الثلاثاء، 10 أكتوبر 2017

"قلعة آلموت" عرض للرقص الحديث يستلهم أسطورة الحشاشين في الإسقاط على واقع الإسلام السياسي المعاصر

استضاف مسرح الجمهورية عرض الرقص المسرحي الحديث "قلعة آلموت"، ضمن عروض مهرجان المسرح التجريبي لمدة ثلاثة أيام، استطاع خلالها العرض أن يحقق نجاحاً فنياً وجماهيرياً كبيراً، حيث استطاع المخرج مناضل عنتر إضافة عرضاً مميزاً جديداً إلى قائمة عروضه التي حققت نجاحاً محلياً وعالمياً منذ عرضه الأول (الآلات) عام 2008.
العرض الجديد (قلعة آلموت) يُعد قراءة مسرحية راقصة للرواية الشهيرة بنفس الاسم للروائي والمفكر السلوفاكي فلاديمير بارتول، والتي كتبها عام 1939 عن طائفة الحشاشين التي أسسها الحسن بن الصباح في القرن الخامس الهجري، فكانت أول طائفة دينية متشددة تُنفذ اغتيالات سياسية في شكل استشهادي بدائي يناسب تقنيات ذلك الوقت.

من بروفات العرض 

كتب بارتول الرواية في زمن تميز بصعود النظريات الشمولية وبوجود شخصيات سياسية قيادية تتطلع إلى تغيير العالم، ما جعل الكاتب يتأثر بهذا الظرف التاريخي ويتجه باهتمامه إلى شخصية "شيخ الجبل" الفذة التي استخدمت فكرة الجنة والحور العين لاستقطاب الشباب لتنفيذ اغتيالاته السياسية باسم الدين والدفاع عنه، معتمداً في ذلك على كتابات المستشرقين وعلى ما تضمنته تلك الكتابات من أساطير أحاطت بداهية من كبار دهاة التاريخ السياسي الإسلامي في بلاد فارس.
وبالطبع ورغم أن الرواية قديمة جداً إلا أنها تعبر بجدارة عن واقعنا الذي يعج بالتطرف الديني واستخدام الاسلام سياسياً وتحويله إلى دين اغتيالات وحروب، وهذا هو ما أعتقد تماماً أنه كان السبب وراء اختيار مناضل عنتر للرواية لتكون مصدر قراءته المسرحية الراقصة الجديدة، لكن المدهش حقاً هو أنه لم يتم ذكر الرواية أو مؤلفها بأي شكل من الأشكال في كُتيبات المسرحية أو الأخبار المنشورة عنها، وكأن قصة المسرحية إنتاجاً فكرياً خالصاً لمنتجيها المحليين، وهو ما يجعلنا نطالب يتصحيح الأمر مستقبلاً، فرواية "قلعة آلموت" ومؤلفها بارتول ليسا بمغمورين كي يتم تجاهل ذكرهما بهذه الطريقة.
اختار مناضل الجزء الخاص بانتقال المقاتلين الشباب الذين دربهم الصباح على الاغتيالات السياسية إلى منطقة الحريم أو كما ادعى الصباح الجنة وحورها العين العذراوات أبدأ، حيث يقع أحد الشباب في غرام جارية أو واحدة من الحور العين الملفقات، لنشاهد عروضاً راقصة ثنائية مبهرة حقاً تتميز بكريوجراف محكم وقادر على التعبير عن تفاصيل القصة بلغة جسد بليغة، استطاعت أن تفوز بتصفيق الجمهور لأكثر من مرة.
العرض احتوى على الصراع بين شغف الحياة والرغبة في تحقيق الهدف الذي يعتقد الشباب أنه سامي من أجل رفعة الدين، من خلال حوارات راقصة بين الشباب والشيخ الصباح الذي يدفعهم نحو اغتيال الشخصيات السياسية البارزة في الدولة، لكن الموسيقى في بعض المواضع لم تأت مناسبة لفكرة العرض، حيث تم الاستعانة ببعض الأغاني الحديثة باللغة الفرنسية وهو ما لم يكن مفهوماً في السياق العام للعمل، بينما جاءت أخرى في إطار صوفي وهو ما لا يناسب طبيعة العمل أيضاً، الذي يعتمد على حالة الصراع بين فكرة الحياة وفكرة الموت أو الاستشهاد من أجل بلوغ الجنة، في حين جاءت في مواضع أخرى مناسبة ومتجانسة مع المحتوى الدرامي العام للعرض.
كانت الإضاءة موفقة بالعرض، حيث عبرت بصدق عن حالة الغموض والمجهول الذي يسعى إليه الشباب المقاتل، بينما عبرت في مواضع أخرى عن الشر والأهداف التدميرية التي يسعى إلى تحقيقها الصباح، وكذلك حالة الصراع السياسي في الداخل وتربص الأجنبي لينقض على البلاد وسط كل هذه البلبلة الداخلية، وذلك دون اللعب بالضوء والظل كثيراً، حتى أن المشاهد كان يشعر بحالة الظلام الذي يشوبه الضوء الخافت الخانق والكئيب دون أن يلاحظ التغيير الذي يحدث مع كل مشهد، فجاء تغيير الإضاءة وفقاً لطبيعة كل مشهد انسيابياً دون ضجة غير مريحة للعين.
من بروفات العرض 

الديكور كان ثابتاً أيضاً، حيث القلعة على جانبي خشبة المسرح، وسلالم تؤدي إلى مساحة مسرحية عليا يتغير عليها المشاهد الخاصة برجال السياسة والذي رمزوا لعملية الصراع السياسي وكونهم أهدافاً للاغتيال، بينما كانت هناك شاشة تغطي خلفية المسرح كله يظهر عليها العرض مُصوراً في تسجيل سابق، ومن المفترض أن تتناغم الحركة على المسرح مع الحركة المسجلة والمعروضة عبر الشاشة، وهو ما لم يحدث في الكثير من المشاهد، ما يجعلنا نتساءل عن السبب الدرامي الذي تم من أجله استخدام هذه الشاشة؟ فهي لم تقدم شيئاً تكميلياً للأحداث المسرحية الراقصة، وجاء استخدامها معيقاً لعملية التوحد الكامل مع العرض الدائر على الخشبة، فكانت عنصراً بعث على التشتت، حتى أنني لجأت إلى تَعمُد تجاهلها طوال العرض كي أركز مع العرض أكثر.
لم يُقدم عنتر في مسرحيته عملية الاغتيال بشكل صريح واكتفى بالترميز لها، لينتهي العرض جامعاً عناصره الدرامية القائمة على الصراع بين الحب والحياة والموت من أجل جنة مُلفَقة، لكن الغريب حقاً اننا فوجئنا بمشهد ختامي صوفي لعرض تنورة وهو ما كان دخيلاً بالفعل على العرض وخارج السياق تماماً، لينتهي العرض بشكل يشذ عن المسار العام للأحداث الراقصة.

في النهاية لا يمكننا إنكار أن العرض كان ممتعاً بشكل عام، وجامعاً لكافة عناصر الكريوجراف الناجح في التعبير بصدق عن الأحداث، فكان التواصل بين المشاهدين والأحداث التي شملت الصراع والحب قوياً وبليغاً. 
المقال منشور في جريدة القاهرة بتاريخ 10 أكتوبر 2017

هناك تعليقان (2):

  1. ياريت نشوف فيديو للمسرحية

    ردحذف
    الردود
    1. للأسف مفيش فيديو ليها لكن ممكن تخضرها عندما يتم عرضها مرة أخرى في القاهرة

      حذف