الأربعاء، 15 ديسمبر 2010

فكوا عن دربنا وجعتوا قلبنا

هكذا انطلقت الهتافات النسائية في السودان، اعتراضاً على جلد فتاة لم تتخط السادسة عشر من عمرها في السوق وأمام المارة، خمسين جلدة، على أثر اتهامها بارتداء البنطال. وأنا أرفع عقيرتي أيضاً معهن وأقول لكل الحكام الإسلاميين في كل أصقاع الأرض " فكوا عن دربنا وجعتوا قلبنا".
بغض النظر عن كون الحكم بالجلد على من ترتدي البنطال، أمراً لا علاقة له بالإسلام لا من قريب ولا من بعيد، حيث أن الإسلام الصحيح في كتاب الله عز وجل، لم يفرض أي عقوبة على الزي للمرأة أو للرجل، وأن عقوبة الجلد مخصصة لفعل واحد، ألا وهو الزنى، وحدد عدد الجلدات بمائة جلدة، يشهدها نفر من المؤمنين، ولم يقل في قلب السوق ليشهدها كل المؤمنين، حيث أن المبدأ العام في الدين الحنيف هو الستر وليس الفضح. بغض النظر عن هذا الأمر، حيث أن قلوبنا قد تعبت أيضاً من كثرة النقاش حول ما هو إسلامي وما هو غير إسلامي، لأنني اكتشفت أنه لكل بدعة ظلامية في الاسلام، حديث يخرج من بين طيات كتب فقهية علاها التراب وأكل عليها الدهر وشرب، اتخذها بعض المشايخ مصدر رزق واستنطاع على كواهلنا نحن المسلمين الغلابة، أو بالتحديد نحن المسلمات الغلبانات، حيث أصبحنا ممسحة لأحذية رجال الأمة الإسلامية من مشرقها إلى مغربها ومن جنوبها إلى شمالها، فالرجل المسلم وكما هو واضح، لم يجد سوى المرأة كي يثبت من خلالها عدم عجزه، بعد أن عجز عن فعل كل شيئ وأي شيئ، ولم يتمكن من الحفاظ حتى على ثقافته، فالمسلم "الكول"، أصبح هو صرعة الأجيال الحالية، فأن تتنكر للغتك وقيمك الثقافية، أمر لا علاقة له بأن تتحدث في الحجاب ووجوبه على المرأة، وكأن المرأة هي الوسيلة التي يستخدمونها لإثبات ذكورتهم المشوهة।
الفتاة السودانية التي تم جلدها، وتدعى "سلفا كاشف"، تنتمي إلى عائلة مسيحية نازحة من بلدة يامبيو بجنوب السودان، نزلت من بيتها لشراء بعض الحاجيات من السوق في منطقة الكلاكلة بالخرطوم، فاعتقلها الشرطي ساحباً إياها إلى المحكمة، وتم إدانتها والحكم عليها وتنفيذ العقوبة، دون حتى إخطار أهلها، نظراً لكونها قاصر. الفتاة التي تم جلدها في الشارع على مرأى ومسمع من الناس، والتي كانت تنادي على أمها كي تنقذها من بين براثن كلاب الشرطة السودانية، بأصواتهم التي يجلدونها بها، أثارت شفقة المارة، الذين انزعجوا من هذا المشهد، كونها المرة الأولى التي يشاهدون فيها عملية جلد علنية، وليست داخل ساحة المحكمة.
الغريب أن الشارع السوداني الشمالي، يرفض تعطيل قوانين سبتمبر التي تم سنها عام 1982، مؤكدين أنه " لا تبديل لشرع الله" – لا أدري أين شرع الله هنا؟ – لكنه يعترض فقط على أن تنفيذ القانون تم في الشارع وبين المارة، وأنه كان يجب أن يتم في ساحة المحكمة، كما هو متعارف عليه. والمتعارف عليه هنا يا سادة، أن الرجال والنساء السودانيون يتم جلدهم يومياً بذرائع عدة ما أنزل الله بها من سلطان، لكن بالطبع نصيب المرأة من الجلد أكثر بكثير، ففي الوقت الذي تُجلد فيه المرأة لارتدائها البنطال، يسير الرجل ببنطاله طليقا في شوارع السودان، وبينما لا يتم توجيه أي عقوبات للرجل القواد، يتم جلد وسحل المرأة التي تعمل في الدعارة....... إلخ. ما يجعل القضية نسائية بالدرجة الأساسية، ويكون من حق نساء السودان، الصراخ عالياً هاتفات " فكوا عن دربنا وجعتوا قلبنا".
بالنسبة لي لا أرى مثل تلك القضايا، بمعزل عن قضية انفصال الجنوب السوداني عن الشمال، فما الذي يجعل المسيحيين في الجنوب، يتحملون هذا الحكم الجائر الملقب بالإسلامي، بينما من الممكن أن ينعموا بقوانين عادلة وديمقراطية، تحت مظلة " مسيحية" فرضاً؟ ما الذي يجعل رجلاً أو امرأة جنوبية مسيحية يصوتان لعدم الانفصال، بينما بالإمكان أن يعيشا بحرية وكرامة بمعزل عن الشمال المتسلط وقوانينه الظلامية الجائرة؟. ببساطة شديدة لو كنت امرأة من جنوب السودان، سأتغاضى عن كل العواقب السلبية للانفصال، وسأصوت من أجل تحقيقه، فقط لأسير في الشارع بأمان مرتدية ما أريد بحرية.
أنا لا أدين الحكم في السودان، لما يصدره بحق النساء من أحكام جائرة، فوفقاً لناشطات سودانيات في حقوق المرأة، يصدر بحق النساء السودانيات مليون ونصف جلدة سنوياً، ما يجعل السودان ساحة تعذيب كبيرة للنساء. لكني أدين كل الأنظمة وكل الحكام العرب والمسلمين، الذين يستخدمون الإسلام لصالح هيمنتهم وسيطرتهم على مقدرات الشعوب، أدين تحويلهم لديننا الحنيف إلى دين دموي وسادي وظالم، ينصر جنساً على الآخر، ويفرق بين عباد الله على أساس النوع " ذكر وأنثى"، أدين تركهم لزبانية جهنم الملقبين بالشيوخ والدعاة، لكي يبثوا سمومهم بين الناس في كل مكان، ويقتاتون على بساطة الناس وسذاجتهم ورغبتهم في نيل رضا الله وجنته. أدين الشعوب العربية والمسلمة، التي لا تُعمل عقولها وتستسلم إلى ركنها جوار الحائط، مستسلمة للخنوع والذل. أدين المرأة العربية والمسلمة التي استسلمت، لفكرة الحجاب والنقاب، وأحبت أن يتم تشبيهها بالحلوى التي سيعف عليها الذباب إن لم يتم تغطيتها جيداً، بائعة بذلك كونها إنسان عاقل وليس مجرد جسد مصدر للشهوة والفتنة. أدين نفسي وأدينكم جميعاً لأننا بلا استثناء استسلمنا إلى هذا العفن.