الأحد، 1 نوفمبر 2015

وفي الرقص حياة يا أختاه

غالباً ما يسبب الرجال الإحباط للنساء وكثير من المشاعر السلبية، فمهما كان الرجل حنوناً معطاءا محباً، لن يتمكن من إرضاء امرأة، لأن أعظم الرجال حناناً وعطفاً، أنانيون جداً ولا يشعرون بأي شيئ يدور خارج نطاق أفلاكهم الخاصة، غير أنهم قصار النظر فيما يخص شريكة الحياة، يتميزون بقوة البصر والبصيرة فيما يخص مشاريعهم الخاصة من امتلاك واستحواز والحصول على أفضل سيارة، وأفضل منزل وأفضل امرأة وإمضاء أفضل وقت، وليس بالضرورة هذا الوقت سيتسع ليحتويكِ داخله، ففي الوقت الذي ترغب فيه المرأة أن تمضي كل لحظة من حياتها جوار رجلها لتسعد به، لا يتسع وقت الرجل كله للمرأة، فهي مجرد إضافة إلى حياته ولن تكون كل حياته في يوم من الأيام، ولا حتى جزء كبير ومهم منها. ولا أنسى أبداً ذلك النقاش الذي دار بين اثنين من الأصدقاء الرجال حول صديق لهم يجلس مكتئباً في منزله لأن حبيبته هجرته، فما كان من أحدهما أن قال للآخر: " ما هذا الجنون الذي يعتري فلان... وهل يكتئب رجلاً لأن امرأة تركته؟ النساء "على قفا من يشيل" ... الرجل الحقيقي هو الذي تدور حياته حول العمل والإنجاز، والمرأة تأتي فقط في لحظات الاسترخاء عشان الجو يكمل".
لا يعني ما سبق أنني أعادي الرجال، بالعكس فما ذكرته سابقا لا يعني سوى وضع الحقائق على الطاولة لنتعامل معها بواقعية، بعيداً عن الأوهام الرومانتيكية الحمقاء الخاصة بالنساء. لذلك عزيزتي المرأة لا تهني ولا تحزني فإليك خيار من اثنين، وأنت حرة تماماً في اختيار أحدهما.
الأول: كَرَّسي كل لحظات حياتك في ملاحقة رجلك والتضييق عليه باستمرار وتذكيره في كل لحظة أنك امرأته الوحيدة، ولا تنسي أيضاً أن تتخلي عن أي نوع من أنواع الحياة بعيداً عنه، فالرجل يحتاج منك إمضاء الكثير من الوقت للتخطيط من أجل الإيقاع به في شباكك كلما ابتعد، والدخول في مبارزات نسائية مستمرة، كي لا يلوف بغيرك، والكثير من المجهود لمحاولة إرضائه، حيث أنه لن يرضى بسهولة وسيبحث دوماً عن أي شيء يفعله بعيداً عنك.... وبالتالي عزيزتي هذا الخيار سيكلفك عمرك كله وعندما توشكين على الموت ستنظرين خلفك ولن تجدي شيئاً في حياتك سوى هذا الرجل وكل ما كان يصب في خانته، بينما خانتك أنت خاوية على عروشها.
الثاني: أن ترقصي
صديقتي المرأة الجميلة، نحن نرغب في وجود الرجال في حياتنا كي نشعر بالاحتواء والحنان والسعادة .....لكن هل وجودهم في حياتنا يحقق ذلك فعلاً؟ ... الإجابة ببساطة ؛ لا بنسبة عالية جداً إلا إذا كان هناك ملائكة بين صفوف الرجال، لذا ما عليك فعله أن تلجأي إلى الحلول العملية الناجعة لتحصلي على السعادة بدون البحث عنها بعيداً عن دائرة ذاتك.
وذاتك بإمكانها أن تفعل الكثير من عمل وإنجازات هامة وبالطبع الزواج والأطفال لكن لا تعتقدي أن زوجك سيكون معك في كل نوبات احتياجك للحنان، لذا عليكِ بالرقص، مع الرقص ترتفع نسبة هرموني الإندورفين والسيروتونين في المخ، وهما الهرمونان المسئولان عن الإحساس بالسعادة ويقللا حدة الإحساس بالتوتر والألم، كما يمنحانك الإحساس بالحنان والدفئ والحب. وعندما تشعرين بالإشباع من كل تلك المشاعر ستبدأين في وضع زوجك في إطاره الصحيح، وستعرفين تماماً ما الذي ترغبينه من وجوده في حياتك، كما ستستطيعين الإحساس بذاتك وتبدأين في التخطيط جيدا لحياتك، وعندما تمر السنون وتقتربين من تسليم الله وديعته، ستنظرين للخلف فتجدين حياة حقيقية عشتها وتحديات واجهتها وشخوص عاشرتها وتعلمت منها، وأنك بالفعل كان لك اليد العليا في حياتك.
لذا فأنا بشكل شخصي أفضل اختيار الرقص لأنني أحبني بشكل خاص وأقدرني جداً وأرغب في أن أمضي وقتاً طويلاً في خدمة نفسي، لأنني ببساطة سأقدر ما أفعله لإسعادي ولن أتخلى عني مهما حدث، ولن أبحث عن غيري ليرضيني، فأنا امرأة نفسي التي لا تخونني أبداً، لذلك أستيقظ صباحاً دائماً لأدير موسيقاي الخاصة وأرقص، أدور على كعبي وأهتز مع كل إيقاع  وأبتهج مع تصاعد الموسيقى، بعدها أبدأ يومي بكل حب.
وكلما ابتعدت عن ممارسة رقصي الصباحي اليومي، كلما سقطت في بئر الأحزان، وبدأ الرجل بتعكير صفو حياتي، فأعود مسرعة لمسرحي الخاص، لأرقص من أجل الحياة، من أجل حياتي وسعادتي الخاصة جداً.

