الأربعاء، 7 مارس 2012

حكايات من واقع حال الشرطة النائمة


دعوني أقص عليكم بعض حكايات من واقع شرطتنا العزيزة النائمة. هذه الحكايات بعيدة تماماً عن ظاهرة السير عكس الطريق والتي وصلت أمام عيني إلى الحد الذي قاد فيه أحدهم سيارته عكس السير في شارع التحرير بالدقي الساعة الثانية ظهراً وأمام عسكري المرور الذي لم يحرك ساكناً أو يستجيب لزمامير السيارات المعترضة. أربع حكايات حدثت مع ثلاث أصدقاء، والرابعة حدثت مع ابنتي.

عادت ابنتي ذات مساء بعد انتهاء درسها الخاص بأحد المراكز الدراسية بمنطقة الزمالك، وهي مستاءة وتقول لي بشكل قاطع: " مصر مش هتنضف أبداً يا ماما"، عندما أجبتها بغيرة وطنية تلقائية: " ما تقوليش كدة المسألة محتاجة وقت مش أكتر". أجابتني بأنني علمتها منذ الصغر وفي بلاد الغربة أن المصريين يتمتعون بنخوة لا تتوفر لدى الآخرين، وأنه حتى لو لم يكن هناك نظام في الشوارع، فإن المصريين بنخوتهم يفرضون الأمان والنظام على بعضهم البعض ويقفون أمام الخارج عن هذا النظام. بالطبع وفي أول احتكاك لابنتي مع هذه النخوة، تأكدت أنها ليست متوفرة بالإضافة إلى غياب الشرطة، وبالتالي مصر لن تتطور أبداً " ورحنا جميعاً في شربة ماء".

عند خروج ابنتي وصديقتها من درسهما الخاص وهم يسيرون في شارع أبو الفدا بالزمالك، شاهدوا فتى يكسر زجاج سيارة ليسرق منها "جيتار"، ثم يهرب فوراً على دراجته البخارية، ورغم أنهما صرخا بعلو صوتهما " حرامي حرامي"، لم يعبأ أحد بهما، وحسب قولها، نظر لهما المارة باستهزاء كبير، فلم يجدا أمامهما سوى الذهاب إلى شرطي المرور ليستنجدا به، لكنه لم يفعل سوى أن وجههما نحو قسم شرطة الجزيرة للبلاغ، ورغم أن الفتاتين صغيرتين بما يكفي لأن يدخلا قسماً للبوليس، إلا أنهما ذهبا بالفعل ليبلغا عن الحادث. استقبل الضابط المناوب الفتاتين بترحاب شديد وقال لهما: " برافو عليكوا"، لكنه لم يفعل أكثر من ذلك، حيث طلب منهما العودة مرة أخرى إلى موقع الحادث ليحضرا رقم السيارة، لكنه لم ينس أن يبلغهما أنه حتى لو أحضرا رقم السيارة، فلن يغير في الأمر شيئاً، لأنه يجب أن يحضر صاحب السيارة للبلاغ عن الحادث حتى يحرر محضر، وبصفتهما ليسا متضررتين شخصياً مما حدث، فإنه لن يستطيع أن يحرر محضراً بالحادث!. وهنا نهاية القصة، لأن الفتاتين ببساطة قررا أن يعودا إلى منزليهما، لأنه لو كان البوليس لن يتحرك معهما لمعاينة موقع الحادث واتخاذ الاجراءات اللازمة للقبض على السارق، فما جدوى أن يحضرا له رقم السيارة؟. نقطة ولننتقل إلى الحكاية الثانية.

