الأربعاء، 31 مارس 2010

قليل من أنوثة قد تصلح ما أفسده الرجل

ثقافة كاملة تعيشها المجتمعات في العالم تقوم على الصراع، ووسيلة واحدة تستخدمها تلك المجتمعات في هذا الصراع، ألا وهي السلاح. صراع مسلح يبرر للقتل والقتال باسم الشرف والأخلاق والدين والوطن، لكنه في النهاية صراع وقتل. تلك الثقافة أسس لها ورعاها وغذاها الرجل على مدار التاريخ، برر وكرس لها وجر وراؤه ملايين البشر فأفنى وفنى.
مؤخراً وفي ظل احتدام القصف الإسرائيلي على غزة، والذي استدعته حماس بصواريخها، صدر كتاب (ستون عاما ستون صوتا) الذي أعدته منظمة ( سلام في سلام) الأمريكية المهتمة بشؤون المرأة في جميع أنحاء العالم وجمعت فيه آراء ستين صوتاً نسائياً، نصفهم في من فلسطين والنصف الآخر من إسرائيل.
الكتاب يحوي شهادات لهؤلاء النساء، حول تجربتهن مع الحرب المستمرة والقتل الدائم والخطر المحيط والذي لا مفر منه أبداً، يتحدثن عن احتياجاتهن واحتياجات أطفالهن وعن خيبة أملهن في القيادات السياسية، كما يتحدثن عن الأوضاع الاقتصادية والعنف والبطالة.
تضم الشهادات، نساء من فتح وحماس وأعضاء في المجلس التشريعي وربات بيوت ومعتقلات سابقات في السجون الإسرائيلية، ومجندات ومتدينات إسرائيليات، كلهن يتحدثن عن حياتهن وأحلامهن، وكان الجانب المشترك لدى الجميع هو رغبتهن الحقيقية في تحقيق السلام وتوقف الصراع والقتل والعنف الدائم.
باتريشيا ميلتون رئيسة منظمة "سلام في سلام" والتي أشرفت على إعداد هذا الكتاب، تحدثت عن رؤية اشتركت فيها جميع النساء اللائي شاركن في الكتاب، ألا وهي أن الرجل يحكم العالم منذ آلاف السنين ولم يجر غير الدمار والعنف وراؤه، فلماذا لا يتنحى جانباً ويترك للمرأة الفرصة لتمسك بيدها زمام الأمور، ربما اختلف الوضع وتحول العالم إلى مكان أفضل للعيش فيه، بلا أحقاد ولا ضغائن ولا صراع دائم على السلطة والسيادة مما يؤدي إلى إسالة الدماء والتكريس لها باسم المبادئ والمثل والأخلاق.
استطاعت تلك الفكرة أن تجذبني، لكني سرعان ما تذكرت أن المرأة نفسها تشارك في الصراع، فتسيبي ليفني هي التي على رأس الصراع الآن من الطرف الإسرائيلي، وكونداليزا رايس رغم انتهاء أيامها في السلطة، إلا أنها كانت تدير الدفة الأمريكية منذ بداية الأزمة وحتى غادرت، إذا المسألة ليست امرأة أو رجل، وإنما هي قيم ذكورية وقيم أنثوية، فالقيم الذكورية التي حكمت العالم منذ أكثر من عشرة آلاف عام الآن، هي التي كرست للصراع دينياً وأخلاقياً حتى يستطيع الرجل فرض سيطرته على الكون وتحول الأمور كلها إلى قبضة يده، وبالتالي فإننا الآن نرغب في فرض بعض من القيم الأنثوية على الكون، بعض من سلام النفس ومنح الحياة للأرض، بعض من عطاء وتفاني وحب للآخرين. بعض من رقة وسكون وصبر وجلد، بعض من تبادل المنافع بدلاً من احتكارها، بعض من سلام.
كان لدي منذ سنين تساؤل عن الشخصية الفلسطينية، فهل كل الفلسطينيين مقاتلين وفدائيين، نساء ورجال وأطفال؟ كانت الصورة المعلنة دوماً من حولي لا تجيب سوى بنعم، الفلسطينيون خلقوا جميعاً للقتال والنضال من أجل قضيتهم، لكنني كنت من وقت لآخر أقابل موسيقي أو ممثل أو شاعر من فلسطين، فأجده إنسان مثلنا يتحدث عن الحياة والمستقبل ولا يتذكر اسرائيل في الأمسيات التي نمرح فيها، لكن السؤال ظل عالقاً بذهني حتى طرحته يوماً على الشاعر مريد البرغوثي، فأجابني بأنه لا، الفلسطيني يحب الحياة ويعشقها ويرغب فيها ولديه أحلام من أجل المستقبل، ولا ينام ويصحو على فكرة الأرض والعودة أو إعادة الأرض المسلوبة وإن كان ذلك لا يعني أنه ينسى أن لديه وطن مسلوب.
إن التكريس لفكرة الشهادة وكأنها هي المبتغى والجائزة الكبرى التي من الممكن أن ينالها المرء في كل دنياه، تحول الانسان إلى رقم في طابور من شهداء، هم في النهاية فقدوا أرواحهم في معركة لم يكنوا في الغالب طرفاً فيها، أو على الأغلب كانوا ضحية لها. إن الحياة أجدر بأن تعاش على الموت حتى ولو كان شهادة، فما معنى أن يموت طفل وتحسبوه شهيداً، وما معنى أن نسمع في الأخبار كل يوم رقم جديد من الشهداء، الذين على الأغلب لن يتذكرهم أحد بعد شهر واحد من موتهم، وأعني هنا تذكرهم فردياً بالاسم والمهنة والعنوان والأحلام والتطلعات والرغبات والحب والكره ...تذكرهم بكل تفصيلة في حياتهم، كأنهم بشر مثلنا وليسوا مجرد شهداء ماتوا في قصف عشوائي لمكان ما على أرض فلسطين أو غيرها.
أرجوكم قليل من القيم الأنثوية في الدنيا لن يضر، بل سيحفظ أرواح وسيمنح الأرض قليل من بهجة وقليل من عطر حاني، نحن جميعاً ذكور ونساء في أمس الحاجة إليه.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق