الأحد، 30 أغسطس 2020

استيقظ واحذر من البروباجندا: العزل المنزلي سبب إصابة 66% من سكان نيويورك بكوفيد 19

 


تراجعت وسائل الإعلام الرئيسية في أوروبا وأمريكا، رغم جهودها من أجل إبقاء الخوف مرتفعاً من كوفيد 19 في الوقت الذي لا تقدم فيه أي نوع من أنواع المعلومات الحقيقية والملموسة، فلقد اعترفت MSM أن الأشخاص الذين تم نقلهم إلى المستشفيات بدعوى إصابتهم بفيروس كورونا، وبعد التزام الجميع بقوانين الحظر والإغلاق الصارمة، ووفقاً لتقرير أذيع على قناة CBS؛ فإن أكثر من نصف الناس (66%) من سكان نيويورك أصيبوا بكوفيد 19 ونقلوا إلى المستشفى، فقط من أجل إطاعة الطبقة الحاكمة والامتثال لأوامر الإغلاق.

يقول براين من قناة (هاي إمباكت فلوجز) على موقع يوتيوب والذي تم حجب حلقاته الخاصة بكورونا من على موقع الفيديوهات الشهير :"حتى وسائل الإعلام الرسمية الرئيسية بدأت تعترف تدريجياً وعلى مضض طبعاً، فهذا الأمر برمته يتضح تدريجياً أنه تمثيلية كبيرة جداً"

ويتابع براين أن نحو ثلثي المرضى في نيويورك أصيبوا بفيروس كوفيد 19 برغم التزامهم التام بالعزل في المنزل وحرصهم على الانصياع لقيود الإغلاق. ما الذي يمكن أن نفهمه من ذلك؟

(قد يعني هذا أن ما يصاب به الناس ليس معدياً كما قيل لنا)، هكذا يجيب برايان على تساؤله، ويكمل: " أو أن الأمر برمته كذبة كبيرة وأنه لا يوجد شئ اسمه كوفيد 19، والأمر لا يتوقف على هذه الإحصائية فقط، فلو قمت بتدوير كل الأحداث في عقلك ستكتشف أن السياسيين والإعلاميين يبدون في موقف غاية في السوء".

لقد بدأت النخب في الاعتراف بأنهم صنعوا عملية الاحتيال الملقبة بكوفيد 19 من أجل إتمام إعادة ضبط النظام العالمي الجديد، والذي سيكون نظاماً شمولياً يتكون من سادة وعبيد.

هكذا يقول برايان ويكمل:" إذا كان قد تم إقناعك بسهولة أن الدمى السياسية ستوفر لك الأمان فعليك إعادة التفكير في الأمر، لأنه ببساطة لا يهم من الذي سيفوز في الانتخابات الرئاسية الأمريكية في نوفمبر القادم".

وينهي برايان الفيديو بالقول: "أنا شخصياً أشعر أن أولئك الذين يعرفون ما يجري عليهم التزام تجاه أطفالنا وأحفادنا الذين لم يولدوا بعد، بأن لا يتركوا لهم نظامًا من الاستعباد. هذا يعني التخلص من كل مؤسسة تطلب منا طاعتها والخضوع لها، الحل الوحيد هو القضاء التام على العبودية. إلى جانب ذلك، يجب أن تعرفوا أنه لا يوجد أي إنسان آخر لديه أي حق أخلاقي في السيطرة أو استعباد الناس، ولا يوجد أي إنسان ملزم بالطاعة طالما أنه لا يؤذي أحدًا. أي خط فكري آخر هو عقيدة العبيد.توقف عن العيش في خوف. استيقظ واستعد وكن متيقظًا. يبدو أن الأمور ستصبح قبيحة حقًا في الأشهر القليلة المقبلة مع اقتراب موعد الانتخابات"

النص الأصلي باللغة الإنجليزية في هذا الرابط 

https://www.shtfplan.com/headline-news/propaganda-alert-msm-admits-people-hospitalized-with-covid-19-got-while-complying_08252020?s=09

 

الاثنين، 4 مايو 2020

"في قفا راجل" كوميديا اجتماعية تفضح ممارسات القمع ضد المرأة




تعد الكاتبة والمخرجة المسرحية نسرين نور، واحدة من أكثر المهتمين والشغوفين بالمسرح، فهي لا تفتأ تنتهي من دراسة مسرحية أياً كان نوعها، حتى تدخل في أخرى، كما أنها تتمتع بدأب شديد، زانتماء قوي لنصها المسرحي، فتظل وراءه حتى تعثر على الإنتاج المناسب له، ليخرج إلى العلن مجسداً تجربة مسرحية مميزة، ونصاً يقدم أفكاراً هامة وحداثية بأسلوب السهل الممتنع.
على مسرح مركز جوتة الثقافي وفي "التحرير لاونج" تحديداً، قدمت سمر مسرحيتها "في قفا راجل"، حيث لعبت البطولة الفنانة الكبيرة ماجدة منير مع الشابين رحاب فوزي وحازم الصواف. تعالج المسرحية الصراع الاجتماعي الذي يفرض على المرأة شكل محدد، عليها الالتزام به وإلا فهي تعيش طوال الوقت في مواجهة حياتها المؤجلة، تحلم بكل أسباب السعادة لكنها لا تنفذها رغم استطاعتها المفردة على ذلك، لأنها وكما كانت تقول لها والدتها باستمرار يجب أن تعيش في حما رجل (ظل رجل ولا ظل حيطة) كما يقول المثل الشعبي.
تجسد نسرين هذا الواقع الاجتماعي من خلال اشتباك متخيل بين فتاة في الثلاثين من عمرها وأمها المتوفاة، والتي رغم وفاتها؛ تظل حاضرة بتعاليمها وأفكارها كرجع صدى دائم التردد في مؤخرة رأس ابنتها، ولا يمكن الفرار منه. وهنا تصوير لمدى قدرة العادات الثقافية التي تربينا عليها، أن تكبلنا مهما كانت خاطئة، فنظل نتعرقل في أحابيلها مرة تلو أخرى، دون أن نعلن فشلها، لنظل نحاول إنجاحها حتى ولو بلي عنق الواقع، حتى ينتهي العمر لنكتشف مؤخراً أن عمرنا ضاع سدىً.
بلغة بسيطة وإطار كوميدي اجتماعي، تقوم نسرين نور بتشريح المجتمع ثقافياً، حيث الحوار بين الأم وابنتها، هو في الأساس محاولة لانتقاد الثقافة العامة السائدة بين الناس ونظرتهم للمرأة، التي هي على الغلب مجرد "شئ" يتم تداوله فيما بينهم، حتى فيما بين النساء أنفسهن في عداء واضح لذواتهن دون إدراك واضح لذلك.
تركز مؤلفة "في قفا راجل" على فضح النظرة الذكورية للمرأة مهما اختلف الوضع العلمي والمعرفي للرجال، فهي تبدأ بالفتاة في مواجهة رجل تحبه وتحاول بكل ما أوتيت من قوة، استدراجه لمنطقة الزواج حتى تنال شرف الاعتراف المجتمعي، ولكن هذا الرجل الذي يظهر باعتباره شخصية عامة تخرج في القنوات التلفزيونية لتدلي بدلوها باعتبرها مثقفة ومؤمنة بالحريات، تبدو تصرفاته عكس أقواله، فهو لا يخرج عن إطار النظرة الدونية باعتبارها مصدراً لمتعة الرجل أو لخدمته، فتجده يطلب منها الارتباط به دون زواج، ما يجعلها تعود إلى منزلها محطمة الفؤاد، في مواجهة شبح أمها التي تتهمها بأنها بالتأكيد ظهر منها تصرف غير لائق، أوحى له بأنها فتاة غير شريفة!


تتوالى الأعوام، حيث تعمد نسرين إلى إلقاء الضوء على مرور الزمن في مواجهة حياة المرأة، لتبرز تبدد عمر المرأة في محاولة لأن تعيش آليات الحياة البسيطة ولكن بموافقة المجتمع وشروطة. يمر الوقت ويبدأ سقف طموحات الفتاة في الاضمحلال، فترضى بزميلها المتزوج بالمدرسة، والذي من الصعب أن تقبله كشريك حياة لها لو كانت في ظروف طبيعية، ولكن وكما يقول المثل الشعبي: (رضينا بالهم والهم مش راضي بينا)، يشترط هذا الرجل عليها أن تتزوجه في السر، بطريقة المسيار، اتقاء لشر زوجته وأبنائه.
تمر نسرين أيضاً على دور مواقع التواصل الاجتماعي والمنتديات في بيع وهم الحب والزواج للفتيات المتلهفات، وكيف أن رجال الإنترنت من ورق، فالحياة الافتراضية لا ينتج عنها سوى افتراضات وهمية لواقع غير موجود من الأساس. تبرع نسرين في رسم مشهد العريس الإليكتروني في كوميديا عبثية تضج معها مقاعد الجمهور بالضحك، رغم مأساوية الواقع الذي نشاهده من خلال الفتاة المصدومة وروح أمها التي تتألم من قهر الموقف.
وبأنامل أنثى تعي تماماً دواخل النساء غير المعلنة؛ تستخدم الكاتبة والمخرجة رموزاً، تمر عليها عبر أحداث المسرحية، ترمز من خلالها إلى حق المرأة للاستمتاع بجسدها المحبوس في الملابس التي تغطيها في الخارج، والملابس التي لا تستطيع الاستمتاع بارتدائها في الداخل، لأنها وفقاً للمجتمع لا ينبغي أن ترتديها لنفسها، بل للآخر (الرجل)، هذا المُنتظر عبثياً للأبد دون دليل مؤكد على بزوغ نجمه في أي وقت، فنجدها تدخل من وقت لآخر إلى منزلها وبالتحديد في يوم عيد ميلادها، وفي يدها حقيبة ورقية تحوي قميص نومٍ عارٍ لتضعه جوار (أخواته) كما تقول، في انتظار من لا يأتي أبداً، وهي تنظر لجسدها أو تتحسسه في حسرة على ذبوله التدريجي دون أن تنطفئ شهوته أو يُروى شبقه الطبيعي. تتلو الكاتبة هذه النقطة الخاصة بقمع المجتمع لجسد المرأة، ما يعد عنفاً غير مرئي أو معلن، بأسلوب يخرج بها من سياق الاتهامات بالجرأة، حيث يأتي في سياق العمل المسرحي مجسداً لحالة البؤس التي تعيشها بطلة المسرحية.
تستخدم نسرين نور سينوغرافيا سلسة، حيث إضاءة بسيطة تنساب بين الشخصيات لتجسيد بعض الأحداث بتركيز الضوء عليها، كما تستخدم المالتي ميديا من خلال شاشة برجويكتور، تعرض عليها مشاهد مصورة فيديو مسبقاً، تدعم الأحداث بالمسرحية، مثل الحوار التلفزيوني الذي يُجرى مع حبيب الفتاة الأول والذي يتخصص في الحقوق والحريات ولكنه لا يمارس تخصصه في الحياة.
استطاعت نسرين أن توظف الشخصيات جيداً من خلال اختياراتها للممثلين أيضاً، فلقد برع الممثل الشاب حازم الصواف في تجسيد الأدوار الرجالية بالمسرحية، بحيث تمكن من إعطاء كل دور وجهه الواقعي، بما يوحي بأن هناك ممثل مختلف لكل دور، فهو يجيد ارتداء القناع الخاص بكل شخصية. كذلك تمكنت رحاب فوزي من تجسيد دور الفتاة بتميز واضح وقدرة على تجسيد الكوميديا السوداء من خلال الشخصية البائسة المقموعة، ولكنها في نفس الوقت، مصدر انبعاث الضحكات الدائم خلال أحداث المسرحية. وبالطبع كانت عودة الفنانة القديرة ماجدة منير إلى المسرح من خلال دور الأم في مسرحية "في قفا راجل" اختيار متميز من فنانة تستطيع رؤية واختيار العمل المميز.

المقال منشور في جريدة القاهرة 



الجمعة، 13 مارس 2020

"رسائل العشاق" .. نص مبتسر يلوي عنق عشق المتصوفة في اسكتشات سطحية






حالة رومانسية غنائية تتمحور حولها مسرحية "رسائل العشاق" للمخرج محمد إبراهيم الذي ألف النص أيضاً، فنحن بصدد مشاهدة مناقشة اجتماعية لأحوال الشباب الرومانسية، أو الشكل الذي آلت إليه العلاقات بين الرجل والمرأة سواء المتزوجين أو المرتبطين عاطفياً، ولكن المؤلف والمخرج يغلفها بإطار صوفي تحت اسم ومقولات الشيخ الفقيه الصوفي مولانا جلال الدين الرومي، وهنا يأتي التساؤل: هل كانت رسائل الرومي يُقصد بها العشق والغرام بين الرجال والنساء؟ أم أنها رسائل في العشق الإلهي؟، لنعود ونسأل سؤالاً آخر: متى تنتهي موضة جلال الدين الرومي منذ انطلاق ترجمة رواية "قواعد العشق الأربعون" للتركية إليف شافاك عام 2013؟ وتفريغ كلمة "عشق" من محتواها الصوفي الحقيقي لتتحول إلى علاقات وغرام وانتقام بين الرجال والنساء؟ حيث أن تستطيح المضمون الفلسفي الصوفي لإنتاج الرومي الأدبي التصوفي ممجوجاً ومستهلكاً، من كثرة التشدق به في أعمال فنية أو كتابات رومانسية أقرب لروايات الحب للمراهقين والتي كانت منتشرة في سلاسل قديمة تحت اسم روايات زهور وروايات عبير، إضافة إلى صفحات مواقع السوشيال ميديا التي تلوك مقولات المتصوفة وتحديداً الرومي دون محاولة تقديم كتبه بشكل أكثر عمقاً يمنحها مكانتها الحقيقية.


هذا هو انطباعي عند مشاهدة رسائل العشاق، فنحن نشاهد اسكتشات تمثيلية تعالج بخفة شكل العلاقات السريعة بين الشباب المعاصر، والتي غالباً ما تتم عبر وسائل التواصل الاجتماعي وبرامج الاتصال والـ "شات"، فتبدأ القصة بسرعة وتنتهي بأسرع مما بدأت به، أو مشاكل الزواج المعاصرة من استنزاف المشاعر واستهلاكها بمطالب تبعد عن المسؤوليات الحقيقية التي  تقوم عليها البيوت مثلما اعتاد آباؤنا وأجدادنا. نشاهد هذه الاسكتشات والتي شهد بعضها الكثير من المط والتطويل وتعمد إقحام تابلوهات رقص معاصر يؤديها الممثلون الذين تم تدريبهم على الأداء الراقص على يد مناضل عنتر، ليعود مناضل إلى الواجهة مرة أخرى كأفضل كريوغراف يدرب ممثلين على الرقص، فهو يستطيع تقديم تابلوهات احترافية من خلال غير المتخصصين في الرقص، وهذا ما أثبته في عدد من العروض ومنها مسرحية "رسائل العشاق"، حيث أضفت التابلوهات الراقصة التي رسمها الكثير إلى العرض والذي ربما غرق في الملل دون هذه الرقصات.

يغلف المؤلف والمخرج اسكتشاته الغرامية بأجزاء من رسائل ومقولات مولانا جلال الدين الرومي والذي أدى دوره الفنان القدير مفيد عاشور، حيث كان وجوده في "رسائل العشاق" داعماً بقوة، حيث تنساب اللغة العربية الفصحى من بين شفتيه في سلاسة انسياب الماء عبر غدير دافئ بحرارة الشمس، فتسعد أذنك مع عينيك بإطلالته على المسرح، حتى يكاد العرض أن يكون مكتوب خصيصاً له كي يصول ويجول على خشبة المسرح بكل أدواته المسرحية وإمكانياته التمثيلة العظيمة.
أضفى وجود المطرب والمنشد الكبير علي الهلباوي الكثير من القيمة للعرض، فلقد استطاع بصوته وألحانه أن يمنحا العرض قبلة حياة أخرى، فمع الموسيقى والأغاني الإنشادية وصوت الهلباوي إضافة إلى كريوغراف مناضل، يستطيع المشاهد أن يرى عرضاً ممتعاً يعتمد بشكل أساسي على العناصر الفنية المضافة للنص غير الموجود من الأساس، حيث مجرد ثرثرات تحشو ما بين رسائل جلال الدين الرومي بأداء الكبير مفيد عاشور.

كان أغلب الممثلين الشباب المشاركين في العرض من أبناء أكاديمية الفنون، حيث تميز أداء بعضهم وكان إضافة لنحت بنيان العرض، مثل الفنان الشاب جورج أشرف الذي قدم أداءً كوميدياً جيداً ويبشر بوجود جيل جديد من الكوميديانات المصريين الذين بإمكانهم تقديم كوميديا راقية تخرج الضحك من القلب بعيداً عن الإفيهات الجنسية وتبادل الشتائم والسخرية من أجساد الممتلئين وغير ذلك مما شاع على ساحة الفن وخاصة التجارب المسرحية التي قدمت من خلال القنوات التلفزيونية الفضائية. كما أثبتت زينب العبد جدارتها في فن الأداء التمثيلي وقدمت عدداً من اللوحات بعدد من الشخصيات المبعثرة عبر الاسكتشات المختلفة، وإن كان من غير المستحب أن ترقص، فهذه سقطة تحسب على المخرج قبل أن تحسب عليها وإن كان مفروضاً ان ترفض مشهداً كهذا، فلقد قلل من قوة المشهد الذي يلقي فيه "جلال الرومي" بغطاء رأس أخضر على رأسها كنوع من الحماية لمشاعرها المجروحة، وفي الوقت الذي كنا نستعد للتصفيق لهذا المشهد الرائع، قرر المخرج أن يستنزفه برقصة تؤديها زينب جاءت خارج السياق ولم تفعل سوى أن قللت من قيمة الأداء التمثيلي به.
خرج ديكور هبة عبد الحميد ناعماً ومعبراً عن الحالة الصوفية المطلوبة بالعرض، ولقد ظهر ذكائها في تقسيم الخشبة لعدة فضاءات، حيث مكتب شحصية جلال الدين الرومي يستقر أقصى يمين الخشبة بالقرب من المشاهدين، وكأنه مراقب للأحداث من بعيد، أو ناقداً لها في كتاباته. كذلك خصصت مكاناً مغطىً غلالات رقيقة ومضاء بضوء مخملي خافت يجلس داخله التخت الموسيقي الذي أمتعنا بالعزف ليشدو الهلباوي. وإن كنت أتساءل عن سبب استخدام مكتب آخر في يسار عمق الخشبة لم يستخدم سوى مرتين على الأغلب؟!

"رسائل العشاق" مشروع لمسرحية كان بإمكانها أن تكون أقيم من ذلك، لو كان المخرج محمد إبراهيم استعان بمؤلف مسرحي محترف لكتابة النص له بحبكة درامية متماسكة بدلاً من أن يخرج العرض مفككاً بسبب النص، الذي هو في الأساس العظام التي يقوم عليها بنيان أي عمل مسرحي، لنعود ونقول أن العمل يستحق العرض بسبب العناصر الفنية المحيطة بالعمل وليس بسبب وجود نص مسرحي حقيقي نستند إليه!


الثلاثاء، 4 فبراير 2020

رؤية مغايرة لقصة "ريا وسكينة".. القتل كاعتراض على ذكورية المجتمع




"ريا وسكينة 1921" هو أحدث عروض فرقة "فرسان الشرق للتراث" المتخصصة في تقديم عروض الرقص المعاصر الذي يعالج أو يحكي قصصاً تراثية مصرية أو عربية على مسرح الجمهورية. يعد تناول قصة أشهر قاتلتين في التاريخ المصري الحديث جرأة من المخرجة ومصممة الرقصات كريمة بدير، فالسؤال دائماً عند تناول قصة تم إخراجها بأوجه فنية متعددة وعلى أوقات مختلفة متتالية منذ سينما الأبيض والأسود، وحتى على خشبة المسرح بأشهر ثنائي فني حينها، الفنانتان الكبيرتان شادية وسهير البابلي؛ كيف يمكن تناول القصة؟ أو بمعنى أدق ما هي الزاوية او المدخل الجديد؟
بعيداً عن كون هذه المرة، تقدم كريمة عرضاً راقصاً، أو رؤية فنية بلغة الرقص المعاصر، فهي قررت أن تبدأ من النهاية، حيث تُفتح الستارة على ديكور لمقبرة تحت الأرض، بينما بابها في الأعلى، ينزل منه نابش القبور متحدثاً إلى الموتى، لتبدأ الأحداث ويدور حواراً فلسفياً حول أصل الحياة والموت!

رغم أن عرض "ريا وسكينا 1921" عرضاً راقصاً في الأساس إلى أنه يعتمد الحوار المسرحي بين الأبطال في بعض المشاهد التي يمكن اعتبارها تمهيدية للتنقل بين الأحداث، لكنه في الأساس يعتمد على تابلوهات راقصة صممتها كريمة بدير التي تتميز برؤية مغايرة وأكثر جرأة وحيوية من معاصريها في مصر، فهي ترسم لوحات حركات عروضها كنبض درامي متصاعد في تواتره، ويعبر بقوة عن الحدث، فيأخذ المشاهدين في غمار الحركة الثورية التي تفرش بها فضائها المسرحي بذكاء، فتعبئه بعنفوان راقصيها ودينامكيتهم المؤثرة لتشعر أحياناً بأن تابلوهاتها الراقصة أقوى من الحدث ذاته.

يبدأ العرض بلوحة راقصة للنساء اللائي رحن ضحية للعنف والاضطهاد الذكوري، فيضعك النص في مواجهة سريعة مع الحدث البارز له، فهنا لن تشاهد سرداً عادياً لقصة أشهر سفاحتين في التاريخ، ولكنك ستشاهد نموذجين لأختين مثلا النتيجة الطبيعية للعنف المجتمعي ضد النساء، حيث يتم سرد الأحداث على لسان شخصية "بديعة" ابنة ريا، التي لا يعرف أحد مصيرها بعد إعدام والدتها وخالتها، وبالتالي جاء التعامل مع مصيرها المجهول لتقديم العمل من خلالها، كقماشة عريضة يمكن  تفصيل الأحداث منها بالأسلوب الذي اعتمدته كريمة بدير، وهو التساؤلات الفلسفية حول قيمة الحياة في مواجهة سكون الموت ومفهوم الخير والشر بمقارنة تعريفاتهما المجتمعية السطحية وحقيقتهما المنبنية على دوافع كل منهما.

يلعب "نابش القبور" دور المراقب للأحداث، حيث تعيد كل من ريا وسكينة سرد أحداث حياتهما بشكل منفرد، وما الذي دفعهما إلى أن تتحولا إلى قاتلتين محترفتين، فتعبر سكينة عن إحباطاتها المتتالية في الرجال وكيف وصل بها الأمر إلى الانتقام من المجتمع كله بأن تقتنص حقها في الحياة رغم أنف الحياة نفسها، أما ريا فتقدم بجهامة وقوة شخصيتها مبراراتها للقتل حيث من حقها أن تعيش حتى ولو على جثث غيرها. مواجهة بين ريا وسكينة وبين النساء اللائي يقتلهن، أخرجتها وصممت رقصاتها كريمة بإبداع شديد الاحتراف، حيث استطاعت أن ترفع من حدة الحدث الدرامي بالحركات الراقصة فخرج المشهد عبقرياً من حيث الأداء أيضاً والذي قدمته كل من (ياسمين سمير) و (دنيا محمد) وباقي الراقصات اللائي كن يمثلن الضحايا، فكانت تتكوم الجثث فوق بعضها البعض بأسلوب راقص جمع بين الأكشن والتراجيدي ما شد أنظار المشاهدين الذين كانوا يلهثون وراء الأحداث الراقصة.

لم تنس كريمة بدير وسط الأحداث العاصفة لعرضها "ريا وسكينة"، أن تقدم المتعة للمشاهدين من خلال تقديم بعض التابلوهات الراقصة التي توحي بالتراث السكندري، حيث مكان الحدث، فقدمت رقصات للصيادين بملابسهم التراثية المميزة والتي تميزت بالحيوية والمتعة. كذلك جاءت رقصات الفتيات مع سكينة وهي تعبر عن حرمانها من احتواء الرجال لها وإطفاء نار عشقها جريئاً ومعبراً، ويحسب ذلك لكريمة التي تتميز برؤية جريئة وقوية تعمد إلى المواجهة والكشف دون الخوف أو ممارسة الرقابة الذاتية التي تكبل الرقص بكافة أشكاله في مصر.
جاء مشهد إعدام ريا وسكينة، قوياً وموحياً، حيث حمل الراقصون شخصيتي ريا وسكينة صعوداً نحو حبال المشنقة المتدلية من أعلى لتجسد الراقصتان ياسمين ودنيا مشهد الإعدام بدرامية نجحت في زرع الانفعال بقلوب المتابعين، ليخرج الراقصون بعد ذلك مرتدين الملابس السوداء، بعدها تتحول الطفلة الصغيرة بديعة التي لعبت دورها فاطمة محسن بحرفية مشهودة، إلى قاتلة فتقتل نابش القبور، وكأنها تقول أن التحول إلى العنف، مصير طبيعي للنساء في عالمنا هذا، سواء في الماضي أو الحاضر، وهنا تتجسد العبارة التي كتبتها كريمة بدير على كتيب العرض على لسان بديعة (ولدت وحرمت وتألمت، فثورت فصرخت فبكيت فضحكت، فسكت سكات الموتى بقلب نابض، إلى أن نبش قبري فزال سكاتي وتكلمت فقتلت).


لعبت الإضاء في العرض دوراً رئيسياً، فلقد استطاع رضا إبراهيم أن يعمق الحدث وينحت الحركات الراقصة بتصميمه لإضاءة درامية اعتمدت على اللون الأحمر للتعبير عن فعل العنف والقتل، كذلك خرجت الأزياء معبرة عن الحقبة الزمنية للأحداث في بداية القرن العشرين. نجح الديكور أيضاً برشاقته أن يعبر عن الأحداث على اختلاف أماكنها، فما بين القبر ومنزل ريا وسكينة والشارع والحي والمشنقة، تمكن محمد الغرباوي المشرف العام على الديكور والملابس مع فريق عمله على أن يرسما كل أماكن الأحداث باستخدام حلول بسيطة ودون زحام الفضاء المسرحي بقطع الديكور الثقيلة أو الكثيرة.

المقال منشور في جريدة القاهرة 

الثلاثاء، 14 يناير 2020

"ظل الحكايات" إبداع أصيل لمسرح العبث داخل عالم من الأساطير والغرائبيات

رامي الطومباري


تعتمد مسرحية "ظل الحكايات" التي انطلقت ليالي عرضها على مسرح الغد على نص عبثي شديد الخصوصية ويحتوي على طبقات فلسفية كثيرة لأفكار تقترب من الهلوسة التي حمَّلَها المؤلف إبراهيم الحسيني كافة الهواجس الخاصة بعلاقة الإنسان  العربي أو الشرقي أو المسلم، بالعالم من حوله، سواء مجتمعه الضيق الذي يقتصر على العلاقة بالأسرة والأصدقاء، أو العلاقة بالمجتمع الأوسع للبلد التي نحيا فيها وصولاً بالمجتمع الأكثر اتساعاً والذي قد يصل إلى الكون ككل، وعلاقتنا بالإله والخلق والحياة والموت، انتقالاً إلى الموقف الفردي من كل هذه العلاقات المتشابكة والمعقدة التي يولد الإنسان ليتشكل وعيه داخل خيوطها الملغزة والمنهكة أيضاً، حيث لا فرار من تلك العلاقات المفروضة علينا منذ لحظة الميلاد والتي تضع على عاتق الإنسان مضامين فكرية وواجبات مادية لا أول ولا آخر لها، كما لا تسمح له بالفرار منها وإلا تم عزله أو نبذه ليعيش وحيداً مطارداً بلا هوية أو اعتراف، وربما فقد حياته أيضاً لمجرد السؤال عن خصوصية فرديته داخل المنظومة المجتمعية التي تلتهمه حياً منذ طفولته ليحيا المجتمع دائما على أشلاء الأفراد.

أفكار كثيرة انهالت على رأسي وأنا أشاهد "ظل الحكايات" التي تدور داخل عالم خيالي مختلق، يترك الكاتب للمشاهد حرية تحديده، فقد نكون بصدد مشاهدة وقائع حلم معلن داخل الفراغ المسرحي، وقد نشاهد أحداثاً لحكاية أسطورية تشبه الميثولوجي الإغريقي الذي يستند إلى واحدة من حكاياته بشكل واضح (كرونوس وزيوس)، وقد نعتقد للحظات أننا نشاهد إجراءات إخضاع بطل المسرحية للحساب بعد أن مات ودُفن. كثير من الرؤى وكثير من الحكايات التي تنهال على رؤوسنا مع البطل الذي يبدأ مشواره داخل "ظل الحكايات" بالجلوس على مقعد داخل قطار تجاوره حقيبة سفر، وهو في طريقه لحضور حفل زفاف صديق قديم في قرية نائية وعجيبة.
محمود الزيات ورامي الطومباري

ربما ما أضفى قيمة مضاعفة لنص الحسيني، مسألة ندرة النصوص العبثية التي تحمل علامة تشبهنا، فما أكثر المحاولات العبثية المستنسخة من كتابات وقضايا غربية، رغم أن الصراع المجتمعي داخل شرقنا العزيز الآن، يحمل في جعبته من العبث الكثير، ما يجعل كتابة نصوص مسرحية داخل إطار اللامعقول، أمراً يكاد يكون ضرورياً في محاولة تفكيك أزمة الإنسان العربي مع قيمه الشرقية وتناحرها مع القيم الرأسمالية العالمية، وربما لهذا السبب اختار المؤلف عالم الحكايات وكأننا في سرديات قصصية داخل عالم ألف ليلة وليلة حيث كائنات خرافية وشخصيات عجيبة وأحداث غرائبية، يجد البطل نفسه في مواجهتها، ومن خلال هذا الإطار الميثولوجي نفكك النص لنصل إلى مضماينه، حيث الصراع القيمي الذي يطحن الإنسان الشرقي المعاصر بين مبادئ مجتمعه البطريركية ومبادئ العالم الرأسمالي وروحه المندحرة بينهما في محاولة الوصول لنفسه الأصيلة وسعادته الفردية.
عبير الطوخي 

كثير من الجمل الفلسفية التي تشير إلى هذا الصراع مثل (عليك بمحايلة الحكاية حتى ترضى عنك) في إسقاط واضح إلى تلك المروية المفروضة على واقعنا منذ لحظة الميلاد، والتي إذا لم نطوعها ونتحايل عليها ستطحننا داخل تفاصيلها الصاخبة، ويؤكد ذلك جملة (انتبه للحكايات وإلا قتلتك) و (إذا لم تستمع إلى الحكاية ستكون أنت الحكاية). كل هذه الجمل التي تتردد على ألسنة الشخوص الأسطورية التي يواجهها البطل داخل القرية الحلم أو القرية الأسطورة في رحلة سفره التي تشبه رحلة الإنسان في زمنه الخاص داخل الحياة أو داخل القرية؟ فهو يلهث وراء تهاويم خيالية لا تقترب من المنطق ولا يترك له أحد فرصة اسكتشافها، بينما يفرضون عليه التفكير المنطقي ويعاقبونه إذا لم يتبع القانون، ويظهر ذلك جلياً في الجملة التي يرددها البطل في أكثر من موقف درامي (أنا لا أضيع الفرص ولكن الفرص هي التي تضيعني) إضافة إلى المحاكمة التي عقدوها له في نهاية المسرحية بعد أن حمل جثته بنفسه ودفنها.
أعترف أن النص شكل تحدياً كبيراً للمخرج عادل بركات كي يجسده واقعاً مسرحياً، فهو يحمل الكثير من التهاويم الخيالية والعوالم الغرائبية، وبالتالي وقع المخرج مع مهندس الديكور ومصمم الملابس محمد فتحي في بعض الهنات التي سطحت عمق الفكرة العبثية والتي لم تكن تحتاج إلى كل تلك العرائس الطفولية، مثل الفراشات التي خرجت من الجانب الأيسر لحيز المسرح في البداية، والاستعانة بعروسة لسمكة قرش لتجسد نوع من أنواع الوحوش التي تطارد البطل وبعض الموتيفات المشابهة والتي جاءت كنغمة نشاز داخل وقائع نص عبثي قاتم يغوص في الجوانب المظلمة بعقل الإنسان! وقد ظهر ذلك جلياً في اعتماد المخرج على إضاءة تكاد تصل للإظلام في أغلب أحداث المسرحية، وإضفاء أجواء غرائبية كابية على حركة الشخوص، ما عمق فكرة المسرحية الفلسفية منذ البداية.

نجح المخرج في إضفاء حيوية على حركة الممثلين لتخفيف حدة عمق النص بالدخول والخروج من أبواب على الجانبين الأيمن والأيسر، كما كان لرسم بعض المشاهد بشكل كوميدي دوراً كبيراً في أن يسحب المشاهد نفسه ويتوقف ولو قليلاً عن الركض وراء الحوارات الفلسفية المكتظة داخل العمل، وقد كان للفنانة الكبيرة عبير الطوخي دوراً هاماً بأدائها المتنوع والقادر على التحول من الكوميدي للتراجيدي بشكل يشبه التلون الحربائي الناعم والبارز، كما كان تثبيت مقعد القطار كرمز للثبات في مواجهة الخيال المتحرك والذي جسده بشخص آخر يؤدي نفس حركات البطل والذي لعب دوره رامي الطومباري، ليعطي إيحاء المرآه، أو مشاهدة الروح للجسد وهي تتحرك داخل واقع تنفصل عنه، وهو تجسيد ناجح لحالة الاغتراب التي يعيشها الإنسان المعاصر، حيث يعيش بشكل لا ترضاه نفسه.
رامي الطومباري وعبير فوزي 

الممثل المتميز والهام رامي الطمباري يؤكد بدوره في "ظل الحكايات" على وعيه الشديد بعمله الإبداعي، فهو يؤصل لاختلافه كممثل بهذا العمل المسرحي الذي ربما وبنسبة كبيرة لا يحقق نجاحاً جماهيرياً، ولكنه بالتأكيد لن يخرج من إطار الأعمال المسرحية التي تؤسس لشكل وهوية المسرح المصري المعاصر والذي يعبر عن زمنه وتحديات مكانه. استطاع رامي أن ينحت باحتراف لا يخلوا من عفوية موهبته الأصيلة، شخصية البطل التائه في ظلال الحكايات، فتمكن من تجسيد حالات التوتر والضعف والمكر والتحايل في مواجهة الحكايات / الحياة، فقدم متعة مشاهدة حقيقية، تجسدت حتى في الاستماع إلى طبقات صوته التي تتغير وفقاً للحالة التي يجسدها، فهو لم يغفل حتى عن تجسيد صوت الإنسان المستيقظ لتوه من كابوس، فيخرج صوته مخنوقاً ومتحشرجاً بشكل طبيعي وناعم لا يحمل أي مبالغة. ولا يقل عن ذلك الفنان محمود الزيات الذي قدم متعة خاصة بأدائه المتنوع لعدد من الشخصيات داخل أحداث المسرحية، فلقد استطاع بتغييرات بسيطة في الملابس أن يدخلنا في إحساس مختلف لكل شخصية، فخرج أداؤه لا يشبه نفسه.
هناك الكثير الذي يمكن قوله بخصوص مسرحية "ظل الحكايات" والتي أعتبرها تجربة مثيرة ومميزة ينهي بها البيت الفني للمسرح عام 2019، فهي عمل يحتاج إلى أكثر من مشاهدة كي نقبض بأيدينا على قلب اللحظة الإبداعية له.



الأحد، 12 يناير 2020

"أنا والنحلة والدبور" .. مسرحية تكسر النمط السلبي لصورة المرأة في الدراما المصرية





يواصل الفنان الكبير محمد صبحي مشروعه المسرحي التوعوي من خلال إنتاجه الجديد (أنا والنحلة والدبور) والذي يطلقه على مسرحه بمدينة سنبل على طريق مصر إسكندرية الصحراوي، حيث اختار أن يقص شريط هذه المنطقة الجديدة ويزرع داخل الصحراء واحة فن تشكل منارة للمستقبل داخل المدن الجديدة.
يظهر محمد صبحي كمن يغرد وحيداً في عالم تنمية الأسرة بالفن، فهو يطرق باباً جديداً، ربما لم يتم التطرق له بهذا الوضوح من قبل في عالم المسرح، فرغم الإطار الكوميدي الخفيف للمسرحية إلا أنها تقدم موضوعاً جاداً يكاد يلمس أزمات أغلب البيوت المصرية الآن، فرغم أنه يبدو في إطاره العام يناصر المرأة وحقوقها، إلا أنه في حقيقة الأمر يهتم في الأساس بالاستقرار الأسري وهو ما يعد مشكلة  في عصرنا الحالي بعد تجاوز الطلاق نسبة الـ 40%.


تدور المسرحية حول أسرة مصرية معاصرة تتكون من زوج وزوجة وطفلين (ولد وبنت)، نلاحظ منذ البداية أن البنت تتحدث بأسلوب الشكوى النسائية، والولد يتحدث بأسلوب الغطرسة الذكورية ما يعكس تأثرهما بشكل الحوار بين الأب والأم، بينما نشاهد صالة المنزل وهي تضج بالفوضى، حيث يبدو تماماً انشغال الأم عن بيتها، وهذا ما نفهم عكسه بمجرد أن تعود الزوجة إلى المنزل وتبدأ في ممارسة دورانها في حلقة لا تتوقف عن تلبية متطلبات ابنيها وزوجها الذي يصل متبرماً من كل شئ ومعترضاً على إصرار زوجته على العمل، بينما لا يعود عملها بأي نفع على الأسرة سوى غيابها عن البيت وتدهور حال الأبناء والبيت!


