الاثنين، 31 أغسطس 2015

الطائفية وصلت إلى القمامة في لبنان

تعاني لبنان من فراغ سياسي كبير منذ سنوات، فهي تعيش دون رئيساً للجمهورية وغير معروف متى سيتم عقد انتخابات لاختيار واحد يعتلي سدة الحكم هناك، كما أن مجلس نوابها مد لنفسه منذ 2009 ومؤخراً أعلن أنه لن تُقام انتخابات برلمانية قبل عام 2017، بسبب عدم استقرار البلاد.
كل ما سبق لم يُحرك الشعب اللبناني ويجعله يخرج إلى الساحات مطالباً بهيكل حكومي ورئاسي وبرلماني حقيقي، لكن أزمة النفايات المتراكمة في الشوارع منذ شهور بعد إغلاق "مطمر النفايات الرئيسي" بالبلد واستبداله باثنين احتياطين لم يعملا بكفاءة الأول، جعل اللبنانيون يحتجون.
بدأ الأمر بدعوة للتظاهر عبر مواقع التواصل الاجتماعي (تويتر وفيسبوك) من خلال هاشتاج #طلعت_ريحتكم في ميدان النجمة ببيروت، لكن قوات الأمن كانت أسرع من المتظاهرين وأغلقت الميدان، فتحرك المتظاهرون نحو ساحتي رياض الصلح والشهداء في بيروت، رافعين لافتات احتجاجية وهاتفين "الشعب يريد إسقاط النظام"، ما استدعى في ذاكرة الشعوب العربية المتابعة للأحداث اللبنانية عبر شاشات التلفزيون، ثورات الربيع العربي، فانقسم الشارع العربي عبر مواقع التواصل الاجتماعي بين رافض لتلك المظاهرات، معتبرين اللبنانيين لم يستفيدوا من تجربة شعوب الربيع العربي المؤسفة، ومتمهمين إياهم بأنهم يضيعون بلادهم التي يجاورها سوريا التي تشرزمت على أيدي الميلشيات المتحاربة والجيش النظامي ومؤخراً تنظيم داعش، وبين مؤيد ومشجع لتلك الاحتجاجات معتبراً إياها قبلة الحياة للثورات العربية التي أُجهضت بفعل فاعل على حد قولهم.
بعيداً عن رأي ناشطي التواصل الاجتماعي، واجه اللبنانيون القنابل المسيلة للدموع وخراطيم المياه والأعيرة النارية التي أطلقتها في وجوههم الشرطة، ما زاد من حنقهم على النظام الحاكم لهم، والذي عجز عن احتواء أزمة قمامة ويقابل المحتجين عليها بالعنف.
على الجانب الآخر، حاولت الحكومة اللبنانية احتواء الأزمة، فقد صرح وزير البيئة محمد المشنوق، والذي يطالبون بعزله، أنه اتفق مع شركات متخصصة لتقوم بمهمة جمع النفايات خلال 15 يوماً، لكن اللبنانيين بعد مرور الأسبوعين، لم يلاحظوا أي تطور يُذكر في ملف القمامة العظيم، فخرجوا يتهمون الحكومة بأن موضوع الشركات المتخصصة تأجل لأنهم كالعادة سيحولونه إلى محاصصة طائفية، لا تحل المشكلة وإنما تنهب أموال الشعب أكثر مما هي منهوبة، باسم التوزيع العادل بين الطوائف.
أما وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق الذي كان خارج البلاد أثناء احتداد الأزمة، فقد صرح أيضاً عبر القنوات التلفزيونية بأنه يرفض استخدام العنف مع المتظاهرين وأنه أصدر أوامر بعد إطلاق النار على المواطنين.
ومن خلال اسم عائلتي وزير الداخلية والبيئة " المشنوق" فيبدو أنهم من عائلة وطائفة واحدة، ما يجعل اتهامات اللبنانيين لحكومتهم، بمراعاة المحاصصة الطائفية في نهب أموال الشعب، تحت دعوى إنهاء أزمة القمامة وارداً جداً.
هاشتاج #طلعت_ريحتكم تحول إلى ثاني أعلى تريند عالمي على موقع تويتر، حيث استمر لأسابيع معتلياً قمة التريندات، ولوحظ من خلاله أن أزمة اللبنانيين ليست فقط مع القمامة ولكن مع رؤوس دولتهم الذين مازالوا ينقسمون طائفياً ويتنازعون مناصب البلد بالتقسيم الطائفي، بعيداً عن قُدرة الأشخاص التي تحكم البلاد على الحكم بما لديها من مؤهلات، فظهرت تعليقات مثل: " أغرقتم البلد بالدماء بسبب طائفيتكم والآن تريدون إغراقها بالطائفية"، و " أزمتنا لم تعد قاصرة على القمامة ولكن على الفساد الذي يحكم البلد باسم المحاصصة الطائفية".
التخبط الذي أصاب الحكومة اللبنانية في احتواء أزمة القمامة التي يعاني منها اللبنانيون منذ بداية شهور الصيف، ما جعل رائحة العفن تعم المدينة، فتح الباب للشعب لكي يفرد لحكومته وبرلمانه آلاف الصفحات للمحاسبة، وارتفع سقف المطالب من مجرد عزل وزير البيئة إلى: " إسقاط الحكومة، انتخابات نيابية فورية،محاسبة رجال الشرطة الذين اعتدوا على المواطنين". كما علت الأصوات التي تطالب الشعب كله كي يخرج في الساحات ليسقط النظام الحاكم ومحاسبة الفاسدين.
تثور تخوفات الآن، من اندساس بعض المتطرفين دينياً، خاصة أصحاب الفكر التكفيري والجهادي لكي يحول دفة التظاهرات إلى معارك إرهابية، خاصة وأن تنظيم الدولة "داعش" يربض على الحدود قريباً وينتظر أي فرصة للانقضاض وتوسيع رقعة سيطرته في الشام، ولذلك فهناك دعوات بنزول الجيش اللبناني لاحتواء الأزمة وتطويقها ومواجهة أي تطرف أو مبالغة تصدر من بين صفوف المتظاهرين، كما علت أصوات عاقلة كثيرة من اللبنانيين، تحذر المتظاهرين من الانصات إلى أي دعوات دينية سياسية، وكذلك طائفية.

مازال الأمر محتدما في لبنان حتى الآن، ومازالت الحكومة هناك تحاول احتواء الأزمة التي تسببت هي أساساً في اشتعالها واتساع رقعتها، ليبقى السؤال المخيف معلقاً في الفراغ: هل تسقط لبنان كما سقطت سوريا والعراق واليمن وليبيا في حجر المتطرفين المسلحين، أم تنجح فيما لم تنجح فيه شعوب الثورات أو ما عُرفت اصطلاحاً بشعوب الربيع العربي. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق