السبت، 5 نوفمبر 2011

وردة السلفيين وخرفان الإخوان

رغم جمال الوردة وعطرها الزكي -هذا إن كانت الورود تفوح عطراً هذه الأيام – إلا أنني في الحقيقة أرفض أن يتم الإشارة إلى كياني البشري بوردة ملقاة في صورة، فالوردة على جمالها، عمرها قصير وتأثيرها في الكون محدود، ولا يتعامل معها سوى صنفين من البشر، إما الرومانتيكيين السابحين في فضاء غير ملموس، وإما النصابين الذي يستخدمونها لتغطية أفعالهم الدنيئة. وشكراً أيضاً لمن قد يستبدل الورد بالجوهرة أو سبيكة الذهب أو غيرها من المعادن والأحجار النفيسة، فأنا أرفض أن يتم استبدال جسدي بأشياء مهما غلى ثمنها لأنني لست شيئاً، أنا امرأة وأمتلك جسداً، إذا لم يستطع الرجال أن يواجهوا ذلك الجسد بتحضر، فليذهبوا إلى الجحيم، أو ليبحثوا عن عالم لا يوجد فيه نساء، أو يعيدوا عقارب الساعة إلى الوراء، حيث كانت المرأة تُباع وتشترى في أسواق النخاسة، أو يذهبوا ليحصلوا على دروس في علم الأحياء ليفهموا تشريح جسد المرأة وتطمئن هواجسهم لكونه جسداً بشرياً من لحم ودم، يتعرض لكل ما قد يتعرض له جسد الرجل، من مرض وشيخوخة وتشوه في حالة الحوادث، وأن المرأة تأكل وتشرب وتمارس فن الإخراج في المراحيض العامة والخاصة، وأنها مثل الرجل تستيقظ صباحاً وهي تكاد ترى أمامها شبراً، مغمضة العينين وعابسة الوجه، وأنها تغضب وتفرح وتثور وتهدأ، وأنها عندما تموت يتحلل جسدها ويأكله الدود، تماماً مثل الرجل. جسد المرأة لا يختلف عن جسد الرجل وإن كان جسد المرأة مثيراً في أعين الرجال، فجسد الرجال مثيراً أيضاً في أعين النساء، وكما للرجال شهوة، فللنساء شهوة أيضاً ...وبالتالي على حزب النور إن أراد أن يمالئ السلطة ويضع في آخر قائمته وردة ليذروا بها الرماد في أعين قانون الانتخابات، أن يضع صورة تلك التي من المفترض أن نفكر في منحها صوتنا، أو فليستبدل صور الرجال بحزم من الفجل، ليكون لدينا قائمة انتخابية تتكون من عدد من ربطات الفجل إضافة إلى وردة ...وليتقبل الله منا ومنكم يا حزب النور. أما الإخوة الإخوان أصحاب "سحب الخرفان" العظيم، فلا أدري كيف بالإمكان أن أوجه لهم ألف تحية، وهل يجب علي أن أوجه لهم هم التحية أم للمجلس العسكري، أم لحكومة شرف الموقرة؟ فحتى الآن الإخوان المسلمين ورغم تكوينهم لحزب سياسي معترف به رسمياً، إلا أن الجماعة نفسها بكافة أجنحتها العسكرية والاجتماعية والاقتصادية وغيرها، مازالت قائمة، بل تم الإشارة إلى حزب الحرية والعدالة، باعتباره الجناح السياسي للإخوان، وبالتالي أصبحنا في مصر نواجه جماعة الإخوان التي لا ندري في حقيقة الأمر إن كان تم تسجيلها رسمياً في وزارة التضامن الإجتماعي أم مازالت كياناً محظوراً، أم تحولت إلى كيان فضائي؟، وكذلك حزب الحرية والعدالة. ورغم أنه من المفترض أن سياسة الأخوان تُلعب في أروقة الحزب، إلا أن الفصل بين أنشطة الجماعة والحزب تكاد تكون مستحيلة، فمسابقة السحب على الخرفان التي أقامتها الجماعة الموقرة في يوم وقفة عرفات في الخامس من نوفمبر، قامت بها الجماعة باعتبارها واحدة من أنشطتها الخيرية بمناسبة العيد الأضحى المبارك، أعاده الله عليكم وعلى جميع المسلمين بخير، وكل سنة وأنتم طيبين والناس محتاجة تاكل لحمة والغلابة في البلد ما أكثرهم، وكلهم في عرض كيلو لحمة، فما بالك بخروف! هذه المسابقة المتطورة والعالمية والتي يواجهها المصريون الغلابة في الأحياء الفقيرة لأول مرة، لا يمكنني أن أستبعدها وأغمض عيني وأمارس فن البلاهة وأقول أنها نشاط خيري لا علاقة له بالانتخابات، بل إن الأمر في صلبها، لكن تقوم به جماعة الإخوان بمعزل عن الحزب السياسي، الذي يظل بكيانه المستقل بعيدا عن ممارسة الدعاية الانتخابية بربطها بالدين، وبالطبع الجماعة نفسها رفعت عن كاهله هذا العبئ وربطت الدين بالانتخابات للتأثير في أصوات الناخبين خاصة في الأحياء الفقيرة. بإمكانكم الآن أن تتساءلوا لماذا وجهت تحية إكبار وإجلال للإخوان المسلمين وحكومة شرف الموقرة والمجلس العسكري العظيم؟ والإجابة بسيطة فتحيتي للإخوان، لكونهم أذكياء يعرفون كيف يسددون الهدف، فهم أسسوا حزباً سياسياً يخترقون به عالم السياسة والمناصب في مصر، في حين الجماعة مازالت قائمة تمارس نشاطها الدعوي والعسكري والخيري وتخدم به الحزب وانتشاره بين الناس بشكل غير مباشر وبدون أي اختراق للقانون. أما تحيتي لحكومة شرف والمجلس العظيم، فلكونهم حتى الآن لم يفكروا في إلزام جماعة الإخوان المسلمين بأن يكونوا جمعية رسمية، فأمام القانون مازالت الجماعة محظورة، لم يحاول أحد لا من الإخوان ولا من الحكومة استئناف الحكم القضائي بحظرها، ومن ثم انخراطها في العمل الاجتماعي كجمعية دعوية خيرية يجب أن تتبع وزارة التضامن الاجتماعي ويتم محاسبتها ومراجعة ميزانيتها من قبل الوزارة والجهاز المركزي للمحاسبات، وإلزامها بكافة الضرائب اللازمة. من هذا المنطلق أعلن لكم أيها الإخوة في الوطن المنهوب والمسفوك والمنتهك، أنني نزعت عن فمي "الريالة" منذ زمن ...فماذا عنكم ؟

الاثنين، 10 أكتوبر 2011

كيرياليسون ...يا رب الرحمة (२)



أحلم يوماً بأن أكتب مقالاً مبهجاً، فهلا منحتني إياه يا مصر؟ نعم؛ أعترف بأنني تعبت من الألم، من الصعب أن نولد أشقياء، وتدور علينا عقارب الساعة لنشقى بمرورها أكثر. من الصعب أن نحلم بأن يكون هذا الحزن آخر الأحزان، فلا تمنحنا بلادنا سوى حزن أكثر. من الصعب أن نشيح بأبصارنا عن رؤية الدماء فلا نرى في الجهة المقابلة سوى دماء أكثر. من الصعب يا مصر أن لا تعطينا رغم عشقنا إليك سوى عذاب يليه عذاباً أكثر.
في 25 يناير منحتنا مصر أياماً عظيمة، لم نشعر رغم تساقط الشهداء سوى بالفخر لأننا نحرر تلك الأرض من عدوها الداخلي الجاثم على أنفاسها وأنفاسنا منذ عقود طويلة، ظننا جميعاً بعد تنحي الطاغية اننا لأول مرة منذ ولدنا على هذه الأرض نستنشق هواءاً نقياً، وأنه بعد طول انتظار سيأتي غدا أخيراً ويرحل الأمس المظلم الذي حل علينا طويلاً ... هل كنا مخطئين يا مينا؟ هل كنا مخطئين يا مايكل؟ هل كنا مخطئين يا كل شهداء مصر؟ أخبرونا من عليائكم الآن بما ترونه .. هل نعود مرة أخرى إلى مخابئنا ونطوي الحلم أسفل أسرتنا وننام على الخيبة كما اعتدنا سنين عمرنا الماضية؟ أم أنكم ذهبتم لتُعَبدوا بدمائكم طريقاً ممهدة تعبر عليها الحرية؟
كنت أظن أنني أقرأ الواقع السياسي بجدارة، أحلل وأفند الحقائق وأخرج بنظريات عظيمة تستقرئ مستقبلاً أعظم، لكنني بعد أحداث اليومين السابقين، لم يعد قلبي يتحمل أكثر. انتهكوا عقلي وأجهدوه بأحداثهم المتلاحقة، والتي لم تعد تترك لنا وقتاً للتفكير أو التحليل أو الاستقراء. من منا الآن بقادر أن يقول كلمة يمكننا تصديقها. فما هو السبب أو الدافع الذي يجعل الأحداث تصل إلى ما وصلت إليه أمام ماسبيرو، تلك المجزرة الدامية التي راح ضحيتها عشرات من المصريين، لم يفعلوا سوى أنهم حملوا الشموع وساروا نحو ماسبيرو ليطالبوا بحقهم في عبادة الله آمنين في كنائسهم، هل هذا كثير جداً لتلبيته؟ هل هذا المطلب فوق تحملكم؟
قبل أن يرحل مبارك وباقي رفاقه من الخونة، عشنا سنينا طويلة نعتقد أن شعب مصر تحول إلى شعب طائفي، يذبح بعضه بعضاً على أساس اختلاف الدين، لكننا اكتشفنا أن نظام مبارك هو الذي كان يخطط ويدفع إلى تنفيذ عمليات الاعتداء على الكنائس وقتل المسيحيين في دور عبادتهم، الآن ماذا؟ هل مازال نفس المخطط يسير آمناً بيننا على قدميه؟ كيف يمكن أن يقتل القاتل القتيل ويمشي في جنازته؟ يهدمون الكنائس بواسطة عملائهم ثم يقومون ببنائها على نفقتهم الخاصة؟ وأخيراً يقتلون الأبرياء ويلقون بجثثهم في مداخل البنايات المحيطة بماسبيرو، ثم يقتحموا مكاتب القنوات الفضائية ليعتدوا على العاملين فيها ويستولوا على شرائط الفيديو التي سجلوها للأحداث، ثم يخرجوا علينا بأنهم المجني عليه وليس الجاني، وبعد أن يحرضوا ضد المسيحيين علناً على شاشاتهم، يعودوا ليعتذروا ويلقوا باللوم على اندفاع المذيعين. في عرف من هذا؟ هل إلى هذه الدرجة هانت علينا أنفسنا حتى هنا عليهم، فلم يعد لنا ثمن، لم يعد لدمائنا قيمة؟ هل خرجنا في يناير لنعيد كرامة المصري وحقه في حياة كريمة، لتنقلب علينا الطاولة فتُسحب كرامتنا ويُسلب حقنا في الحياة من أصله؟
يا ولاة المور الأفاضل، ماحدث أمام ماسبيرو لم يكن فتنة طائفية، فعناصر الشرطة العسكرية تمثلكم ولا تمثل المسلمين. لم يخرج المسلمون ليقتلوا أهلهم من المسيحيين أمام ماسبيرو. كان هناك الكثير من المسلمين المشاركين في المسيرة ولم يحمل أحداً منهم سلاحاً ليرفعه في وجه المسيحيين، بل رفعتوه أنتم وضغتم على الزناد لتسحقوا القلوب اليسوعية. أرجوكم نحن لسنا أغبياء وإن كنتم تعتقدون أننا كذلك، فنحن لسنا أغبياء إلى هذه الدرجة!
بقى أن أودع الجميل مينا دانيال، صاحب الخمسة وعشرين عاماً، الشاب الذي كان عمره ألف عام. فعلت الكثير يا مينا خلال سنواتك القليلة، وكأنك كنت تُكمل قدرك سريعاً قبل أن يغدرك الزمن، أغار منك يا صاحبي لأنك ناضلت من أجل وطنك ومن أجل فقراء هذا الوطن أكثر مني رغم أنني أكبرك بأعوام كثيرة، أغار منك لأنك نلت ما طلبته من شهادة، أغار منك لأنك صليت في الكنيسة والمسجد وقدت المصلين في كليهما نحو طريق الحرية، أغار منك لأنك الآن في عالم أفضل، فأوقد لنا شمعة في طريقك إلى هناك.
ولا تنس أن تبلغ سلامي إلى أحمد بسيوني صديقي الذي عجل بالذهاب من قبلك.
عطر وزهر على روحيكما... عطر وزهر على أرواح شهداء مصر منذ مينا موحد القطرين، فلا تتركوهم يذهبو بجهد مينا إلى الخواء.

الاثنين، 3 أكتوبر 2011

الطائفية كهدف استراتيجي قومي

عندما أتأمل الأحداث الطائفية التي تطل برأسها علينا بين الحين والآخر، حتى منذ عهد ما قبل ثورة 25 يناير،أضحك. أعذروني فهي بالفعل على الرغم من مظهرها المأساوي، مضحكة في مضمونها. فأي ناظر للأحداث من أعلى يكتشف ببساطة شديدة، أن هناك رأس واحدة مدبرة ومحركة للأحداث، وأن هذه الرأس للأسف الشديد، "حافظة مش فاهمة"، بمعنى أنها لو كانت تمتلك قليل من العقل أو الفهم، لما كانت لعبت لعبتها بمثل هذا التكرار والتراتبية المملة.
يمكننا أن نقسم التكتيكات الطائفية، إلى ما قبل 25 يناير، وما بعدها. فما قبل، كانوا يعتمدون طريقة التفجير وقتل الأبرياء في الكنائس، فلما كُشفت لعبة التفجيرات وفُضح الواقفين ورائها، قال زعيم عصابة القناع الأسود، في ليلة غاب عنها القمر، لصبيانه في بطن الجبل؛ أنه عليهم تغيير التكتيك المتبع وذلك لضمان الاستمرارية والجودة لعملية " بطن الزير" المشهورة بالملف الطائفي في مصر، وبالتالي تغيير الأداء على الأرض من التفجير إلى الهدم، ودخلنا في عصر "موضة هدم الكنائس". أياً كانت الأهداف الاستراتيجية لعصابة القناع الأسود، سواء بث الفرقة وهدم اللحمة بين طرفي الوطن " المسلم والمسيحي"، أو كما يقول بعض من القلة المندسة أنها تهدف لتبرير مد قانون الطوارئ، أو مثلما يردد المتشائمون أن مشكلة الطائفية موجودة فعلاً بين المصريين وبعضهم....إلخ. فأنا لا تهمني أهداف العمليات الطائفية، بقدر ما يهمني، أن التكتيك الجديد في واقع الأمر يعود بالفائدة على المسيحيين ويحل المشكلة الأزلية والخاصة بعذاب إخراج تصاريح بناء أو ترميم وتجديد كنائس، فبمجرد أن يهدم صبيان الزعيم الكنيسة، يخرج المستنيرون والمسيحيون في مظاهرات، فتضطر الحكومة العظيمة أن تتبنى القضية وتعلن أنها ستبني الكنيسة على حسابها (قال حسابها قال!).
في حقيقة الأمر، أنا لا أصنف حاملي بطاقة الرقم القومي المصرية، سواء كانوا مسلمين أو مسيحيين أو بهائيين أو ملحدين أو ينتمون لعبدة الشيطان وبلاد تركب الأفيال، هم في نهاية الأمر يحملون نفس الوجه الكادح الذي أُضيف إليه مؤخراً نظرة أمل للغد. التصنيف الحقيقي لدي، يكمن في تقييم أداء عصابة القناع الأسود، التي لم يتغير فيها سوى الأسماء والوجوه، بينما الأداء والمنهج واحد، وإن كان إحقاقاً للحق، فزعيم وأعضاء العصابة الجدد، يحملون قلباً رهيفاً حنوناً، وبدلاً من تلويث شوارع مصر بدماء المسيحيين، تحولوا إلى سد الشوارع بمخلفات هدم الكنائس. وأنا في واقع الأمر ما يشعرني بالضيق، هو الازدحام المروري الذي سيقع من وراء عمليات الهدم والبناء؛ لذلك أرجو من القائمين على الأمر، أن يضعوا جدولاً منظماً لهدم الكنائس المصرية وإعادة بنائها بحيث لا يكون هناك أكثر من كنيسة واحدة في كل محافظة مطلع كل شهر. اقتراحي هذا نابع من صدقي الشديد ورغبتي الأصيلة في تطوير الإدارة في مصر، نظراً لأننا بالفعل نعاني في بلدنا من سوء الإدارة، وربما يكون ذلك هو السبب الرئيسي وراء تأخرنا عن الركب المتطور لبلاد العالم، والتي لا ينقصنا " واللهي" بعقد الهاء، أي شيئ لكي نقف جوارها في الصفوف الأولى عالمياً.
يبقى أن أقول " والله الموفق"، لكنني سأوستوحي التجديد في الأداء من السادة، وأوجه رجاء لعصابة القناع الأسود وزعيمها المفدى، أدامه لمصر ولشعبها الكريم لأقول لهم: احترموا عقولنا يرحمكم الله.

السبت، 10 سبتمبر 2011

عاش نضال المُعَلِم المصري





لا يمكننا وصف حركة المعلمين المصرية، والتي تجلت بقوة في مسيرتها يوم 10 سبتمبر، غير بالقوية والناجحة، حتى لو لم يصلوا إلى تحقيق مطالبهم بعد. عندما توجهت حاملة أدواتي الصحفية، أو بالبلدي عدة الشغل، لأبدأ معهم يومهم الذي انطلق من جوار نقابتهم في الجزيرة بالقاهرة، لم أكن أتخيل أنني سأواجه واحدة من أهم الحركات المهنية في مصر، بل ومن أكثرها تنظيماً ورقياً وتوافقاً. بدأوا بأعداد لا تتجاوز المائة، وظننت داخلي أنهم بهذا العدد سيكونوا قد حققوا نجاحاً كافيا، نظراً لأنهم من الفئات الصامتة، والتي غالباً ما تحل مشاكلها بهدوء من خلال الدروس الخصوصية، وعدم التفاعل بشكل حقيقي مع الطلاب داخل المدارس. لكن المسيرة أخذت في التزايد في الطريق حتى وصلوا إلى ميدان التحرير، فانضم إليهم عدد كبير جداً قادم من اتجاه ميدان رمسيس، وبمجرد الوصول إلى شارع القصر العيني حيث مقر مجلس الشعب ومجلس الوزراء، اكتشفت حقيقة هذا الحشد التعليمي، إذا صح التعبير، حيث آلاف قد تتجاوز العشرة آلاف معلم.
داخلياً، ورغم مهاجمة الكثير من الناس لحركة المعلمين، كنت متعاطفة تماماً مع مطالبهم، فأنا انتمي إلى جيل استفاد بحق من سنوات تعليمه، وخرجنا من مراحلنا التعليمية ونحن نحمل ذكريات جيدة أكثر من السيئة في طبيعة علاقتنا بمدرسينا ومدرساتنا، لا يمكنني أن أنسى أساتذتي نساءً ورجالاً، والذين كانوا وراء تفوقي الدراسي في بلدي الفشن بمحافظة بني سويف. كلهم علموني داخل الفصل المدرسي ولم أذهب إليهم في بيوتهم للحصول على درس خصوصي. من أجل هؤلاء ذهبت إلى مسيرة معلمي مصر، لأنني أحلم بأن يعود نموذج المدرس الذي تربيت على يديه في الثمانينات وحتى منتصف التسعينات إلى الوجود.
أهم ما يمكن أن نتوقف عنده بخصوص وقفة المعلمين، هو أنها بالفعل مثلت المدرس المصري بشكل عام، فهي لم تقتصر على مادة دراسية واحدة، حتى أمناء المكاتب ومدرسي الموسيقى والألعاب شاركوا. ولا على محافظة او مدينة مصرية واحدة، الكل أتى من كل مكان في مصر. مدرسون من بني سويف والمنيا وأسيوط وأسوان والقاهرة والجيزة و حلوان والأسكندرية ومحافظات الدلتا ومحافظات القناة ومرسى مطروح وشمال سيناء، الكل حضر حاملاً لافتاتة ليشرح مطالبه ويوضح بمنتهى القوة مأساته والسبب الحقيقي وراء مافيا الدروس الخصوصية التي يحلمون جميعاً أن تنتهي حتى تعود إليهم كرامتهم ومكانتهم بين الطلاب، ويعود المعلم ليقف في مصاف الأنبياء والرسل الذي كاد أن يكون واحداً منهم، كما قال شوقي.
حركة المعلمين المصريين، انقسمت في تشكيلات جديدة وهامة، مثل اتحاد المعلمين المصريين الذي يضم ست لجان مشهروة في ست محافظات مصرية، ونقابة المعلمين المستقلة، ورابطة معلمي الثورة بحلوان والتبين، إضافة إلى العديد من التشكيلات التي تحمل اسم مدينة أو محافظة مصرية. ورغم تعدد وتباين التشكيلات والتنظيمات للمعلمين المصريين، إلا أنهم جميعاً اتفقوا على مطالب واحدة، ألا وهي تحسين ظروف المعلمين المصريين، وتحسين بيئة العمل، ووقف استنزاف ميزانية الوزارة على المكافآت والبدلات، التي تُصرف للقيادات الإدارية فقط، إضافة إلى تطبيق الحد الأدنى للأجور على المدرسين، وسرعة تطهير الإدارات والمديريات من قيادات النظام البائد. كما وجه المعلمون أصابع الاتهام إلى حكومات مصر المتعاقبة ووزراء التعليم على الأخص، واصفين إياهم بالفاسدين، منذ تولي فتحي سرور حقيبة التعليم، قائلين؛ أنهم يتجاهلون حقهم في أجر عادل يكفل لهم حياة إنسانية، وذلك لأنهم يشعرون بعدم الحاجة إلى تطوير التعليم وتحريره، وفي القلب منه المعلم، لأنه ببساطة سيتحول إلى عبئ على سلطة مستبدة فاسدة تفضل أن تتعامل مع التعليم بوصفه ملف أمني يجب وضعه تحت المراقبة بالكامل، وذلك لأن العلاقة بين التعليم الجيد القائم على أهداف إنسانية وهوية وطنية، وبين الفساد والاستبداد علاقة عكسية.
وفي النهاية أشير، إلى أن المعلمين أصروا على عدم تسييس حركتهم ورفضوا أن يرفع أي تيار سياسي لافتاته أثناء وقفتهم، لكن كالعادة كسر الإخوان المسلمون الاتفاق ورفعوا لافتاتهم، فلما جوبهوا بالرفض الشديد قاموا بإنزالها وركنها جانباً، كما عبر كثير من المدرسين عن استيائهم من وصف القنوات التلفزيونية المصرية لوقفتهم بأنها لم يحضرها سوى العشرات، في حين أن الحقيقة هي؛ إغلاقهم لشارع القصر العيني وشارع مجلس الوزراء، ما جعل عناصر الشرطة والجيش تحيط بهم، وتغلق عليهم بكردونات أمنية. أمهل المدرسون الوزير أسبوعاً حتى يستجيب لمطالبهم، وإلا فسينفذوا الإضراب العام عن العمل مع بداية العام الدراسي الأسبوع القادم.
اعتدنا في العشرين عاماً الماضية أن نتعامل مع المدرس المصري باستهانة، حتى أصبحت مهنة التدريس والمدرس أضحوكة، يتبادلها الجميع في نكات تقلل من قيمة المعلم وتصوره بالتافه المتهافت على المال، والماص لدماء أولياء المور، لكنني أعتقد أننا يجب أن نغير تلك النظرة ابتداءا من اليوم 10 سبتمبر 2011. عاش نضال المعلم المصري.

الاثنين، 29 أغسطس 2011

أنا وبوذا ومايكل



علمني بوذا أنا لا أحب بشروط، أحب فقط وتكالي على الله. علمني بوذا أن أسجل مواقفي المؤيدة والمعترضة ولا أتهاون أو أفرط في حقي، لكني مع ذلك أحب من يعارضني ولا أتعمد إيذائه ولو تعرض لأذى أناصره وأسانده. علمني بوذا أن آخذ نفساً عميقاً قبل أن يصدر مني رد فعل وأن لا أحاسب الناس على ضمائرهم بل أتعاطف معهم جميعاً وألتمس لهم الأعذار. هذا ما تعلمته من بوذا...هل تسمعون هذا الكلام لأول مرة؟ اعتدتم أنتم على من يتشدقون بما قاله الله أو الرب أو محمد أو المسيح، لكنكم وبدون مبرر منطقي واحد قررتم أن ما عدا ذلك مرفوض. أن ما عدا ذلك مفسد وحاقد وشرير ويستحق الحرق. فماذا أنتم فاعلون الآن بي وأنا أتشدق بما قاله بوذا؟
عندما اصطدمت عقليتكم بقضية البهائيين، قمتم ولم تقعدوا وقررتم أنهم كفار وخارجون عن الإسلام أو المسيحية فناصبتموهم العداء، وإلى الآن ترفضون الاعتراف بهم حتى كبشر من حقهم مشاركتكم نفس الهواء. تضامنتم في صمت على أن تقبلوا الآخر بشرط أن يكون مسيحي أو مسلم سٌني، لكنه لو كان شيئاً مختلفاً فهو ليس بآخر يمكن قبوله، لكنه عدو الله وعدوكم. في مصر قرر المسلمون بلع المسيحيين على مضض درءاً للفتنة والمشاكل، وعلى الجانب الآخر قرر المسيحيون التغاضي عن تاريخ الطائفية القديم وفتح صفحة جديدة لنفس الأسباب، وانطلق الطرفان في التشدق بحرية العقيدة والوحدة الوطنية، في الوقت الذي يؤمن كل منهما في قرارة نفسه أن الآخر على ضلال وأنه في النار.
ما سبق كان مقدمة واجبة لبدء الحديث عن مايكل نبيل. مايكل الذي يلفظ أنفاسه الأخيرة الآن في السجن الحربي، دون أن ينظر له أحد بعين الاعتبار، حتى الأفراد العاديين تم تعبئتهم ضده. الكنيسة تخلت عن مايكل لأنه خرج عليها وأعلن إلحاده، بينما لم تفكر لحظة أنه في مقتبل عمره وأنه قد يعود إلى أحضانها ذات يوم بعد رحلة من التفكير والبحث التي من حق أي انسان أن يمر بها. تخلت الكنيسة عن مايكل، رغم أن أباه وأمه وأخوته وعائلته كلها مازلت تنتمي إليها وتعتقد في عقيدتها.
تخلى الإخوان المسلمون عن مايكل لأنه ليس إخوانياً ببساطة، وتخلى أبو اسماعيل عنه لأنه ليس امرأة ترتدي الحجاب، وتخلى اليسار عنه لأنه مطبع مع اسرائيل ونسوا أن حكومة مصر نفسها أكبر مطبع، حتى الليبراليين تخلوا عنه رغم انتمائه إليهم، ربما لأنهم خافوا على مصالحهم مع العسكر أو ربما لأنهم ليبراليون وهذه هي سماتهم، أن تظل براجماتياً نفعياً حتى آخر نقطة في دمك، ومايكل قضية خاسرة فهو خارج عن تابوهات المجتمع المقدسة ( ملحد ومطبع).
أما جمعيات حقوق الإنسان فحدث ولا حرج، لم نسمع منهم سوى الصمت أو مواقف خجلة تخرج من باب سد أبواب مفتوحة، وعندما تكلمت واحدة منها بقوة، اشترطت أن يتراجع مايكل عن مواقفه، ومايكل مرمي في السجن يا ولداه، فاقد الوعي بعد دخوله اليوم السابع من إضرابه عن الطعام، دون رعاية صحية ولا حتى محضر يثبت إضرابه.
القلة المندسة التي أنتمي إليها، التي لا تضع شروطاً وقيوداً لحرية الرأي، وتؤمن بحق الجميع في الاعتقاد والتفكير والتعبير، تتعرض يوميا للإهانة لأننا ندافع عن مايكل، والغريب أننا جميعاً مطالبون بأن نقول أننا لسنا مؤيدين لأفكار مايكل ولكننا ندافع عن حقه في الوجود، وأن يحاكم مدنياً إذا كان ارتكب جرماً بحق. أيها السادة مايكل لم يكن عميلاً لإسرائيل، لأنه لو كان كذلك لحاكموه العسكر بتهمة الخيانة، لكنه محكوم عليه عسكريا بتهمة إهانة الجيش وترويج إشاعات كاذبة. والسؤال هنا؛ هل الجيش هو الله أو رسوله حتى يتم سجن من يهينه؟ والسؤال الآخر؛ ألم يثبت أن إشاعات مايكل حقيقة وأن ثوار التحرير تعرضوا للتعذيب في المتحف وفي سلخانات الجيش وأن فتيات التحرير تعرضوا فعلاً لكشف العذرية؟
إن الحالة السياسية المصاحبة لمايكل نبيل، تنبئ بقوة أننا في مصر ذاهبون إلى عصر الكانتونات أو الدكاكين الصغيرة، حيث كل دكان سيراعي فراخه التي ترقد داخله ولن يهتم بباقي الفراخ، أما الشاردين أمثال مايكل فلن يكون لهم ثمن ولا دية...... فهل هذا ما ترغبون به؟
مجرد سؤال أطرحه أنا وبوذا ومايكل

الأحد، 7 أغسطس 2011

بمنتهى الشرف مع "خرم" حازم صلاح

يطالبنا حازم صلاح المرشح المحتمل للرئاسة بأن نكون شرفاء في حواره ببرنامج "ليطمئن قلبي"على قناة التحرير، هذا على اعتبار أننا في الأساس وبناء على وجهة نظره الشريفة العفيفة الطاهرة، غير شرفاء بكل ما تحتمله الكلمة من معاني باطنية وظاهرية. ما علينا فلنعتبر أنفسنا غير شرفاء وسنحاول أن نتحلى بالشرف مع كبير الشرفاء حازم صلاح.
المرشح المحتمل لرئاسة جمهورية مصر العربية - التي تعاني من مشاكل اقتصادية عويصة، ومشاكل فقر وبطالة وأمية مستفحلة، وأزمة مياه تدق على أبوابنا بقوة، وتهديد بتقطيع أوصال البلد إلى أربعة بلاد...إلخ إلخ إلخ - يرى أن الحل الوحيد لحل مشاكل مصر يكمن في أن ترتدي النساء الحجاب. ما علينا للمرة الثانية، ولنسير مع فضيلة المرشح المحتمل للرئاسة خطوة خطوة: يقول حازم أن في أمريكا تمنع النساء من ارتداء لباس البحر بالقانون، وأن من ترتدي " المايوه" يتم معاقبتها ...وهنا أتساءل بدهشة وحاجباي مرتفعان حتى منابت شعري...في أمريكا؟؟؟؟؟ فيييييين يا فضيلة المرشح؟
يقول فضيلته؛ أن الحجاب فريضة بإجماع العلماء وأنه لم يختلف عليه سوى الكتاب والصحفيين والفنانين الذين لا "يؤبه" لهم، وشدد على كلمته هذه، وبالتالي قام المرشح المحتمل، باستبعادنا وإقصائنا مقللا من قيمتنا وقيمة آرائنا وأفكارنا، باعتبارنا سفهاء من وجهة نظر عظمته، فنحن مهرجون في الأساس في نظره الكريم، لا ثمن لنا ولا لكلامنا، ولا يمكن مقارنتنا بأي حال من الأحوال، بمن هم مثله وفي مستوى عظمة ورفعة وجلالة فضيلة أفكاره العظيمة. لكنه يأبه لكلام من يصفهم بالعلماء الذين ينتمون إلى قرون خلت من قبلنا، لو جاء واحد منهم وحاول أن يسير خطوة واحدة في شوارعنا، سوف يسقط ميتاً بالسكتة القلبية، فكيف بنا نأخذ بآرائه وتفسيراته للدين وهو الذي لا يعلم كيف يتعامل مع كوبس كهرباء، أو دراجة ببدالات، ومازال يرى أننا يجب أن ندخل على حماماتنا السيراميك بدعاء دخول الحمام مستعيذين من المخلوقات القبيحة الساكنة في " الكنيف" النجس!
يقول فضيلة المرشح المحتمل، أن الحاكم من دوره أن يفعل هذه الفرائض، مشيراً إلى الحجاب، وبالتالي أتساءل، وهل من دور الحاكم أن يفعل أيضاً فريضة غض البصر؟ وإذا تم تفعيل هذه الفريضة، فكيف يمكن معاقبة من يتجاوز وينظر للمرأة بعيونه الجريئة؟ هل سيتم فقع عيونه مثلاً؟ السؤال الأهم، كيف سيتم السيطرة على تحركات عيون الرجال في الشارع؟ أم أنه دائماً المرأة هي الحائط المائل للجميع، وكل من يحب أن يثبت قوته وإيمانه وتقاته، وأنه مع مكارم الأخلاق ومع الدين، يركن على المرأة ويضغط عليها؟
يعود فضيلته يزهزه عصره وينصره على من يعاديه، ليقول؛ أنه الحمد لله يا رب، سوف يأخذنا بالرفق وبالهدوء حتى لو تطلب الأمر عشرين عاماً، وهنا أتساءل، ماذا لو أصررنا حتى بعد مرور العشرين عاماً على أننا لن نرتدي الحجاب، ماذا ستفعل؟، ثم يعود ليقول أن المسلمين الذين يترفقون بغيرهم ويطالبون بأن يكون الانسان حراً في اختياره الالتزام بالفرائض من عدمه، يقول أنهم " خرموا" خرم كبير في الدين وفيما قاله العلماء.....خرم؟؟؟؟؟!!!!!!! خرم يا فضيلتك؟ وفي الآخر ترى أننا الصحفيون سفهاء ولا يؤخذ بكلامنا؟ فماذا عن الخرم الخاص بفضيلتك؟ وهل الخرم هذا سيؤدي إلى تسريب ما، في مكان ما، لا يعلمه سوى عظمتك؟
في النهاية، يأخذها فضيلته من أصيرها ويرمي بكل ما في جعبته مرة واحدة ويقولها صراحة أن؛ " المجتمع الذي تخرج فيه فتاة وتعتدي على عفة الشباب بتبرجها البالغ وهم مش عارفين يتزوجوا، ده عنصر دخلت به على المجتمع فأفسدته". مرة أخرى المرأة هي أس البلاء بجسدها، أما الرجل فهو يا حرام مغلوب على أمره ولا يمتلك عقلاً يتحكم به في شهواته!. وبدلاً من أن يناقش مولانا حازم صلاح باعتباره مرشح محتمل للرئاسة، كيفية إنعاش الاقتصاد المصري وفتح مشاريع واستثمارات كبرى، تؤدي إلى توفير فرص عمل للشباب ورفع المستوى الاقتصادي لسكان مصر، ما يسهل بدوره زواج الشباب، يحل المسألة من بابها السهل ويقرر أن على النساء أن ترتدي الحجاب، حتى لا تعتدي على الشباب الغلابة المساكين، المحتارين برغباتهم الجنسية المكبوتة في الشوارع والحارات والمواصلات العامة.
الغريب جداً أن الشيخ المبجل الذي من المحتمل أن يعتلي سدة الحكم في مصر، لم يرد على خاطره أن الرجال المتزوجين يتحرشون بالنساء في الشوارع أكثر من الشباب غير المتزوج، وأنه رغم انتشار الحجاب والنقاب في مصر، إلا أن حوادث التحرش والاعتداء على النساء زادت وفاضت في حين أنها لم يكن لها وجود عندما كانت ترتدي النساء الميكروجيب في الستينات.