نعتقد للحظة أننا بصدد مشاهدة عمل درامي آخر يعادي عمل المرأة ويلقي باللوم عليها لانهيار منظومة الأسرة وتدهور أخلاقيات الأجيال الجديدة كما هو معتاد في الدراما التلفزيونية، لكن محمد صبحي يفاجئنا بكسر القاعدة الدرامية التي سادت الشاشات منذ أكثر من ثلاثين عاماً ما أسس لمعاداة النساء في المجتمع، وهو ما يفصح عنه صبحي صراحة في مسرحية "أنا والنحلة والدبور"، فهو يلقي باللوم بشكل واضح على الإعلام والدراما المصرية التي تشوه صورة المرأة المصرية ولا تظهرها على حقيقتها المكافحة والصابرة والبناءة، كما أنه يناصرها بشكل كبير ويؤكد على أهمية عملها وحيوية دورها الرئيسي داخل البيت وفي تربية الأطفال.


رغم ما يبدو من وراء ذلك من قضايا توحي بأن مكان طرحها هو قاعات الندوات وبرامج المرأة في القنوات الفضائية، إلا أن المؤلف أيمن فتيحة استطاع أن يصيغ كل ذلك في إطار كوميدي راقي أشاع البهجة وأشعل الصالة بالضحكات الراقية، حيث لعب الفنان محمد صبحي دور الجد الذي يزور منزل ابنه فيفاجئه بعنجهيته في التعامل مع زوجته وتقليله من دورها وتأثيرها في رعاية الأطفال والمنزل، ما يسبب لها الإحباط والتعاسة، فيقرر الجد الذي كان يعمل تربوياً أن يساعد زوجة ابنه على استعادة السعادة الزوجية المفتقدة، من خلال تمثيلية يحيكونها على ابنه الذي يغيب عن المنزل في مهمة عمل لبضع أيام، فيعود ليكتشف ان زوجته أصيبت بالشلل وغير قادرة على الحركة، فيضطر هو لتولي شئون المنزل ورعاية الأطفال والصرف بالكامل على البيت. ومن خلال مفارقات مضحكة بين الجد وصديقه طبيب المخ والأعصاب الذي يساعده في حبك دور المشلولة للزوجة، ثم مواجهة الزوج لهذه المصيبة العائلية، تدور الكوميديا.


يراعي محمد صبحي كافة التفاصيل الإنسانية بالمسرحية، فنجده لا يغفل توضيح أن الشلل ليس نقصاً ولا يعيب صاحبه، وأنه ليس محل للسخرية وإنما هم يستعينون به لحبك لعبتهم على الزوج فقط، وهو ما يحسب له، حيث يتم تقديم أصحاب الهمم في كثير من الأعمال الدرامية إما في ثوب بائس وعاجز وإما للسخرية!
تعتمد المسرحية على ديكور كلاسيكي لصالة منزل، وإن كان يتصدرها لوحة لرجل قوي البنية يبدو مسيطراً، وفي الخلفية تجلس امرأة منطوية على ذاتها وضعيفة، للإسقاط على شكل العلاقة بين الزوج والزوجة، وفي النهاية ينزع الزوج اللوحة على الحائط للتدليل على تغير موقفه بعد التجربة التي عاشها وأدرك فيها قيمة زوجته وأهميتها في حياته وفي توازن الأسرة.


رغم مباشرة المسرحية حتى في الرموز المستخدمة إلا أنها تتوافق مع منهج محمد صبحي في الدراما حيث يؤمن بأهمية أن تصل الفكرة بوضوح لجميع شرائح الشعب، فهو يهتم بأن تؤثر رسالته الفنية وتغير من سلبيات المجتمع إلى إيجابيات، فهو من أشد المؤمنين بوجوب وجود رسالة أخلاقية للفن ويصر على ذلك في كل أعماله، حيث يقول أنه بإمكانه أن يقدم أعمالاً درامية عميقة ولكنه لا يرغب في الانفصال عن الوعي الشعبي، بل يعمد إلى أن يفهم المثقف والأمي رسالته.
 ينجح الفنان محمد صبحي باعتباره مخرج العرض ورأسه المدبرة في الأساس، في رسم بعض المشاهد بفنية عالية، مثل مشهد الرقصة التي جمعت بين الزوج والزوجة وهي قعيدة على كرسيها المتحرك، ومشهد الأب وصديقه الطبيب وهما يدربان الزوجة على تمثيل دور المشلولة، والذي يعد من أكثر المشاهد الكوميدية التي أشعلت الصالة بالضحك. وبشكل عام استطاع الفنان الكبير أن يخلق تناغماً واضحاً بين جميع الممثلين المشاركين بالمسرحية (سماح سعيد وحازم القاضي وميرنا زكي وعبد الرحيم حسن وياسمين حامد)، حتى الطفلين الذين لعبا دوري الابن والابنة (بيلار سامي وعبد الرحمن محمود).
"أنا والنحلة والدبور" تكمل المشهد الفني الذي يرسمه محمد صبحي وحده في الصحراء التي يصر على أن تكون مجتمعاً جديداً لا ينقصه الفن وليس أي فن بل الفن الراقي.


المقال منشور في جريدة القاهرة شهر ديسمبر 2019