لذلك؛ أرقصي يا عزيزتي ولا تبخسي نفسك حقها في الحياة


*سبق نشر المقال في موقع +18



الأحد، 27 سبتمبر 2015

أسئلة مشروعة حول نكبات الحج هذا العام




لم يكن حادث التدافع في منطقة رمي الجمرات بمِنى والذي راح ضحيته أكثر من سبعمائة حاج وإصابة ثمانمائة آخرين، سوى تعبير آخر لمسلسل نكبات الحج هذا العام، فلقد اعتدنا على حدوث وفيات بين صفوف الحجاج كل عام، خاصة كبار السن من جراء الزحام، ولكن أن يقترب عدد المتوفين من ألف حاج، بحساب شهداء حادثة الرافعة فهذا أمر يدعو للتساؤل حول التأمينات التي تقرها المملكة السعودية بالنسبة لوفود الحجاج الذين يقدمون إلى مكة سنوياً في نفس التوقيت لتأدية شعائر الحج، كطقس إسلامي أصيل يحدث منذ أكثر من 1400 عام.
ما هي النكبة التي تواجهها المملكة العربية السعودية وأدت إلى هذا المستوى الرديئ من التنظيم وإدارة شعائر الحج؟ خاصة وأننا كل عام نسمع ونقرأ أخباراً عن التصليحات والتوسعات وزيادة التأمين للحرم المكي وحرم مسجد الرسول عليه الصلاة والسلام، وهو أمر طبيعي أن يحدث مع ارتفاع تكاليف الحج حتى تحول إلى حلم خاص بالمسلمين الأغنياء دون متوسطي الحال والفقراء، الذين لم يعد بوسعهم أن يشدوا الرحال إلى مكة دون تأشيرات وموافقات أمنية وأموال طائلة، فأصبح بيت الله الحرام أشبه بحلم بعيد المنال لجُل المسلمين.
تبريرات عديدة قدمها المسئولون عن تنظيم الحج، أهمها إلقاء اللوم على الحجاج أنفسهم، متهمين إياهم بالتدافع ومخالفة القوانين الموضوعة لتأدية شعيرة رمي الجمرات، في حين أعرب الحجاج عن انزعاجهم من عدم قيام الدفاع المدني السعودي بدوره في احتواء الأزمة التي كان بالإمكان اللحاق بها في بواكيرها فلا يصل عدد الضحايا إلى هذا الرقم المفزع.
لا أرغب في شن الهجوم على المملكة العربية السعودية، ولكن في الحقيقة ومن خلال الصور التي يتم بثها لمحيط الكعبة، يبدو أن المملكة تركت مكة ومحيط الكعبة للاستثمارات العقارية، فاهتمت ببناء ناطحات السحاب والفنادق الضخمة الفخمة حولها حتى غطى مشهدها على قدسية المكان وروحانيته، وأذهبت هذه الاستثمارات اهتمام المملكة إلى أمورٍ دنيوية لا علاقة لها بالأمور الدينية ورعاية مصالح المسلمين الذين يحجون سنوياً طلباً للمغفرة والهداية.
ورغم أن حادث الرافعة يبدو أمراً قدرياً مربوطاً بالانقلابات الجوية، فالسؤال الملح هو: ألا يوجد لدى المملكة جهازاً خاصاً بالتنبؤ بحالة الطقس؟ وما السبب في ترك مثل تلك الرافعة داخل الحرم مع بدء توافد الحجيج لأداء شعيرة الحج؟ ثم الحريق الذي نشب في إحدى فنادق مكة وينزل به الحجاج وأودى بحياة سبعة منهم، وأخيراً هذا الحادث الذي عصف بآخر ما تبقى من أمل في أن ينتهي الحج هذا العام على خير.
نعم لقى هؤلاء الحجاج ربهم في أطهر أرض، فطوبى لهم ملاقاة الله وهم منكفئون على قراءة مصحف أو ساجدون في صلاة، ولكن لا يمكن أن نُوقف الأمر عند هذه الحدود، وعلينا أن نتساءل وبقوة إن كانت المملكة مازالت جديرة بتولى أمور الكعبة التي هي في الأساس ملك لكل المسلمين في كل بقاع الأرض، وحق لهم كي يزوروها ويحجوا إليها بعيداً عن كل تعقيدات الحج المادية الباهظة والتي بإمكانها أن تقضي على أمل مقابلة الكعبة لصفحة وجوهنا.
إن الحادث المرير الذي أودى بحياة أكثر من سبعمائة حاج وهم يؤدون شعيرة رمي الجمرات، لا يجب  أن يمر بسهولة، فتلك الأرواح التي ذهبت لأن القائمين على تنظيم الحج لم يعدودوا قادرين على القيام بواجبهم، لا يمكننا اعتبارهم شهداء في سبيل الله وكفى، وإنما يجب فتح تحقيق جاد في هذا الأمر وإعلان قرارات ونتائج تحسم احتمالية حدوثها مرة أخرى، وإلا فإن الحوادث المفجعة ستتكرر في بيت الله الحرام، الذي لا يُقتل فيه طير فما بالكم بأرواح البشر.