أتساءل أو أوجه سؤالاَ لمولانا المرشح، ماذا ستفعل في شهوتك، عندما تعتدي عليك النساء الأجنبيات بتبرجهم، أثناء قيامك بمهامك الرئاسية في الخارج؟ خاصة وأن النساء يعتلين سدة الحكم في بلاد كثيرة ويتولين مناصب هامة مثل وزارة الخارجية والدفاع وغيرها، بل ورئاسة الوزراء أيضاً....واللهي يا شيخ إني أخاف عليك من الفتنة، وبالتالي أوصيك بأن تقطع علاقة مصر بكل البلاد التي تسمح للنساء المتبرجات بشغل مناصب هامة.
يعود الشيخ ويقول أنه سيفعل مثل أمريكا ولن يفرض علينا نوع لبسنا فمن ترتدي ملائه هي حرة فقط عليها الالتزام بالمواصفات العامة، وطبعاً يقصد المواصفات العامة للحجاب من وجهة نظره طبعاً، فأنا متأكدة أن أغلب محجبات مصر الآن سيكن متبرجات في نظر فضيلته. حتى الآن لا أدري سبب الزج بأمريكا كمثال لكلامه، فالحقيقة لو كان يريد حازم صلاح تطبيق النموذج الأمريكي على مصر، فأنا سأكون أول الناخبين الواقفين في صفوفه الانتخابية.
فضيلته يرى أن عصرنا الحالي عصر فجر، لأن طوال 1400 عام لم تر دولة إسلامية فجر مثل الذي تراه في عصرنا الحالي، وهنا قام المرشح العظيم، بسبنا وسب أمهاتنا وجداتنا بجملة واحدة، فأنا وأمي وجدتي فاجرات في نظره، إضافة إلى تجاهله التام لسؤال المذيع، بأن كان ذلك قد شمل غير المسلمات طوال التاريخ الماضي، الماضي الشريف العفيف، وليس عصرنا الفاجر في نظر الشيخ.
حازم صلاح يرى أن الحاكم من دوره أن يقيم الدين كما يقيم الدنيا، وبالتالي يتوعدنا جلالته، بأنه سيكون مثل الملك هنري الثامن في انجلترا، الذي نصب من نفسه قيماً على الكنيسة، فقطع رؤوس كل من يخالفه بدعوى الهرطقة، لأنه ببساطة، أصبح العارف العالم القيم الوحيد على الدين وطريقة تطبيقه، ومع وفاته كان عدد المقطوعة رأسهم من الرجال والنساء قد بلغ 74 ألف رأس من كبار علماء وأدباء ومفكري وأثرياء إنجلترا آنذاك.
يدافع حازم صلاح عن موقف السلفيين وانقسامهم على أنفسهم بين مؤيد للخروج والثورة على الحاكم، ومحرم لها، ويقول أن الاختلاف في الاسلام رحمة وأن هذا دليل على رحمة الإسلام وقوته. وأتساءل لماذا يرى صلاح في الاختلاف هنا رحمة ولا يرى نفس الشيئ في مسألة الحجاب؟ ولماذا يرى أن الحجاب من المعلوم في الدين بالضرورة، بينما غيره لا يخضع لنفس المبدأ؟ رغم أن المشايخ الذين رفضوا الخروج على الحاكم أيدوا رأيهم بآيات وأحاديث وكفروا كل من خالفهم، وغيرهم على الجانب الآخر استخدموا نفس الوسيلة لدعم رأيهم وقالوا أن المشاركة في الثورة فريضة؟ هل أنتم الذين تحددون الفرائض والمعلوم وغير المعلوم بالضرورة؟ ومن أقامكم آلهة علينا والإسلام من الأساس لغى الكهنوت وجعل كتابه شاهداً بين أيدينا جميعاً نقرأه ونفسره بعقولنا وهو قرآنا عربياً سليماً وليس بالأعجمي؟
ينهي حازم صلاح كلامه بمطالبتنا بأن نترك الإسلام، فهو يقول وفقاً لكلامه أن على المسلمة التي لا ترغب في ارتداء الحجاب أن تترك الإسلام، أو أن تكون شريفة وتعلن أنها عاصية قائلة " أنا مسلمة عاصية". ما علينا للمرة الثالة، وأقولها بأعلى صوت يا فضيلة عظمة المرشح الرئاسي المحتمل، أنا مسلمة ولا أرتدي الحجاب، ولن أرتديه لأنني مقتنعة وفقاً لرؤيتي وفهمي للنص القرآني أنه ليس فرضاً، ولكني سأسير معك وسأقول لك أنني مسلمة عاصية فماذا أنت فاعل؟ هل ستجلدني أم ستسحلني أم ستجعلني أمتطي الحمار بالمقلوب وتزفني في الأسواق، أم ستحكم علي بالسجن؟ دعك من هذا، أنا امرأة وُلدت على دين الإسلام، ولكن لا أرغب في أن أكون مسلمة، فماذا أنت فاعل؟ هل ستتيح لي إمكانية تغيير ديني بمنتهى الحرية والديموقراطية؟ أم ستحكم علي بالقتل وفقاً لحد الردة المزعوم؟ وهل بعد كل ما سبق ستظل مدعياً أنك رجل ديموقراطي وتسمح بإقامة الحريات والعدالة والمساواة بين الناس؟
أرجوك يا حازم صلاح، فلتكن أنت ومن هم مثلك أكثر صراحة من ذلك، وتتوقفوا عن الادعاء بأنكم رجال ديموقراطيون، تؤمنون بحرية الفرد وكرامته مهما اختلف في العقيدة أو الفكر. أرجوك إعلنها صراحة أنك ستقيم دولة الديكتاتورية المتمسحة في الدين، وأنك سوف تبطش أول ما تبطش بالأقليات الدينية، وأنك ستحرم النساء بالهدوء وعلى مدار عشرين سنة من كافة حقوقهن حتى تحرمهن من العلم نفسه، وأنك تعدنا أنه في غضون عشرين عاماً ستكون مصر النموذج الأفريقي لدولة أفغانستان الديمقراطية المستقرة المستقلة، نَمِرة الاقتصاد التي تهدد مضاجع الاتحاد الأوروبي وأمريكا.


http://www.youtube.com/watch?v=zgpezYcRXqE

الثلاثاء، 2 أغسطس 2011

تقسيم مصر بين الواقع والمتخيل

ربما يبدو عنوان المقال وكأنه دراسة متعمقة في الموضوع، ولكن الحقيقة هي أنني أحاول تجميع كل ما تردد في هذا الشأن، سواء داخل أعمدة الرأي بالجرائد المصرية، أو بين المصريين أنفسهم في الشوارع والمواصلات العامة. الاجابة الوحيدة التي تأتي كرد فعل سريع على طرح إمكانية حدوث التقسيم في المستقبل، هي؛ لا يمكن أبداً أن يحدث في مصر فنحن لسنا مثل باقي الدول، لكن الواقع يقول، أننا المصريون ليست على رؤوسنا ريشة، وأننا لم نقدم أي معطيات أو دلائل تشير إلى تماسك خريطة مصر دون تعرضها للتمزق مثلما حدث وسيحدث في السودان للمرة الثانية لفصل إقليم دارفور واستقلاله.
نحن يا سادة على العكس تماماً، قدمنا ومازلنا نقدم كل التسهيلات الممكنة لوقوع المحظور وتقسيم مصر، لتنتظر الأجيال القادمة، ظهور مينا جديدة يحاول توحيد القطرين، وإن كان العبئ سيكون ثقيلاً لأنه سيضطر إلى توحيد الأقطار الثلاثة، لأننا اكتشفنا بين ليلة وضحاها، أننا المصريون ننتمي إلى ثلاثة أعراق، العربية والقبطية والنوبية " هاموت وأعرف جابوها منين الأعراق دي".
على مدار ثلاثين عاماً هي فترة حكم مبارك، لم يكن ينقص الإدارة المصرية، سوى أن تقسم البلد بيديها وتسلمها جاهزة لإسرائيل والأمريكان والسعودية. كانت سيناء عائدة إسمياً لحدودنا، لكنها فعلياً في حضن إسرائيل، وكان اختلاق أسباب النزاع والفرقة الطائفية بين المسلمين والمسيحيين يسير على قدم وساق، مدعوم بتمويل من الخارجين، الأمريكي في صورة أقباط المهجر، والسعودي في صورة التيارات الاسلامية المختلفة. ولم نكن نفعل، نحن شعب مصر الساذج الغلبان سوى إصدار ردود أفعال إنسانية طبيعية تمنح أعدائنا ما يرمون إليه بمنتهى السهولة والبساطة، فقد ذهب مبارك وقد نفذ ما كان مطلوباً منه بدقة، شعب ممزق يكره بعضه بعضاً، نصفه أمي فقير، تحركه عصا التيارات الاسلامية بصناديق السكر والزيت والوعد بالجنة، والنصف الآخر لا يدري ما الذي يجب أن يفعله وهو لا يملك شيئاً، سوى التظاهر والاعتصام.
الغريب أننا وكشعب ينتمي لدول العالم الثالث بجدارة، مصابون بالذاكرة الضعيفة، أو بذاكرة السمكة نفسها، فلقد تعرضت مصر أو بمعنى أصح مملكة مصر والسودان من قبل للتقسيم والتمزق، وبرغم أن غالبية الشعب السوداني الواعي كان ضد التقسيم آنذاك، لكن تحريك صناديق الاقتراع نحو التقسيم، تمت بنفس الطريقة المعهودة، ألا وهي صناديق السكر والزيت، أو بمعنى أصح دفع الأموال للتيارات المعادية للوحدة لحشد الناس في اتجاه الانفصال. أعتقد تماماً أن جدي وجدتي قالا لي ذات يوم؛ أن أحداً لم يكن يتخيل أبداً أن تنفصل مصر عن السودان، تماماً مثلما نقول الآن، لا يمكن أن تقع مصر تحت سكين التقسيم!
نحن لا نفعل سوى الكلام، بينما يتحرك أعداؤنا في الغرب الكافر والشرق المؤمن في تحالف قوي وثابت، نحو تحقيق أهدافه، لنستيقظ ذات يوم على مصر وهي جزء تابع لإسرائيل، وآخر مسلم وثالث مسيحي، ورابع نوبي. المحير بالفعل بالنسبة لي أنني لا أرغب في الانتماء إلى الدولة الاسلامية، وكذلك وبما أنني لست بمسيحية فليس من حقي الانتماء إلى الدولة المسيحية، رغم أنها ستقوم على الجزء المحبب إلى قلبي من مصر، وطبعاً لون بشرتي لا يمنحني جواز العبور نحو الدولة النوبية، ولأنني ضد التطبيع فلن أكون يوماً من عرب سيناء الذين سينضمون إلى دولة إسرائيل، ليبقى السؤال المحير أين سأذهب بحقيبة ملابسي، أو حتى من دونها؟ وأين سيذهب كل المواطنين المصريين الذين يشبهونني وهم كُثر؟ هل سنلجأ إلى أمريكا أم إلى السعودية؟ لأنه وبكل صراحة على من حضر العفريت أن يصرفه، فالدولتان لا تألوان جهداً للدفع نحو هذا المستقبل المرعب لمصر. لكنني واثقة أن السعودية سترفض امرأة علمانية كافرة مثلي، وبالتالي سأضطر إلى اللجوء لأمريكا لأنها تسمح للكفار بأن يعيثوا في أرضها فساداً، وإن كنت سأحزن كثيراً على نقود الخليج وماركات المكياج والبارفان والملابس التي لا تجدها المرأة بأسعار جيدة إلا في السعودية والخليج بشكل عام، وسلامي إلى مصر التي لا يمكن تقسيمها.