الاثنين، 4 فبراير 2019

"مفتاح شهرة" تسرد سير المهمشين وتؤكد الثقة في المسرح المستقل




نحن لا نتشابه ولا ينبغي لنا أن نكون، ولكن لا يعني عدم تشابهنا أن هناك مواصفات محددة وواحدة للحصول على فرصة لتحقيق الذات في الحياة، وهو ما لا يحدث للأسف على أرض الواقع، ما يجعل هناك دائماً خطاً مجروراً بطول صفحة الدنيا يرقد خلفه ما نعرفهم باسم المهمشين. ربما يكون هذا هو المعنى الذي تقدمه مسرحية "مفتاح شهرة" التي كتبتها وأخرجتها ومثلت بطولتها الفنانة المتميزة دعاء محمد حمزة وهي مديرة فرقة اللعبة المسرحية التي أنتجت العرض أيضاً، كما لعب دور البطولة أمامها الفنان عماد إسماعيل وزوجها في نفس الوقت، ما أضفى على العرض روحاً عائلية دافئة غمرت المشاهدين الذين ملأوا مقاعد مسرح الهناجر.



تأخذك المسرحية في عباءتها قبل حتى أن تطأ قدمك صالة المسرح، فلقد فوجئنا ونحن نجلس في انتظار فتح باب القاعة بامرأة ترتدي فستان زفاف متسخ من الصدر بلون أحمر وتحمل في يدها كوباً من الشاي وفي اليد الآخر موبايل بينما تتشاجر مع رجل يرتدي بدلة زفاف قديمة وكوميدية، وتتهمه بأنه أضاع عليهما النقود التي كان من المفترض أن يحصلا عليها لقاء مشهد زفاف يؤديانه ككومبارس في فيلم سينما، بينما يرد عليها الاتهام بأنها امرأة لا ترقى لمستوى العمل في فن التمثيل. تقف مشدوهاً أمام الاثنين وأنت لا تدري إن كان الأمر حقيقياً أم أنهما يمثلان، وتظل تتخبط في حيرتك حتى تحسم المرأة الأمر بأن تدعو المشاهدين للدخول إلى قاعة المسرح، فلا تملك سوى أن تبتسم وأنت في داخلك تعترف بأنك قد بلعت الطعم.


المسرحية عبارة عن مشهد واحد متصل، لكنه يحوي داخلة العديد من المشاهد التي برعت دعاء محمد حمزة في كتابتها وإخراجها، ولعب الديكور والملابس دوراً كبيراً في أخذ المشاهدين في غمار اللعبة التي رسمتها باحتراف. فنحن أمام اثنين من الكومبارس السينمائي يفسدان مشهدهما وعندما يُطردا من موقع التصوير، يدخلان إلى غرفة الملابس ليُغلق الباب عليهما بالمفتاح من الخارج، ولا يجدان شيئاً ليفعلاه سوى الشئ الوحيد الذي أضاعا عمرهما جرياً ورائه بلا جدوى .. التمثيل.


أحلام مجهضة لفتاة فقيرة لم تكن تحلم سوى بأن تمثل فقط، لكن فقرها وانتمائها لطبقة المهمشين لم يمنحها سوى دور الكومبارس لتترقى بمجهودها وتصبح كومبارس متكلم بدلاً من صامت، والمفارقة العجيبة أن اسمها "شهرة"، حيث منحها أحد النجوم الكبار هذا الاسم عندما أعجبه مثابرتها وأدائها المتميز ككومبارس، وعلى الجانب الآخر يقف "مفتاح" الذي كان يعمل موظفاً مرموقاً في الدولة ولديه شقة وراتب مستقر، لكنه يعشق التمثيل وتضيع أيام حياته في مسارح الثقافة الجماهيرية "الأقاليم"، حتى يقرر الذهاب للقاهرة ليشق طريقه في عالم السينما والفيديو، فيصطدم بحقيقة الصراع داخل هذا العالم ولا يستطيع سوى أن يكون كومبارس. كومبارس يحفظ السيناريو كاملاً من أجل أن يقدم جملته الوحيدة بروح ومعنى يتماشى مع السياق العام للقصة، وهنا يحدث الصراع بين مفتاح وشهرة، أو بين الاعتراف بالواقع والعيش في الأحلام.


استطاعت نشوى معتوق مصممة الملابس والديكور أن تمنح العرض بلاغة في التعبير عن الروح الخاصة به، فلقد قسمت جوانب فضائها المسرحي ليعبر عن غرفة ملابس سينمائية، ذات بعد أسطوري، فالملابس في هذه الغرفة تشمل الأزياء الخاصة بأفلام مصرية تاريخية غيرت من مجرى الضمير الإبداعي وأحدثت تحولاً في الإنتاج السينمائي، ونشاهد ذلك في الجزء الخاص بإعادة تمثيل مشاهد من هذه الأفلام بواسطة الشخصيتين؛ مفتاح وشهرة، الذين يستغلا فرصة عزلهما عن العالم الخارجي ليفعلا الشئ الوحيد الذي يحباه، ألا وهو التمثيل، لتبدأ اللعبة بينهما، بتبديل الملابس كحدث داخل الدراما، ومن ثم أداء شخصية جديدة، وقد تمكنت مصممة الملابس والمنفذة لها وللديكور ليلى عمرو حسني، أن يقدما ملابساً موحية وعملية بحيث تعبر عن الشخصية بصدق وفي نفس الوقت من السهل تغييرها وتبديلها بسرعة.


الموسيقى أيضاً جاءت معبرة عن روح العرض، فاتسمت بالتنوع وفقاً للحدث الذي يجري على الخشبة، فمن الشعور بالغضب في اللقاء الأول بين البطلين إلى التعارف ثم الوقوع في نوستالجيا بداية تعلقهما بالفن، فالمعاناة التي يواجهانها ككومبارس مهمشين، ثم تحقيق الحلم في فضاء أٌغلق عليهما وحدهما وتمثيل كل الأدوار التي يحبانها. استطاع المؤلف الموسيقي حازم شاهين أن يقفز بموسيقاه برشاقة بين كل هذه المشاعر والأحوال الإنسانية، فأضافت الموسيقى لقيمة العرض بقوة.
"مفتاح شهرة" مسرحية تعبر عن الواقع المسرحي للفرق المستقلة في مصر، والذي يحقق التوازن بين إنتاج القطاع الخاص وإنتاج القطاع العام، بتقديم نكهة مسرحية مختلفة ومميزة عن السائد أو المتعارف عليه.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق