الثلاثاء، 18 ديسمبر 2018

"صحينا يا سينا" مسرحية توعوية ترفع راية قيم المواطنة والتكاتف الشعبي





تلعب وزارة الثقافة الآن من خلال البيت الفني للمسرح دوراً هاماُ في رفع درجة الوعي لدى الشعب المصري بقيم بلادهم الأصيلة وحقيقة الدور الذي تلعبه الدولة من خلال الجيش المصري لحماية الحدود ودحر الإرهاب، وذلك في مواجهة المعلومات المغلوطة والمغرضة التي يتم إشاعتها عن طريق وسائل مختلفة مثل مواقع التواصل الاجتماعي والقنوات الإرهابية التي تدار من الخارج، فقد أخرج البيت الفني للمسرح عدداً من المسرحيات مثل ولاد البلد الذي يستمر في العرض منذ أكثر من عام في مختلف المحافظات المصرية، والآن مسرحية "صحينا يا سينا" التي تُعرض في قصر الأمير طاز بالسيدة زينب مجاناً للجمهور.
تنتمي مسرحية "صحينا يا سينا" إلى المسرح التوعوي الذي يعد من أكثر الأدوات تأثيراً في وعي الناس، لما للمسرح من تأثير كبير على الجمهور بسبب الاتصال المباشر بهم، وفي الحقيقة تعد هذه المسرحية وغيرها مما يندرج تحت "المسرح التوعوي" ضرورة ملحة في وقتنا الحالي لمواجهة الأفكار الهدامة التي تنال من الوطن، وذلك بتقديم مسرحيات ذات تيمة وطنية مباشرة تقدم معلومات حقيقية إضافة إلى زرع المشاعر الوطنية الإيجابية لدى المتلقين وربطهم بوطنهم في مواجهة أعدائهم.
من خلال قصة بسيطة ومؤثرة تقدم فرقة مسرح الساحة "حدوتة" أشبه بالسير الشعبية لأسرة مصرية بسيطة تنتمي بكل جوارحها للوطن ومبادئه الوطنية، ولكنها مثل كل الأسر المصرية لديها مجندين وضباط في الجيش المصري، وتعاني من فقد أحدهم على الحدود أثناء عمليات تطهير سيناء من الإرهاب، ورغم ذلك تعيش هذه الأسرة بحب وأمل كبير في الغد وإيمان حقيقي بأن هذا هو دورنا الحقيقي، أن نحمي بلادنا من أي هجمات مغرضة من أجل أن نقدم وطناً آمناً ومستقراً لأبنائنا من بعدنا، وربما هذا شئ يتميز به الشعب المصري بشكل كبير، ما يحمي مصر من الكوارث الكبيرة التي تشهدها البلاد من حولنا خاصة خلال السنوات السابقة.
في التيمة الرئيسية للمسرحية نشاهد قصة هذه الأسرة التي تغني وتستمتع بالموسيقى رغم كل الآلام، وهنا يربط المؤلف وكاتب الأغاني خميس عز العرب  بذكاء بين الوطن وقيمة الفن ودوره الرئيسي في إعلاء هذه القيمة، من خلال الأب الذي يغني أغاني في حب الوطن تشبه أغاني "المسحراتي"، وهو الشخصية الرمز لإحداث عملية اليقظة والمعرفة، بينما نشاهد ابنه الضابط مع المجندين وهم يحضرون إلى منزله كي يتناولوا وجبة السحور من أجل صيام رمضان وهم في طريقهم لتأدية عملية عسكرية هامة في سيناء، كذلك نشاهد الإبنة أو أخت الضابط التي تتأرجح بين مشاعر الحزن على زوجها الضابط الذي توفى في عملية عسكرية وبين الفخر بأن زوجها أدى دوره تجاه الوطن.
ببساطة أيضاً يقدم المؤلف التنوع المصري حيث المجند المسيحي يتناول السحور مع زملائه من المسلمين وكيف أنهم جميعاً متشربين بالثقافة القبطية والإسلامية التي تقوم ركائز الثقافة المصرية عليها، كذلك يقدم المجندين ليمثلوا مختلف الثقافات المصرية، فهناك الصعيدي وهناك سائق التوكتوك من الأحياء الشعبية في القاهرة وهناك الشاب المتعلم خريج الجامعة، وبذلك تكتمل الصورة التي تعبر عن النسيج الوطني المصري، حيث الجميع مستعدون لفداء وطنهم بحب وتفاني.
يلعب الموسيقار حاتم عزت دور الأب، وربما هذه هي المرة الأولى التي أكتشف فيها إمكانياته التمثيلية وقدرته الفطرية على إضحاك الناس برقة ونعومة الموسيقي، وكالعادة يقدم حاتم موسيقى مختلفة ومؤثرة تعبر عن كل سطر في المسرحية، حيث استطاع أن ينقل بموسيقاه وتلحينه للأغاني المشاعر الشعبية الوطنية على فطرتها وبساطتها فاستطاع أن يزرع البهجة بين أفراد الجمهور.
كذلك استطاع الفنان الكبير خالد محمود أن يؤدي دور الضابط المتفاني في خدمة وطنه وكذلك دور الابن والأخ العاشق والمخلص لأسرته ولكنه يقدم مصلحة الوطن على مصلحة أسرته رغم عشقه الشديد لهم. كذلك أدت راندا إبراهيم دور الابنة والأخت باحتراف كبير، فهذه الفنانة قادرة على الانتقال من حالة إلى أخرى بسرعة كبيرة، فهي تستدرج الدمع من المآقي في لمح البصر وتشيع البهجة في لمح البصر أيضاً.
المخرج عصام الشويخ استطاع أن يترجم بساطة القصة بقيمها العميقة بنفس المستوى، فنحن في منزل بدوي بسيط لكن ينطق برموز المحبة المصرية، فسجادة الصلاة معلقة والطعام يقدم في صحون من صاج على "طبلية" شعبية، إضافة إلى استخدامه شاشة بروجيكتور يقدم عليها أفلاماً تفصح عن خلفيات أهمية "سيناء" لمصر وكيف أن رؤساء مصر منذ الرئيس الراحل جمال عبد الناصر وحتى الرئيس عبد الفتاح السيسي حافظوا على الأرض وبذلوا من أجلها كل نفيس وغالي، هذا غير الفيلم الخاص بالمؤامرات الخارجية ضد المنطقة منذ غزو العراق وحتى الآن.
"صحينا يا سينا" مسرحية تستحق المشاهدة واتمنى أن تنال حظ "ولاد البلد"، فتجوب المحافظات المصرية لتوسيع رقعة الوصول إلى الجمهور المصري بمثل هذه الأفكار البناءة.

المقال منشور في جريدة القاهرة بتاريخ 11 ديسمبر 2018