الخميس، 28 فبراير 2019

"الزائر" .. الكون كقرية صغيرة تواجه شبح العالم الافتراضي






في إطار الكوميديا الأخلاقية، يقدم خالد جلال مغامرته المسرحية الجديدة "الزائر"، والتي يتسع عالمها ليشمل الكون بأكمله وليس فقط المجتمع المحلي أو المجتمع العربي، فهو يرسم بناءً لمجتمع متعدد الثقافات والمشارب يعيش في قرية كونية، نشاهد فيها جنسيات متعددة عربية  وأفريقية وآسيوية ولاتينية، ويمزج في العلاقات العائلية، فتجد الصيني إبناً للمصري، والأندونيسي ابناً للشامي والهندية ابنة للأفريقية، وهكذا تختلط الأعراق على خشبة مسرح خالد جلال، فتزهو بألوان الملابس الشعوبية المتعددة في تعبير واضح عن الفكرة التي تدور حولها المسرحية.


المدهش أن خالد جلال يخالف التوقعات التي تنتاب الجمهور بعد أن يرى المشاهد الافتتاحية، فنحن نعتقد في البداية أن الحكاية ستدور حول علاقات المجتمعات المختلفة وما يسببه الاختلاف في العقائد والثقافات من صراع بين البشر، فكل ما يدور على الخشبة يوحي بذلك حتى الخلفية والتي اكتست بصور وتشكيلات تعبر عن شكل القرية التي تدور فيها الأحداث والتي جمعت بين أشهر المعالم السياحية لجميع أنحاء العالم بينها مصر مستخدماً تقنيات الـ 3D Mapping، والتي أضفت الكثير من الواقعية على الأحداث وغمرت المشاهد داخلها، وربما ساعدها في ذلك اتساع مساحة مسرح "المنارة" بالقاهرة الجديدة سواء عرضياً أو في أعماقه. لكننا نجد الحكاية تأخذنا في منحىً مختلفاً تماماً، حيث الفتى الغائب من سنين عن قريته وتصر أمه العجوز أن لا تعقد قران حفيدتها إلا في حضور خالها، ووسط إحباط الجميع لقناعتهم بأن هذا الخال الغائب منذ سنين طويلة لن يعود، تأتي المفاجأة ويعود بعد خطاب ينبئ باقتراب قدومه.
يعود الابن الغائب مرتدياً ملابس أوروبية حديثة ومختلفة عن القرية ويحمل معه جهازاً جديداً يقلب به حياتهم رأساً على عقب، فهذه القرية التي حافظت على تراثها وثقافتها وصلات أهلها ببعضها البعض رغم اختلافهم، تمسك بين يديها جهاز "الهاتف الذكي" أو الـ smart phone  لينشغلوا به عن عالمهم وتبدأ حالة الفردانية تنتابهم جميعاً، حيث يصيبهم مرض العصر وهو الانعزال عن الحياة الواقعية والانغماس في الحياة الافتراضية، ما يجعل الإنسان فرداً يعيش مع آلته ويعبر من خلالها عن كافة أحلامه وأحاسيسه ويفقد أهم صفاته الإنسانية ألا وهي أنه "حيوان اجتماعي"، فيمارس اجتماعياته افتراضياً ويضيع منه واقعه.


موضوع جاد وربما فلسفي أيضاً، فالفلاسفة منذ بداية تسعينيات القرن الماضي يناقشون ويدرسون مسألة تشييئ الإنسان، أي تحوله إلى شئ بازدياد اعتماده على الآلة والتكنولوجيا واكتفائه بالحياة الافتراضية نتيجة لتوغل الشبكة العنكوبوتية في حياتنا وسيطرتها على كافة مقدراتنا، ما يجعلنا تدريجياً نتحول إلى أشياء متشابهة لا تميز فيها ولا اختلاف، وهو ما يقضي تماماً على الإبداع وتطور المجتمعات التي تقوم على الاختلاط والتفاعل بين أفراد البشر بشكل حقيقي وليس متخيلاً عبر الألياف الضوئية. هذا هو ما ما اهتم خالد جلال بتقديمه في إطار دراما مسرحية كوميدية واستعراضية أيضاً، فأنت لا تستطيع أن تغلق عينيك ولو للحظة أثناء مشاهدة "الزائر"، فخالد الذي لا يتوقف عن تحدي نفسه، يمتلك القدرة على تقديم طبخة مسرحية شديدة اللذة، فتجد نفسك تتحول ببصرك من بقعة لأخرى على خشبة المسرح لتشاهد أحداثاً مختلفة تسلم بعضها بعضاً وكأنك تشاهد فيلماً سينمائياً، هذا غير الاستعراضات الغنائية الراقصة التي تحتوي على كثير من الفرجة المسرحية المبهجة، والتي يبرع خالد جلال في تكوينها بشكل يميزه على الساحة العربية وربما يعد الوحيد عربياً الذي يمتلك الرؤية المسرحية الاستعراضية والقدرة على تحريك الممثلين بشكل يشغل المساحة المسرحية كاملة دون إفراط أو تقتير، فهو يمتلك ميزاناً حساساً لحساب كل خطوة على الخشبة بما يعطي جمالاً متفرداً لا تخطؤه العين أبداً.

لم يستخدم جلال في الزائر ممثلين مصريين لتأدية أدوار الجنسيات الأخرى، فلقد شاهدنا ممثلين من أفريقيا وأندونيسيا ونيبال والسعودية وسوريا ولبنان وشاهدنا ملابس تعبر عن ثقافات كل هذه البلدان، واحتوى الحوار على لغات هذه البلدان أيضاً بشكل لم يمثل أي عائق في الفهم، فلقد كنا نسمع جملة حوارية باللغة الأندونيسية مثلاً ويأتي الرد عليها بالعربية المصرية، كما سمعنا حواراً باللهجات العربية الشامية والخليجية، ما شكل تنوعاً أضفى حيوية كبيرة للمسرحية، وهنا يجب الإشارة إلى الوعي الكبير لدى خالد جلال بانتماء مصر إلى القوميتين العربية والأفريقية وكذلك أهمية البعد الآسيوي بالنسبة لكياننا السياسي في المنطقة، فمصر هي قلب العالم القديم ولا تستعيد أهميتها وثقلها إلا بإدراكنا لأهمية اتصالها بقارتي أفريقيا وآسيا وليس فقط بأوروبا التي هيمنت ثقافتها على وعينا لأكثر من قرن من الزمان.


يبقى أن أشير إلى أهمية اختيار مسرح المنارة في القاهرى الجديدة كمكان لعرض "الزائر"، فرغم بعده عن منطقة "وسط البلد" التي اعتاد الجميع على متابعة المسرح في محيطها، إلا أنه يعد بداية لتحريك الإنتاج الفني في جميع أنحاء القاهرة بمدنها الجديدة، ومما لا شك فيه، أن وجود أعمال فنية في مسارح المدن الجديدة سيساعد على تنويع الجمهور وإتاحة فرصة مشاهدة العروض الفنية لقطاع أكبر من الجمهور الذي يصعب عليه التحرك إلى أحياء القاهرة التقليدية القديمة، ولذلك أتمنى ان لا تكون "الزائر" هي المسرحية الوحيدة التي تُعرض على مسرح المنارة وأن يكون هناك إنتاجاً مسرحياً آخر على هذه الخشبة المسرحية الجديدة.

المقال منشور في جريدة القاهرة بتاريخ 26 فبراير 2019

الاثنين، 25 فبراير 2019

10 أعشاب وتوابل يجب أن لا يخلو منها مطبخك






معظم الذين ينتهجون نظاماً صحياً في حياتهم، يركزون على الطعام الصحي فقط وينسون بشأن الأعشاب والتوابل، رغم ما للأعشاب والتوابل من قوة كبيرة في علاج أمراض واضحة والوقاية منها.
الأعشاب والتوابل كثيرة جداً وكلها مفيدة وتُستخدم بشكل واضح في تحضير الأدوية المختلفة لكافة أنواع الأمراض حتى المستعصية منها، ولكن للأسف لا تتوفر كافة أنواع التوابل والأعشاب في بلادنا، لذلك سنركز في أكثر من بلوج على المتوفر في الأسواق العربية وتتم زراعته لدينا، ولكننا سنبدأ اليوم بعشرة أعشاب وتوابل أتمنى أن لا تخلو منها مطباخكم.

ريحان 


1- الريحان
عشبة الريحان معروفة في العالم بأنها ملكة الأعشاب ويوصي به الأطباء الذين يتزعمون فكرة العودة إلى الطبيعة للتداوي بدلا من الاعتماد على الأدوية الكيماوية في علاج الإرهاق والإحساس بالاضطراب العصبي وكذلك الصداع النصفي وأعراض الإجهاد بشكل عام، فالريحان يعمل بشكل جيد مع الجهاز العصبي، فكوب من مغلي الريحان سواء كان أخضر أو جاف سيجعلكم تنسون التعب بعد يوم عمل طويل وربما يساعدكم في إنجاز المزيد من الأعمال.

كركم


2- الكركم 
يحتوي الكركم على مواد مضادة للأكسدة بنسبة عالية، لذلك هو مفيد للجلد والنظام الهضمي ويقاوم جميع أنواع الالتهابات حتى التهابات المفاصل منها، ويصف الأطباء الكركم بأنه التوابل السحرية والتي لا نهاية لفوائدها، فهو الآن يخضع لاختبارات طبية لاستخدامه في علاج أمراض صعبة ومزمنة مثل السرطان والألزهايمر ومقاومة الإصابة بفيروس نقص المناعة HIV.
يمكن إضافة الكركم إلى الطعام وكذلك يمكن شربه مثل مغلي مثل الشاي مع إضافة ملعقة عسل للتحلية.

جنزبيل 

3- الجنزبيل
يعتبر الجنزبيل علاج منزلي فعال للتداوي من نزلات البرد، لقدرته على مساعدة الجسم على التخلص من السموم، وهو أيضاً رائع لنظام الهضم بالجسم وكذلك لعلاج مشاكل فقد الشهية، كما أنه فعال في التخلص من الغازات وانتفاخ البطن وكافة مشاكل المعدة.
بالإمكان تناول الجنزبيل بإضافته طازجاً أو جافاً ومطحوناً لأصناف كتير من الطعلم، كما يمكن شربه مغلي.
كمون


4- الكمون
الكمون المغلي له فوائد كثيرة جداً، فهو من الأعشاب الرائدة في علاج الكثير من الأمراض، فهو يساعد على الحفاظ على نشاط التمثيل الغذائي، وعلى عملية الهضم والتخلص من الغازات وإدرار البول، ولأنه يحتوي على نسبة عالية من الحديد فهو يعالج الأنيميا، كما أنه يحتوي على مضادات الأكسدة ما يجعله فعالاً في تقوية المناعة ومقاوم للسرطان، ومناسب جداً للقضاء على آلام الدورة الشهرية، إضافة إلى أنه يمنع تساقط الشعر.


زعتر

5- الزعتر
مشروب الزعتر سواء كان أخضر أو جاف له فوائد جمة للجسم، فهو يساعد على تنظيم ضغط الدم فيرفع المنخفض ويخفض المرتفع، كما يساعد على تقوية عضلة القلب والصمامات والوعية الدموية وينظم معدلات ضربات القلب، وهو مقاوم فعال للفطريات والبكتريا والفيروسات. كذلك يحسن الصحة النفسية، ويستخدم في علاج الإسهال والتبول اللاإرادي عند كبار السن، ويُساعد على تقوية مناعة الجسم من سرطان القولون، وتُجرى دراسات طبية على الزعتر الآن لاستخدامه في علاج الألزهايمر، وهو مفيد أيضاً في علاج مشاكل الجهاز التنفسي والكُحة.
فقط لا تقوموا بغليه ولكن أضيفوه إلى الماء المغلي واتركوه قليلاً قبل شُربه.

شبت


6- الشبت
الشبت الأخضر مهم جداً للصحة العامة للجسم، فبالإضافة إلى فوائدة الجمة لتقوية عضلة القلب وتحسين الدورة الدموية للإنسان، يساعد الشبت على محاربة الباكتيرياً ويُستخدم كمضاد لالتهابات المفاصل ويعالج خرقة المعدة الإثنى عشر ومفيد جداً لمرضى السكر أيضاً. الشبت كذلك يساعد على فقد الوزن وحل مثالي للقضاء على الأرق حيث يساعد على النوم بهدوء، كما أنه مضاد للاكتئاب ويساعد على التوزان النفسي، وأيضاً يمنع هشاشة العظام والتشنجات المصاحبة للدورة الشهرية.
يمكن إضافة الشبت لوصفات عديدة من الطعام والسلاطة وكذلك يمكن شربه بإضافته للماء المغلي وليس بغليه في الماء.


ينسون

7- اليانسون
أغلب الناس لا يعرفون أن اليانسون مهم جداً للمرأة التي تمر بحالة مخاض فهو يساعد على تسهيل الولادة، كما أنه مفيد لتخفيف تشنجات الحيض بشكل عام. ومن الشائع عن اليانسون أنه مهدئ للأعصاب وهذا حقيقي إضافة إلى أنه يساعد على النوم بدون أرق.
الينسون معروف أيضاً بأنه مُدر للبن الأم المٌرضع، ويوصى بشدة لعلاج الاضطرابات التنفسية، والربو و التهابات الجيوب الانفية، كما يساعد على علاج البرد والسعال و يعمل على طرد البلغم ، و ممكن استخدامه كغرغرة للفم للتخفيف من التهاب الحلق والفم، وهو مهم جداً للتخفيف من آلام التهابات المفاصل والعظام.

8- الكراوية
لا يتذكر الناس الكراوية إلا عندما يكون لديهم طفل رضيع، وهو بالفعل مفيد لعلاج آلام المعدة والانتفاخ والغازات لدى الرُضع، لكنه له فوائد جمة أخرى، فهي تقلل من تضخم الغدة الدرقية، وتُخلص الجسم من الدهون الضارة فتضبط الكوليسترول في الدم، هي أيضاً مفيدة للجهاز التنفسي وتُعالج التهاب الشعب الهوائية والتهاب الكليتين، وتعمل على القضاء على الديدان، وعلاج البواسير والتئام الجروح التي تسببها. وهي أيضاً مفيدة لتخفيف التهابات اللثة عن طريق الغرغرة بها.
الكراوية فعالة في التخفيف من أعراض البرد مثل الرشح والزُكام، وتقضي على الالتهابات التي تصيب الحنجرة والأحبال الصوتية، كما أن لها أثر علاجي فعال للسعال الديكي.
يمكن شرب الكراوية مغلية ويمكن إضافتها إلى الطعام مثل الأرز والعدس.

شمر 


9- الشمر
لا يتذكر الناس الآن الشمر بأس شكل من الأشكال، لكن ربما أعادوه إلى قائمة مشترياتهم بعد معرفة فوائده الكثيرة جداً، فشرب مغلي الشمر أو إضافته إلى طعامنا، يفيدنا من نواحي عدة، منها أنه مٌحفز للرغبة الجنسية لدى الرجال والنساء، ويساعد على فقد الوزن، كما أنه مُقوي لبصيلات الشعر ويساعد على نموه.
الشمر مفيد لصحة العين بشكل عام كما أنه يعالج الأنيميا ويساعد على الهضم.

روز ماري 

10 – روز ماري (إكليل الجبل)
الروزماري او إكليل الجبل من الأعشاب التي يجب أن تكون في منزلنا سواء خضراء أو جافة، ويجب علينا التعود على إضافتها إلى طعامنا أو غليها وشربها لو كانت جافة، فهذه العشبة مُطهر قوي جداً للكبد، وتؤخر علامات الشيخوخة على البشرة، كما أنها تساعد على تطهير رائحة النفس ومفيدة لنمو الشعر، كما أنها مفيدة في حالات قرح المعدة.










السبت، 23 فبراير 2019

أدرينالين .. مونودراما تُعري سرطانات العرب انطلاقاً من جسد المرأة





التساؤل الدائم في عالم المسرح عن كيفية استخدام الجسد كأداة فاعلة للتعبير، يفتح أمامنا كثيراً من الأجوبة التي قد تكون بنسبة عالية غير مقنعة لنا، فنحن شعوب اعتادت أن توصد الأبواب أمام أجسادها نظراً لانطلاقنا من ثقافة تدين الجسد طوال الوقت وتحقر منه في سبيل تمجيد الروح والإعلاء من شأنها، لكن ثقافتنا تعامت ربما عن قصد وربما دون إرادة حقيقية منها، عن أن السبيل الوحيد لتحرير الروح لا يتأتى بمعزل عن تحرير الجسد، هذا التحرير الذي لا يفهمه كثيرون سوى بأنه الممارسة غير المقدسة او الشرعية للجنس، وهو من أكبر الأخطاء التي ننسجن داخلها، فتحرير الجسد لا علاقة له بالجنس غير الشرعي، ولكنه نوع من أنواع المزج بين الروح والجسد كي يعبر بفعالية عن متطلبات الروح. ولهذا طرق عدة منها ممارسة اليوجا والتأمل وهو ما اتبعته الفنانة الأردنية أسماء مصطفى وبدى جلياً في عرضها "أدرينالين" الذي فازت به بجائزة الإخراج من مهرجان أيام القاهرة للمونودراما.


يدخل المشاهدون إلى العرض وأسماء مصطفى نائمة وسط أدواتها المسرحية في مركز خشبة المسرح، متخذة وضع الجنين في الرحم وهي تحتضن ساقيها في حالة من التأمل استعداداً لبدء عرضها، الذي يستمر لمدة عشرة دقائق تقريباً في حالة مزج بين الموسيقى والأداء الحركي الذي يعتمد بصورة كبيرة على حركات اليوجا والتي أثبتت أسماء أنها تتقنها إلى حد بعيد، كما تمكنت من توظيفها بشكل فعال للتعبير عن حالة سجن الجسد وتعهيره الذي نولد ليُزرع داخلنا وكيف سارت في طريق عتقه من نير التكبيل والكبت حتى تصل إلى نقطة السرد والذي تبدأه بالقول "عشرة دقائق"، وربما تعني عشرة دقائق من التأمل في مقابل باقي دقائق العرض الذي أخذتنا من خلاله في رحلة من التوتر الذي يصاحب الكشف عن مكنونات صدورنا جميعاً وربما مكنونات صدور النساء بشكل خاص، فلقد قالت أسماء ما نحاول طوال الوقت السكوت عنه بتنهيدة ورمشة جفن بطيئة أثقلها اليأس من أي تغيير منظور في وقت قريب.


انطلقت أسماء من سرطان الثدي، هذا الوحش الذي يترصد أبواب جميع نساء الأرض في صمت مباغت، تتحسس كل امرأة صدرها كل يوم رعباً وهي تنظر قريناتها يتساقطن الواحدة بعد الأخرى في لج هذا الطوفان الهادر، لكننا مع أسماء نكتشف أن هذا الشبح أقل ما يمكن مواجهته في مقابل سرطانات أكثر توحشاً في عالمنا العربي المنقسم والمتشظي في مواجهة مسائل العادات والتقاليد والدين، وحالة من الفرقة التي تسرطن أيامنا ونحن نعيش جميعاً دون استثناء في حالة انتظار للدمار الشامل الذي نراه قادماً لكننا منعقدي الأذرع عاجزين عن فعل شئ لدرئه.


المرأة وفقاً لرؤية أسماء في "أدرينالين"، هي الأكثر حملاً لنتائج هذه السرطانات الفادحة، نرى ذلك من خلال تعبيرها عن تنميط المرأة منذ لحظة تكونها في رحم أمها، فهي مجرد جسد للذة، وينقسم جسمها إلى تكوينات بيولوجية ذات وظائف تخدم متعة الرجل وحده، نلحظ ذلك في قولها " حيث قيل لها يوماً؛ ذكريات المرأة في ثدييها"، ثم تذكر حبها الأول وحينما كانت تنظر في عيني حبيبها بينما عينيه تركز على ثدييها، ومن ثم زواجها وتعرض البطلة إلى مرض سرطان الثدي الذي تمسك منه الخيط لتكشف عن كل السرطانات الإيدولوجية والسياسية داخل المجتمع العربي، لتصل إلى لحظة الكشف والوصول إلى الاجتراء على هدم الكرسي برمزيته إلى السلطة الأبوية الذكورية.


سارت أسماء مصفى في نصها عبر مسارات سردية مختلفة ترمز بها إلى آلام المرأة من خلال مونولوجات لنساء يعانين قهر المجتمع الذكوري، بداية من الفنانة التي تُجرم لفنها، ثم الأم التي يهرب ابنها من بلاده بسبب ويلات الحروب والبطالة فيموت بين أمواج البحر، إلى الزوجة التي يهجرها زوجها باسم النضال من أجل الوطن ثم النضال من أجل الدين حتى يفجر نفسه طلباً لحوريات الجنة فلا يتبقى منه سوى حذائه في رمزية شديدة البلاغة لدنو مطلبه في مقابل الحياة التي دأبت على تقديمها له بينما كان يرفضها في عنجهية ذكورية، وهي تنصاع وتفقد رحيق حياتها يوماً بعد يوم، دلالة على القهر الذي تدفع ثمنه المرأة من أجل حروب يقحمها فيها عالم الرجال.
يتعرض مشاهد "أدينالين"، إلى مجموعة من المنولوجات التي تتعدد فيها الأصوات السردية، فيجد نفسه متورطاً في الهموم الذاتية التي تطرحها الممثلة، لتسحبه بعد ذلك إلى الهم العام ويبدأ داخلة النقد الاجتماعي والسياسي، وهو ما نجحت فيه أسماء من خلال نصها شديد الدقة والرهافة، والمكتوب بأنامل أنثوية ذكية تستطيع التسرب بعذوبة مؤلمة إلى النفوس لتقبض عليها في مهارة ولا تحررها حتى بعد انتهاء العرض، حين تعود الفنانة إلى وضعها الجنيني كما بدأت، وكأنها تطالب بحياة جديدة تختلف عن ما مضى.


استطاعت الفنانة أسماء مصطفى أن تعبر في بلاغة عن كافة أشكال المشاعر التي تطلبها النص، فكانت تنتقل باحترافية بين الدهشة والغضب والاندهاش والحزن والتوتر، كما تمكنت من أدوات تعبيرها الراقصة التي تتسارع وتيرتها وتتباطئ مع نوعية السرديات الدرامية، كما نجحت في تقديم لغة جسد جديدة على المسرح العربي ومنها رقصة البوتو الاحتجاجية، وقد أعجبني بشكل خاص مشهد تحريكها للغربال بما فيه من أصداف في محاكاة بارعة لصوت البحر في مشهد الابن المهاجر.


لعب الديكور والإضاءة دوراً كبيراً في نجاح هذه العرض، حيث تمكنت الإضاءة من تعميق المعاني المطروحة بالنص، أما بساطة الديكور والذي انحضر في كرسي يرتدي قميصاً وقناعاً معبرة به عن السلطة الذكورية الحاكمة للعالم، والحذاء المتبقي من الزوج وغربال الصدف الذي لعب دور البحر، كذلك الملابس البيضاء التي بدأت صادمة لوعي الجمهور متمثلة في بنطال قصير وضيق وضمادات ملفوفة على الصدر ثم ردائين أبيضين آخرين ترتديهما على البنطال القصير والضمادات، في تعبير عن ثنائية الميلاد والموت حيث نبدأ بلفافة بيضاء عقب الولادة وننتهي بكفن أبيض.
"أردينالين" موندراما شديدة الجرأة، تمتلك الكثير من أدوات الكشف والمواجهة وتعبر ببلاغة عن رحلة تحرير الجسد بإعادته إلى تكوينه الأولى في اتصاله بمفردات الكون من حوله، وهو ما يعد مغامرة أولى في منطقتنا تُحسب للفنانة الأردنية أسماء مصطفى.

نشر المقال في جريدة القاهرة بتاريخ 19 فبراير 2019


الثلاثاء، 19 فبراير 2019

"أيام صفراء" .. تحفة مسرحية تتألق فيها مأساة إنسانية موجعة



ملحمة إنسانية راقية وموجعة في نفس الوقت، يلعب النص فيها دوراً أساسياً فبدون النص لا يوجد مسرح، والكاتبة السويسرية من أصل يوجوسلافي دانييلا يانيتش كتبت "أيام صفراء" من واقع تجربة حقيقية عاصرتها بنفسها وهي طفلة أثناء حرب البوسنة والهرسك وانقلاب أهل الوطن الواحد على بعضهم البعض في حرب عرقية ودينية مزقت بلادهم وأدمت معالم إنسانيتهم وربما بترت كل قيمة عرفوها، ولذلك خرج النص مأساوياً صادقاً تتجلى فيه روح البشرية المغدورة بألعاب الساسة الكبار، الذين لا يأبهون لإراقة الدماء في سبيل تحقيق أطماعهم السلطوية.
تأخذك مسرحية "أيام صفراء" في نسختها العربية والتي ترجمتها نيفين فايق وأعدها درامياً عمر توفيق، من أول مشهد لها لتخوض تجربة مؤسية، ربما تردك إن لم أبالغ إلى الملاحم التاريخية التي تحكي صراع الإنسان مع ذاته ومع القوى العليا، في محاولة للبحث عن هوية خالصة له، لكنه في النهاية يصطدم بواقع أي صراع، ألا وهو الدمار حتى لو كنت أنت المنتصر.


سباق قيمي يدور بين الشخصيات الثلاث بالمسرحية ( الزوجة وأخوها وزوجها)، فالزوجة والزوج ينتميان لفصيلين عرقيين أو دينيين مختلفين، حيث لم يوضح النص ماهية هذا الاختلاف لأنه في النهاية لا يهم، فالفكرة في الأساس قائمة على الصراع بين المختلفين أياً كان سبب اختلافهم، ويقف الأخ بين اخته وزوجها، فهو نموذج للمتطرف المتعصب لهويته الضيقه ويصر على إبراز هذا الاختلاف أمام أخته، بينما تصر هي على أنه بإمكان الجميع أن يعيشوا سوياً كما اعتادوا منذ الأزل وأن الحب الصادق يذيب أي خلاف، بينما يقف الزوج نفس موقف زوجته ولكنه يرى أن أي خلاف يمكن حله بالنقاش والديموقراطية، وهو ما يسخر منه الأخ بلغة حادة موضحاً الفروق المادية والاجتماعية بين فصيليهما والفصيل الثالث وهم "الحمر"، وهنا نلحظ أن الكاتبة لم تعط أسماءً حقيقية لأي من شخوص أو مفردات نصها، فنحن نتعامل مع فصيلين يمثلهما الزوج والأخ وفصيل ثالث يحكمهما أعطته اسم الحمر، ربما لما في هذا اللون من دلالة دموية أو رمزية الطغيان، بينما أبطال المسرحية لا نعلم لهم أسماء فهم ينادون بعضهم البعض بصفاتهم داخل النص، والكاتبة تعمد من خلال ذلك إلى تعميم القضية التي تناقشها فهي قضية عالمية لا علاقة لها بمكان محدد.
أضفى المخرج أشرف سند على النص رؤية شديدة التميز، فلقد غلفه بإطار على هيئة مباراة بين فريقين حيث نشاهد مبارايات بين الفصيلين تتخلل المشاهد عند نقاط الصراع في الحوار بين الأطراف، ينساق لها الأخ الذي تعصف بذاته الفوارق بين الفصائل المتعددة داخل المجتمع، ورغم تأكيد الأخت/الزوجة لأخيها انها مجرد مباريات لا يعني الفوز أو الهزيمة فيها أي شئ، إلا أن الأخ يؤكد على أن الهزيمة موجعة وأنه لابد لفريقه/فصيله أن ينتصر. يقدم المخرج أيضاً شخصية صامتة على الأحداث وهي شخصية ملاك الموت التي قدمتها الراقصة سارة عاشور في عذوبة مفرطة، فنجدها تجسد مشاعر الأسى والحزن على ما ينتج من موت ودمار بسبب الشجار والحرب، في رقصات تسيل بهدوء موجع بين الأحداث خاصة تلك الأحداث التي تشارك فيها الزوجة وكأنها تجسد ضميرها الداخلي الذي يقف عاجزاً بين كل هذا الخراب الذي يطال أخيها وزوجها ومدينتها التي تذوي في مواجهة التطرف.


تحمل المسرحية كثيراً من الرموز ذات الدلالات الإنسانية الكونية، ففي المشهد الذي يجمع بين الأخ والزوج أثناء الهدنة وانسحاب الحُمر، يجلس الرجلان ليلتقطا أنفاسهما، فيتعجب الأخ من الزوج الذي يصر على ارتداء حذاء رياضي بينما يحتفظ بالحذاء العسكري داخل حقيبته رغم أنه حذاء قوي، ويبرر الزوج ذلك بأن الحذاء الرياضي أكثر خفة في الحركة، بعد ذلك وعندما يعود الزوج إلى زوجته نلاحظ أنه ارتدى الحذاء العسكري، دلالة على أن الحرب بين فصيله والفصيل الآخر الذي تنتمي له زوجته وأخيها قد أنهت ما تبقى لديه من إنسانية لتتعسكر روحه تماماً أمام أي ملمح لمدنية. كذلك عندما عاد الزوج إلى منزله وقد فقد عينه اليمنى فسأل زوجته إن كانت تصلي في غيابه وإلى أي رب كانت تصلي؟ فأجابته: "كان خوفي من أن يجدوك أكبر من قدرتي على الصلاة"، ويحمل هذا المشهد بلاغة شديدة الدلالة على شلل الإنسان في الخوف حتى عن التواصل مع الله، فالخوف يغرس اليأس واليأس يمنع العيون عن رؤية الخالق، نلاحظ أيضاً السخرية من المؤسسات الدولية التي من المفترض أنها تقف حائلاً بين الشعوب واندلاع الحروب، فيتم وصفها في المسرحية بـ "وكالات القدر التريحية".


يدير أشرف سند فضائه المسرحي باحترافية يغلفها عمق فهمه لرهافة النص الذي بين يديه، ويكسبه الكثير من الحيوية، فهو يقسم خشبة المسرح إلى نصفين عرضيين، النصف الأول الذي يواجه الجمهور يمثل منزل الأسرة والمطعم الذي يلتقي فيه الزوج والأخ ثم مخبئهما أثناء الهدنة من الحرب، والجزء الخلفي يجسد ملعب المباريات ثم ساحة الحرب، ويفصل بينهما بشباك مثل شباك مباريات كرة القدم، كذلك يضيف مذياعاً "راديو" على الأحداث كنوع من تخفيف حدة مأساوية الأحداث ليسخر من تناول الإعلام السطحي لعمق ما يحدث بالفعل على الأرض. واستطاع مع مصمم الديكور فادي فوكيه أن يقدم رؤية مرنة لقطع الديكور المستخدمة والتي يمكن تشكيلها بسهولة لتجسد مقاعداً في منزل أو فراشاً أو طاولات في مطعم أو خندقاً في حرب، فأدت دورها بكفاءة لخدمة الأحداث دون أن تزحم الخشبة أو تحدث جلبة بتغييرها أو تحويلها.

ولا يمكن إغفال دقة اختيار الممثلين الذين لعبوا بطولة هذه القطعة المسرحية الفاتنة، فالفنانة رباب طارق استطاعت برهافة الفراشات المحترقة من أجل الضوء، أن تجسد دور الزوجة الممزقة بين زوجها وأخيها ووطنها وهي تشهد كل معالم الكون الذي تعرفه وهو يذبل ويفنى، فلقد استطاعت هذه الفنانة بديعة الطلة والموهبة أن تريق الدمع من عيني في كل مرة أشاهد فيها العرض، كما تمكن الفنان رامي الطمباري بصوته القوي الرصين وقدراته الأدائية المميزة والمعهودة أن يجسد دور الأخ المتطرف الذي لا يستطيع إنكار إنسانيته في مواقف بعينها، فينقذ زوج أخته رغم انتمائه إلى الفصيل الآخر ورغم اعتراضه على زواجهما، أما عابد عناني فقد نجح بقوة في تجسيد شخصية الزوج على اختلاف دفقاتها الشعورية والتي تتصاعد وتزداد حدة مع تأجج الصراع بالمسرحية ووصوله إلى القمة، فهو هذا الشخص الهادئ الرومانسي الذي يؤمن بالاختلاف بين البشر وأهمية الحوار الديموقراطي لحل أي نزاع، ثم هو هذا الزوج الذي يُجبر على ترك معشوقته/ زوجته لينغمس في حرب لا يؤمن بجدواها، ثم هو هذا المحارب الذي يقبض على إنسانيته رغم ثقل وطئ المعركة فيحرص على إطعام كلبة فقدت ذويها في الحرب ويحلم بذراعي زوجته، ثم هو هذا الرجل الذي فقد قدرته على تحديد المعاني فيفقد بصيرته ويقتل زوجته.


"أيام صفراء"، مسرحية شديدة الأهمية تؤكد حرص مركز الهناجر على اختيار العروض التي يقوم بانتاجها أو المشاركة في إنتاجها، وإن كانت تستحق المد في أيام عروضها، فخمسة عشر يوماً أقل مما تستحق هذه المسرحية، التي أتمنى أن يشاهدها الجميع لما لها من قيمة تنعكس على ما نعيشة في مصر ووطننا العربي الآن من مواجهة للتطرف والإرهاب.


نُنشر المقال بجريدة القاهرة تاريخ 12 فبراير 2019 

الاثنين، 4 فبراير 2019

"مفتاح شهرة" تسرد سير المهمشين وتؤكد الثقة في المسرح المستقل




نحن لا نتشابه ولا ينبغي لنا أن نكون، ولكن لا يعني عدم تشابهنا أن هناك مواصفات محددة وواحدة للحصول على فرصة لتحقيق الذات في الحياة، وهو ما لا يحدث للأسف على أرض الواقع، ما يجعل هناك دائماً خطاً مجروراً بطول صفحة الدنيا يرقد خلفه ما نعرفهم باسم المهمشين. ربما يكون هذا هو المعنى الذي تقدمه مسرحية "مفتاح شهرة" التي كتبتها وأخرجتها ومثلت بطولتها الفنانة المتميزة دعاء محمد حمزة وهي مديرة فرقة اللعبة المسرحية التي أنتجت العرض أيضاً، كما لعب دور البطولة أمامها الفنان عماد إسماعيل وزوجها في نفس الوقت، ما أضفى على العرض روحاً عائلية دافئة غمرت المشاهدين الذين ملأوا مقاعد مسرح الهناجر.



تأخذك المسرحية في عباءتها قبل حتى أن تطأ قدمك صالة المسرح، فلقد فوجئنا ونحن نجلس في انتظار فتح باب القاعة بامرأة ترتدي فستان زفاف متسخ من الصدر بلون أحمر وتحمل في يدها كوباً من الشاي وفي اليد الآخر موبايل بينما تتشاجر مع رجل يرتدي بدلة زفاف قديمة وكوميدية، وتتهمه بأنه أضاع عليهما النقود التي كان من المفترض أن يحصلا عليها لقاء مشهد زفاف يؤديانه ككومبارس في فيلم سينما، بينما يرد عليها الاتهام بأنها امرأة لا ترقى لمستوى العمل في فن التمثيل. تقف مشدوهاً أمام الاثنين وأنت لا تدري إن كان الأمر حقيقياً أم أنهما يمثلان، وتظل تتخبط في حيرتك حتى تحسم المرأة الأمر بأن تدعو المشاهدين للدخول إلى قاعة المسرح، فلا تملك سوى أن تبتسم وأنت في داخلك تعترف بأنك قد بلعت الطعم.


المسرحية عبارة عن مشهد واحد متصل، لكنه يحوي داخلة العديد من المشاهد التي برعت دعاء محمد حمزة في كتابتها وإخراجها، ولعب الديكور والملابس دوراً كبيراً في أخذ المشاهدين في غمار اللعبة التي رسمتها باحتراف. فنحن أمام اثنين من الكومبارس السينمائي يفسدان مشهدهما وعندما يُطردا من موقع التصوير، يدخلان إلى غرفة الملابس ليُغلق الباب عليهما بالمفتاح من الخارج، ولا يجدان شيئاً ليفعلاه سوى الشئ الوحيد الذي أضاعا عمرهما جرياً ورائه بلا جدوى .. التمثيل.


أحلام مجهضة لفتاة فقيرة لم تكن تحلم سوى بأن تمثل فقط، لكن فقرها وانتمائها لطبقة المهمشين لم يمنحها سوى دور الكومبارس لتترقى بمجهودها وتصبح كومبارس متكلم بدلاً من صامت، والمفارقة العجيبة أن اسمها "شهرة"، حيث منحها أحد النجوم الكبار هذا الاسم عندما أعجبه مثابرتها وأدائها المتميز ككومبارس، وعلى الجانب الآخر يقف "مفتاح" الذي كان يعمل موظفاً مرموقاً في الدولة ولديه شقة وراتب مستقر، لكنه يعشق التمثيل وتضيع أيام حياته في مسارح الثقافة الجماهيرية "الأقاليم"، حتى يقرر الذهاب للقاهرة ليشق طريقه في عالم السينما والفيديو، فيصطدم بحقيقة الصراع داخل هذا العالم ولا يستطيع سوى أن يكون كومبارس. كومبارس يحفظ السيناريو كاملاً من أجل أن يقدم جملته الوحيدة بروح ومعنى يتماشى مع السياق العام للقصة، وهنا يحدث الصراع بين مفتاح وشهرة، أو بين الاعتراف بالواقع والعيش في الأحلام.


استطاعت نشوى معتوق مصممة الملابس والديكور أن تمنح العرض بلاغة في التعبير عن الروح الخاصة به، فلقد قسمت جوانب فضائها المسرحي ليعبر عن غرفة ملابس سينمائية، ذات بعد أسطوري، فالملابس في هذه الغرفة تشمل الأزياء الخاصة بأفلام مصرية تاريخية غيرت من مجرى الضمير الإبداعي وأحدثت تحولاً في الإنتاج السينمائي، ونشاهد ذلك في الجزء الخاص بإعادة تمثيل مشاهد من هذه الأفلام بواسطة الشخصيتين؛ مفتاح وشهرة، الذين يستغلا فرصة عزلهما عن العالم الخارجي ليفعلا الشئ الوحيد الذي يحباه، ألا وهو التمثيل، لتبدأ اللعبة بينهما، بتبديل الملابس كحدث داخل الدراما، ومن ثم أداء شخصية جديدة، وقد تمكنت مصممة الملابس والمنفذة لها وللديكور ليلى عمرو حسني، أن يقدما ملابساً موحية وعملية بحيث تعبر عن الشخصية بصدق وفي نفس الوقت من السهل تغييرها وتبديلها بسرعة.


الموسيقى أيضاً جاءت معبرة عن روح العرض، فاتسمت بالتنوع وفقاً للحدث الذي يجري على الخشبة، فمن الشعور بالغضب في اللقاء الأول بين البطلين إلى التعارف ثم الوقوع في نوستالجيا بداية تعلقهما بالفن، فالمعاناة التي يواجهانها ككومبارس مهمشين، ثم تحقيق الحلم في فضاء أٌغلق عليهما وحدهما وتمثيل كل الأدوار التي يحبانها. استطاع المؤلف الموسيقي حازم شاهين أن يقفز بموسيقاه برشاقة بين كل هذه المشاعر والأحوال الإنسانية، فأضافت الموسيقى لقيمة العرض بقوة.
"مفتاح شهرة" مسرحية تعبر عن الواقع المسرحي للفرق المستقلة في مصر، والذي يحقق التوازن بين إنتاج القطاع الخاص وإنتاج القطاع العام، بتقديم نكهة مسرحية مختلفة ومميزة عن السائد أو المتعارف عليه.