صديقة لي كانت تركب الميكروباص بجوار النافذة، في طريقها إلى منزلها. أثناء توقف الميكروباص في أحد نقاط الزحام بشارع الهرم، أخرجت صديقتي هاتفها المحمول لتجري مكالمة، وأثناء وضع الهاتف على أذنها جوار النافذة المفتوحة، التقط أحدهم الهاتف منها بسرعة واختفى، ورغم صراخها لم يتحرك أحد في الميكروباص، بينما ظل عسكري المرور في الخارج ينظر إليها في بلاهة صعب وصفها. لم تفكر صديقتي في تحرير محضر بالقسم بخصوص سرقة هاتفها وتبريرها لذلك هو: " مصر كلها اتسرق الموبايل بتاعها وفتحوا محاضر وما حصلش إني سمعت إن واحد رجعله موبايله أو قبضوا على حرامي موبايلات". لننتقل الآن إلى الحكاية الثالثة.

بعد أن جلست قليلاً إلى مكتبي بالجريدة، لاحظت أن زميلتي التي تجلس في المكتب المقابل، تعمل على جهاز الكمبيوتر " ديسك توب"، لأول مرة بعد أن كانت تتعامل فقط مع جهاز اللاب توب خاصتها، تساءلت: أين اللاب توب الخاص بكِ؟، فأجابت بسخرية مريرة: اتسرق. أما كيف تم سرقة اللاب توب الخاص بها؟ فببساطة شديدة على طريقة عصابات شيكاغو، فقد كانت تسير في شارع النيل بمنطقة العجوزة وهي تعلق حقيبة اللاب توب على كتفها، فمر جوارها شاب على دراجة نارية، التقط الحقيبة وطار، بينما وقعت هي على جانب الطريق في حالة ذهول لا تدري ما الذي يجب أن تفعله، ونظراً لأن زوجها فقد الآي فون الخاص به ولم تفعل له الشرطة شيئاً، لم تتوجه لتحرير محضراً بالحادث قائلة: " المحاضر إجراء روتيني تقوم به الشرطة ولكنها لا تعني أنهم سيتحركون لفعل أي شيئ، كلها يتم حفظها إدارياً ولا يحولونها حتى إلى النيابة للتحقيق"!. وإلى الحكاية الرابعة.

في الحقيقة أشعر بالذنب مع هذه الحادثة، فلولا أنني اعتذرت لصديقي هذا لانشغالي في العمل، عن ملاقاته بأحد مقاهي وسط البلد، ما جاء إلي في مقر الجريدة بالدقي، وما حدث له ما حدث. قام صديقي بركن سيارته في الشارع وصعد لنتحدث في أمر هام يخص نشاط توعوي نقوم به مع أصدقاء آخرين في أحد مناطق إمبابة العشوائية، وبعد أن غادر محاولاً تشغيل السيارة، لم تستجب وكانت كمن سقط سهواً دون مبرر. بعد أن فتح "كبوت" السيارة، اكتشف أن البطارية تم سرقتها، وعلى طريق "فانلة" فؤاد المهندس التي سرقتها شويكار من أسفل صديري بستة زراير وجاكت بدلة بثلاثة زراير، وقف مذهولاً وحمد الله أن السيارة لم يتم سرقتها بالكامل، حيث أن البطارية يمكن تعويضها ولكن السيارة المسروقة لا تعود حتى لو قام بتحرير ألف محضر.

الغريب أن كل هذه الوقائع حدثت في شوارع رئيسية داخل أحياء كبيرة، ومن المفترض أنها تحت سيطرة الشرطة ومؤمنة تماماً وفقاً لتصريحات وزير الداخلية الذي أكد لنا أن الأمن تم فرضه بنسبة 60%. والسؤال هنا: إن كان الأمن غائب عن الزمالك والدقي والعجوزة والهرم، فهل علينا أن نتخيل مثلاً أنه مفروض في الأماكن النائية والطرق السريعة؟، أما السؤال الثاني فهو ببساطة: ما هو لزوم تحرير محاضر في مقرات الشرطة المختلفة إن كانت نتيجتها التخزين الإداري؟ السؤال الثالث توجهه ابنتي: أليس من المفترض أن تتحرك الشرطة عند البلاغ عن حادث سطو أو سرقة لمعاينة الحادث؟ وإن كانوا لا يتحركون فهل يعني هذا أن مصر فيها شرطة من الأساس؟. وفي النهاية أتوجه بالتحية إلى وزير الداخلية وشرطته النائمة.