الخميس، 15 يونيو 2017

"ابن الإيه" مسرحية غنائية مبهجة تقدم رؤية معاصرة لرواية "تشارلز ديكنز"

التنوع في الإنتاج المسرحي شئ مطلوب لمقابلة الذائقة المختلفة للجمهور، وهذا ما يقوم به البيت الفني للمسرح، فمع عدد من المسرحيات الدرامية التي تخاطب العقل هناك مسرحيات أخرى تقدم قيمة بسيطة من خلال عرض غنائي مبهج، وهذا ما تقدمه مسرحية ابن الإيه التي تُعرض على مسرح "أوبرا ملك" في شارع نجيب الريحاني بمنطقة "وسط البلد".
وتعد رواية "أوليفر تويست" هي الرواية الثانية للأديب الإنجليزي الشهير تشارلز ديكنز، حيث انتهى من كتابتها عام 1837، ومنذ ذلك الوقت والرواية تلقى استحساناً وإقبالاً جماهيرياً عريضاً، حتى بدأ إنتاجها للسينما في القرن العشرين، فكان الفيلم الذي أنتجته إنجلترا عام 1968 من إخراج كارول ريد، ثم أنتجت هوليوود الرواية عام 1982 من إخراج ريتشارد سلابكزنسكي، وعام 2005 من إخراج رومان بولانسكي. أما في مصر فالاهتمام بالرواية لم ينعدم حيث استلهم أنور وجدي القصة في إنتاجه لفيلم "ياسمين" عام 1950، مع الطفلة فيروز وبطولة مديحة يسري و زكي رستم.
شخصية أوليفر تويست كانت مثار اهتمام منتجي أفلام ومسلسلات الكرتون أيضاً، كما تم تقديم عدداً من الكتابات المُعدلة للرواية في مجلات وكُتب "الكوميكس" على مدار عقود القرن العشرين وحتى الآن، لدرجة أن هناك منتجات لألعاب تجسد شخصية أوليفر تُباع في محلات لعب الأطفال على مدار العالم.
كل ما سبق يوحي بالمدى الواسع لتأثير حكاية رواية أوليفر تويست على المٌتلقين أياً كانت جنسياتهم، ربما لما تطرحه من قيم إنسانية عالية تخص الأيتام واللقطاء وكيفية تحسين ظروف حياتهم في المجتمع، وربما هذا ما دفع كل من المخرج محمد عشري والكاتب المسرحي سامح عثمان لإعادة إنتاج هذه الرواية للمسرح المصري، وإن كانا قد قدما رؤية معاصرة فيها تحدي لقيم المجتمع البالية.

في البداية يجب أن ألفت النظر إلى الرؤية الموسيقية المتميزة التي قدمها الموسيقار محمد حسني للعمل، فهو كعادته لا يركن إلى المألوف في ألحانه، فمع مقدمة موسيقية تجمع بين الإثارة الدرامية والتيمة الشرقية الشجية يأخذ الحضور بقوة ناعمة لأحداث المسرحية، ليكمل منهجه المبهج والمُؤسي في كل حوارات المسرحية الغنائية، إضافة إلى ذكاء شديد في التعامل مع المشاهد التي تحتاج إلى صمت الموسيقى تماماً ليترك المشاهد في حالة توهة باحثاً عن مخرج للمأزق الدرامي.
نأتي إلى النص والذي تميز بكثير من الفاعلية التي ترجمها المخرج بذكاء على المسرح، حيث شخصية شرحبيل كبير المشردين الملازمة لجابر "أوليفر تويست" منذ لحظة وفاة أمه وهي توصيه به وتُسلمة سلسلة تدل على هويته. كذلك استخدام لقب "ابن الإيه" للتدليل على كل الأطفال اللقطاء الذين يزدريهم المجتمع لذنب لم يقترفوه، فهم فاقدون للهوية وكذلك الاعتراف المجتمعي، ما يضعهم في خانة المعذبين دائماً وأبداً.
استخدام شخصية موازية لجابر الطفل، تُجسد جابر الشاب الكبير الذي يعبر عن كل رغباته من خلاله وكأنه يتمنى أن يكون رجلاً ناضجاً ليقف أمام العالم بقوة ويواجههم بعوراتهم ويتخذ قرارات مصيرية تُنقذه من حاله المزري. هذا الاستخدام الذي كان أشبه بالحُلم حيث يجلس جابر الطفل ليشاهد جابر الرجل وهو يحقق كل أمانيه ويُعلن رفضه بجسارة لزيف المجتمع وازدواجية معاييره، بين إظهار التعاطف مع المشردين ورفضهم لهم في نفس الوقت.


ومن خلال شخصية شرحبيل الذي يلعب دور الراوي أيضاً بالمسرحية، وشخصية جابر الشاب، ينتصر سامح عثمان للفكر الجديد الذي يحاول التأصيل له من خلال هذه المسرحية، حيث يرفض جابر أن يعود إلى جده بعد أن يطرده كمشرد، ثم يفتح له ذراعيه بعد اكتشافه أنه ابن ابنته التي اختفت منذ سنين، وبذلك تُرفض ازدواجية المجتمع في محاولة لتقديم فكرة عصرية جديدة، ألا وهي : " الاعتراف بالإنسان وحقه في الحياة مهما كانت هويته".
استطاع المخرج أن يختار ممثلين متميزين ومناسبين تماماً للأدوار التي لعبوها سواء كان ذلك من بين صفوف الكبار أو الأطفال، فكل الممثلين بهذه المسرحية أثبتوا موهبة رائعة في الأداء التمثيلي المُغنَى، حتى لو لم يكونوا مغنيين محترفين، فلقد كان أدائهم الصوتي مناسباً تماماً وسليماً دون نشاز يؤثر على المتابعة للحوار والأحداث، كما أنه أعطى لنجم " the voice kids" يوسف فرج والذي لعب دور جابر، مساحة جيدة لاستعراض مواهبه الغنائية وتقديم طرباً مبهجاً للمشاهدين.

اعتمد أيضاً مهندس الديكور حسن البلاسي، المرونة والبساطة في تصميمه لديكور المسرحية، فقد استخدم قطعاً قليلة ومتحركة بشكل نافذ لتغيير الديكور وفقاً للمكان المخصص لكل مشهد، فكان معبراً عن الشارع والملجأ وبيت الحانوتي ومنزل عباس الأحمر " الحرامي"، والحانة والمحكمة وكذلك منزل حافظ بك الثري، أما الهندسة الصوتية للمسرحية فأعتقد أنها تحتاج إلى مراجعة وضبط للأجهزة المستخدمة، فكثيراً ما صَعُبَ علينا متابعة الحوار لعدم وصول الصوت بوضوح، كذلك ساهمت الصفارات التي تخرج فجأة من "المايكات" في فقدنا للتركيز ومتعة المتابعة.

يبقى في النهاية أن أؤكد أن مسرحية "ابن الإيه" الغنائية، تُعد عرضاً عائلياً بامتياز، فهي تُجسد مُتعة للكبار والأطفال معاً، لما تحتوي عليه من غناء ورقص يشارك في أدائه مجموعة كبيرة من الأطفال الموهوبين الذين يُضفون بهجة كبيرة للعرض.
نُشٍرَ المقال في جريدة القاهرة الثقافية بتاريخ 13 يونيو 2017  

الثلاثاء، 6 يونيو 2017

موسم إعلاني فاشل وصلصة هارفست تفوز بسباق رمضان 2017


الآن وبعد أن اتضحت الخريطة الإعلانية لشهر رمضان الكريم، والذي يُعد موسماً درامياً وإعلانياً أيضاً. تتسابق فيه الشركات لتقديم إعلانات مميزة لجذب المشاهد وبالتالي تحفيزه على التعامل مع منتجها أو خدمتها، حيث يحقق هذا الشهر في مصر والبلاد العربية أكثر نسبة مشاهدة مقارنة بباقي شهور العام، نستطيع أن نقول أن الموسم الإعلاني فاشل بنسبة كبيرة وحقق نسبة نفور عالية بين الناس لغياب الرسالة أو المضمون الإعلاني في حكايات لا علاقة لها بالمنتج أو تستخدم أسلوب خاطئ في مخاطبة الجمهور خاصة مع الإعلانات الخاصة بالتبرع والصدقات، وسوف أسوق هنا بعض الأمثلة.
حققت إعلانات بيت الزكاة ومستشفى الحروق ومستشفى بهية أعلى نسبة إخفاق في توجيه رسائلها للمشاهدين، ما أثار حفيظة الناس وانطلقوا في استهجان الإعلانات على صفحاتهم الخاصة بالفيسبوك، فمع كل الاحترام للمثلة دلال عبد العزيز التي تبرعت بتصوير إعلان توصيل المياه إلى بيوت الفقراء في القرى، والتي لم تفعل سوى تأدية ما طُلبَ منها، إلا أن الإعلان جاء فاشلاً بكل ما في الكلمة من معنى، حيث أثار سؤالين :
هل لا تمتلك دلال عبد العزيز ألفين جنيه لتعطيهما لتلك المرأة المسكينة لتوصيل المياه إلى بيتها بدلاً من أن تقول لها "معلش"؟
أليس توصيل المياه النظيفة إلى بيوت القرويين وكل مواطني الدولة مهمة الحكومة؟
أما إعلان مستشفى بهية فجاء وكأنه يضع مسدساً في رأس كل امرأة فالصياغة جاءت مهددة بشكل كبير حتى لو كانت فعلاً نسبة المعرضات للمرض اللعين تصل إلى امرأة من بين ثمانية نساء، فلقد كانت هناك أساليب أخرى تحفز الجمهور على التبرع خاصة وأن المستشفى فعلاً تقدم خدمة مهمة وممتازة للكشف على النساء جميعاً بلا تمييز ومجاناً.
إعلان مستشفى الحروق الذي استخدم أغنية الأطفال الشهيرة ماما زمانها جاية والراسخة في وجدان كل مصري بكافة المعاني الحُلوة، ليحكي حكاية فتاة جميلة ومرحة ومبهجة تتعرض للحرق على يدي أمها؟! ما هذا العبث ولماذا؟ إضافة إلى إعلان آخر يظهر الشعب المصري على أنه جاهل ولا يمتلك رحمة في قلبه ويرفض التعامل مع المصابين بحروق.
هذه الإعلانات الثلاثة تربعت على عرش الفشل في موسم رمضان باستخدامها رسائل إعلانية منفرة وتستعدي المشاهد بدلا من أن تستقطبه رغم عدالة قضيتها.
نأتي الآن إلى إعلانات شركات الاتصالات، حيث استسهلت شركة فودافون ولم تحاول البحث عن محتوى جديد بدلاً من إعادة استهلاك المحتوي الذي تم مضغه وهضمه آلاف المرات خلال السنوات الخمس الماضية، وهو اللعب على الحنين ودفئ العائلة، وكأنهم امتلكوا الخلطة السحرية (تيمة الحنين + نجوم كبار = نجاح) مع عدم وضوح للرسالة الإعلانية التي يرغبون في توصيلها للجمهور، هذا إضافة إلى المشهد التحريضي ضد الأطفال المفطرين أو المفطرين بشكل عام، من خلال نظرة الاستعلاء لأبناء غادة عادل إلى طفل يمسك بصاندويتش ويأكل وهو مرعوب.
شركة أورانج للأسف قدمت إعلان "دمه تقيل" وبلا مضمون واضح حيث دراما عبيطة مكتوبة خصيصاً فيما يبدو لمحمد هنيدي الذي فقد بالفعل قدرته على إضحاك الناس وإمتاعهم، فجاء فاشلاً تماماً، لتبقى إعلانات شركة اتصالات هي الأنجح، حيث التركيز على الخدمات التي تقدمها في رسالة سريعة ومكثفة وقوية.
نأتي إلى مستشفى 500500 أو المعهد القومي للأورام الجديد، والذي بدأ الشهر بإعلان قديم لخالد الجندي، حيث يخرج بوجهه الشحيم اللحيم المُنَعم ويطلب من الناس أن يتصدقوا للمستشفى فيكون رد الفعل الوحيد هو :" ما تتصدق أنت بنصف ثروتك على الأقل يا أخي ولا إنت شيخ وداعية على الفاضي؟". بعد ذلك جاء الـ  teaser  الخاص بزين البطل والشجاع والقدوة، والذي أثار ردَ فعل ساخر بين الجماهير " يا ترى زين قلبه واجعه ولا مشلول ولا أخرس ولا عنده سرطان؟" لم يلعب التيزر دوره المطلوب منه في النهاية فجاء الكشف عن شخصية زين بعد ذلك باهتاً، لكن منذ يومين أطلقت المستشفى إعلاناً مبهجاً جداً للفنانين وهم يلاعبون أطفال السرطان "شفاهم الله"، بمضمون مهم ألا وهو " حاولوا أن تدخلوا الفرحة على قلوب هؤلاء الصغار الذين يحاربون مرضاً خطيراً"، فنجح الإعلان في الوصول لقلوب الناس.
إعلانات مستشفى مجدي يعقوب للقلب نجحت في توصيل رسالتها، سواء كانت بإثارة تعاطفنا مع الأم التي تعلن أن فرحتها أن ترى ابنها صحيحاً معافياً بعد أن تأتي أكثر من أم لتحكي طرائف لأبنائها أدخلت الفرحة إلى قلبها، أو بجعل الناس تشعر أنها حققت هدفاً خيرياً هاماً بأن توجه فتاة صغيرة أتم الله عليها الشفاء من مرض القلب، شكرها ومحبتها لشرائح مختلفة من المجتمع.
وفي ظل قلة إعلانات المشاريع العقارية مقارنة بالعام الماضي، ما يوحي بوجود كساد في عالم العقارات، تأتي إعلانات موسى كوست وماوتن فيو ونيوبليس على قمة الإعلانات العقارية، وفي حين تأتي إعلانات موسى كوست عادية، لا يتمكن الزوجان عمرو يوسف وكندا علوش في نيوبليس من خطف الأنظار بل على العكس يثيرا سخرية الناس بأنهما يتربحا من زواجهما بالاشتراك في إعلانات نيوبوليس وفودافون، ليبقى ماجد الكدواني وأحمد عز متربعين على قمة إعلانات العقارات بسلسلة إعلانات ماوتن فيو، وإن كان ماجد الكدواني هو النجم الحقيقي لهذه الإعلانات بخفة ظله وحضوره المرح.
إعلانات بنك مصر "طلعت حرب راجع" و إيجي بنك "محدش بيعملك حساب"، جاءت موفقة جداً واستطاعت أن تجذب نظر المشاهد ليفهم رسالتها ببساطة، كذلك فإن ليلى علوي كانت مفتاحاً رئيسيا لدخول بوتجاز يونيفرسال في قلوب الجميع بسرعة، فهي بحق فاكهة الشاشة العربية أينما حلت.

يبقى في النهاية أن نضع التاج أو نمنح الجائزة الأولى لإعلان صلصة هارفست، فرغم أن المنتج مجرد صلصة إلا أن الإعلان جعلها أهم شئ في الوجود وبدونها لا يمكن الحياة. فكرة الإعلان والنص والتصوير والإخراج جاءوا متميزين بشكل يستحق 10 من 10 فهو إعلان يُدَرس ويمكننا ببساطة أن نقول : هكذا تكون الإعلانات كما يقول الكتاب بالحرف.