الثلاثاء، 15 مارس 2011

دورة 2010 مسمار أخير في نعش "البوكر العربية"

كان حفل توزيع جوائز البوكر للرواية العربية 2010، بمثابة تصريح علني بأن الجائزة بعد دخولها غرفة الإنعاش العام الماضي، شارفت على لفظ أنفاسها الأخيرة " ويا تلحقوها يا ما تلحقوهاش". بالطبع هذا لا يعني أنني أقر بأن الأعمال الفائزة في أي من العامين لا تستحق الجائزة، فلقد استمتعت بشدة برواية " ترمي بشرر" للعبقري السعودي عبده خال، ولم أقرأ حتى الآن روايتي " القوس والفراشة" للمغربي محمد الأشعري، و "طوق الحمام" للسعودية رجاء العالم، لكن دعونا نسبح قليلاً في عالم البوكر منذ بدأ وحتى الآن.
دائماً ما تثبت لي الحياة أن ما يولد عملاقاً يموت قزماً، وها هي البوكر تتقزم عاماً بعد عام، رغم أنها ولدت عملاقة تصحبها ضجة غير مسبوقة في عالم الأدب العربي، حتى أنني لأجزم بأنها ساهمت بشكل كبير في نهضة الرواية العربية وعودة القارئ العربي إلى أحضانها بعد طول خصام، لكن هل كعادتنا كعرب " تبوظ طبخاتنا عشان ناقصة شوية ملح"؟ في العام الأول فازت مي منسى كامرأة وحيدة في القائمة القصيرة برواية أبلغ وصف لها أنها كانت بلا ملامح في حين تم رفض روايات لكاتبات عربيات مرموقات مثل هدى بركات مثلا، فكان التساؤل هو، هل يعمدون إلى تنحية الروايات المتميزة للنساء من أجل إفساح الطريق لرجل؟ في العام الذي تلاه فازت إنعام كا جاجيه بروايتها اللطيفة " الحفيدة الأمريكية" والتي كانت تتميز بفرادة موضوعها، لكنها في الحقيقة تمتعت بسقطات كبيرة في بنية الكتابة نفسها، وبالطبع كان من الصعب أن تنافس على الجائزة الكبيرة، والتي فاز بها يوسف زيدان برواية عزازيل التي كانت متميزة بالفعل، لكنها لا ترقى إلى عظمة " زمن الخيول البيضاء" لإبراهيم نصر الله، فبزغ السؤال هنا: هل هناك احتكار مصري للجائزة الكبرى " بهاء طاهر ويوسف زيدان في عامين متتالين"، وهل هناك عمد إلى أن تبقى المرأة مجرد تمثيل مشرف للنساء وتكملة لديكور المساواة بين الجنسين في الوطن العربي؟ في العام الثالث انطلقت سلسلة من الفضائح في كل الجرائد العربية قبل حتى الإعلان عن القائمة القصيرة للجائزة، وكان مصدر الشائعة الجرائد اللبنانية، التي تحدثت عن مافيا تديرها جومانا حداد عرابة الجائزة، واتفاقية عقدتها مع علوية صبح الأديبة اللبنانية، كي تفوز بالجائزة عن روايتها " اسمه الغرام"، ثم توالت الفضائح بانسحاب الناقدة المصرية شيرين أبوالنجا من لجنة التحكيم، معلنة أنها لم تطمئن إلى سلامة آليات النقد المتبعة لاختيار الأعمال الفائزة، وذلك قبل إعلان القائمة القصيرة التي اختفت منها رواية صُبح، وحلت محلها رواية المصرية منصورة عز الدين، والتي ظهرت كاسم بديل سريع تم اختياره من أجل سد خانة كوتة المرأة في جائزة البوكر، في الوقت الذي اضطرت فيه اللجنة لإخراج علوية صبح من القائمة بشكل ظهر مريبا للغاية، كأن اللجنة تقول " يا حيطة داريني"، فلقد كانت "اسمه الغرام" رواية متميزة وتستحق بالفعل الصعود للقائمة القصيرة.
أما هذا العام فلقد غابت الجائزة بشكل كبير عن المشهد الإعلامي، وكأن الصحف والإعلام العربي لم يعد يهتم بالجائزة التي نقص رصيدها كثيراً في دورة 2009، ولكني أظن أن طوفان الثورات العربية ساهم بشكل كبير في التغطية على أي حدث آخر على الساحة. لم أتابع كعادتي كل عام الأعمال المرشحة للجائزة، فلقد كنت أقرأ على الأقل خمسة أو ستة من الروايات المرشحة في القائمة الطويلة وقبل إعلان القائمة القصيرة، لكني حرصت على حضور حفل إعلان الفائز بالجائزة، ربما لأنني أحببت أن ألتقي بالأديب الكبير فاضل العزاوي، وأخبره كمراهقة مزمنة أنني أحبه كثيراً، لكنني في الحقيقة كنت قد سجلت تحفظي على اختيار رواية "معذبتي" لبن سالم حميش وزير الثقافة المغربي ضمن القائمة القصيرة، فالرجل وزير ومازال على رأس منصبة، ومهما كانت الرواية عظيمة، فمنصبه سيجرح أمانة الاختيار، لكن الحمد لله كانت اللجنة ذكية واختارت رواية وزير الثقافة المغربي السابق محمد الأشعري " القوس والفراشة" لتفوز مناصفة مع رواية السعودية رجاء العالم "طوق الحمام"! في الحقيقة أنا كدت ألطم خدودي عندما تم إعلان هذه المناصفة العجيبة، ورددت داخلي " يا فرحة ما تمت خدها الغراب وطار"، فعندما تفوز امرأة عربية بالجائزة، يضعون جوارها محرم رجل، وكأن المرأة لا يمكنها أن تهنأ بشيء وحدها في هذا العالم العربي يا ولداه.
أنا لا أفاضل بين روايتي رجاء والأشعري، لأنني في الحقيقة لم أقرأهما بعد لأصدر قراراً خاصاً من قبلي، لكنني أتساءل عن المعايير التي يتم اختيار الروايات الفائزة على أساسها، والتي يجب أن تقل عنها رواية دون الأخرى ولو بمقدار نصف في المائة، إذا ما تصارعت روايتان على القمة. كيف يمكن منح الجائزة مناصفة بين روايتين في ظل معايير محددة؟ أم أن الحقيقة ظهرت وبانت أخيراً، ولا توجد معايير من أساسه، واختيار الروايات يتم على أسس وأهواء شخصية تتغير كل عام بتغير لجنة التحكيم؟. الأمر الآخر الذي لفت انتباهي أيضاً، هو اختيار بروكلين هايتس لميرال الطحاوي ضمن القائمة القصيرة، رغم أنها فازت بجائزة نجيب محفوظ، ومن المعروف أنه من شروط قبول الأعمال الأدبية في أي جائزة، أن لا تكون قد فازت بجائزة من قبل؟
أسجل احترامي لكل الأدباء والأديبات الذين فازوا بالجائزة، لكنني لا أستطيع أن أنافق، فجائزة البوكر العالمية، تشوهت كثيراً عندما تم تعريبها، حيث تطبعت بطبائعنا العربية، من مافيات ولوبيات ثقافية، واختفاء كامل لمعايير وأسس واضحة، وخضوع كامل لأهواء بشر، وكذلك خضوع كامل لمعايير أخلاقية وسياسية تخص أبوظبي راعية الجائزة، فهناك الكثير من الأعمال العظيمة التي تم رفضها، فقط لكونها تسير في مسار سياسي مخالف لتوجهات الإمارات، وأخرى تم استبعادها لأنها تخرج عن منظومة أخلاقيات الإماراتي المتحفظ، فقط " ترمي بشرر" لعبدو خال، غردت خارج السرب، ربما بقصدية توجيه ضربة موجعة للنظام السعودي، وتذكيره بوجود قوة إماراتية تجاوره، بأسلوب ناعم مغلف بالثقافة، لكن يا حرام، رواية خال تم التعتيم عليها تماماً بعد ذلك، حتى أنها ممنوع بيعها داخل الإمارات نفسها، ويبدو أن رجاء العالم بكتابتها النسوية وتأكيدها بمظهرها غير الملتزم بالنقاب المفروض على السعوديات، جاءت كنوع من الترضية للمملكة، لأنها مع رجاء ترسل رسالة إلى العالم، مفادها: أن النساء السعوديات متحررات ومنطلقات ولا ينقصهن شيء، وبالتالي يردون على آلة الإعلام الغربي الضاغطة على المملكة كي يطلقن يد النساء المغلولة داخلها قليلاً.
بقى تساؤل خبيث لا أستطيع منع نفسي من إطلاقه: لماذا أشاد الأديب المصري الكبير جمال الغيطاني بأعمال القائمة القصيرة لعام 2010 وأعلن رضاه عن اختيارات اللجنة هذا العام؟ في حين أنه كان من كبار المهاجمين للجائزة خلال الأعوام الماضية، واشتدت طلقاته النارية العام الماضي بالتحديد، رغم أنه كان من الأولى به أن يجامل منصورة عز الدين، تلميذته التي تعمل تحت رئاسته منذ نعومة أظافرها في أخبار الأدب، حيث كان من المفترض على الأقل أن يصمت مراعاة لتلميذته، حتى لو كانت روايتها رديئة من وجهة نظره؟ سامحوني فأنا فلاحة وأفهم في الأصول .

الأحد، 27 فبراير 2011

شهيدات ثورة يناير وغموض قصة سالي زهران




قبل أن أكتب حرفاً واحداً، دعوني أعترف بأنني امرأة تافهة، تركت كل الموضوعات العالقة، والثورة المضادة، ومشاكل حكومة شفيق، والتعديلات الدستورية التي خرجت في شكل أشبه بالنكتة السخيفة، وأمسكت بتلابيب موضوع الشهيدات وتحديداً موضوع سالي زهران العجيب. والآن بعد أن أجبت على كل المهمين في البلد باعترافي سابقاً بالتفاهة، دعوني أكتب ما أرغب فيه بحرية.
كانت صورة سالي زهران هي وأحمد بسيوني، من أولى الصور التي تم تداولها عبر موقع الفيسبوك، كأول شهداء الثورة، كلنا حينها نظرنا إليهما بحسرة وترحمنا عليهما داعين من الله أن يتقبلهما لديه من الشهداء، قبل تخلي مبارك عن الرئاسة وتركها للمجلس الأعلى للقوات المسلحة بأيام قليلة، عرفت من إحدى صديقات سالي المرابطات في الميدان، أن أمها تلقت تهديدات من وزارة الداخلية بقتل ابنيها، إن لم تنف كون سالي ضمن الثائرين، وبالفعل عندما تحدثت الفتاة إلى أم سالي تليفونيا حتى تحثها على اتخاذ الاجراءات القانونية لمساءلة الداخلية في موضوع مقتل سالي، صرخت الأم عبر الهاتف مؤكدة، أن ابنتها لم تكن في المظاهرات وأنها لم تمت في التحرير وإنما في منزلها بسوهاج.
بعد انتهاء الاعتصامات في التحرير عقب تنحي مبارك، بدأنا نواجه حملة غريبة لطمس صور سالي من بين الشهداء في التحرير لتظهر صورة لها بعد ذلك بالحجاب، ودعوات في كل مكان بأن لا يتم استخدام صورة سالي بدون حجاب، كونها التزمت به قبل أن تموت في المظاهرات، هذا ما عاد ونفاه كافة أصدقاء سالي في التحرير وكذلك على موقع الفيس بوك، مؤكدين أنها ارتدت الحجاب لفترة بسيطة في بداية التحاقها بالجامعة ثم قررت خلعه عنها لأنها لم تقتنع به ولا بالتيار السياسي الاسلامي. في الحقيقة كونها كانت محجبة أم لا، ليس هو السؤال، لكن السؤال هو: لمصلحة من فرض الحجاب على سالي بعد وفاتها؟ لا أعتقد أبداً بأن حملة تحجيب سالي بعد وفاتها صادقة النوايا ولا تحمل أي أبعاد سياسية اسلامية، ولا أعتقد أيضا أنه علينا نحن غير المنتمين للأسلمة السياسية، أن نكبر دماغنا ونقول انه موضوع تافه يجب التغاضي عنه، لأن ببساطة محاولة تحجيب سالي بعد وفاتها، إعلان بغيض يروج لفكرة أن النساء غير المحجبات لا يصلحن أن يكن شهيدات أو يكن لهن موقف وطني جاد، وهذا ما لا يمكن السكوت عليه أبداً.
الغريب أيضاً، أنه ورغم استشهاد خمسة نساء بالإضافة إلى سالي، منهن واحدة مسيحية، إلا أنه لم يتم الاشارة إليهن من قريب أو من بعيد رغم أن ثلاث من المسلمات محجبات، وبالتالي يمكن للإخوة المتأسلمين الترويج لهن دون أن يخضعوا لألاعيب بغيضة لتحجيب واحدة ماتت بالفعل. الأمر الآخر الذي يدعو إلى نثر علامات التعجب في كل مكان، هو موقف أمها الغريب وغير المفسر على الأقل بالنسبة لواحدة تافهة مثلي، فالآم التي تم استضافتها بقناة دريم، استعرضت صور سالي خلال الفقرة بدون حجاب، بينما توجهت إلى الجرائد بطلب رسمي كي يستخدموا صورة سالي المحجبة مؤكدة انها التزمت به قبل أن تموت. في الوقت نفسه تقول الأم، أن ابنتها لم تشارك مطلقاً في مظاهرات التحرير ولكن في مظاهرات سوهاج، مع العلم أن سوهاج لم تشهد مظاهرات من أي نوع حتى يوم وفاة سالي في 28 يناير، وأن ابنتها عادت إلى البيت متعبة وعندما قررت النزول مرة أخرى منعتها الأم، لتقفز سالي من البلكونة وتموت. على الجانب الآخر، ينشر أصدقاء سالي فيديوهات لها في التحرير وهي تقود مظاهرة وأخرى وهي تلتقط صوراً للمتظاهرين، ويؤكدون أن سالي توفت بسبب تلقي ضربة على رأسها من أحد البلطجية، وأنها تم علاجها في المستشفى الميداني، لتنام للأبد بعد إصابتها بنزيف داخلي دون أن يدري أحد.
أنا في الحقيقة لا أتحيز لجانب دون الآخر، فلا أنا أصدق حكاية الأم ولا أصدق حكاية أصدقاء سالي في ميدان التحرير، ولا يهمني أن تكون سالي محجبة أو غير محجبة، ولا يعنيني أن تكون شهيدة أو منتحرة، لأنني وبعد كل هذا اللغط حول وفاتها، أومن تماماً بأن سالي شهيدة مجتمع يحكم بقسوة على المرأة ويصر على أن يضعها في قالب محدد حاظراً عليها الخروج عنه، سالي ابنة الصعيد، نموذج حي على النفاق الديني والاجتماعي، فقد تكون مجرد فتاة انتحرت لأن أهلها يضيقون عليها الخناق، وقد تكون ماتت في الميدان من أجل قضية وطنها، لكن الحقيقة هي، أنها ماتت في وطن لا يدري كيف يعترف بالمرأة وبحريتها في أن تكون وفقما شاءت، لا كيفما شاء هو. رحمة الله عليك يا سالي، أنت في نظري شهيدة مجتمع غبي ومنافق.