الاثنين، 31 أغسطس 2015

الطائفية وصلت إلى القمامة في لبنان

تعاني لبنان من فراغ سياسي كبير منذ سنوات، فهي تعيش دون رئيساً للجمهورية وغير معروف متى سيتم عقد انتخابات لاختيار واحد يعتلي سدة الحكم هناك، كما أن مجلس نوابها مد لنفسه منذ 2009 ومؤخراً أعلن أنه لن تُقام انتخابات برلمانية قبل عام 2017، بسبب عدم استقرار البلاد.
كل ما سبق لم يُحرك الشعب اللبناني ويجعله يخرج إلى الساحات مطالباً بهيكل حكومي ورئاسي وبرلماني حقيقي، لكن أزمة النفايات المتراكمة في الشوارع منذ شهور بعد إغلاق "مطمر النفايات الرئيسي" بالبلد واستبداله باثنين احتياطين لم يعملا بكفاءة الأول، جعل اللبنانيون يحتجون.
بدأ الأمر بدعوة للتظاهر عبر مواقع التواصل الاجتماعي (تويتر وفيسبوك) من خلال هاشتاج #طلعت_ريحتكم في ميدان النجمة ببيروت، لكن قوات الأمن كانت أسرع من المتظاهرين وأغلقت الميدان، فتحرك المتظاهرون نحو ساحتي رياض الصلح والشهداء في بيروت، رافعين لافتات احتجاجية وهاتفين "الشعب يريد إسقاط النظام"، ما استدعى في ذاكرة الشعوب العربية المتابعة للأحداث اللبنانية عبر شاشات التلفزيون، ثورات الربيع العربي، فانقسم الشارع العربي عبر مواقع التواصل الاجتماعي بين رافض لتلك المظاهرات، معتبرين اللبنانيين لم يستفيدوا من تجربة شعوب الربيع العربي المؤسفة، ومتمهمين إياهم بأنهم يضيعون بلادهم التي يجاورها سوريا التي تشرزمت على أيدي الميلشيات المتحاربة والجيش النظامي ومؤخراً تنظيم داعش، وبين مؤيد ومشجع لتلك الاحتجاجات معتبراً إياها قبلة الحياة للثورات العربية التي أُجهضت بفعل فاعل على حد قولهم.
بعيداً عن رأي ناشطي التواصل الاجتماعي، واجه اللبنانيون القنابل المسيلة للدموع وخراطيم المياه والأعيرة النارية التي أطلقتها في وجوههم الشرطة، ما زاد من حنقهم على النظام الحاكم لهم، والذي عجز عن احتواء أزمة قمامة ويقابل المحتجين عليها بالعنف.
على الجانب الآخر، حاولت الحكومة اللبنانية احتواء الأزمة، فقد صرح وزير البيئة محمد المشنوق، والذي يطالبون بعزله، أنه اتفق مع شركات متخصصة لتقوم بمهمة جمع النفايات خلال 15 يوماً، لكن اللبنانيين بعد مرور الأسبوعين، لم يلاحظوا أي تطور يُذكر في ملف القمامة العظيم، فخرجوا يتهمون الحكومة بأن موضوع الشركات المتخصصة تأجل لأنهم كالعادة سيحولونه إلى محاصصة طائفية، لا تحل المشكلة وإنما تنهب أموال الشعب أكثر مما هي منهوبة، باسم التوزيع العادل بين الطوائف.
أما وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق الذي كان خارج البلاد أثناء احتداد الأزمة، فقد صرح أيضاً عبر القنوات التلفزيونية بأنه يرفض استخدام العنف مع المتظاهرين وأنه أصدر أوامر بعد إطلاق النار على المواطنين.
ومن خلال اسم عائلتي وزير الداخلية والبيئة " المشنوق" فيبدو أنهم من عائلة وطائفة واحدة، ما يجعل اتهامات اللبنانيين لحكومتهم، بمراعاة المحاصصة الطائفية في نهب أموال الشعب، تحت دعوى إنهاء أزمة القمامة وارداً جداً.
هاشتاج #طلعت_ريحتكم تحول إلى ثاني أعلى تريند عالمي على موقع تويتر، حيث استمر لأسابيع معتلياً قمة التريندات، ولوحظ من خلاله أن أزمة اللبنانيين ليست فقط مع القمامة ولكن مع رؤوس دولتهم الذين مازالوا ينقسمون طائفياً ويتنازعون مناصب البلد بالتقسيم الطائفي، بعيداً عن قُدرة الأشخاص التي تحكم البلاد على الحكم بما لديها من مؤهلات، فظهرت تعليقات مثل: " أغرقتم البلد بالدماء بسبب طائفيتكم والآن تريدون إغراقها بالطائفية"، و " أزمتنا لم تعد قاصرة على القمامة ولكن على الفساد الذي يحكم البلد باسم المحاصصة الطائفية".
التخبط الذي أصاب الحكومة اللبنانية في احتواء أزمة القمامة التي يعاني منها اللبنانيون منذ بداية شهور الصيف، ما جعل رائحة العفن تعم المدينة، فتح الباب للشعب لكي يفرد لحكومته وبرلمانه آلاف الصفحات للمحاسبة، وارتفع سقف المطالب من مجرد عزل وزير البيئة إلى: " إسقاط الحكومة، انتخابات نيابية فورية،محاسبة رجال الشرطة الذين اعتدوا على المواطنين". كما علت الأصوات التي تطالب الشعب كله كي يخرج في الساحات ليسقط النظام الحاكم ومحاسبة الفاسدين.
تثور تخوفات الآن، من اندساس بعض المتطرفين دينياً، خاصة أصحاب الفكر التكفيري والجهادي لكي يحول دفة التظاهرات إلى معارك إرهابية، خاصة وأن تنظيم الدولة "داعش" يربض على الحدود قريباً وينتظر أي فرصة للانقضاض وتوسيع رقعة سيطرته في الشام، ولذلك فهناك دعوات بنزول الجيش اللبناني لاحتواء الأزمة وتطويقها ومواجهة أي تطرف أو مبالغة تصدر من بين صفوف المتظاهرين، كما علت أصوات عاقلة كثيرة من اللبنانيين، تحذر المتظاهرين من الانصات إلى أي دعوات دينية سياسية، وكذلك طائفية.

مازال الأمر محتدما في لبنان حتى الآن، ومازالت الحكومة هناك تحاول احتواء الأزمة التي تسببت هي أساساً في اشتعالها واتساع رقعتها، ليبقى السؤال المخيف معلقاً في الفراغ: هل تسقط لبنان كما سقطت سوريا والعراق واليمن وليبيا في حجر المتطرفين المسلحين، أم تنجح فيما لم تنجح فيه شعوب الثورات أو ما عُرفت اصطلاحاً بشعوب الربيع العربي. 

الثلاثاء، 31 مارس 2015

كتاب الأمان ... رواية تضع حقيقتنا خلف خط الهامش

هل عرفتم للأمان كتاباً؟ ... ربما السؤال الأقرب إلى الواقع هو: هل تعرفون الأمان أو خبرتموه؟...لا أدري إن كان ياسر عبد الحافظ قد وعى أو هدف إلى طرح سؤال فلسفي عميق حول علاقة الإنسان بالأمان.. حول إدراكه له.. وحول الصراع الأزلي بين كافة الشخوص الحياتية وبعضها وهي تلقي بمسئولية أمانها على أكتاف آخرين، فينقسم المجتمع إلى فئة مُؤَمَنة وفئة تعكف على تأمين الأولى، فإن تقاعست الفئة الثانية، تم لومها أو تجريمها وربما نفيها من الحياة المؤنسنة، أو ذات الإطار المعروف بمواصفات الإنسانية.
بين شبرا ومصر الجديدة تحدث وقائع "كتاب الأمان"، لكنك عزيزي القارئ؛ عليك أن تنسى ما على سطح الحياة في هاتين البقعتين الشهيرتين داخل حدود العاصمة القاهرة. فمع شخوص الكتاب وملابسات حياتهم، ستتعرف ربما على ما وراء الستر المنسدلة علينا جميعاً في تلك الحياة التي نعيشها، وستبدأ في رؤية واقع مغاير لنفوس قد تشبه نفوسنا الصامتة عن حقيقتها في أغلب الأوقات.
يمارس ياسر عبد الحافظ في كتاب الأمان، هوايته الشهيرة، ألا وهي مراقبة العالم في صمت وربما إيحاء لمن حوله، أنه لا يسمع ولا يرى وبالمرة لا يتكلم، لكن وراء ذلك الصمت، عينان خبيثتان جداً، تلتقط خيوطاً رفيعة تسري داخلنا، ربما تمثل أحلاماً أو رغبات في الحياة، لكن الواقع دائماً ما يملي شروطه فيحجبنا إلى الوراء، خلف خطوط الحياة الحقيقية.
ويفضح ياسر نفسه ربما في صفحة 51 عندما يتحدث عن خالد مأمون وهو يصف أستاذه عبقري الشطرنج وعمدة مقهى المجانين أو العباقرة، المقهى المحرم على العاديين من البشر، فيقول:
أنا والأستاذ فخري وجهان لعملة واحدة، أب وابنه، هكذا تقول بقية المجموعة مازحة. شبه مصدره الطباع، تحديداً... السلوك الصارم الذي يسعى إلى هجران العالم، فردان من سلالة مندثرة لا يهمها ما يحدث حولها، تراقب ولا تتورط.
ويكمل في صفحة 52 قائلاً:
المشاهد ثابتة، لا نولي العالم إلا نظرات خاطفة. يمنع الزجاج معظم الصوت فيصلنا ما يحدث مصفى من ابتذاله، لو أدركت الناس كم تكون جميلة عندما تصمت لتخلصت في طقس جماعي من ذلك العضو الزائد.
بين مصطفى إسماعيل وخالد مأمون ونبيل العدل، تجري أحداث الكتاب. لكن من يتخيل أنهم الأبطال الذين تتمركز حولهم تفاصيل الأمان، فهو مخطئ، فكل شخصية أتى على ذكرها الكاتب وشملها ولو ببضع أسطر، كانت موجودة لتعلن عن رؤيتها الخاصة للأمان، ومحاولتها المستميتة من أجل تحقيقه. فإن كان الأستاذ الجامعي مصطفى إسماعيل  - الذي قرر أن يكسر حجب الواقع ويسحب خيط حياته الأصيل ويخرج إلى أمام خطوط الحياة، ولو من باب العيش بوجهين، وجه يعطيه للعامة ووجه حقيقي يمثله بالفعل – إن كان هو صاحب كتاب الأمان الأصلي كما أشار عبد الحافظ، في روايته، حيث استخدم مقولات لمصطفى إسماعيل ليستهل بها كل فصل من فصول الرواية، يلخص من خلالها حكمة الرجل في شرح الأمان بالنسبة إلى اللص المحترف والمغاير لما هو سائد من لصوص للمنازل، فهو لا يسرق بغرض الحصول على المال، ولا كما ادعى كثيرون، بأنه روبين هود العصر الذي يسرق من الأغنياء من أجل أن يعطي الفقراء. هو لا هذا ولا ذاك، وإنما هو يسرق لمتعته الشخصية فقط ولكي يثبت وجهة نظر في الحياة أمام نفسه وأمام من سرقه.....يسرق ليستمتع ويكسر روتين الواقع الذي يملي علينا كل شئ لا نرغب فيه، بينما ما نرغبه فعلاً ممنوع بقوى عديدة تقبع داخل أُطر غالباً لم نشارك في وضعها، لكننا ننحشر داخلها وفقاً لنظرية الدومينو.
( من قال إنه لابد من وجود قوانين لنلتزم بأن يكون لنا مبادئ )
هذه هي الجملة الافتتاحية في الطبعة الأولى مما عُرف بأنه كتاب الأمان الخاص بشخصية خالد مأمون، والذي اعتبرها صياغة مختصرة لأفكار مصطفى إسماعيل الدكتور الجامعي وأشهر لص في التسعينات. وفي نفس الفصل رقم 18 يؤكد خالد على فكرة الرواية كلها بهذه الجملة ( من المسؤول عن اختيار نمط حياتنا بهذه الدقة؟).
وكيل النيابة نبيل العدل بشكل آخر يبحث عن كتاب أمانه، ويجده في وهم مدينته الفاضلة التي حددها بحدود مصر الجديدة، التي فصلها عن عالم القاهرة الآخر من أحياء فقيرة أو غنية، فهو يرى أن العالم الأفضل يقبع داخل مصر الجديدة وناسها المنزهين عن باقي البشر الآخرين، كما أنه يغلق باب نفسه على أسطورة قصر البارون وأميرته المسحورة التي تسكن روحها داخله، وتحافظ عليه وتحميه من باقي الغوغاء، وهو الذي اضطر أن يعيش أيضاً بوجهين، وجه للواقع الحياتي المفروض عليه من قبل أهله وزوجته وعمله، ووجهه الآخر المسحور بالجنيات.
أماحسناء، ابنة الدكتور اللص، فهي أيضاً تبحث عن كتاب أمانها بين دفات كتب أبيها وهوامشه المدونة على الصفحات، والتي تعكف بهندسة عجيبة على قصها من الكتب، لتلقي بها جميهاً إلى الشارع فيما عدا الأغلفة، في محاولة لفهم نفسها ولتحديد مربع أمانها الخاص، بعيداً عن أب خدعها وهجرها وأم ماتت تلهث وراء كرامة غير مفهومة، وإخلاص لمنظومة فرضها عليها المجتمع ولم تغنم منها شيئا.
كذلك في العلاقة المربعة التي تجمع خالد وحبيبته هدى بصديقه لطفي وحبيبته منال. هي نفسها اللعبة – التأرجح بين ما نحن عليه وما نفعله لننحشر داخل الإطار المُعترف به – وبين هذا وذاك يلعب كل واحد منهم لعبة أمانه الخاصة أو يحاول أن يسطر كتاب أمانه.
شخصيات أخرى مرت سريعاً في الرواية مثل أشرف السويفي و تاليا فتاة المقهى وسوسن التي تجد أمانها في الماضي وتحاول أن تؤكد على استمراره بحياة سرية ..... كلهم يحاولون البحث عن مربع آمن يسكنون إليه في رحلة تمزقهم بين ما هو مفروض وما هم عليه.
خمس سنوات يمضيهاخالد مأمون في مهنة فاز بها من خلال مسابقة اشترك بها عابثاً فتحولت إلى وظيفة لم يستطع أن يُعرفها باسم، فهذا مهندس وهذا طبيب وهذا وكيل نيابة، أما هو فماذا؟ يجلس ليكتب ما يحدث أثناء تحقيق نبيل العدل مع المجرمين بحيادية تامة مفترضة، وفي قضية مصطفى رفض أن يتورط، وحتى عند إغلاق القضية وتسريح الدكتور اللص دون شيء عليه، رفض التورط وترك المهنة التي لم يستطع تحديدهاحتى لنفسه. لكن هوسه بكتاب الأمان لم يجعله يستطيع العودة إلى ما كان عليه. حتى كتاب أمانه الخاص يتحكم فيه الناشر أنور الورقي، الذي يحذف ما يريد أو يستهل الكتاب بمقدمة أخلاقية تليق بحياة مزيفة.
بين حكايات المجرمين المُحقق معهم وحكايات الحياة خارج سراي النيابة المملة، يندم خالد على تركه عمله الذي بدون اسم، لكنه لا يعرف طريقاً للعودة، خاصة وأنه أدرك تماماً أن كتاب أمان مصطفى إسماعيل لا علاقة له بالواقع، وهو مجرد كلام خيالي من الصعب الاستفادة به.
ويصل هنا يسار عبد الحافظ ربما إلى مبتغاه من كتاب أمانه، أن لا أمان في حياة لا نعيشها بأنفسنا الحقيقية.

المقال منشور في مجلة الثقافة الجديدة عدد فبراير 2015 




عبد الحافظ ربما إلى مبتغاه من كتاب أمانه، أن لا أمان في حياة لا نعيشها بأنفسنا الحقيقية.


الخميس، 1 يناير 2015

"سيلفي" .... أنظر نحوي ...أنا هنا ...أنا موجودة


عندما أتاح لنا موقع الفيس بوك الشهير، أن نتواصل مع أصدقائنا القدامى، ونستعيد معهم ذكريات مضت، بدأ كل واحد منا يبحث في أدراجه وصناديقه القديمة عن صور جمعتنا بهؤلاء الأصدقاء يوماً. عن نفسي، ونظراً لهوسي الخاص بالتصوير منذ لقائي الأول بالكاميرا الكوداك الإيكتراليت 400 والتي كانت تتعامل مع الأفلام ذات البكرتين (24 صورة)، بعدما أهداها لي ولأختي خالي المهاجر إلى أستراليا، وكنت حينها في الثامنة من عمري تقريباً، حيث لم تهتم أختي بالتصوير مثلما وقعت أنا في أسره، وأصبح من أهدافي الدائمة، ادخار النقود لشراء فيلم ومن ثم ادخار نقود لتحميض الفيلم وطباعة الصور. كنا نتعامل مع اللقطة الواحدة بحرص شديد، حيث أن إهدار صورة معناه إهدار نقود تساوي صبراً طويلاً، أفنيه في ادخار القرش من أجل الحصول على فيلم وبالتالي ممارسة ولعي الخاص.
كان للقطة الواحدة معنى كبير، ومع ذلك، ونظراً لأن جيلي عاش حقبتين تكنولوجيتين غير متشابهتين بالمرة وفي زمن قصير جداً، فلقد نسيت تماماً قصة الصورة التي تساوي دماً ودموعاً وابتسامات، مع سيطرة الكاميرات الديجيتال على حياتي بالكامل، فعشقي للتصوير جعلني أحرص دائماً على تحديث كاميراتي ولا أرضى إلا بالحصول على الأفضل، وبالتالي فأنا بالفعل أتعامل مع الكاميرات الديجتال منذ ما يزيد عن العشرة سنوات الآن، ونسيت تماماً فكرة الصورة العزيزة، فمع الديجتال يمكنني التقاط ألف صورة لنفس المنظر ومن ثم اختيار أفضلهم فيما بعد.
نعود للفيس بوك، والذي أصابني بالصدمة عندما فتحت صناديقي لأخرج منها الصور القديمة من أجل مشاركتها مع أصدقائي، حيث اكتشفت أن كل عام من عمري كنت أستهلك خلاله على أقصى تقدير ثلاثة أفلام، وبالتالي فإن عدد الصور التي استهلكها جيلي في ذكريات طفولته ومراهقته وأوائل عشريناته، كانت بالفعل قليلة، حتى وإن كان مهووس تصوير مثلي.
هل ما سبق، هو نوستالجيا أو حنين للماضي؟ ربما.. ولكني أعتبره مدخلاً للصورة "السيلفي"، وهي الهوس الجديد الذي بزغ نجمه مع التطور الأخير لكاميرات أجهزة الهواتف الذكية، حيث أصبح من السهل أن يصور الإنسان نفسه. في الماضي القريب، كان التصوير في كل صوره، يحتاج على الأقل لفردين، أي أن التصوير كان يتطلب علاقة بين اثنين من البشر. لكن بعد السيلفي أصبح التصوير لا يتطلب سوى فرداً واحداً وهاتفاً ذكياً... أي علاقة بين إنسان وشئ.
في بداية التسعينات، ومع تسارع  وتيرة  الاختراعات التكنولوجية، كتب كثيرون عن (تشييئ الإنسان) متنبئين بأن المُضي قدماً في تطور اختراعات مثل الموبايل والكمبيوتر ببرامجه المختلفة، سيحول الانسان تدريجياً إلى شيئ بعدما يفقد علاقته بالانسان المماثل له، وتتلخص علاقات حياته في الأشياء من حوله، لينعزل وتتعمق أحاسيسه الفردية، فيشعر بعدم احتياجه للآخرين، وتكون سعادته الحقيقية مع أشيائه.
أعتقد تماماً أننا وصلنا إلى هذه المرحلة، فحتى عندما يجتمع الأصدقاء في مقهى، فهم يتحلقون جميعاً حول طاولة واحدة، بينما ينفرد كل واحد فيهم مع جهازه سواء كان هاتف ذكي أو لاب توب أو تابليت، فلقد أصبح تعليق أو إعجاب أحدهم بصورة أو عبارة وضعها على حسابه الخاص بفيس بوك، أهم من حوار يتبادله في الواقع مع صديق يجاوره، ولقد شاهدنا هذا النموذج من الأشخاص، في أحداث الثورة وما تلاها من أحداث، فبينما كان كثيرون داخل المظاهرات والاحتجاجات والاشتباكات والاعتصامات بالفعل، كان هناك آخرون يكتفون بالتصوير من بعيد ومن ثم رفع الصور على فيس بوك أو ارسال تغريدات على تويتر تصف الأكشن الدائر على الأرض، بينما اكتفى بعض آخر بإعادة التغريدات أو مشاركة "البوست".

"السيلفي"، كان خطوة هامة  للمنظومة الفردانية أو التشييئية التي نسير نحوها بسرعة منذ اختراع الويندوز والموبايل، فهي في الأساس تعبير واضح عن الاحساس بالوحدة، فعندما يطالعك في الصباح وجه أحدهم وقد صور نفسه وهو يتناول إفطاره أو يحتسي قهوته ويكتب أسفل الصورة ( صباح الخير ...اتفضلوا معايا ...فطار ملوكي)، أو تصور نفسها وهي بكامل أناقتها على باب بيتها وهي تقول ( أنا في طريقي للعمل) أو يصور نفسه في فراش المرض ويكتب ( أنا مريض) ..... فكل هذا، ما هو إلا تعبيراً صارخاً عن الاحساس بالوحدة الذي تعمق في الإنسان المعاصر، والذي وجد في الصورة السيلفي ومن ثم رفعها على الفيس بوك، مخرجاً من آلام الوحدة التي لا يعيها وإنما هي كامنة في عقله الباطن، فالصورة السيلفي ما هي إلا صرخة ناعمة للإنسان المعاصر تقول بوضوح: ( أنا هنا ...أنا موجود ....أرجوك انظر نحوي) ..... فهل سنعي أزمتنا ونقاومها؟ أم سنستمر ماضين في طريقنا نحو تأصيل الفردانية والتشيؤ، ليصبح صفة طبيعية للانسان الحديث، وتصبح الصورة الجماعية تاريخ ومن آثار الماضي؟ 

المقال منشور في جريدة القاهرة بتاريخ 23 ديسمبر 2014

الخميس، 30 أكتوبر 2014

وي هيوي ...المتمردة الصينية التي عجنت الشرق بالغرب





تبلغ الكاتبة الصينية وي هيوي من العمر 40 عاماً الآن، لكنها بدأت مشوارها في إحداث الفوضى في الحياة الأدبية الصينية منذ كان عمرها 25 عاماً. ولا يمكن أن أكون مبالغة، عندما أقول انها أخرجت الأدب الصيني من التحفظ الشديد والالتزام بالحدود، سواء كانت حدود المكان أو حدود الأفكار الشرقية التقليدية الصينية، إلى حدود العالم كله ...ربما كونها متأثرة بشكل كبير بالحضارة الغربية، وهو ما اتخذ ذريعة ضدها لتشويه صورتها ورميها بكثير من التهم مثل: " المنحلة، المنبوذة، عبدة الثقافة الأجنبية". وذلك في الدوائر الإعلامية والثقافية الصينية.
لم يكن موقف الإعلام الصيني معادياً منذ بداية وي هيوي الأدبية، بل رفع من شأنها في أول مشوارها ونصبها نجمة صاعدة بين أبناء جيلها من أول تجربتين قصصيتين لها، لكن الأمر انقلب إلى النقيض تماماً بعد أن صدرت لها رواية " شنغهاي بيبي".
هذه الأديبة الصينية، هي ابنة لضابط حربي، وكانت قد قضت ثلاث أعوام من طفولتها في معبد احتله الجيش وشرد منه رهبانه خلال فوضى الثورة الثقافية في الصين. درست الأدب في جامعة فودان المرموقة في شنغهاي، وهي تقول عن نشأتها: " لقد ترعرت في وسط عائلي محافظ وصارم، وقضيت عامي الأول بالجامعة في تدريبات عسكرية. غن ما حدث لي بعد ذلك، كان رد فعل طبيعي جداً، لقد ثرت وتمردت وتحولت إلى الجموح الشديد، وهذا ما كتبت عنه".
روايتان بنفس النكهة
صدر لوي هيوي مجموعتان قصصيتان قبل أن تُصدر رواية شنغهاي بيبي عام 2000، لتختفي ما يقارب العشرة أعوام، تعود بعدها برواية الزواج من بوذا. كانت شنغهاي بيبي هي الشرارة التي أشعلتها هيوي في الصين، فاشتعلت الأوساط المحافظة حولها، ما جعلها تترك الصين لتسيح في العالم الغربي وخاصة نيويورك.
بالنظر إلى الروايتين، نكتشف أن لهما نفس العالم وربما نفس النكهة في الكتابة،وكأن هيوي تعيد ترتيب أوراقها في " الزواج من بوذا" بعدما كانت مبعثرة في " شنغهاي بيبي"، ففي الرواية الثانية تبد الاتبة أكثر حرفية في الكتابة وإن كانت قد استخدمت نفس التكنيك، حيث تقسيم الرواية إلى عدد كبير من الفصول القصيرة، كل فصل يحمل عنواناً مميزا يكشف المحور الذي ستدور حوله الأحداث. كما تبدأ كل فصل بمقولة لأحد الشعراء او الكُتاب مثل؛ طاغور، جوني ميتشل، جيم شتاينمان، إريكا بونج، فيرجينيا وولف، نيتشه، ميلان كونديرا، فان موريسون، توري آموس، جيمس جويس، بوكو أونو، هيلاري كلينتون، توم جونز، حتى انها استعانت بأقوال لمصممة الأزياء الأكثر شهرة كوكو شانيل وفرقة البيتلز الإنجليزية.
وكما ذكرت سابقاً فهي أكثر نضجا من حيث الحبكة الدرامية وتصاعدها في " الزواج من بوذا"، بل إن الشخصيات أكثر وضوحاً لترسم التفاصيل والأبعاد الخاصة بكل شخصية بأسلوب أكثر تشويقاً، فتعطي للقارئ فرصة بناء علاقة أكثر قوة وتفاعلاً اعمق مع الشخوص، مقارنة بما كانت عليه في " شنغهاي بيبي".
لكن الكاتبة تبدو مفلسة بشكل أو بآخر من حيث تنوع الشخوص، حيث أنها تكاد تكرر شخصيات روايتها الولى في الثانية وإن اختلفت الأسماء، وهذا لا يحدث على مستوى الشخصيات الرئيسية فقط، بل الفرعية أيضاص. فكما تم بناء شنغهاي بيبي على ثلاث شخصيات رئيسية هي: كوكو الكاتبة الصينية وتيان تيان حبيبها الصيني ثم مارك الألماني الذي تغوص معه في تجربة جنسية عاصفة، فإنها في الزواج من بوذا، تقدم نفس التقسيمة تقريباً، حيث الفتاة الصينية التي تمارس الكتابة أيضاص " زي هوي"، وموجو حبيبها الياباني ونك الأمريكي. أما الشخصيات الفرعية فتكر بعضها بنفس الاسم، مثل زوشا قريبة البطلة الثرية في شنغهاي بيبي، لكنها تستبدل مادونا القوادة بإكسير في الزواج من بوذا والتي تأتي في صورة امرأة متحولة جنسياً حيث كانت ذكراص في الأصل.


الوصول إلى العالمية مع سبق الإصرار
لا يمكن اعتبار وي هيوي كاتبة مجددة في الصين من زاوية التكنيك أو التشكيل اللغوي، فهي لم تقدم تجريباً روائياً أو قصصياً، وربما يكون ذلك سبباً في وصولها ببساطة إلى القاعدة العريضة من القراء، لكننا في النهاية لا يمكننا انكار أسلوبها الرشيق وغموضها الأنثوي الذي يعرف طريقه إلى القلب ببراعة. كما أنها استطاعت أن تعبر عن كثير من الهواجس الكامنة داخل المرأة الشرقية، وذلك النزاع التقليدي الذي لم يُحسم بعد، بين العادات والتقاليد والأخلاق الراسخة التي ترسم صوراً نمطية للذكورة والأنوثة، ترفض المجتمعات الشرقية بعنف الخروج عن أطرها الثابتة، وبين أسلوب الحياة العالمي الجديد بأفكاره الأكثر تحرراً، والمحررة أيضاً لكل من الذكر والأنثى من أدوارهما المؤطرة والمكبلة عبر التاريخ.
استطاعت وي هيوي من خلال شنغهاي بيبي ثم الزواج من بوذا، أن تناقش فكرة الروح والجسد بأسلوب جديد، وطرحت السؤال العميق الذي مازلنا نجادل حتى اليوم في إجابته: هل الروح هي الأبقى والأهم والأكثر إقناعاً وسمواص وارتقاء، أم الجسد هو الأفضل في القدرة على التعبير والتفاعل مع الكون والعوالم المختلفة من حولنا، والأداة الحقيقية للتجريب، ما يصل بنا إلى معرفة حقيقية بنفوسنا ومن ثم أرواحنا؟
ربما كان تأثر وي حيوي بالثقافة الغربية، سبباً في طرحها السؤال من وجهة نظر أنثوية خالصة، حيث كان الحب والجنس هما طرفاص المعادلة، فجاء الحبيب الصيني تيان تيان مجسداً للحب بينما يعجز عن إرضاء كوكو جنسياً بعضوه الذكري العنين في شنغهاي بيبي، يقابله موجو الياباني الذي يُغرق في التصوف البوذي، ما يجعله يقنن الجنس الذي يمارسه فلا يقذف أثناء العملية الجنسية بطريقة تعلمها من الرهبان البوذيين ليقتل شهوته في الزواج من بوذا.
على الجانب الآخر ياتي مارك ونيك الغربيين في الروايتين ليجسدا الشهوة الجنسية المحمومة الخالصة، لتقع البطلة سواء كانت كوكو أو زي هوي فريسة للصراع بين الارتباط الروحي الذي تحتاج إليه وبين الارتباط الجنسي الذي تشعر معه بالتحقق والقوة.
في شنغهاي بيبي، تقتل الكاتبة البطل الصيني العنين، وربما كان ذلك سببا في انقلاب الإعلام الصيني ضدها، حيث اختارت الحياة للغربي مارك وإن كان قد غادر عائداً إلى بلاده بعد أن احدث فوضى في حياة كوكو، لكنها في الرواية الثانية "الزواج من بوذا" تختار نهاية مراوغة وتدعو إلى التساؤل وربما العديد من التفسيرات المتباينة، حيث أن البطلة تعود إلى شنغهاي بعد رحلتها الطويلة في أوروبا وأمريكا، وهي تحمل في رحمها بذرة لطفل لا تعرف من هو والده؟، حيث أنها مارست الجنس مع كل من موجو الياباني الذي يقرر أن يقذف في جوفها للمرة الأولى والأخيرة في مضاجعة الوداع، بينما يفعل نيك الأمريكي نفس الشئ معها، وذلك في نفس الأسبوع، لتقرر البطلة في النهاية أن تترك كل شئ وتتزوج من بوذا، وكانها تقرر اختيار حياة الحكمة والتأمل بعد ان أمضت سنيناص من الارتحال الطويل في محاولة للبحث عن ذاتها، لكنها تقرر ذلك وهي تحمل في رحمها مزيجا بين حضارتين، ترجو ربما أن تخرج منهما نمطاً حياتياً أكثر كمالااً وغرضاءً للروح البشرية.
نُشر المقال في جريدة القاهرة بتاريخ 28 أكتوبر 2014


المرأة والبرلمان ... حكاية قديمة تتناقلها الأجيال


ربما كان عنوان المقال تقليديا، وتم استخدامه آلاف المرات من قبل. ولا أخيفكم سرا انني عندما كتبته، كانت المفردة الأقرب لنفسي هي المرأة والساطور وفقاً للفيلم الشهير، فعلاقة المرأة بالبرلمان تحتاج بالفعل إلى ساطور مُشهر في وجه معوقات كثيرة، تنفجر من منابع عدة، لا يمكن حصرها بأرقام ولا جهات سياسية أو شعبية محددة. للأسف الشديد تعددت الأسباب والموت واحد.
هل أنا متفائلة بالمبادرات الكثيرة التي يتم الإعلان عنها من قبل المجلس القومي للمرأة والجمعيات والاتحادات النسائية المتعددة، مثل مبادرة " مائة امرأة في البرلمان" وما إلى ذلك من مسميات؟ ..لا يمكنني في الحقيقة رفضها، فهي أفضل من لا شئ على الإطلاق، وإن كانت مازالت تلك المبادرات تعاني من التقوقع داخل الدوائر المغلقة وربما المخملية الرسمية، من باب سد الذرائع، ودائما تنتهي إلى لا شئ، أو إلى نتائج أضعف من الضعيفة، لأنها ببساطة منفصلة عن الواقع الحقيقي للشارع المصري. وأحب هنا أن أضع مليون خط تحت جملة " الشارع المصري"، فالشارع المصري يا سادة يا كرام يتوزع على 27 محافظة مصرية، تنقسم بالتالي إلى ما لا يحصى ولا يعد من مراكز وقرى. هل تفاجأتم أن مصر ليست القاهرة الكبرى فقط؟
مازلنا حتى الآن ومع الإحصاءات الرسمية الكثيرة والمعلنة من الجهاز المركزي للتعبئة العامة والاحصاء والمركز القومي للمرأة، لا نعلم التعداد السكاني الدقيق للنساء بكافة شرائحهن العمرية وانتماءاتهن الطبقية، وكذلك نسبة العاملات منهن في القطاع العام والقطاع الخاص، ونسبة المعيلات ونسبة الباحثات عن عمل، هذا غير نسبة الأمية وخريجات الجامعة والحاصلات على شهادات تعليم متوسط ....إلخ، ما يساعد على تقسيم المرأة إلى فئات وبالتالي تحديد أسلوب التوجه إلى كل فئة بالخطاب الذي يليق بها، وبمستوى احتيجاتها، وتقديم المعونة المناسبة لها او الاستعانة بها كقيادة نسائية في مكانها.
أعلم تماماً أن الجمعيات النسائية تقوم بجهد مشكور في هذا الإطار، ولكن للأسف لا يمكنني التعامل مع مجهوداتهم، سوى على أنها مجهودات فردية بحتة تشبه من " يفحت في البحر"، لأن هذه الجهود تحتاج إلى تنظيم ومتابعة من الدولة نفسها، فببساطة المنظمة الوحيدة المنتشرة في كل بقعة من بقاع مصر هي مؤسسات الدولة، وهي الوحيدة التي تمتلك القدرة على الحركة في أي مكان دون محاذير او تشكيك في النوايا أو اتهام بالعمالة للخارج المتآمر. إذاً هذا واجب على أجهزة الدولة أن تقوم به ومن ثم توزعه على الجمعيات والاتحادات النسائية كي تتحرك من خلاله بشكل أكثر تنظيماً، وبالتالي يمكننا حينها أن نشهد نتيجة ملموسة وإيجابية على طريق تطوير وضع المرأة السياسي في مصر.
المشاكل التي يتم طرحها دائما كمعوقات لدخول المرأة البرلمان، غالبا ما تكون سطحية، فبين عدم اقتناع رجل الشارع العادي بالمرأة كنائبة برلمانية، وتخلي المرأة عن المرأة في الانتخابات، وضعف وفقر الإمكانيات المادية، تدور أحاديثنا الصحفية والإعلامية، حتى أننا أصبحنا نلوك كل هذه الأسباب دون تفكير، لكن الحقيقة وكما بينت في الأعلى، اننا بالفعل نحتاج إلى خارطة طريق واضحة نتحرك على أساسها لتفعيل الدور السياسي النسائي سواء في البرلمان أو في الحياة السياسية بشكل عام.
هناك نساء مدعومات من جهات سيادية عليا، وهناك نساء يمتلكن موارد مادية ضخمة، ورجل الشارع على الأغلب يبحث عن مصلحته ولن يرفضها إذا ما تحققت له عن طريق امرأة، وامرأة الشارع مثل رجلها تماماً لا يعنيها سوى مصلحتها فقط لا غير، وهنا نجد أنفسنا أمام واقع لا مفر منه، ألا وهو: سيكون هناك عدد معقول للنائبات بالبرلمان القادم ولكن للأسف لن يكن سوى مثل تلك الوردة التي وضعها السلفيون على قوائمهم في برلمان الإخوان السابق..... مجرد وردة في عروة جاكتة النظام الديموقراطي.


نُشر المقال في البوابة نيوز في 24 أكتوبر 2014

http://www.albawabhnews.com/860801