الخميس، 30 أكتوبر 2014

وي هيوي ...المتمردة الصينية التي عجنت الشرق بالغرب





تبلغ الكاتبة الصينية وي هيوي من العمر 40 عاماً الآن، لكنها بدأت مشوارها في إحداث الفوضى في الحياة الأدبية الصينية منذ كان عمرها 25 عاماً. ولا يمكن أن أكون مبالغة، عندما أقول انها أخرجت الأدب الصيني من التحفظ الشديد والالتزام بالحدود، سواء كانت حدود المكان أو حدود الأفكار الشرقية التقليدية الصينية، إلى حدود العالم كله ...ربما كونها متأثرة بشكل كبير بالحضارة الغربية، وهو ما اتخذ ذريعة ضدها لتشويه صورتها ورميها بكثير من التهم مثل: " المنحلة، المنبوذة، عبدة الثقافة الأجنبية". وذلك في الدوائر الإعلامية والثقافية الصينية.
لم يكن موقف الإعلام الصيني معادياً منذ بداية وي هيوي الأدبية، بل رفع من شأنها في أول مشوارها ونصبها نجمة صاعدة بين أبناء جيلها من أول تجربتين قصصيتين لها، لكن الأمر انقلب إلى النقيض تماماً بعد أن صدرت لها رواية " شنغهاي بيبي".
هذه الأديبة الصينية، هي ابنة لضابط حربي، وكانت قد قضت ثلاث أعوام من طفولتها في معبد احتله الجيش وشرد منه رهبانه خلال فوضى الثورة الثقافية في الصين. درست الأدب في جامعة فودان المرموقة في شنغهاي، وهي تقول عن نشأتها: " لقد ترعرت في وسط عائلي محافظ وصارم، وقضيت عامي الأول بالجامعة في تدريبات عسكرية. غن ما حدث لي بعد ذلك، كان رد فعل طبيعي جداً، لقد ثرت وتمردت وتحولت إلى الجموح الشديد، وهذا ما كتبت عنه".
روايتان بنفس النكهة
صدر لوي هيوي مجموعتان قصصيتان قبل أن تُصدر رواية شنغهاي بيبي عام 2000، لتختفي ما يقارب العشرة أعوام، تعود بعدها برواية الزواج من بوذا. كانت شنغهاي بيبي هي الشرارة التي أشعلتها هيوي في الصين، فاشتعلت الأوساط المحافظة حولها، ما جعلها تترك الصين لتسيح في العالم الغربي وخاصة نيويورك.
بالنظر إلى الروايتين، نكتشف أن لهما نفس العالم وربما نفس النكهة في الكتابة،وكأن هيوي تعيد ترتيب أوراقها في " الزواج من بوذا" بعدما كانت مبعثرة في " شنغهاي بيبي"، ففي الرواية الثانية تبد الاتبة أكثر حرفية في الكتابة وإن كانت قد استخدمت نفس التكنيك، حيث تقسيم الرواية إلى عدد كبير من الفصول القصيرة، كل فصل يحمل عنواناً مميزا يكشف المحور الذي ستدور حوله الأحداث. كما تبدأ كل فصل بمقولة لأحد الشعراء او الكُتاب مثل؛ طاغور، جوني ميتشل، جيم شتاينمان، إريكا بونج، فيرجينيا وولف، نيتشه، ميلان كونديرا، فان موريسون، توري آموس، جيمس جويس، بوكو أونو، هيلاري كلينتون، توم جونز، حتى انها استعانت بأقوال لمصممة الأزياء الأكثر شهرة كوكو شانيل وفرقة البيتلز الإنجليزية.
وكما ذكرت سابقاً فهي أكثر نضجا من حيث الحبكة الدرامية وتصاعدها في " الزواج من بوذا"، بل إن الشخصيات أكثر وضوحاً لترسم التفاصيل والأبعاد الخاصة بكل شخصية بأسلوب أكثر تشويقاً، فتعطي للقارئ فرصة بناء علاقة أكثر قوة وتفاعلاً اعمق مع الشخوص، مقارنة بما كانت عليه في " شنغهاي بيبي".
لكن الكاتبة تبدو مفلسة بشكل أو بآخر من حيث تنوع الشخوص، حيث أنها تكاد تكرر شخصيات روايتها الولى في الثانية وإن اختلفت الأسماء، وهذا لا يحدث على مستوى الشخصيات الرئيسية فقط، بل الفرعية أيضاص. فكما تم بناء شنغهاي بيبي على ثلاث شخصيات رئيسية هي: كوكو الكاتبة الصينية وتيان تيان حبيبها الصيني ثم مارك الألماني الذي تغوص معه في تجربة جنسية عاصفة، فإنها في الزواج من بوذا، تقدم نفس التقسيمة تقريباً، حيث الفتاة الصينية التي تمارس الكتابة أيضاص " زي هوي"، وموجو حبيبها الياباني ونك الأمريكي. أما الشخصيات الفرعية فتكر بعضها بنفس الاسم، مثل زوشا قريبة البطلة الثرية في شنغهاي بيبي، لكنها تستبدل مادونا القوادة بإكسير في الزواج من بوذا والتي تأتي في صورة امرأة متحولة جنسياً حيث كانت ذكراص في الأصل.


الوصول إلى العالمية مع سبق الإصرار
لا يمكن اعتبار وي هيوي كاتبة مجددة في الصين من زاوية التكنيك أو التشكيل اللغوي، فهي لم تقدم تجريباً روائياً أو قصصياً، وربما يكون ذلك سبباً في وصولها ببساطة إلى القاعدة العريضة من القراء، لكننا في النهاية لا يمكننا انكار أسلوبها الرشيق وغموضها الأنثوي الذي يعرف طريقه إلى القلب ببراعة. كما أنها استطاعت أن تعبر عن كثير من الهواجس الكامنة داخل المرأة الشرقية، وذلك النزاع التقليدي الذي لم يُحسم بعد، بين العادات والتقاليد والأخلاق الراسخة التي ترسم صوراً نمطية للذكورة والأنوثة، ترفض المجتمعات الشرقية بعنف الخروج عن أطرها الثابتة، وبين أسلوب الحياة العالمي الجديد بأفكاره الأكثر تحرراً، والمحررة أيضاً لكل من الذكر والأنثى من أدوارهما المؤطرة والمكبلة عبر التاريخ.
استطاعت وي هيوي من خلال شنغهاي بيبي ثم الزواج من بوذا، أن تناقش فكرة الروح والجسد بأسلوب جديد، وطرحت السؤال العميق الذي مازلنا نجادل حتى اليوم في إجابته: هل الروح هي الأبقى والأهم والأكثر إقناعاً وسمواص وارتقاء، أم الجسد هو الأفضل في القدرة على التعبير والتفاعل مع الكون والعوالم المختلفة من حولنا، والأداة الحقيقية للتجريب، ما يصل بنا إلى معرفة حقيقية بنفوسنا ومن ثم أرواحنا؟
ربما كان تأثر وي حيوي بالثقافة الغربية، سبباً في طرحها السؤال من وجهة نظر أنثوية خالصة، حيث كان الحب والجنس هما طرفاص المعادلة، فجاء الحبيب الصيني تيان تيان مجسداً للحب بينما يعجز عن إرضاء كوكو جنسياً بعضوه الذكري العنين في شنغهاي بيبي، يقابله موجو الياباني الذي يُغرق في التصوف البوذي، ما يجعله يقنن الجنس الذي يمارسه فلا يقذف أثناء العملية الجنسية بطريقة تعلمها من الرهبان البوذيين ليقتل شهوته في الزواج من بوذا.
على الجانب الآخر ياتي مارك ونيك الغربيين في الروايتين ليجسدا الشهوة الجنسية المحمومة الخالصة، لتقع البطلة سواء كانت كوكو أو زي هوي فريسة للصراع بين الارتباط الروحي الذي تحتاج إليه وبين الارتباط الجنسي الذي تشعر معه بالتحقق والقوة.
في شنغهاي بيبي، تقتل الكاتبة البطل الصيني العنين، وربما كان ذلك سببا في انقلاب الإعلام الصيني ضدها، حيث اختارت الحياة للغربي مارك وإن كان قد غادر عائداً إلى بلاده بعد أن احدث فوضى في حياة كوكو، لكنها في الرواية الثانية "الزواج من بوذا" تختار نهاية مراوغة وتدعو إلى التساؤل وربما العديد من التفسيرات المتباينة، حيث أن البطلة تعود إلى شنغهاي بعد رحلتها الطويلة في أوروبا وأمريكا، وهي تحمل في رحمها بذرة لطفل لا تعرف من هو والده؟، حيث أنها مارست الجنس مع كل من موجو الياباني الذي يقرر أن يقذف في جوفها للمرة الأولى والأخيرة في مضاجعة الوداع، بينما يفعل نيك الأمريكي نفس الشئ معها، وذلك في نفس الأسبوع، لتقرر البطلة في النهاية أن تترك كل شئ وتتزوج من بوذا، وكانها تقرر اختيار حياة الحكمة والتأمل بعد ان أمضت سنيناص من الارتحال الطويل في محاولة للبحث عن ذاتها، لكنها تقرر ذلك وهي تحمل في رحمها مزيجا بين حضارتين، ترجو ربما أن تخرج منهما نمطاً حياتياً أكثر كمالااً وغرضاءً للروح البشرية.
نُشر المقال في جريدة القاهرة بتاريخ 28 أكتوبر 2014


المرأة والبرلمان ... حكاية قديمة تتناقلها الأجيال


ربما كان عنوان المقال تقليديا، وتم استخدامه آلاف المرات من قبل. ولا أخيفكم سرا انني عندما كتبته، كانت المفردة الأقرب لنفسي هي المرأة والساطور وفقاً للفيلم الشهير، فعلاقة المرأة بالبرلمان تحتاج بالفعل إلى ساطور مُشهر في وجه معوقات كثيرة، تنفجر من منابع عدة، لا يمكن حصرها بأرقام ولا جهات سياسية أو شعبية محددة. للأسف الشديد تعددت الأسباب والموت واحد.
هل أنا متفائلة بالمبادرات الكثيرة التي يتم الإعلان عنها من قبل المجلس القومي للمرأة والجمعيات والاتحادات النسائية المتعددة، مثل مبادرة " مائة امرأة في البرلمان" وما إلى ذلك من مسميات؟ ..لا يمكنني في الحقيقة رفضها، فهي أفضل من لا شئ على الإطلاق، وإن كانت مازالت تلك المبادرات تعاني من التقوقع داخل الدوائر المغلقة وربما المخملية الرسمية، من باب سد الذرائع، ودائما تنتهي إلى لا شئ، أو إلى نتائج أضعف من الضعيفة، لأنها ببساطة منفصلة عن الواقع الحقيقي للشارع المصري. وأحب هنا أن أضع مليون خط تحت جملة " الشارع المصري"، فالشارع المصري يا سادة يا كرام يتوزع على 27 محافظة مصرية، تنقسم بالتالي إلى ما لا يحصى ولا يعد من مراكز وقرى. هل تفاجأتم أن مصر ليست القاهرة الكبرى فقط؟
مازلنا حتى الآن ومع الإحصاءات الرسمية الكثيرة والمعلنة من الجهاز المركزي للتعبئة العامة والاحصاء والمركز القومي للمرأة، لا نعلم التعداد السكاني الدقيق للنساء بكافة شرائحهن العمرية وانتماءاتهن الطبقية، وكذلك نسبة العاملات منهن في القطاع العام والقطاع الخاص، ونسبة المعيلات ونسبة الباحثات عن عمل، هذا غير نسبة الأمية وخريجات الجامعة والحاصلات على شهادات تعليم متوسط ....إلخ، ما يساعد على تقسيم المرأة إلى فئات وبالتالي تحديد أسلوب التوجه إلى كل فئة بالخطاب الذي يليق بها، وبمستوى احتيجاتها، وتقديم المعونة المناسبة لها او الاستعانة بها كقيادة نسائية في مكانها.
أعلم تماماً أن الجمعيات النسائية تقوم بجهد مشكور في هذا الإطار، ولكن للأسف لا يمكنني التعامل مع مجهوداتهم، سوى على أنها مجهودات فردية بحتة تشبه من " يفحت في البحر"، لأن هذه الجهود تحتاج إلى تنظيم ومتابعة من الدولة نفسها، فببساطة المنظمة الوحيدة المنتشرة في كل بقعة من بقاع مصر هي مؤسسات الدولة، وهي الوحيدة التي تمتلك القدرة على الحركة في أي مكان دون محاذير او تشكيك في النوايا أو اتهام بالعمالة للخارج المتآمر. إذاً هذا واجب على أجهزة الدولة أن تقوم به ومن ثم توزعه على الجمعيات والاتحادات النسائية كي تتحرك من خلاله بشكل أكثر تنظيماً، وبالتالي يمكننا حينها أن نشهد نتيجة ملموسة وإيجابية على طريق تطوير وضع المرأة السياسي في مصر.
المشاكل التي يتم طرحها دائما كمعوقات لدخول المرأة البرلمان، غالبا ما تكون سطحية، فبين عدم اقتناع رجل الشارع العادي بالمرأة كنائبة برلمانية، وتخلي المرأة عن المرأة في الانتخابات، وضعف وفقر الإمكانيات المادية، تدور أحاديثنا الصحفية والإعلامية، حتى أننا أصبحنا نلوك كل هذه الأسباب دون تفكير، لكن الحقيقة وكما بينت في الأعلى، اننا بالفعل نحتاج إلى خارطة طريق واضحة نتحرك على أساسها لتفعيل الدور السياسي النسائي سواء في البرلمان أو في الحياة السياسية بشكل عام.
هناك نساء مدعومات من جهات سيادية عليا، وهناك نساء يمتلكن موارد مادية ضخمة، ورجل الشارع على الأغلب يبحث عن مصلحته ولن يرفضها إذا ما تحققت له عن طريق امرأة، وامرأة الشارع مثل رجلها تماماً لا يعنيها سوى مصلحتها فقط لا غير، وهنا نجد أنفسنا أمام واقع لا مفر منه، ألا وهو: سيكون هناك عدد معقول للنائبات بالبرلمان القادم ولكن للأسف لن يكن سوى مثل تلك الوردة التي وضعها السلفيون على قوائمهم في برلمان الإخوان السابق..... مجرد وردة في عروة جاكتة النظام الديموقراطي.


نُشر المقال في البوابة نيوز في 24 أكتوبر 2014

http://www.albawabhnews.com/860801

الاثنين، 12 مايو 2014

العلاقة الشرعية بين الأمن الوطني والدولة القمعية

الدولة الاستبدادية أو القمعية أو الديكتاتورية أو الفاشية ....سمها كما ترغب ولكن المهم هو أن هذه الدولة - واسمحول لي أن أراجع معكم منهجاً صغيراً في الحياة الماضية لتاريخ البشرية، ولتأخذوا من التاريخ عبرة يا أولي الألباب. أعتقد أنني أوضحت هنا أنني أتحدث مع أولي الأباب – هذه الدولة أياً كان اسمها تعبر عن حكومات لا تمثل شعوبها حتى ولو ذهبوا إلى الصناديق واختاروهم بما يقال عنه إعلامياً ( إرادة حرة مستقلة)، فهي حكومات مفروضة كرهاً على شعوبها إما بقوة السلاح أو بقوة تحكمها في لقمة العيش أو بقوة الوصايا الخارجية وفي بعض الأحيان بقوة الاحتلال.
وهنا أحب أن أوضح نقطة هامة جداً، ألا وهي أنه مهما كانت الشعارات التي ترفعها هذه الحكومات، فإن النتيجة التي يخرج بها المواطنون هي تردي إنسانيتهم وانغلاق آفاقهم واضمحلال طموحهم، في الوقت الذي تُرفع فيه شعارات العزة والحرية والمجد.
ويذكر المفكر السوري ممدوح عدوان في كتابه "حيونة الإنسان" في الفصل الخاص بالدولة القمعية، أن هذا النوع من الحكومات لا يستخدم السلطة لفرض القانون بل لفرض قبول النظام القمعي وقبول الاستلاب والاستغلال والتزوير، وأنها لا تستخدم القمع للعقاب بل من أجل الردع والمنع. كما يقول: " بسبب الخوف المتزايد لدى السلطة من الكم الشعبي الهائل المسحوق فإن التعذيب أو القمع لم يعد يمارس للحصول على معلومات أو لمعاقبة عناصر الشرطة بل صار يمارس لمنع الناس من الارتباط فيما بينها سياسيا واجتماعيا، وهدفه هو عرقلة المسيرة السياسية للمجتمع ومنع قيام علاقات بين الناس".
النقطة الثانية التي أحب أن أشير إليها هنا؛ هي وسائل الإعلام، واسمحوا لي أن أسوق لكم رأياً للمفكر الفرنسي فرانسوا لوجاندر، الذي يرى أن امتلاك الدولة لوسائل الإعلام سمة أخرى من سمات الدولة الفاشية، فتنظيم الإعلام بشأن وسائل الترفيه وسحق الفكر غير النمطي وسحق كل معارضة حقيقية وذكية هي المصدر المفضل لاندلاع عنف يكمن في كل مكان: عنف السلطة لا عنف الدولة وحدها.
وعند دراسة لوجاندر لأسلوب هتلر تبين له الآتي:
أن الوسيلة الكبرى التي أخذ بها الفوهرر لفرض ذاته هي الوسيلة السهلة المتمثلة في " الإقناع بالقوة" وهذا ما يسميه تشاخوتين " الاغتصاب النفسي بدعاية عاطفية قائمة على العنف" وذلك في كتابه ( اغتصاب الجماهير بالدعاية السياسية).
مؤسس صحيفة نيويورك تايمز يفسر كيفية تنفيذ هذا النوع من الاغتصاب الجماهيري وفقما بين ممدوح عدوان في كتابه "حيونة الإنسان"، حيث يقول آرثر سالزبورج: " احجب المعلومات الصحيحة عن أي إنسان أو قدمها له مشوهة أو ناقصة أو محشوة بالدعاية والزيف وهنا تكون قد دمرت جهاز تفكيره ونزلت به إلى ما من دون مستوى الإنسان".
المفكر الباكستاني أحمد إقبال يشرح هنا الخطوة التالية لخطوة الإعلام ألا وهي " المزج بين الأمن الوطني وأمن الحكومة نفسها" حيث يتم التشهير بكل تهديد لها على أنه تهديد للأمن الوطني ومؤامرة على الوطن وقضاياه الكبيرة. وبالتالي فإن هذه السلطات لا تعالج المشاكل التي تثير الاحتجاجات وهي المشاكل التي تسببت بها الحكومة نفسها، ولكنها تعاقب المحتجين وتقتل المعترضين، وتجبر المجتمع كله على الصمت وقبول العيش في ظل تلك المشاكل بدعوى الحفاظ على الأمن الوطني والوقوف أمام المؤامرات الخارجية.
وإلى هنا تسكت أمنية عن الكلام المباح وتترك لأولي الألباب مساحة للتفكير ربما وصلوا إلى شئ.




الخميس، 27 فبراير 2014

عروس النيل ...كنت يوماً


لا يمكنني أن أدعي أنني الوحيدة من بين المصريين أوالمصريات التي تمتلك مخزوناً خاصاً ومتفردا من الذكريات مع نهر النيل العظيم، لكنني وبكل بساطة أحب أن أدعي أنني الوحيدة من بين نساء وبنات مصر التي اصطفاها النيل دون غيرها لتكون حبيبته السرية، وصديقته الأثيرة وخلته الوفيه. هل يمكنني أن أقول: هكذا كنت لسنين طويل سابقة لكنني منذ فترة ليست بالقريبة فقدت القدرة على التواصل الذي كنت أتمتع بها مع النيل؟ ...هذه هي الحقيقة للأسف، فالنضوج القسري والمبني على أحزان وآلام، بإمكانه أن يبعدنا عن أفضل مشاعرنا التي كانت تحلق بنا في الفضاء ونغلق عليها جفوننا ونحن ذاهبون إلى النوم.

