الأربعاء، 31 مارس 2010

بين مفهوم الشرف وملابس النساء

أحداث متتالية شهدها مجتمعنا المصري في الفترة الماضية، لم أرها إلا من خلال مفهوم واحد، ألا وهو مفهومنا عن الشرف والعفة والطهر. الحادث الأول وهو تعرض فتيات خلال عيد الفطر الماضي لحادث تحرش من قبل بعض الشباب، والثاني انتصار نهى في قضيتها ضد السائق الذي تحرش بها في الطريق، والثالث إدارة رجل وزوجته لشبكة جنس جماعي ضمت أربعين أسرة مصرية.
تعالوا نفكك كل حدث على حدة، الحادث الأول ومن خلال وصف الفتيات اللائى تعرضن للتحرش، فقد كن محجبات وواحدة ترتدي النقاب، أما الثاني فقد كانت نهى لا ترتدي الحجاب، أما الثالث فالزوجة ترتدي ما يعرف بالإسدال، وهنا نتساءل ما هو مفهومنا عن شكل المرأة الشريفة الطاهرة؟

يجمع الكثير جداً من المصريين أن ارتداء الفتاة للحجاب أو النقاب يقيها شر الشارع ولا يعرضها للتحرش وهذا ما نفاه حادث التحرش في العيد وفي حين وقعت فتيات العيد المحجبات ضحية سلبية دافع الآخرون عنها، فلقد جاءت نهى التي لا ترتدي الحجاب لتقف وبجسارة أمام المتحرش بها وتدفع به إلى ساحات القضاء التي اقتصت لها وزجت به إلى السجن ثلاث سنوات لتعطينا جميعاً درساً في الشرف الحقيقي. ويجمع المصريون أن من ترتدي الحجاب وما أضيف إليه من مظاهر أخرى مثل الإسدال والملحفة والنقاب، هي امرأة محتشمة عفيفة تقية، لتأتي الزوجة في قضية الجنس الجماعي وتضرب بهذا الإجماع عرض الحائط.

وهنا نصل إلى مربط الفرس كما يقولون، فشكل اللبس الذي ترتديه المرأة ليس له أي دلالة على أخلاقها واحترامها لذاتها وعفافها، وإنما هو مجرد مظهر يختاره كل إنسان لنفسه على هواه الخاص، فلا الحجاب دالاً على العفة ولا السفور دالاً على الاستهتار والعهر. إنني أعلن كامل احترامي لمن ترتدي الحجاب ولا أعني بكلامي أن الحجاب أمراً معيباً، فقط أدلل على أمر خطير ألا وهو تلك الصورة الذهنية التي التصقت في أذهان المصريين خلال العقدين الأخيرين، والتي حصرت المرأة في الجسد، فإما هي جسد عاري عاهر وإما هي جسد مغطى مصون.

إن العهر والعفاف صفات لا علاقة لها بالجسد وإنما هي صفات أخلاقية يتحلى بها الإنسان في تعاملاته مع الآخرين، كما أنهما صفات تخص الإنسان في مجمله وليس المرأة فقط، صفات تعم كل أدائنا في الحياة وليس نشاطنا الجنسي فقط، فالعفيف هو من يلتزم في عمله ولا يرشي أو يرتشي ولا ينافق ولا يسرق ولا يكذب ولا يستغل وظيفته لمصلحته الخاصة ولا يظلم الناس بمظهرهم ولا يخون الأمانة والعهود ويحفظ حرمة الطريق ويحترم الآخرين ولا يمارس العنف ضد غيره ولا يؤذي الغير ولا يصف المختلفين عنه في الدين بالكفر ... إلى آخره من الصفات الحميدة التي تشكل بالفعل منظومة الطهر والعفاف والشرف.

للأسف الشديد أصابنا نحن المصريين في العقود الأخيرة مرض عضال، ألا وهو البداوة، فلقد استوردنا من الصحراء أخلاقها، وأصبحنا نتعامل مع بعضنا البعض بأخلاق القبائل المتناحرة، حيث كل مجموعة منا تمترست في ظل تجمع بشري وأعلنت العداء ضد التجمعات الأخرى، وأصبحنا نسمع تصنيفات للداخلين الجنة والواردين على النار، وكأننا أصبحنا أرباباً على الأرض نفصل في أمور الآخرة ونحصي تعداد نزلاء كل من الدارين، ويا ليتنا قيمنا بعضنا البعض من منطلق قدرة كل واحد منا على العمل والإنجاز والتطور الفكري، وإنما ضاقت نظرتنا وانحسرت تقييماتنا على نوعية الملبس الذي يرتديه كل منا.

الغريب أيضاً، أننا أوقفنا كل شيء على النساء، فهذا الرجل شريف لأن زوجته تفعل كذا وكذا، وهذا الأب عظيم لأن ابنته تفعل كذا وكذا، وكأن النساء جزءاً من تكوين الرجل ولسن شخوصاً مستقلة ومسئولة عن نفسها أمام القضاء وأمام الله، وكأن الرجال أشخاص بلا هوية ويتم تحديد صفاتها بناءاً على موقع النساء المحيطة به من خريطة الشرف والعفة الظاهرية.

أعتقد أننا في حاجة ضرورية لنعيد رسم خريطة مفاهيمنا عن الشرف والعفة، وأن نتوقف عن تقييم بعضنا البعض على أن يكتفي كل واحد منا بالنظر إلى نفسه وعمله فقط ولا يُنصِب من نفسه قاضياً على الناس من حوله. أعتقد أننا في حاجة إلى استعادة أخلاقنا المصرية التي اشتهرنا بها على مر العصور، ألا وهي التسامح واحترام التعدد والاختلاف والتعاون على العمل والإنجاز من أجل بناء مجتمع أفضل نشعر فيه جميعاً بالراحة النفسية والتمتع بلحظات عمرنا، التي ننفقها جميعاً الآن في الكراهية.

أعتقد أن واقعنا الاقتصادي المُر يستدعي أن نتوقف عن الثرثرة الفارغة والدخول في موجات دروشة ظاهرية لا قيمة لها، ثم نلتفت إلى المواجهة الحقيقية التي تأخرت كثيراً، مواجهة الوضع السياسي والاقتصادي الطاحن الذي زحف إلينا حتى اقترب من خنقنا جميعاً ونترك القبلية التي لن تفيدنا في شيء حيث أن ارتداء امرأة الحجاب أو عدم ارتداء أخرى، أمر لا قيمة له عملياً على الأرض وليس له أي دلالة أخلاقية أو حتى دينية، فالمحجبة على ما أظن لا تدير شبكة للجنس الجماعي!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق