الثلاثاء، 4 أبريل 2017

"قواعد العشق الأربعون" سيمفونية مسرحية لم تقع في أسر الرواية

أن تحول رواية ضخمة إلى عرض مسرحي يُعرض في ساعتين أمر صعب للغاية، فما بالك لو كانت تلك الرواية من أعلى الروايات مبيعاً منذ ما يقارب الأربعة أعوام ومازالت ضمن الروايات الأكثر إقبالاً على القراءة؟ هذا ما قامت به الدراماتورج رشا عبد المنعم مع رواية ( قواعد العشق الأربعون) للروائية التركية الشهيرة إليف شافاك بصحبة اثنين من الكتاب الشباب المتميزين وهما ياسمين إمام شغف وخيري الفخراني، فلم يقعوا في أسر الرواية وخرجت المسرحية مستقلة ومتفردة في ذاتها.
العمل المسرحي "قواعد العشق الأربعون" والذي بدأ عرضه على مسرح السلام، يعد مغامرة بحق وكما قال المخرج عادل حسان أنه عرض احتاج إلى عامين من الكتابة وإعادة الكتابة أكثر من مرة حتى وصل إلى الشكل النهائي الذي تم تقديمه في حضور وزير الثقافة حلمي النمنم الثلاثاء الماضي ولفيف من المسرحيين والكتاب، فأن تُقدم على خشبة المسرح، فكرة الرواية القائمة على تجسيد ماهية العشق الإلهي الحر من أي قيد في مقابل القوالب الثابتة والإجابات الجاهزة في السبيل إلى الله والتي تُجمد العقل والقلب وتحولنا إلى أعداء متواجهين، فهذا أمر يحتاج إلى مجهود كبير حتى تصل إلى نص يُقدم الفكرة ومتعة المشاهدة دون ملل في نفس الوقت إلى الجمهور.
مما لا شك فيه أن المسرحية استطاعت ان تقدم المعادلة الصعبة، حيث لخصت الفكرة بشكل عبقري خطف أنفاس المشاهدين ضمن مزيج من الصوفية والمحاورات العقلية والغناء والموسيقى، فقد تم تقسيم المسرح بشكل ضج بالحركة في كل جزء من أجزائه ولم يكن المشاهد في حاجة إلى أن ينتظر تغيير ديكور المسرح بين مشهد وآخر ولا أن يرى مشهداً يشمل خشبة المسرح ككل، فقد قام مصطفى حامد مصمم الديكور بتقسيم المسرح  بشكل عرضي حيث بناء من طابقين مقسم إلى غرف متعددة تُجسد منزل جلال الدين الرومي في الخلفية ومساحة مفتوحة تمثل الشارع والمسجد والماخور والحانة، بينما لعبت الإضاءة البطولة في نقل الجمهور من مشهد إلى آخر باستخدام بقعات الضوء التي تتحرك بين المشاهد في سلاسة، لينتهي مشهد وننتقل إلى آخر من خلال بقعة الضوء أو من خلال إضاءة غرفة وإظلام باقي الغرف أو إضاءة عرفتين وإظلام الباقي، وبذلك نتحول من مشهد لآخر بشكل أشبه بمشاهد السينما أو الدراما التلفزيونية. ساعد ذلك بشكل كبير على أن يكون إيقاع المسرحية سريعاً دون إخلال بالمعنى المراد تقديمه أو إخلال بدسامة الحوار الذي قدم أفكاراً ومحاورات عميقة دون أي نوع من انواع الخطابة المسرحية المطولة أو المملة، وبالطبع لعب إبراهيم الفرن مدير الإضاءة والمخرج عادل حسان دوري البطولة في هذا الصدد كي تخرج المشاهد المتقطعة بسرعة ملحوظة في شكل شيق وأنيق في ذات الوقت.
جاءت الملابس التي صممتها مها عبد الرحمن أيضاً لتكمل الحوار المتناغم بين النص والإخراج والديكور والإضاءة، حيث ظهر رداء صاحبة الماخور مناسباً للشخصية اللعوب دون الحاجة إلى أن يكون كاشفاً لجسدها، بينما ساعدت الملابس بشكل كبير في توضيح تحول شخصية وردة العاهرة التي تابت على يد شمس الدين التبريزي وهربت من الماخور لتقيم في منزل جلال الدين الرومي، كذلك عبرت ملابس كيميا حبيبة شمس الدين التبريزي عن شخصيتها البريئة وأحلامها المشتتة بين رغبتها في الوصول إلى الله بمعزل عن الدنيويات وبين رغبتها في أن يكتمل لقائها بشمس وتكوين أسرة عادية معه، وفي نهاية العرض خرجت الملابس لتوحي بهذا الارتقاء الذي أحدثه التبريزي في نفوس الجميع بعد رقصة السماء التي يدورون فيها للغياب عن كل ما هو أرضي بغية الوصول إلى الخالق.
ربما كان أكثر ما جذب انتباهي عدم اعتماد المخرج التركيز على راقصي المولوية بدورانهم، حيث كان الأمر متوقعاً أن تُخلى خشبة المسرح تماماً لهم لتقديم عرض أو اثنين، لكن هذا لم يحدث وكسر عادل حسان ما هو متوقع فجاء رقص المولوية مكملاً للمشاهد ودون ضجة في جانبي المسرح أو داخل غرفتين من منزل الرومي، بحيث يصاحب دورانهم المشاهد المختلفة كخلفية صامتة أو كمصاحبة هادئة للغناء الصوفي الذي كان العرض غنياً به.
خرج أداء بهاء ثروت لدور شمس التبريزي مميزاً حيث لم يعتمد الأسلوب الخطابي في تقديمه للدور رغم احتماله لهذا، بل جاء أداؤه صافياً ومعبراً عن صوفية التبريزي وهيامه على وجهه في سبيل الوصول إلى حقيقة الله في ذاته، كذلك كان أداء هدى عبدالعزيز لدور صاحبة الماخور مميزاً ومعبراً بقوة عن الشخصية رغم قلة عدد المشاهد الخاصة به واستطاعت أن تفوز بضحكات الجمهور دون ابتذال، استطاع أيضاً هشام علي بمشهديه الذي جسد فيهما دور الشيخ التقليدي الذي يردد كببغاء ما حفظه من نصائح دينية دون تفكير بينما لا يشغل باله سوى بالمكاسب المادية، أن يجذب انتباه الجمهور إليه والتجاوب معه، وعزف أبطال العرض من الممثلين في النهاية سيمفونية جذابة نجحت في الوصول إلى جميع الحضور.
في النهاية لا نستطيع أن نغفل موسيقى العرض، والتي تعد البطل الرئيسي له، فلقد كان عرض " قواعد العشق الأربعون" موسيقياً بحق، حيث كانت موسيقى الدكتور محمد حسني تضح بالحياة حتى لتشعر أنها تتحرك بانسيابية بين أجساد الممثلين وتتعاشق مع كلماتهم، فحملت الكثير من المحبة الإلهية والهروب الإنساني الحزين وبلغت قمة جمالها في مشهد النهاية الذي جسد لوحة فن تشكيلي خاطفة للأبصار وملخصة لكل العشق الإلهي الحر الذي يهدف إليه النص الأصلي للرواية ونجح في نقله لقلوب العشاق على مقاعد الجمهور النص المسرحي المأخوذ عنه.




المقال منشور في جريدة القاهرة المصرية بتاريخ 4 ابريل 2017


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق