الجمعة، 13 مارس 2020

"رسائل العشاق" .. نص مبتسر يلوي عنق عشق المتصوفة في اسكتشات سطحية






حالة رومانسية غنائية تتمحور حولها مسرحية "رسائل العشاق" للمخرج محمد إبراهيم الذي ألف النص أيضاً، فنحن بصدد مشاهدة مناقشة اجتماعية لأحوال الشباب الرومانسية، أو الشكل الذي آلت إليه العلاقات بين الرجل والمرأة سواء المتزوجين أو المرتبطين عاطفياً، ولكن المؤلف والمخرج يغلفها بإطار صوفي تحت اسم ومقولات الشيخ الفقيه الصوفي مولانا جلال الدين الرومي، وهنا يأتي التساؤل: هل كانت رسائل الرومي يُقصد بها العشق والغرام بين الرجال والنساء؟ أم أنها رسائل في العشق الإلهي؟، لنعود ونسأل سؤالاً آخر: متى تنتهي موضة جلال الدين الرومي منذ انطلاق ترجمة رواية "قواعد العشق الأربعون" للتركية إليف شافاك عام 2013؟ وتفريغ كلمة "عشق" من محتواها الصوفي الحقيقي لتتحول إلى علاقات وغرام وانتقام بين الرجال والنساء؟ حيث أن تستطيح المضمون الفلسفي الصوفي لإنتاج الرومي الأدبي التصوفي ممجوجاً ومستهلكاً، من كثرة التشدق به في أعمال فنية أو كتابات رومانسية أقرب لروايات الحب للمراهقين والتي كانت منتشرة في سلاسل قديمة تحت اسم روايات زهور وروايات عبير، إضافة إلى صفحات مواقع السوشيال ميديا التي تلوك مقولات المتصوفة وتحديداً الرومي دون محاولة تقديم كتبه بشكل أكثر عمقاً يمنحها مكانتها الحقيقية.


هذا هو انطباعي عند مشاهدة رسائل العشاق، فنحن نشاهد اسكتشات تمثيلية تعالج بخفة شكل العلاقات السريعة بين الشباب المعاصر، والتي غالباً ما تتم عبر وسائل التواصل الاجتماعي وبرامج الاتصال والـ "شات"، فتبدأ القصة بسرعة وتنتهي بأسرع مما بدأت به، أو مشاكل الزواج المعاصرة من استنزاف المشاعر واستهلاكها بمطالب تبعد عن المسؤوليات الحقيقية التي  تقوم عليها البيوت مثلما اعتاد آباؤنا وأجدادنا. نشاهد هذه الاسكتشات والتي شهد بعضها الكثير من المط والتطويل وتعمد إقحام تابلوهات رقص معاصر يؤديها الممثلون الذين تم تدريبهم على الأداء الراقص على يد مناضل عنتر، ليعود مناضل إلى الواجهة مرة أخرى كأفضل كريوغراف يدرب ممثلين على الرقص، فهو يستطيع تقديم تابلوهات احترافية من خلال غير المتخصصين في الرقص، وهذا ما أثبته في عدد من العروض ومنها مسرحية "رسائل العشاق"، حيث أضفت التابلوهات الراقصة التي رسمها الكثير إلى العرض والذي ربما غرق في الملل دون هذه الرقصات.

يغلف المؤلف والمخرج اسكتشاته الغرامية بأجزاء من رسائل ومقولات مولانا جلال الدين الرومي والذي أدى دوره الفنان القدير مفيد عاشور، حيث كان وجوده في "رسائل العشاق" داعماً بقوة، حيث تنساب اللغة العربية الفصحى من بين شفتيه في سلاسة انسياب الماء عبر غدير دافئ بحرارة الشمس، فتسعد أذنك مع عينيك بإطلالته على المسرح، حتى يكاد العرض أن يكون مكتوب خصيصاً له كي يصول ويجول على خشبة المسرح بكل أدواته المسرحية وإمكانياته التمثيلة العظيمة.
أضفى وجود المطرب والمنشد الكبير علي الهلباوي الكثير من القيمة للعرض، فلقد استطاع بصوته وألحانه أن يمنحا العرض قبلة حياة أخرى، فمع الموسيقى والأغاني الإنشادية وصوت الهلباوي إضافة إلى كريوغراف مناضل، يستطيع المشاهد أن يرى عرضاً ممتعاً يعتمد بشكل أساسي على العناصر الفنية المضافة للنص غير الموجود من الأساس، حيث مجرد ثرثرات تحشو ما بين رسائل جلال الدين الرومي بأداء الكبير مفيد عاشور.

كان أغلب الممثلين الشباب المشاركين في العرض من أبناء أكاديمية الفنون، حيث تميز أداء بعضهم وكان إضافة لنحت بنيان العرض، مثل الفنان الشاب جورج أشرف الذي قدم أداءً كوميدياً جيداً ويبشر بوجود جيل جديد من الكوميديانات المصريين الذين بإمكانهم تقديم كوميديا راقية تخرج الضحك من القلب بعيداً عن الإفيهات الجنسية وتبادل الشتائم والسخرية من أجساد الممتلئين وغير ذلك مما شاع على ساحة الفن وخاصة التجارب المسرحية التي قدمت من خلال القنوات التلفزيونية الفضائية. كما أثبتت زينب العبد جدارتها في فن الأداء التمثيلي وقدمت عدداً من اللوحات بعدد من الشخصيات المبعثرة عبر الاسكتشات المختلفة، وإن كان من غير المستحب أن ترقص، فهذه سقطة تحسب على المخرج قبل أن تحسب عليها وإن كان مفروضاً ان ترفض مشهداً كهذا، فلقد قلل من قوة المشهد الذي يلقي فيه "جلال الرومي" بغطاء رأس أخضر على رأسها كنوع من الحماية لمشاعرها المجروحة، وفي الوقت الذي كنا نستعد للتصفيق لهذا المشهد الرائع، قرر المخرج أن يستنزفه برقصة تؤديها زينب جاءت خارج السياق ولم تفعل سوى أن قللت من قيمة الأداء التمثيلي به.
خرج ديكور هبة عبد الحميد ناعماً ومعبراً عن الحالة الصوفية المطلوبة بالعرض، ولقد ظهر ذكائها في تقسيم الخشبة لعدة فضاءات، حيث مكتب شحصية جلال الدين الرومي يستقر أقصى يمين الخشبة بالقرب من المشاهدين، وكأنه مراقب للأحداث من بعيد، أو ناقداً لها في كتاباته. كذلك خصصت مكاناً مغطىً غلالات رقيقة ومضاء بضوء مخملي خافت يجلس داخله التخت الموسيقي الذي أمتعنا بالعزف ليشدو الهلباوي. وإن كنت أتساءل عن سبب استخدام مكتب آخر في يسار عمق الخشبة لم يستخدم سوى مرتين على الأغلب؟!

"رسائل العشاق" مشروع لمسرحية كان بإمكانها أن تكون أقيم من ذلك، لو كان المخرج محمد إبراهيم استعان بمؤلف مسرحي محترف لكتابة النص له بحبكة درامية متماسكة بدلاً من أن يخرج العرض مفككاً بسبب النص، الذي هو في الأساس العظام التي يقوم عليها بنيان أي عمل مسرحي، لنعود ونقول أن العمل يستحق العرض بسبب العناصر الفنية المحيطة بالعمل وليس بسبب وجود نص مسرحي حقيقي نستند إليه!