الخميس، 30 أكتوبر 2014

وي هيوي ...المتمردة الصينية التي عجنت الشرق بالغرب





تبلغ الكاتبة الصينية وي هيوي من العمر 40 عاماً الآن، لكنها بدأت مشوارها في إحداث الفوضى في الحياة الأدبية الصينية منذ كان عمرها 25 عاماً. ولا يمكن أن أكون مبالغة، عندما أقول انها أخرجت الأدب الصيني من التحفظ الشديد والالتزام بالحدود، سواء كانت حدود المكان أو حدود الأفكار الشرقية التقليدية الصينية، إلى حدود العالم كله ...ربما كونها متأثرة بشكل كبير بالحضارة الغربية، وهو ما اتخذ ذريعة ضدها لتشويه صورتها ورميها بكثير من التهم مثل: " المنحلة، المنبوذة، عبدة الثقافة الأجنبية". وذلك في الدوائر الإعلامية والثقافية الصينية.
لم يكن موقف الإعلام الصيني معادياً منذ بداية وي هيوي الأدبية، بل رفع من شأنها في أول مشوارها ونصبها نجمة صاعدة بين أبناء جيلها من أول تجربتين قصصيتين لها، لكن الأمر انقلب إلى النقيض تماماً بعد أن صدرت لها رواية " شنغهاي بيبي".
هذه الأديبة الصينية، هي ابنة لضابط حربي، وكانت قد قضت ثلاث أعوام من طفولتها في معبد احتله الجيش وشرد منه رهبانه خلال فوضى الثورة الثقافية في الصين. درست الأدب في جامعة فودان المرموقة في شنغهاي، وهي تقول عن نشأتها: " لقد ترعرت في وسط عائلي محافظ وصارم، وقضيت عامي الأول بالجامعة في تدريبات عسكرية. غن ما حدث لي بعد ذلك، كان رد فعل طبيعي جداً، لقد ثرت وتمردت وتحولت إلى الجموح الشديد، وهذا ما كتبت عنه".
روايتان بنفس النكهة
صدر لوي هيوي مجموعتان قصصيتان قبل أن تُصدر رواية شنغهاي بيبي عام 2000، لتختفي ما يقارب العشرة أعوام، تعود بعدها برواية الزواج من بوذا. كانت شنغهاي بيبي هي الشرارة التي أشعلتها هيوي في الصين، فاشتعلت الأوساط المحافظة حولها، ما جعلها تترك الصين لتسيح في العالم الغربي وخاصة نيويورك.
بالنظر إلى الروايتين، نكتشف أن لهما نفس العالم وربما نفس النكهة في الكتابة،وكأن هيوي تعيد ترتيب أوراقها في " الزواج من بوذا" بعدما كانت مبعثرة في " شنغهاي بيبي"، ففي الرواية الثانية تبد الاتبة أكثر حرفية في الكتابة وإن كانت قد استخدمت نفس التكنيك، حيث تقسيم الرواية إلى عدد كبير من الفصول القصيرة، كل فصل يحمل عنواناً مميزا يكشف المحور الذي ستدور حوله الأحداث. كما تبدأ كل فصل بمقولة لأحد الشعراء او الكُتاب مثل؛ طاغور، جوني ميتشل، جيم شتاينمان، إريكا بونج، فيرجينيا وولف، نيتشه، ميلان كونديرا، فان موريسون، توري آموس، جيمس جويس، بوكو أونو، هيلاري كلينتون، توم جونز، حتى انها استعانت بأقوال لمصممة الأزياء الأكثر شهرة كوكو شانيل وفرقة البيتلز الإنجليزية.
وكما ذكرت سابقاً فهي أكثر نضجا من حيث الحبكة الدرامية وتصاعدها في " الزواج من بوذا"، بل إن الشخصيات أكثر وضوحاً لترسم التفاصيل والأبعاد الخاصة بكل شخصية بأسلوب أكثر تشويقاً، فتعطي للقارئ فرصة بناء علاقة أكثر قوة وتفاعلاً اعمق مع الشخوص، مقارنة بما كانت عليه في " شنغهاي بيبي".
لكن الكاتبة تبدو مفلسة بشكل أو بآخر من حيث تنوع الشخوص، حيث أنها تكاد تكرر شخصيات روايتها الولى في الثانية وإن اختلفت الأسماء، وهذا لا يحدث على مستوى الشخصيات الرئيسية فقط، بل الفرعية أيضاص. فكما تم بناء شنغهاي بيبي على ثلاث شخصيات رئيسية هي: كوكو الكاتبة الصينية وتيان تيان حبيبها الصيني ثم مارك الألماني الذي تغوص معه في تجربة جنسية عاصفة، فإنها في الزواج من بوذا، تقدم نفس التقسيمة تقريباً، حيث الفتاة الصينية التي تمارس الكتابة أيضاص " زي هوي"، وموجو حبيبها الياباني ونك الأمريكي. أما الشخصيات الفرعية فتكر بعضها بنفس الاسم، مثل زوشا قريبة البطلة الثرية في شنغهاي بيبي، لكنها تستبدل مادونا القوادة بإكسير في الزواج من بوذا والتي تأتي في صورة امرأة متحولة جنسياً حيث كانت ذكراص في الأصل.


الوصول إلى العالمية مع سبق الإصرار
لا يمكن اعتبار وي هيوي كاتبة مجددة في الصين من زاوية التكنيك أو التشكيل اللغوي، فهي لم تقدم تجريباً روائياً أو قصصياً، وربما يكون ذلك سبباً في وصولها ببساطة إلى القاعدة العريضة من القراء، لكننا في النهاية لا يمكننا انكار أسلوبها الرشيق وغموضها الأنثوي الذي يعرف طريقه إلى القلب ببراعة. كما أنها استطاعت أن تعبر عن كثير من الهواجس الكامنة داخل المرأة الشرقية، وذلك النزاع التقليدي الذي لم يُحسم بعد، بين العادات والتقاليد والأخلاق الراسخة التي ترسم صوراً نمطية للذكورة والأنوثة، ترفض المجتمعات الشرقية بعنف الخروج عن أطرها الثابتة، وبين أسلوب الحياة العالمي الجديد بأفكاره الأكثر تحرراً، والمحررة أيضاً لكل من الذكر والأنثى من أدوارهما المؤطرة والمكبلة عبر التاريخ.
استطاعت وي هيوي من خلال شنغهاي بيبي ثم الزواج من بوذا، أن تناقش فكرة الروح والجسد بأسلوب جديد، وطرحت السؤال العميق الذي مازلنا نجادل حتى اليوم في إجابته: هل الروح هي الأبقى والأهم والأكثر إقناعاً وسمواص وارتقاء، أم الجسد هو الأفضل في القدرة على التعبير والتفاعل مع الكون والعوالم المختلفة من حولنا، والأداة الحقيقية للتجريب، ما يصل بنا إلى معرفة حقيقية بنفوسنا ومن ثم أرواحنا؟
ربما كان تأثر وي حيوي بالثقافة الغربية، سبباً في طرحها السؤال من وجهة نظر أنثوية خالصة، حيث كان الحب والجنس هما طرفاص المعادلة، فجاء الحبيب الصيني تيان تيان مجسداً للحب بينما يعجز عن إرضاء كوكو جنسياً بعضوه الذكري العنين في شنغهاي بيبي، يقابله موجو الياباني الذي يُغرق في التصوف البوذي، ما يجعله يقنن الجنس الذي يمارسه فلا يقذف أثناء العملية الجنسية بطريقة تعلمها من الرهبان البوذيين ليقتل شهوته في الزواج من بوذا.
على الجانب الآخر ياتي مارك ونيك الغربيين في الروايتين ليجسدا الشهوة الجنسية المحمومة الخالصة، لتقع البطلة سواء كانت كوكو أو زي هوي فريسة للصراع بين الارتباط الروحي الذي تحتاج إليه وبين الارتباط الجنسي الذي تشعر معه بالتحقق والقوة.
في شنغهاي بيبي، تقتل الكاتبة البطل الصيني العنين، وربما كان ذلك سببا في انقلاب الإعلام الصيني ضدها، حيث اختارت الحياة للغربي مارك وإن كان قد غادر عائداً إلى بلاده بعد أن احدث فوضى في حياة كوكو، لكنها في الرواية الثانية "الزواج من بوذا" تختار نهاية مراوغة وتدعو إلى التساؤل وربما العديد من التفسيرات المتباينة، حيث أن البطلة تعود إلى شنغهاي بعد رحلتها الطويلة في أوروبا وأمريكا، وهي تحمل في رحمها بذرة لطفل لا تعرف من هو والده؟، حيث أنها مارست الجنس مع كل من موجو الياباني الذي يقرر أن يقذف في جوفها للمرة الأولى والأخيرة في مضاجعة الوداع، بينما يفعل نيك الأمريكي نفس الشئ معها، وذلك في نفس الأسبوع، لتقرر البطلة في النهاية أن تترك كل شئ وتتزوج من بوذا، وكانها تقرر اختيار حياة الحكمة والتأمل بعد ان أمضت سنيناص من الارتحال الطويل في محاولة للبحث عن ذاتها، لكنها تقرر ذلك وهي تحمل في رحمها مزيجا بين حضارتين، ترجو ربما أن تخرج منهما نمطاً حياتياً أكثر كمالااً وغرضاءً للروح البشرية.
نُشر المقال في جريدة القاهرة بتاريخ 28 أكتوبر 2014


المرأة والبرلمان ... حكاية قديمة تتناقلها الأجيال


ربما كان عنوان المقال تقليديا، وتم استخدامه آلاف المرات من قبل. ولا أخيفكم سرا انني عندما كتبته، كانت المفردة الأقرب لنفسي هي المرأة والساطور وفقاً للفيلم الشهير، فعلاقة المرأة بالبرلمان تحتاج بالفعل إلى ساطور مُشهر في وجه معوقات كثيرة، تنفجر من منابع عدة، لا يمكن حصرها بأرقام ولا جهات سياسية أو شعبية محددة. للأسف الشديد تعددت الأسباب والموت واحد.
هل أنا متفائلة بالمبادرات الكثيرة التي يتم الإعلان عنها من قبل المجلس القومي للمرأة والجمعيات والاتحادات النسائية المتعددة، مثل مبادرة " مائة امرأة في البرلمان" وما إلى ذلك من مسميات؟ ..لا يمكنني في الحقيقة رفضها، فهي أفضل من لا شئ على الإطلاق، وإن كانت مازالت تلك المبادرات تعاني من التقوقع داخل الدوائر المغلقة وربما المخملية الرسمية، من باب سد الذرائع، ودائما تنتهي إلى لا شئ، أو إلى نتائج أضعف من الضعيفة، لأنها ببساطة منفصلة عن الواقع الحقيقي للشارع المصري. وأحب هنا أن أضع مليون خط تحت جملة " الشارع المصري"، فالشارع المصري يا سادة يا كرام يتوزع على 27 محافظة مصرية، تنقسم بالتالي إلى ما لا يحصى ولا يعد من مراكز وقرى. هل تفاجأتم أن مصر ليست القاهرة الكبرى فقط؟
مازلنا حتى الآن ومع الإحصاءات الرسمية الكثيرة والمعلنة من الجهاز المركزي للتعبئة العامة والاحصاء والمركز القومي للمرأة، لا نعلم التعداد السكاني الدقيق للنساء بكافة شرائحهن العمرية وانتماءاتهن الطبقية، وكذلك نسبة العاملات منهن في القطاع العام والقطاع الخاص، ونسبة المعيلات ونسبة الباحثات عن عمل، هذا غير نسبة الأمية وخريجات الجامعة والحاصلات على شهادات تعليم متوسط ....إلخ، ما يساعد على تقسيم المرأة إلى فئات وبالتالي تحديد أسلوب التوجه إلى كل فئة بالخطاب الذي يليق بها، وبمستوى احتيجاتها، وتقديم المعونة المناسبة لها او الاستعانة بها كقيادة نسائية في مكانها.
أعلم تماماً أن الجمعيات النسائية تقوم بجهد مشكور في هذا الإطار، ولكن للأسف لا يمكنني التعامل مع مجهوداتهم، سوى على أنها مجهودات فردية بحتة تشبه من " يفحت في البحر"، لأن هذه الجهود تحتاج إلى تنظيم ومتابعة من الدولة نفسها، فببساطة المنظمة الوحيدة المنتشرة في كل بقعة من بقاع مصر هي مؤسسات الدولة، وهي الوحيدة التي تمتلك القدرة على الحركة في أي مكان دون محاذير او تشكيك في النوايا أو اتهام بالعمالة للخارج المتآمر. إذاً هذا واجب على أجهزة الدولة أن تقوم به ومن ثم توزعه على الجمعيات والاتحادات النسائية كي تتحرك من خلاله بشكل أكثر تنظيماً، وبالتالي يمكننا حينها أن نشهد نتيجة ملموسة وإيجابية على طريق تطوير وضع المرأة السياسي في مصر.
المشاكل التي يتم طرحها دائما كمعوقات لدخول المرأة البرلمان، غالبا ما تكون سطحية، فبين عدم اقتناع رجل الشارع العادي بالمرأة كنائبة برلمانية، وتخلي المرأة عن المرأة في الانتخابات، وضعف وفقر الإمكانيات المادية، تدور أحاديثنا الصحفية والإعلامية، حتى أننا أصبحنا نلوك كل هذه الأسباب دون تفكير، لكن الحقيقة وكما بينت في الأعلى، اننا بالفعل نحتاج إلى خارطة طريق واضحة نتحرك على أساسها لتفعيل الدور السياسي النسائي سواء في البرلمان أو في الحياة السياسية بشكل عام.
هناك نساء مدعومات من جهات سيادية عليا، وهناك نساء يمتلكن موارد مادية ضخمة، ورجل الشارع على الأغلب يبحث عن مصلحته ولن يرفضها إذا ما تحققت له عن طريق امرأة، وامرأة الشارع مثل رجلها تماماً لا يعنيها سوى مصلحتها فقط لا غير، وهنا نجد أنفسنا أمام واقع لا مفر منه، ألا وهو: سيكون هناك عدد معقول للنائبات بالبرلمان القادم ولكن للأسف لن يكن سوى مثل تلك الوردة التي وضعها السلفيون على قوائمهم في برلمان الإخوان السابق..... مجرد وردة في عروة جاكتة النظام الديموقراطي.


نُشر المقال في البوابة نيوز في 24 أكتوبر 2014

http://www.albawabhnews.com/860801