الثلاثاء، 20 مارس 2018

إضحك لما تموت ... هلوسة سياسية في ثوب درامي مهترئ




فكرت كثيراً قبل أن أتخذ القرار بالكتابة عن مسرحية " إضحك لما تموت"، فهي مسرحية صنعها في النهاية قامات في المسرح سواء من حيث النص الذي كتبه لينين الرملي أو الإخراج لعصام السيد أو البطولة لكل من القامتين التمثيليتين نبيل الحلفاوي ومحمود الجندي، ولكن للأسف الشديد لم يكن اجتماع أهل القمة هؤلاء على خير هذه المرة، فلقد خرجت المسرحية في رأيي المتواضع دون المستوى العادي حتى وإن كان الحلفاوي والجندي صنعا كل ما لديهما من حرفة تمثيلية لكي يجعلوا من الفسيخ شربات، وهو ما هون الأمر علي أنا ومن حضروا المسرحية كثيراً، لأن الحقيقة هي أن كثيرين تركوا المسرح ولم يكملوا المسرحية بعد انتهاء الفصل الأول، هذا عد همهمات المشاهدين المستاءة طوال العرض وتعليقات الكثيرين السلبية بعد انتهائها، فاطمأننت على نفسي بأنني لم أكن ظالمة في تقديري لها.
يكرر لينين الرملي نفسه في "إضحك لما تموت"، حيث دراما عادية جداً مليئة بالإفيهات والإسقاطات الجنسية التي لم تعد مضحكة الآن مثلما كانت في الماضي، إضافة إلى استاتيكية المشاهد والأحداث فأنت لا تخرج بعيداً عن شقة دكتور التاريخ يحيى وحركة الممثلين داخل الفضاء المسرحي تبدو مكررة وكأنك شاهدتها آلاف المرات، مع حوار أشبه بالاسكتشات والنكات المتبادلة على المقاهي، لا يحمل رؤية درامية حقيقية وموزونة، فلم يكن من المهم إن كان لينين الرملي مع أو ضد ثورة يناير، بقدر ما كان مهماً أن يقدم وجهة نظره بمنطقية في الأحداث والحوار بين الممثلين حتى نستطيع على الأقل أن نفهم ماذا يريد تحديداً؟ فليس حقيقياً أبداً ما تم نشره في الأخبار الخاصة بالمسرحية؛ أنها تدعو للتأمل في التاريخ وتطرح تساؤلات عن الأحداث الحالية والمستقبل في محاولة فهم أحداث الثورة، أو على الأقل هذا ما لم أفهمه أنا لقصور ما في ذهني.
في بداية المسرحية نفهم من شخصية طاهر التي لعبها محمود الجندي أن الثورة انتهت عندما يخبر صديقه أنه " نزل الميدان وصور المظاهرات والشهداء"، ثم تكتشف بعد فترة أن الثورة مازالت دائرة أسفل بيت الدكتور يحيى في ميدان التحرير، ثم تأتي مسألة الجثة التي تتجول في المنزل وتعيش داخل الثلاجة لتخرج وتعود وتختفي دون سابق إنذار، لنكتشف في نهاية المسرحية بشكل خاطف لم يلحظه كثيرون أنها ترمز إلى الرئيس السابق محمد حسني مبارك، حيث استخدم لينين الرملي تعبير الإنجليز في جرائدهم مع نهاية فترة حكم مبارك " the walking corpse" للتدليل عليه، وجسده في مسرحيته بشكل يبدو ساخراً لكنه بالنسبة لي لم يكن سوى ترميز فج لم يساعد الدراما في شئ بل أصابها بخلل في متابعة المشاهدين لها، وكان بإمكان الرملي أن يقدمه بشكل أكثر فعالية وقوة في الدراما بحيث يتفاعل معها الجمهور.
لم تتوقف الرمزية الفجة والمباشرة عند هذا الحد، فلقد تلاعب المؤلف بمدلول قيمة الحرية مع شخصية نسائية تأتي من الماضي، أي فترة شباب طاهر ويحيى، حيث كانت فتاة جميلة وتجذب الجميع إليها، يعرفها طاهر باسم حرية ويعرفها يحيى باسم حورية، بينما تأتي هي لتؤكد أن اسمها الحقيقي حربية. هذه الشخصية التي لعبت دورها الفنانة الكبيرة سلوى عثمان، والتي حاول لينين من خلالها أن يطرح فكرة أن الديموقراطية مثل الحرباء ذات ألوان متعددة وفقاً للمناخ المحيط، فحربية لعبت بعقول الجميع لكنها تزوجت من الشاب المتلون وفق العصور السياسية المختلفة وتلونت معه وهي الآن ترمي بنفسها في أحضان الإخوان. فكرة استخدام المرأة كرمز لأي شئ أصبحت شديدة الاستهلاك عبر السنين ونوع من أنواع الاستسهال، كما أن اللعب باسم " حرية وحربية وحورية" يحتوي على تلاعب سيئ في رأيي بقيم الحرية ومن يدعون إليها ويعملون من أجل تحقيقها، حيث أظهرها الرملي وكأنها امرأة لعوب وسيئة السمعة.
أيضاً الاستسهال في عرض أن كل الفتيات اللائي يسافر للخارج يخرجن عن الإطار العام للعادات والتقاليد المصرية، فتبدو ابنه طاهر وقد نست تماما أبيها وبلدها وفرغت نفسها للسكر والعربدة في أوروبا وفي النهاية تتزوج من أجنبي دون أن تهتم برأي أبيها. أما شخصية ابن يحيى التي تبدو مبهمة معظم المسرحية حيث لا نعرف ما الخلاف بينه وبين والده حتى يصل الأمر إلى القطيعة، ففي النهاية نكتشف أنه شارك في الثورة على غير إرادة أبيه، إضافة إلى الحديث عن بشاعة مذكرات والد يحيى التي منعتها أمه عنه وحاول هو منع ابنه عن قرائتها خوفاً من تأثيرها المهول، والتي لا نعرف عنها شئ في النهاية وما الفظيع فيها حتى تُمنع إلى هذا الحد؟،  ثم هذا النقاش المقحم والسوفسطائي عن أننا لا نقرأ تاريخنا وطرحه بنفس أسلوب الاستسهال المتبع في المسرحية من البداية، ناهيك عن شخصية شربات والتي كان من الممكن أن تكون نقطة مضيئة في المسرحية لولا تقديمها على أنها شخصية معتوهة تتبول في فراشها وبالطبع يجب أن تكون قد تعرضت للاغتصاب بعد أن وجدت نفسها في الشارع، حيث أن مشهد اغتصابها جاء وكأنه محشور من باب (احنا لسه ما اتكلمناش عن التحرش يلا نتكلم عنه)، للأسف جاء مضحكاً ولم يوحي بأي مأساوية. وبالطبع لم ينس الرملي أن يطرح كل هلوساته السياسية مثل المعارضة المرتزقة من صدام العراق وقزافي ليبيا والشيوعية والناصرية والساداتية ...إلخ وكأنه كان يكتب من باب ( فاضل إيه ما اتكلمناش عنه؟).
تبدو المسرحية من البداية على انها ضد الثورة وتطرح فكرة انها هوجة وفجأة وبدون مقدمات أصبحت معها بطرح يكمل سلسلة الاستسهال أيضاً، حيث أن الجيل القديم لا يفهم الجيل الجديد ولا يستطيع الحوار معه بآليات تناسب العصر الجديد، وفجأة بعدما كان يحيي ضد نزول شربات الثورة لأنها لا تفهم شيئاً عنها، طالبها بالنزول والهتاف أيضاً، وفي الحقيقة انا لست ضد ذلك من باب أن الثورة كانت ملاذاً للمهمشين حتى يقولون بصوت عالٍ "نحن هنا انظروا إلينا"، ولكن التسلسل المنطقي للدراما لم يكن ليقدم لذلك، فنحن في النهاية لا ندري ما الذي يريد لينين الرملي أن يقوله فعلياً من هذه المسرحية؟
الإخراج أيضاً أتى عادياً مع استخدام لتقنيات مسرحية جديدة مثل استخدام لشاشات عرض بروجيكتور تعرض أحداثا من الماضي لوالد ووالدة وابن يحيى وابنة طاهر وفي النهاية الجثة التي أعلنت خطاب التنحي بطريقة كوميدية خاطفة قائلة "خلاص يا عم أنا ماشي أهو"، وورائها العلم وهي تتحدث من على منصة الرئيس المخصصة للبيانات.
كنت أتمنى بالفعل أن أكتب مقالاً يمجد في مسرحية "إضحك لما تموت" التي انتظرناها بشوق كبير، لكن للأسف تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن.

تم نشر المقال في جريدة القاهرة