نشأت في بلدة اسمها الفشن بمحافظة بني سويف، وعيت على الدنيا وأنا أحيا فيها لكنني عرفت من عائلتي أننا لا ننتمي إلى المكان بل ننتمي إلى مدينة المنصورة بمحافظة الدقهلية، بعد فترة عرفت بأن جزءً كبيراً من عائلتنا ينتمي إلى مدينة طنطا بالغربية بينما يعيش جزء آخر في القاهرة. هذا بالنسبة لعائلة أمي التي تربيت بينها، أما أبي الذي لم أتعرف عليه إلا في عشريناتي فعلمت أنه ينتمي إلى منطقة بولاق أبو العلا لكن أصوله تعود إلى محافظة أسيوط. كل هذه المدن والمحافظات وجدت دمائي تتوزع عليها، ما دفعني إلى القليل من التشتت بين صديقات ينتمين كلهن إلى الفشن وعائلاتهن متمركزة بالمكان، فقررت أنني من الفشن ولا علاقة لي بكل تلك الانتماءات المتعددة، لكن الأمر لم يكن سهلاً حيث كنت وأسرتي دائماً ضيوف على أهل الفشن ولم ينظروا إلينا أبداً على أننا "فشناوية"، فكان هذا دافعاً كافياً لي منذ طفولتي أن أبحث عن هويتي المشتتة فلم يكن أمامي سوى مصر بكل محافظاتها وربوعها ولم يكن هناك من يمكنه أن يمثل مصر في نظري سوى نهر النيل.
تتمتع مدينة الفشن بموقع متميز على النيل مثل كل مدن الصعيد، وكي نذهب إليه علينا أن نعبر خط السكة الحديد نحو شارع البحر الأعظم والذي كان شبه مهجور آنذاك إلا من بعض البيوت المزروعة وسط حقول الذرة الشامخة بعيدانها الباسقة. كان الذهاب إلى شارع البحر الأعظم شبه ممنوع من قبل أسرتي نظراً لبعده نوعاً عن شارع الجيش الذي كنا نقطن به بإحدى وحدات المساكن الشعبية التي بناها عبد الناصر للموظفين والذي استطاع جدي عبد المنعم هلال أن يفوز بإحدى شققها. كما أن الشارع لم يكن قد أصبح مأهولا بالسكان بشكل يبعث بالطمأنينة إلى قلب أمي التي عاشت عمرها كله في فزع خوفاً من فقدي وأختي، لما كنا ومازلنا نمثل لها من إنجاز واحد وحيد لعمرها كله. لذلك لم يكن مسموحاً لي الذهاب إلى شارع البحر الأعظم إلا إذا كنت بصحبة جدتي لشراء السمك من " حلقة السمك" هناك والتي كانت جديدة آنذاك. كانت عيناي تذهبان بعيداً في آخر الشارع الطويل في كل مرة أذهب فيها إلى حلقة السمك، وعندما كنت أسأل جدتي عما يوجد بآخر الشارع، كانت تجيبني بأنه " البحر".
الأفق السماوي المفتوح أعلى حقول الذرة بآخر الشارع، مَثل إغراءً لا يقاوم بالنسبة إلى فتاة في الثامنة من عمرها تتمتع بخيال خصب وتحلم برؤية وزيارة بلاد ومواقع كثيرة لا تراها سوى عبر شاشة التلفاز والمجلات والكتب التي تدمن قراءتها. لم يكن النهر ليظهر من موقعي هذا، فلقد كانت مياهه تجري أسفل تل منحدر، لذا فشوقي لرؤية النهر او "البحر" كما اعتاد اهل البلدة أن يطلقوا عليه كان كبيراً وعبور ذلك الشارع الطويل حتى آخره ومن ثم الهرولة نحوالأسفل، كان بمثابة مغامرة شديدة الخطورة، ولا أنكر أنني كنت وربما ما زلت أعشق المغامرات وإن انطوت على خطورة ما، فالحياة المستوية بلا منحنيات لطالما كانت مملة وقاتلة بالنسبة لي.
عندما انتهت امتحانات المدرسة بدأت في نسج بعض الأكاذيب الصغيرة لأمي؛ بأنني أذهب إلى زيارة صديقاتي أو لشراء مجلات من عم نسيم بائع الجرائد والذي يقع " كشكه" جوار مزلقان القطار. كانت الساعة الثامنة مساءً هو موعد سندريللا كي تعود إلى المنزل، فكنت أغادر المنزل في الرابعة والنصف عصراً وأتوجه نحو النيل.
في المرة الأولى شعرت برهبة كبيرة وانا أتقدم بخطوات بطيئة نحو المجهول؛ نعم لقد كان النيل بالنسبة لي آنذاك مجهولا، أشاهده فقط عبر شاشة التلفاز الأبيض والأسود وأسمع عنه من أمي وجدتي، حيث يأتي ذكره عارضا في حكاياتهما المتذكرة لرحلات قامتا بها في المركب الذي قد يطفوا فوق مياه نهر النيل أو فوق مياه بحيرة المنزلة بالدقهلية التي احتلت جزءً كبيرا من ذاكرتيهما.
عندما وصلت إلى قمة المنحدر الذي يستقر في آخره النهر، كان المشهد الذي أثر لبي ولا يختفي من ذاكرتي حتى اليوم، هو انعكاس أشعة الشمس الغاربة على صفحة مياه النيل لتعطي ألوان الطيف. كان قوس قزح بألوانه السبعة مجرد حدوتة أقرأها في قصص الأطفال مع صورة كرتونية مبهجة، لكن في ذلك اليوم تعرفت عليه بنفسي. لم تتمكن طفولتي من التمهل واتخاذ قرارا متعقلا بشأن الألوان المبهجة والعائمة على صفحة النهر، فجريت نحوها ولمست قدماي لأول مرة برودة المياه المنعشة ومن ثم اخذت باللعب مع الألوان مشتتة تجمعها فوق المياه. في غمرة عبثي الطفولي المرح وجدت من ينادي ورائي: " انت يا به انت يا به" نظرت خلفي لأجد احد الصيادين منزعجاً باعتباري فتاة بندرية قد تتسبب في مصيبة غرق جديدة. لا أتذكر الحوار بالنص ولكنه حذرني من ان أدخل في عمق النهر أو حتى أسير بالعرض على الشاطئ موضحاً ان طمي النيل غدار وأن الشاطئ غير مستوٍ قد يهبط بي فجأة في العمق، كما ان هناك مناطق تحتوي على دوامات تسحب البشر للأسفل بلا رجعة.
