الأحد، 12 مايو 2019

عودة قوية لباليه جيزل على خشبة المسرح الكبير






قدمت فرقة باليه أوبرا القاهرة العرض العالمي "جيزيل"، والذي يجمع بين الواقع والخيال بأسلوب تراجيدي من خلال قصة حب رومانتيكية بين أحد النبلاء وبين فتاة قروية بسيطة. القصة مستوحاه من أسطورة رواها الشاعر الألماني "هاينه" عام 1833، تروي حكاية رقصة ليلية معروفة في البلاد السلافية باسم "ويليس"، ترقصها أرواح صبايا عذارى كن مخطوبات، ولكن لسوء حظهن وافتهن المنية ليلة زفافهن، لكن أرواحهن الشابة والمحبة للحياة، لا تنام مطمئنة في قبورها، فبالرغم من أن قلوبهن كفت عن النبض، إلا أن أقدامهن بها شوقاً ملحاً للرقص الذي حرمهن منه القدر ولم يكتفين منه في حياتهن، ولذا فهن ينهضن في الليالي المقمرة إلى "وادي الصمت"، ويرصدن الطريق، فإذا ما مر بهن عابر سبيل، خرجن له من كل اتجاه في أجمل صورة، وتحلقن حوله راقصات، ليجبرنه على الرقص طيلة الليل حتى يتعب وتخور قواه ثم يموت وينتقل إلى عالمهن في موكب تتزعمه ملكتهن المتوجة.


من منطلق هذه الأسطورة، وُضعت دراما جيزيل، حيث الدوق النبيل ألبرت يقع في غرام الفتاة القروية جيزيل، وأثناء احتفالات القرية بموسم الحصاد ترقص جيزيل مع الفتيات، بينما تحذرها أمها لأن قلبها ضعيف، لكنها تستمر في الرقص والمرح، ثم يأتي الدوق ومعه "باتيلدا" خطيبة ألبرت، ويكشف حارس الغابة الذي يحب جيزل، كذب ألبرت عليها، فتتأثر تأثراً بالغاً ولا يتحمل قلبها الضعيف فتقضي نحبها.


يدور الصراع في هذا الباليه على عدة مستويات، فهناك مستوى الفروق الطبقية، حيث ينتمي ألبرت لطبقة النبلاء الأريستقراطيين وتنتمي جيزيل إلى طبقة الفلاحين البسيطة، وهناك الصراع الذي يدور بين ألبرت النبيل وبين هانز حارس الغابة حول جيزيل، حيث يفوز ألبرت المتخفي في زي فلاح بقلبها، لكن هانز يكشف خديعته لها وارتباطه بفتاة أخرى من طبقته الاجتماعية، ما يجعل جيزيل تتأثر تأثراً بالغاً وتفقد حياتها، أي أننا هنا في مواجهة دراما ذات صراع يتصاعد ويتطور حتى يصل إلى ذروته رغم عدم وجود الكثير من التفاصيل الدرامية.


ويعد باليه جيزيل أحد الباليهات البيضاء الرومانتيكية، والباليه الأبيض هو الذي يتضمن فصلاً على الأقل ترتدي فيه الراقصات الثوب الأبيض المميز للباليه، لتعبر عن أرواح هائمة أو أطياف أو ملائكة مثل باليه "بحيرة البجع"، والفصل الثاني من "جيزيل" تظهر أطياف العذارى يرتدين ثياب الفرح وتحيط بهن الورود، ليقدمن عدداً من الرقصات العذبة التي تبرز خصوصية الباليه كفن يحتفي بانسيابية الجسد ورونقه.


يحتوي باليه جيزيل أيضاً على عدد من الرقصات الشعبية الشائعة في أوروبا، مثل رقصة الكوادريل التي نشأت في فرنسا وانتشرت بعد ذلك في جميع أنحاء أوروبا، لتكون من الرقصات الشعبية التي يرقصها الفلاحون في الأفراح، وهي رقصة حية وسريعة يشارك فيها النساء والرجال، وكذلك احتوى الفصل الأول على عدد من الفالسات والرقصات الليلية والتارنتللا الشعبية الإيطالية، إضافة إلى رقصة هندية لراقصة المعبد، وبالتالي ندرك أن هذا الباليه على بساطة خطوط قصته الدرامية إلا أنه من أكثر الباليهات التي تقدم متعة الفرجة على التشكيلات المتنوعة لفن رقص الباليه في إطار مخملي شديد النعومة والفخامة.


ألف موسيقى "جيزيل" الموسيقار الفرنسي أدولف تشارلز آدم، وهو معروف بعشقه للمسرح حيث ألف سبعين أوبرا واثنى عشر عرضاً للباليه خلال منتصف القرن التاسع عشر، ولكن لم يبق من أعماله سوى "جيزيل" و "القرصان"، اللذان يقدمان حتى اليوم، بينما قدم التصميم الحركي، المصمم الإيطالي جان كواريللي بياتشيني وهو راقص إيطالي ومصمم رقصات وُلد في باريس.
برعت فرقة باليه أوبرا القاهرة في تقديم "جيزيل" على المسرح الكبير تحت إدارة أرمينيا كامل، وقيادة أوركسترا لناير ناجي، وتصميم ديكور لمحمد الغرباوي وتصميم إضاءة لياسر شعلان وتصميم ملابس لناديشدا توفوستلاك ومارنا مارتسينكو، بينما أبدعت مريم كارابيتيان في تقديم دور جيزيل وأحمد يحيى في دور ألبرت وسعيد محسن في دور هانز.


تميزت أيضاً الراقصات رينا أوكاموتو وساتسوكي ماتسيموتو وكريستينا لازوفيتش وروزيلا أناروما ونادية ليشينكو في تقديم الرقصات الثنائية لأطياف العذارى في الفصل الثاني من الباليه، ونفس الأمر بالنسبة للرقصات الثنائية للفلاحين في الفصل الأول والتي شارك فيها أورارا ماتسوزاوا وساتسوكي ماتسيموتو ورينا أوكاموتو وحسن التابعي ومحمد حامد وعمر أمين.


كانت عودة باليه جيزيل إلى خشبة المسرح الكبير بعد غياب واحد وعشرين عاماً، حدثاً استثنائياً بالفعل، وقد أثبتت دار أوبرا القاهرة من خلال فرقة الباليه التابعة لها، على أنها قادرة على تقديم مثل هذا الباليه العالمي الشهير بستوى يرقى إلى العالمي حتى من حيث تفاصيل الديكور والإضاءة والملابس، وأتمنى أن يدخل في ريبرتوار المسرح الكبير السنوي، ليستمتع جمهور الباليه في مصر بمشاهدته كل عام.


 نشر المقال بجريدة القاهرة بتاريخ 30 ابريل 2019 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق