الأربعاء، 13 سبتمبر 2017

تشريح الحالة الجنسية للمجتمع المصري في "سيرة اللذة والجنس في مصر"



هذا كتاب عن الظمأ
ظمأ الجسد، وجوعه، وطرائق إشباعه أو "تحريره" عند رجال ونساء من الحاضر والماضي، عبر أقوال أثارت جدلاً وأفعال أحدثت زلزالاً في مجتمعات حائرة بين دين الفضيلة وديناميت الرغبات الجامحة.
هكذا؛ استهل الدكتور ياسر ثابت مقدمة كتابه " سيرة اللذة والجنس في مصر" والذي صدر العام الماضي 2016، ليلخص بكلمات بليغة محتوى بحثه الرصين في كوميديا الجنس السوداء التي يعيشها المجتمع المصري، الذي يقدم بحرفية شديدة قمة التناقض بين ظاهر الشخصية المصرية وباطنها، والتي تعلن بصخب دنس الجنس بينما تغرق داخله في الخفاء بنوع عالي الحرفية من التواطئ بين جميع أفراد الشعب رجاله ونسائه.
هذه الدراسة التي يمكننا أن نعدها فريدة من نوعها في مصر وربما في العالم العربي، حيث غالباً ما نتعرض إلى كتب مترجمة تقدم أبحاثاً لموضوع الجنس وتأثيره في البنية الاجتماعية للمجتمعات المختلفة، لكننا لا نجد ما يوازيها أو يقترب منها محلياً، فموضوع الجنس شائك وأحد أضلاع مثلث برمودا للمحرمات العربية (الدين والجنس والسياسة)، وحتى لو تجرأ كاتب وقدم بحثاً في الدين أو السياسة، فهو ينأى بنفسه بعيداً عن الجنس الذي دائماً ما يثير زوبعة من الرفض والاستهجان دون حتى الاطلاع على محتوى الكتاب.
يقترب دكتور ياسر من تابوه الجنس بحذر أيضاً، فهو يتعامل بذكاء شديد مع الموضوع، حيث لا يدخل في منطقة التحليل العميق للشخصية المصرية وسبب هوسها الجنسي، وعلاقتها المتناقضة معه، فهذا الشعب الذي تتمحور حياته بشكل كبير حول موضوع الجنس، ينفي الأمر طوال الوقت ويتخذ كافة التدابير للتضييق الجنسي الظاهري في حين يتسامح معه طالما كان داخل الدوائر المغلقة – ( تحتل مصر المركز الثاني عالمياً في أكثر عمليات بحث مرتبطة بالجنس على الإنترنت).
خلال ستة عشر فصلاً يتنقل ثابت بين مواضيع كثيرة حول سيرة الجنس في مصر، من سيرته بين المشاهير في الماضي والحاضر، إلى الجنس في الأعمال السينمائية والأدبية، ثم موضوع الجنس في الحجاب وأزيائه، والتراث المتحرر جنسياً أمام انغلاق عقولنا في الحاضر، والعلاقة بين المال وعشق العواجيز، ولم يغفل أيضاً التطرق إلى مسألة المثلية الجنسية وإن كان القانون قد جرمها صراحة؟
لكن في رأيي كان الفصل الأكثر قوة وربما تأثيراً في الكتاب، هو "تحرش قطاع عام" الذي تناول فيه موضوع التحرش من كافة جوانبه القانونية والاجتماعية، واستعرض ردود فعل المجتمع عليه سواء في الشارع أو عبر وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، ثم انكاره لكونه موجود من قبل ليطفح على السطح في العشر سنين الأخيرة ويكتفي بوصفه بالظاهرة، إضافة إلى صورة مصر في الخارج وتناول موضوع التحرش بالسائحات.  كذلك لم يغفل السرد التاريخي إن جاز لنا التعبير لأشهر حوادث الاغتصاب والتحرش التي تناولها الإعلام المصري منذ الثمانينيات. ولا يغفل ثابت  التركيز الشعبي والإعلامي طوال الوقت في إلقاء اللوم دائماً على الضحية (المرأة), إضافة إلى مناقشة مسألة التحرش من حيث هي قصور أمني أم أزمة اجتماعية مفصلية لها علاقة بنظرة المجتمع للمرأة.
برشاقة معهودة يخط دكتور ياسر بحثه في سرد ممتع، برغم أنه في حقيقة الأمر يقدم دراسة أشبه بالتاريخية للأمر، من خلال رصده للحوادث التي تتمحور حول موضوع الجنس عبر الصحف ووسائل الإعلام المختلفة مع إضافة وسائل التواصل الإجتماعي وخاصة موقع الفيسبوك، الذي تحول إلى مسرحاً للتفاعل الاجتماعي المصري، يمكن من خلاله تقديم رؤية شبه واقعيه للحراك الاجتماعي داخل مصر.
تناول أيضاً الكتاب مسألة إثبات النسب، من خلال فصل "عز وزينة ومعركة التوأم" والذي أفرد فيه لتفاصيل القضية معتمداً على ما نٌشر عنها في الجرائد والمواقع الإخبارية، لكن الفصل لم يتوقف عند توأم عز وزينة بل فرد للعديد من قضايا النسب التي طالت مشاهير العرب.
ويعرج الكتاب أيضاً غرام السلفيين والإخوان من خلال فصل "جنس الأخوة"، لكننا نجده يقول:" الأكيد أن هناك من يطابق قوله فعله من حيث الالتزام وحسن الخلق، لكننا نتحدث عن نماذج لا يمكن تجاهلها أصيبت بتشوهات خطيرة نتيجة التناقض بين كبت مستمر تحت شعار الالتزام، ورغبة مستعرة تلهو سراً فتصنع ما تصنع."
وهنا أتساءل: هل يبرر ثابت كتابته لهذا الفصل حتى يتقي شر الأخوة والسلفيين؟ ولماذا لم يقدم مبررات لغيرهم من الفئات الأخرى التي تناولها في بحثه مثل الفنانين؟ فليس هناك من دليل على ان الانفلات الجنسي تختص به فئة دون الأخرى في المجتمع وليس عاديا أن تكون الفضائح الجنسية قاصرة على الفنانين مثلاً بينما هي أمر غريب على الإخوان والسلفيين، فإن كانت فضائح الفنانين هي الأكثر بروزاً فذلك لكونها تجذب القراء والمشاهدين أكثر، لكن في النهاية عندما قرر الإعلام أن يترصد الجماعات الدينية خلال 2011 و 2012، وأصبحوا مادة دسمة للمتابعة جماهيرياً، تصدرت فضائحهم عناوين المواقع الإخبارية.
من الفصول المميزة أيضاً، الفصل الخاص بالمخرجة إيناس الدغيدي التي تُعد بحق أيقونة مصرية لكسر تابوه الجنس في مصر، من خلال تناولها لموضوعه في أفلامها المختلفة، التي لطالما قوبلت بالهجوم اللاذع في الوقت الذي حققت فيه انتشاراً وجماهيرية كبيرة، إضافة إلى حضورها الإعلامي وآراؤها التي كانت صادمة للمجتمع.
كتاب "سيرة اللذة والجنس في مصر" يمكنه أن يكون بداية لتشجيع كتاب آخرين على تناول موضوع الجنس من جوانب أخري تشرح المجتمع المصري بطبقاته المختلفة وتدرس أزمة التناقض الذي يغرق فيها شعب كامل شغوف بالجنس لكنه ينكره.



هناك تعليقان (2):

  1. من خلال بوستاتك علي الفيس و المعلومات الغريبة التي رصدها الكتاب و نقلتيها علي الفيس شجعني كثير البحث عن الكتاب لقرءته

    ردحذف
    الردود
    1. الكتاب يستحق أن يُقرأ ...اتمنى لك قراءة سعيدة

      حذف