الأربعاء، 31 مارس 2010

الطفل "ليم" وحسرتي على أبنائنا

"ليم يونج" طفل ماليزي في التاسعة من عمره يعيش مع أسرته في سنغافوره، قام بابتكار تطبيق جديد للعبة يمكن الاستمتاع بها على جهاز "آي فون". لعبة "دودلز كيدز" اشترتها شركة "أبل" وتقوم بتوزيعها عبر الإنترنت حيث قام 4000 شخص حتى الآن بتحميل اللعبة والإشادة بها. ليم الذي لا يعي أهمية ما قام به أكد أنه ابتكر اللعبة خصيصا لأخته الصغيرة التي تحب الرسم، فاللعبة تتيح للاعب أن يرسم بأصابعه على شاشة الآي فون وإذا أراد أن يمحو ما رسمه ما عليه سوى أن يهز الجهاز لينمحي كل شئ. بدأ ليم التعامل مع الكمبيوتر وهو في الثانية من عمره بينما بدأ تعلم لغات الحاسب وهو في السابعة والآن وهو لم يتجاوز التاسعة بعد، يجيد ست لغات للحاسب وابتكر عشرين تطبيقاً منهم تطبيق لعبة "دودل كيدز" ويعكف حالياً على كتابة تطبيق جديد للعبة "حرب الغزاة" التي تدور حول إنقاذ سكان طوكيو من مرض خطير يحولهم إلى وحوش.
ما فات، كان خبراً تداولته وكالات الأنباء والجرائد الأمريكية، لكنه لم يمر علي كمجرد خبر طريف عن طفل عبقري، بل كان فتيلاً
أشعل نار الغيرة في صدري، فأنا أم أعاني يومياً مع أبنائي في استذكار مناهج لا معنى لها سوى تحويل الإنسان من عبقري صغير إلى إنسان روتيني كبير من الصعب أن ينفتح عقله على أي أفق إبداعي متطور. يومياً يواجهني إبني بسؤال " ما هو الهدف من استذكار كل هذا؟" ولأنني لا أعرف الهدف، لا أجد سوى إجابة واحدة " ذاكر وانجح في الامتحان وعندما تكبر افعل ما تشاء". لكنني أعلم تماماً أن إجابتي، لا يمكن وصفها سوى بالتخلف، وإن كنت أعذر نفسي قليلاً لأنه ليس بيدي أي حيلة أخرى، فمجتمعنا يفرض علينا أن ينهي الشخص دراسته وإلا فإنه لن يصل إلى شيئ، لكن الحقيقة هي أن المناهج الدراسية المفروضة على أبنائنا والتي فرض ما يشابهها علينا من قبل لا تذهب بنا أبعد من الحدود الضيقة التي لا أفق إبداعي لها، والتي نعيشها يومياً في حياتنا.
على سبيل المثال، يعشق ابني الموسيقى بينما تفني ابنتي ساعات يومها في الرسم، ويحلم كل منهما باليوم الذي لا يفعلان فيه أي شئ سوى قضاء وقتهم
كله فيما يعشقان، فإذا ما نظرنا إلى مدرستهما رغم أنها مدرسة خاصة يدفع فيها مبالغ كبيرة سنوياً، سنجد أنها لا تهتم كثيراً بالموسيقى والرسم إلا من باب النشاط الترفيهي الذي ينزوي أمام المواد الدراسية الأخرى، وعندما تقترب الامتحانات يتم إلغاء جميع حصص النشاط من أجل التركيز على المواد الأخرى حتى يتمكن التلاميذ من عبور عنق زجاجة الامتحانات بسلام. على المستوى الشخصي، من الصعب أن أعتبر نفسي أم مهووسة بموضوع الدراسة والتفوق فيها بل أنني أهتم كثيراً بما يعشق طفلاي وأحاول بقدر الإمكان أن أوفر لهما جميع الفرص التي تساعدهم على التطور في موهبة كل منهما، لكن في النهاية لا يمكنني وإياهما الفرار من شبح الامتحانات ووجوب نجاحهما حتى لا يتعطلا في مسارهما الدراسي عن باقي أقرانهما وكذلك حتى يعبرا نفق

الدراسة المؤلم ويصلا إلى الوقت الذي يتمكنا فيه من تنفيذ أحلامهما بحرية. لكني أسأل نفسي دوماً سؤال " هل سيصلا إلى ذلك الوقت ومازالا يمتلكان ذلك العقل الحر المبدع أم أن روتين الدراسة العقيمة الذي سيمضيان فيه على الأقل ستة عشر عاماً سيخنق لمحة الإبداع الفطرية لديهما وينخرطا في صفوف القطيع؟".
تحدي كبير أعيشه ويعيشه معي على ما أظن كثير من الأباء والأمهات الذين يمتلكون الوعي الكافي لمعرفة أن المواد الدراسية السقيمة المفروضة على أبنائنا وعلينا من قبل، لا تذهب بنا إلى مكان. في الدولة السوفيتية المنهارة! كان هناك نظام تعليمي متميز بحق، فلقد كانت هناك لجان تقسم الأطفال وهم في المرحلة الابتدائية وفقاً لميولهم وأهوائهم، فلا يدرس طفل مادة لا يحبها بعد أن ينتهي من تلقي المعلومات الأساسية فيها، ولذلك استطاع الاتحاد السوفيتي قبل انهياره أن يصل إلى القمر أولاً وكان لديهم ثقافة وفن ورياضة متقدمة ومتطورة بما يوازي نفس التطور العلمي والأدبي. والآن في دول شرق آسيا يعيش الانسان جنته الحقيقية على الأرض حيث مناهج متطورة ومرنة لا تحبس الطفل في جدران أربعة تقتل أي إبداع وتحجب أي أفق، لذلك تفوق أطفال كوريا في الرياضيات والعلوم على أطفال أوروبا وأمريكا وبالتأكيد العرب في الاختبار الذي تم إجراؤه عام 2002 لأطفال المدارس الإعدادية حتى يقف خبراء التعليم في الإمم المتحدة على ما يحتاجه كل شعب لتطوير التعليم في العالم.
والآن بعد أن فجر الطفل الماليزي ليم مكامن غيرتي أتساءل، هل نفتقر نحن كشعب إلى وجود أطفال عباقرة؟ بالتأكيد لا وبدون إجراء أي اختبارات ذكاء على أطفالنا أتجرأ وأجزم بأن أطفالنا جميعاً يولدون عباقرة لكننا نقتل عبقريتهم في مهدها قبل أن ترى النور.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق