدولة القمعية

الدولة الاستبدادية أو القمعية أو الديكتاتورية أو الفاشية ....سمها كما ترغب ولكن المهم هو أن هذه الدولة - واسمحول لي أن أراجع معكم منهجاً صغيراً في الحياة الماضية لتاريخ البشرية، ولتأخذوا من التاريخ عبرة يا أولي الألباب. أعتقد أنني أوضحت هنا أنني أتحدث مع أولي الأباب – هذه الدولة أياً كان اسمها تعبر عن حكومات لا تمثل شعوبها حتى ولو ذهبوا إلى الصناديق واختاروهم بما يقال عنه إعلامياً ( إرادة حرة مستقلة)، فهي حكومات مفروضة كرهاً على شعوبها إما بقوة السلاح أو بقوة تحكمها في لقمة العيش أو بقوة الوصايا الخارجية وفي بعض الأحيان بقوة الاحتلال.
وهنا أحب أن أوضح نقطة هامة جداً، ألا وهي أنه مهما كانت الشعارات التي ترفعها هذه الحكومات، فإن النتيجة التي يخرج بها المواطنون هي تردي إنسانيتهم وانغلاق آفاقهم واضمحلال طموحهم، في الوقت الذي تُرفع فيه شعارات العزة والحرية والمجد.
ويذكر المفكر السوري ممدوح عدوان في كتابه "حيونة الإنسان" في الفصل الخاص بالدولة القمعية، أن هذا النوع من الحكومات لا يستخدم السلطة لفرض القانون بل لفرض قبول النظام القمعي وقبول الاستلاب والاستغلال والتزوير، وأنها لا تستخدم القمع للعقاب بل من أجل الردع والمنع. كما يقول: " بسبب الخوف المتزايد لدى السلطة من الكم الشعبي الهائل المسحوق فإن التعذيب أو القمع لم يعد يمارس للحصول على معلومات أو لمعاقبة عناصر الشرطة بل صار يمارس لمنع الناس من الارتباط فيما بينها سياسيا واجتماعيا، وهدفه هو عرقلة المسيرة السياسية للمجتمع ومنع قيام علاقات بين الناس".
النقطة الثانية التي أحب أن أشير إليها هنا؛ هي وسائل الإعلام، واسمحوا لي أن أسوق لكم رأياً للمفكر الفرنسي فرانسوا لوجاندر، الذي يرى أن امتلاك الدولة لوسائل الإعلام سمة أخرى من سمات الدولة الفاشية، فتنظيم الإعلام بشأن وسائل الترفيه وسحق الفكر غير النمطي وسحق كل معارضة حقيقية وذكية هي المصدر المفضل لاندلاع عنف يكمن في كل مكان: عنف السلطة لا عنف الدولة وحدها.
وعند دراسة لوجاندر لأسلوب هتلر تبين له الآتي:
أن الوسيلة الكبرى التي أخذ بها الفوهرر لفرض ذاته هي الوسيلة السهلة المتمثلة في " الإقناع بالقوة" وهذا ما يسميه تشاخوتين " الاغتصاب النفسي بدعاية عاطفية قائمة على العنف" وذلك في كتابه ( اغتصاب الجماهير بالدعاية السياسية).
مؤسس صحيفة نيويورك تايمز يفسر كيفية تنفيذ هذا النوع من الاغتصاب الجماهيري وفقما بين ممدوح عدوان في كتابه "حيونة الإنسان"، حيث يقول آرثر سالزبورج: " احجب المعلومات الصحيحة عن أي إنسان أو قدمها له مشوهة أو ناقصة أو محشوة بالدعاية والزيف وهنا تكون قد دمرت جهاز تفكيره ونزلت به إلى ما من دون مستوى الإنسان".
المفكر الباكستاني أحمد إقبال يشرح هنا الخطوة التالية لخطوة الإعلام ألا وهي " المزج بين الأمن الوطني وأمن الحكومة نفسها" حيث يتم التشهير بكل تهديد لها على أنه تهديد للأمن الوطني ومؤامرة على الوطن وقضاياه الكبيرة. وبالتالي فإن هذه السلطات لا تعالج المشاكل التي تثير الاحتجاجات وهي المشاكل التي تسببت بها الحكومة نفسها، ولكنها تعاقب المحتجين وتقتل المعترضين، وتجبر المجتمع كله على الصمت وقبول العيش في ظل تلك المشاكل بدعوى الحفاظ على الأمن الوطني والوقوف أمام المؤامرات الخارجية.
وإلى هنا تسكت أمنية عن الكلام المباح وتترك لأولي الألباب مساحة للتفكير ربما وصلوا إلى شئ.