عدت إلى الأرض خائفة ربما، ووعدت الصياد بأنني لن أرتكب خطأً من تلك التي عددها على مسامعي، لكن ذلك اليوم كان بمثابة بداية علاقتي الحقيقية بالنيل، فلقد دأبت على الذهاب هناك كلما ابتكرت قصة جديدة لأمي كي أتسلل نحو النهر دون ان تدري وحفظت سري داخل قلبي ولم أخبر به حتى أختي التي كانت بمثابة راعي رسمي لي.
ظللت أتردد على النهر وكونت علاقة متينة مع الصيادين وأسرهم المتناثرة في أكشاك صفيح على التل المطل على النهر، كنت أجلس بينهم وألعب مع أطفالهم بين أشجار التين الشوكي التي لطالما تأذيت منها في ظل محاولاتي المستميتة لقطف ثمرة بنفسي. الجلوس على الشاطئ كان معجزتي الحقيقية فلقد تحول النيل بالنسبة لي إلى صديق حميم أسرد على مسامعه تخاريفي وأحلامي وأزماتي وحلمي بأن يكون لي أبا أعرفه ويمنحني مصروفي كل صباح مثل باقي صديقاتي، وكان يجيب علي أو هكذا كنت اظن، لكن الأكيد أنني كنت أجالسه وأقص عليه مرويات طويلة من تلك التي كانت تحكيها لي جدتي أو من تلك التي أتفنن أنا في نسجها.
بعد ان حصلت على إجازة المدرسة بعد انتهاء الصف الخامس الابتدائي، اقترحت علي صديقتي وجارتي التي تقاربني في العمر أنها ترغب في أن تخرج إلى مكان جديد لنمضي فيه وقتاً مختلفاً، ولا أذكر كيف انضمت الينا أختي وصديقتها، وبالفعل كنت أنا القائد لتلك الرحلة النيلية كي يشاهدوا معي قوس قزح على الطبيعة. للأسف لم أعد سرد تعليمات الصياد لجارتي التي تحمست كثيراً لقوس قزح ونزلت معي إلى شاطئ النيل، فقامت بخطأ جسيم حيث سارت بالعرض في النهر إلى أن وصلت لإحدى منزلقات الطمي فانكفأت على وجهها في الماء. كنت أظنها تكمل لعبها فاغتظت منها كثيراً وذهبت نحوها وأنا أصرخ: ايه اللي بتعمليه ده هتروحي مبلولة كدة إزاي؟. مددت كفي حتى أجذبها من الماء لكن الصياد لم يكن قد سرد علي أهم تحذير: لا تحاول جذب غريق بيديك لأنه سيجذبك أنت نحو الغرق. انزلقت في مياه النيل جوار جارتي ولم أعد أدري ما الذي يحدث على الشاطئ. لكنني عشت لحظات بين السعادة ومصارعة الموت. كنت أسفل المياه لكنني كنت أرى ضوءً شفيفاً يتسلل نحو عيني يأتي من أعلى، لم أكن أعرف السباحة حينها، لكنني كنت أخبط بذراعي وقدمي المياه فأصعد لأعلى قليلاً لاستنشق الهواء ثم أعود لأغوص في المياه وأدور في الدوامة الهيولية الممتعة. لم أتذكر أمي ولا أبي تذكرت فقط أنني أرغب في أن أقوم بأشياء كثيرة وأنني لو استسلمت لذلك الهلام الذي أسبح داخله وأغيب في ألوان أشعة الشمس الغاربة التي تعتلي بصري، لن أفعل شيئاً منها.
لم تغرق أياً  منا، فلقد أنقذنا الصيادين على الشاطئ واكتشفت بأن أختي كانت واحدة من اللائي تم انقذاهن بعد أن حاولت انقاذي فغاصت في النهر معنا. عدنا ثلاثتنا نقطر ماءً وبمجرد أن طرقنا بابي منزلينا لم يكن هناك الكثير ليتم رويه!.
منذ ذلك اليوم وأنا أتعامل مع النيل على أنني عروسته، لم يرهبني الحادث بقدر ما قربني أكثر من النهر وإن كنت قررت تحاشي النزول إلى مياهه والاكتفاء بالجلوس على الشاطئ. لكن للأسف بدأ زحف السكان إلى منطقتي السرية، وبدأت المباني تحتل الحقول واختفت عيدان الذرة ليحل محلها الطوب، وقبل أن أغادر الفشن نحو القاهرة لم يعد هناك مساحة على الشاطئ كي أجلس عليها بين أطفال الصيادين، فقد اقتلعوا شجر التين الشوكي وهدموا صفائح الصيادين وبنوا شيئاً أطلقوا عليه " نادي". وغابت ألوان قوس قزح.
في القاهرة اخترت بقعة هادئة على الشاطئ أسفل كوبري قصر النيل كي أتقرب زلفا إلى حبيبي الأبدي وكذلك مَثل كوبري أبو العلا قطعة أثرية من الجنة تطل على شاطئ خطيبي "النيل". اعتدت ان اتنقل بين هاتين البقعتين لأبث حبيبي وصديقي الأبدي لواعج صدري وكل خرافات السياسة والدين التي انغمست داخلها آنذاك في فترة دراستي الجامعية، لم يكن لي حبيب غيره فلم أجرب في تلك الفترة ان احب مثل باقي قريناتي وإن كنت دوما مملوءة بالحب الرومانسي الموجه نحو الفضاء باتجاه شخص يماثل قلبه نهر النيل اتساعاً ويحمل على صفحته ألوان قوس قزح المبهجة. ورود حمراء كثيرة ألقيتها في النهر حباً وشغفاً وعشقاً حقيقياً لم أشعر بمثيله يوما تجاه بشر. لكن القدر دائما ما كان يتربص بقصة حبي، فكوبري أبو العلا اختفى بأمر من الرسميين العظام وأسفل كوبري قصر النيل زحف البشر والبائعين المتجولين ولم يعد هناك لحظة صمت تشملنا.
الآن اجدني بعيدة عن النيل كثيراً ولا ادري السبب ...ربما عدت اليه وعاد الي يوماً.

تم نشر المقال في مجلة الثقافة الجديدة في أكتوبر 2013


الأحد، 9 فبراير 2014

انتبهي .... أنت تربين وحشا في منزلك

مقولة أن الأم هي صانعة الرجال لم تكذب وإن كانت تقال على أنها تصنع الرجال الأقوياء الأشداء لخوض الحروب والموت من أجل الوطن أو
الدين أو أي من تلك الأشياء التي يفرضونها علينا في قائمة الأولويات في الحياة.  لكن اسمحوا لي هذه المرة أن استخدم المقولة في موضع آخر فالأم بالفعل تصنع الرجال وإن كان المثل الشعبي يقول "اكفي القدرة على فمها تطلع البنت لأمها" فسأعطي لنفسي الحق ان أقول: الرجل انعكاس لما فعلته معه أمه ورآها عليه".

عزيزتي الأم انتبهي أرجوكي فأنت قد تربين وحشاً في منزلك وقد تربين رجلاً سوياً، أنت لا تدرين أن كافة احباطاتك وتصرفاتك مع ابنك لن تمر مرور الكرام وإنما ستصنع شخصيته، وكما كنتِ معه سيكون مع كل نساء الأرض، نظرته لكِ سيترجمها في كل النساء ما عدا أنتِ، لأنه للأسف للأم قداسة مهما فعلت لا تسقط، تلك القداسة لا تتوفر لدى الإبنة فهي أيضاً امرأة وستكون أماً ولها نفس ما لأمها من قداسة، لكن الأمر يختلف مع الإبن.
نحن نعيش في مجتمع لا تفطم فيه الأم ابنها أبداً وإن كانت تفطمه من الرضاع فهي لا تفطمه من التعلق بها والارتباط بكل شئ تقدمه له أو لغيره، مثلما تكون الأم تكون نظرة الإبن لزوجته وزميلته في الدراسة أو العمل، لذلك فإن العبئ على كاهل الأم تجاه كل النساء من حولها عبئ ضخم وليس بالبسيط.
دعونا نفسر ما سبق في بعض المشاهدات التي شاهدتها في الحياة وتلك التي قرأت وسمعت عنها:
دائماً ما أسمع تلك الجملة من زملائي الرجال في العمل: ( الحج لو حصله حاجة أنا هازعل طبعاً واتأثر جداً لكن الحجة لو حصلها حاجة أنا ممكن أموت). أحد الأصدقاء المقربين لي كان يعرف منذ طفولته أن أبيه يخون أمه مع نساء كثيرات وأمه صابرة متحملة لكل خيانات زوجها، وكانت دائماً تقول لولديها أنها استبدلتهما بأبيهما وأنهما كفاية بالنسبة لها، فما كان من هذا الصديق عندما تزوج إلا أن فرض على زوجته بعد الزواج بشهور قليلة أن يتركا منزل الزوجية وأن يقيما مع والدته بحجة أن أمه ليس لديها من يرعاها رغم أن والده على قيد الحياة. هذا الصديق وضع زوجته في نفس خانة أمه رغم ذلك وما كان منه عندما اكتشفت زوجته خياناته المتكررة لها أن قال: (وإيه يعني ما ماما استحملت خيانة بابا ليها) .... ورغم أنه يخون زوجته إلا أنه تنازل عن ملكية سيارته وشقته لزوجته ولا يعاملها إلا بكل أدب ووقار واحترام، لكنه يعلن دائماً أنه يخونها لأنه لا يعرف أن يستمتع بها في الفراش. هو ببساطة يرى فيها أمه ولأن أمه وقفت موقفاً سلبياً من أبيه رأى أن هذا هو ما يجب أن تفعله المرأة، وكما استبدلت أمه أبيه به وبأخيه، فرض على زوجته فكرة أن لديها ولدين فلتكتفي بتربيتهما.
هناك أيضاً النموذج المتكرر لذلك الرجل الذي مهما صنعت زوجته من طعام شهي في منزل الزوجية، فهو يرى أن أكل أمه لا يُعلى عليه وأنها مهما فعلت لن تكون مثل أمه، وإن دخلت كطرف محايد لتتذوق طعام الأم وطعام الزوجة قد تكتشف أن الزوجة طباخة ماهرة أكثر من الأم، ببساطة الأم لم تفطم ابنها، وكانت دائماً تمنعه من الأكل عند أخريات في العائلة أو تُعلق تعليقات ساخرة على أكل الجارات أو القريبات وتمنع الولد من الخروج لتناول الطعام مع أصدقائه في الشارع، وتمنعه أيضاً من تجربة الطهي في المطبخ بينما تفرض ذلك على أخته قائلة أنه رجل والرجال لا يقفون في المطبخ. تخدمه حتى لو اشتد عوده ويكون كل مطلب له مجاب، لا تُعنفه إن ألقى بملابسه على الأرض وتجمع أشياؤه وتنظمها له دون أخته مدعية أنه رجل والرجال لا يفعلون تلك الأمور.. إن تدخل والده لتقويمه تمنعه أو إن منع عنه المصروف تعطيه المال من وراء ظهر أبيه.
رجال آخرون ينظرون للمرأة دائماً نظرة الريبة والشك الدائم ودوماً المرأة لديهم سيئة السمعة مهما فعلت، يفسرون كل تصرفاتها بشكل خاطئ، وأن المرأة مهما كانت هي مشروع عاهرة كاذبة صيادة للرجال. ببساطة لو جلس أي من هؤلاء على (شيزلونج) الطبيب النفسي سنكتشف أن أمه كانت تلك العاهرة المستترة أو المفضوحة التي رآها تخون أبيه أو تتحدث عنه بشكل غير سوي أو ربما تكون تلك الأم التي تغير على ابنها بأسلوب مرضي وترغب في أن تُفهمه أنها القديسة الوحيدة في الكون فتتحدث عن جميع النساء الأخريات بأسلوب سلبي مريض. أتذكر أحد الزملاء حكى أنه تعلم الجنس في باكورة شبابه على يد جارتهم التي كانت تستدرجه لمنزلها بعد أن ينزل زوجها إلى العمل وتحبس أطفالها في حجرتهم...كان يقول: كنت أسمع بكاء الأطفال المحبوسين في الحجرة وأنا أمارس مع أمهم الجنس. هل يمكنكم أن تتخيلوا موقف أبنائها الذكور عندما يصبحوا رجالاً من النساء؟
هناك أيضاً أسطورة الحماة ( أم الزوج) التي تنغص على كنتها دائما حياتها ولا يكون هناك موقف للإبن سوى أن يجبر الزوجة على قبول تلك الحياة التي ترغب أمه في فرضها على حياتهما، فبالطبع "ماما تعرف كل شئ". أتذكر صديقة بعد اثنى عشر عاماً من الصبر على زوجها وأمه استيقظت صباحاً لتكتشف أن زوجها ترك المنزل وذهب ليعيش عند أمه غير عابئ بالأطفال، فقط لأنها رفضت أن تنتقل للحياة في بيت حماتها وإغلاق منزلها للأبد، مع العلم أن حماتها بصحة جيدة ومازال لديها بنت لم تتزوج بعد مقيمة معها.
كثير من التجارب السريرية التي أجراها معالجون نفسيون على حالات مرضية لرجال ونساء، أكدوا أن المرأة تستبدل احباطها مع زوجها بأن تصنع علاقة مريضة مع ابنها ينقصها الجنس فقط، وإن كانت هناك حالات نادرة لأمهات اعتدين جنسياً بشكل أو بآخر على أطفالهن من الذكور. بالطبع احباط المرأة في زوجها سببه أم زوجها التي أُحبِطَت أيضاً من زوجها وهكذا دواليك ...سلسلة غير منتهية من العلاقات المريضة بين الأم والابن لا تُخرج سوى رجال مريضون نفسياً يعكسون مرآة أمهم على نساء المجتمع وبالأخص الزوجة أو الحبيبة أو حتى الأخت وزميلة العمل.
عزيزتي المرأة أرجوكي ضعي حداً لهذه السلسلة المريضة التي لا تنتج سوى مجتمعاً مريضاً، لا يوجد سبباً يجعلك تظلين متزوجة من رجل مُحبِط لكِ حتى ولو كان جنسياً، لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تستبدلي علاقتك بزوجك بعلاقتك بابنك ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن تحطمي صورة جميع نساء الأرض من أجل أن تكوني أنت وحدك المقدسة، فلا توجد هناك قداسة حتى للأم وإن كان هناك قداسة مفترضة فهي لكل من الأب والأم، الشريكان الرئيسيان في إنجاب وتربية الأبناء.
رفيقاتي في درب الأنوثة أرجوكن توقفن عن صناعة وحوش في منازلكن ...أزلن تلك القداسة التي ترغبن في أن تهلنها على أنفسكن كبديل لظلم المجتمع للنساء، واشهرهن سيوفكن بنبالة وفي العلن في وجه هذا الظلم ولا تلتفون على الواقع في الظلام وعلى حساب الأبناء.
عزيزتي الأم...أرجوكي أفطمي ابنك ثم أطلقيه في الحياة ليتعرف عليها بنفسه.