الاثنين، 7 مايو 2018

نسوة أم نساء ... القيم الذكورية لا يدافع عنها الرجل وحدة

سيمون دي بوفوار 



أن تكوني امرأة فهذا لا يعني أنك مناصرة لحقوق المرأة في حياة عادلة ومساوية للرجل، فالإنسان لا يمتلك حرية اختيار نوعه الذي يولد عليه ولكنه بالتأكيد يمتلك حرية اختيار هويته ومجموعة الأفكار التي ينتمي إليها ويعبر عنها في أسلوب حياته، فكما قالت المفكرة النسوية الفرنسية سيمون دي بوفوار " لا يولد الإنسان امرأة .. بل يصبح كذلك"، وكانت تعني بمقولتها تلك، أن الإنسان سواء وُلد ذكراً أم أنثى فهو يولد متساوياً ومتعادلا حتى تبدأ المجتمعات في تشكيل منظومة أفكارهم فتُصنفهم إلى امرأة ورجل، بتخصيص مجموعة صفات ووظائف لكل واحد منهم حسب نوعه الجنسي وترفع من مكانة الرجل أمام المرأة، فتتبدد تلك المساواة التي وُلدا عليها.
يتحكم في عالمنا منذ آلاف السنين منظومة فكرية بطريركية أبوية، او بمعنى مبسط "ذكورية"، تميل إلى إعلاء قيم الذكورة على الأنوثة وتنسب كل صفات القوة والشجاعة والشهامة والإرادة والذكاء إلى الرجل، بينما تضع المرأة في مرتبة دنيا لا تصل حتى إلى المرتبة الثانية بعد الرجل، ففي بعض المجتمعات القديمة كان الحصان والجمل أهم للمجتمع من المرأة فبهما يغزو الرجل غزواته ويذهب في رحلاته التجارية، أما المرأة فلا فائدة لها سوى المتعة الجنسية والإنجاب كما حدد المجتمع وظيفتها.

ظلت هذه القيم تتوارث جيلاً بعد جيل، حتى بدأت الحركات النسوية في التَكون تحديداً بعد الثورة الصناعية وبداية الاعتماد على الآلة في الإنتاج والحروب، والاستغناء تدريجياً عن الإنسان أو تحديداً عن الرجل، فلقد تغيرت مواصفات العامل ولم تعد القوة البدنية مطلباً رئيسياً في العمل، ما فتح باب العمل للنساء.
هناك فرق كبير في المعنى الاصطلاحي بين "نسوية ونسائية"، فليس كل ما تقوم به المرأة أو تعبر عنه من أفكار نسوي، حيث أنه على مدار القرون الماضية وتحديداً المائة عام الأخيرة، شهدنا نساءً يدافعن عن التفوق الذكوري واستمرار القيم الذكورية في المجتمع بزرعها في أبنائهن ويؤكدن على أن المرأة حصلت على كافة حقوقها، معتبرين الحق في التعليم والعمل هما كل شئ عن الحقوق والمساواة، مع العلم أن نوع التعليم والعمل حتى عصرنا هذا محدد بالنسبة للمرأة، التي لا تستطيع اقتحام الكثير من المجالات بدعوى أنها لا تصلح لطبيعة المرأة.
هؤلاء النساء أبعد ما يكونوا عن النسوية، فهن لا يؤمنون بالمساواة التامة بين الرجل والمرأة ويعترفون بتفوق الذكر، ويستفيدون من السلطة الاجتماعية الذكورية لعرقلة تحركات النسويات سواء كانوا نساءً أم رجالا، فنعم الرجل يمكنه أن يكون نسوياً عندما ينتمي إلى قيم العدالة والمساواة بين الناس وعدم التفرقة بينهم على أساس النوع.

هؤلاء النساء يشكلن خطراً أكبر من أي خطر يمثله رجل على انتشار القيم النسوية، فالمجتمع يستخدمهن دليلاً على خطأ المنظومة الفكرية النسوية، إضافة إلى أنهن يحاربن النسويات بأسلحة ناعمة وخبيثة مثل تلويث السمعة ومداهنة الرجال بإثبات أنهن النساء الفاضلات التقيات، غير أنهن تدفعهن الغيرة دائماً من قوة النسويات وما يتمتعن به من حرية الحركة والتعبير واتخاذ القرار، إلى محاربتهن في أماكن العمل والدراسة والشارع بأساليب اضطهاد مختلفة، ليكن شوكة قاتلة في ظهر أي امرأة نسوية تحلم بالعدالة الاجتماعية لجميع البشر بغض النظر عن النوع الجنسي.
إن الحرب النسائية النسوية مستمرة منذ عقود طويلة، وهي غير عادلة أبداً، فالنساء الذكوريات مدعومات بسلطة المجتمع وسلطة الدين الذي تم تفسيره لصالح الرجل على مدار القرون، وبالتالي فهن يمتلكن اليد العليا في تبني المجتمع للمبادئ الجديدة، حيث يعرقلن أي خطوة مستقبلية في صالح المرأة طالما لا تتفق ومبادئهن الذكورية التي ينتمين إليها، ونستيطع أن نقول أنهم سلاح فعال ومنجز يستخدمه الذكوريون طوال الوقت لإجهاض الأفكار النسوية.
لا يعني ما سبق أبداً، ان نستسلم للذكوريات، بل علينا دائماً أن نؤمن بعدالة قضيتنا، فهي ليست قضية نوع جنسي بل قضية إنسانية كاملة يجب تغيير أفكارها نحو عالم أكثر اتساقاً وتوافقاً وتقبلاً لكل ما هو مختلف، وهذا يجعلنا نتحرر من فكرة أن المرأة حليفة المرأة، فقد يكون الرجل في حالات كثيرة أقوى حليف إذا ما انتمى إلى القيم النسوية وقد أثبت تاريخ الحركة النسوية ذلك دائماً.

 المقال تم نشره في جريدة القاهرة الثقافية