والآن، هل بإمكاننا التعرف على شخصيات باقي الشهيدات؟
أميرة من الأسكندرية – كريستين من القاهرة – أميرة محمد إسماعيل – رحمة محسن أحمد من روض الفرج القاهرة – رشا أحمد جنيدي من العمرانية جيزة.

السبت، 12 فبراير 2011

مصر جديدة تتشكل بأرواح شهداء اللوتس


لم يكن الثلاثمئة شهيد الذين سقطوا أثناء ثورة 25 يناير، هم أول شهداء يسقطون على تراب الوطن من أجل حريته، وإن كانوا يختلفون في كونهم دفعوا أرواحهم من أجل حرية مصر من المستعمر الداخلي أو المحلي. ولن يكونوا أيضاً آخر من سيضحي بدمائه من أجل رفعة المحروسة. طوال الأربعين عاماً السابقة استشهد كثيرون منا بشكل أو بآخر. كثيرون فقدوا أرواحهم داخل المعتقلات وخرجوا مجرد أجساد تتحرك، وكتاب تم قصف قلمهم بطريقة أو بأخرى فانزووا بعيداً أو هاجروا خارج البلاد، وآخرون تم سرقة أحلامهم بسبب المحسوبية والواسطة والبلطجة واستغلال النفوذ، وجيل كامل خرج للحياة دون تعليم أو إعداد لائق للعمل وكسب الرزق بكرامة، وشباب لا يمكن حصر تعدادهم وقعوا من اليأس وموت الحلم في شراك الإدمان، الذي فتحت حكومات مبارك منذ بداية عهده، بوابات البلاد على مصرعيها، مرحبة بمخدرات الصهاينة التي كانت تجارة للبعض داخل مصر، بينما هي خطة سياسية لتدمير الشعب من قبل إسرائيل. كثيرون وكثيرون، سُفحت أحلامهم وكرامتهم على تراب أم الدنيا، ولقد عبرت عن جيلي – جيل التسعينات – وما لحقه من ضرر على يد جمهورية مبارك الشيطانية، في روايتي " طعم الأيام" التي صدرت عام 2009، والتي تم ملاحقتها من قبل المثقفين المسيسين، مدعين أنها تقدم مبالغات لا أساس لها من الصحة، لكنها في حقيقة الأمر كانت صرخة مدوية، أطلقتها من نبع حزن ويأس صافيين، غمرا حياتي منذ قررت أن أنفي نفسي خارج الوطن، بعد أن تمت ملاحقتي حتى في لقمة عيشي من قبل أزناب مبارك التي انتشرت في كل ركن من أركان مصر. كلنا شهداء فقدنا أرواحنا على عتبات مصر، وكنا بالفعل قد وصلنا إلى مرحلة الجثث التي تسير على قدمين، تتعاطى مع الأيام بآلية، وشهية مفقودة تماماً للحياة. هذه كانت مصر وهكذا كنا حتى يوم الخامس والعشرين من يناير عام 2011.
أعترف بأنني لم أصدق أن شيئاً حقيقياً سيحدث، تجاربي الفاشلة في المظاهرات كانت من أسباب رحيلي، عندما كان المارون في الشوارع ينظرون إلينا باستخفاف ويعتبروننا ثُلة من الشباب الطائش، الذي يخرج طاقاته المكبوتة في العواء ضد السلطة الحاكمة، كانوا يأخذون المنشورات من أيدينا ليلقوا بها إلى الأرض فور إدارتنا لظهورنا، وكان الأمن المركزي أيضاً يستخف بنا، نحن المتظاهرون الأغبياء الذين لا يتجاوزوا على أكثر تقدير المائة شخص، مائة من الحالمين بسرابات يرونها هم ببساطة أوهام. لم أصدق 25 يناير واستخففت بها، كنت أرفض كل الدعوات التي تأتي لي على الفيس بوك لأشارك في المظاهرة، تعاملت مع أيامي بروتين اعتدت عليه منذ سنين، منذ أن فقدت الحلم وتشبثت بأهداب الكتابة، كآخر دليل لي على أنني مازلت أحيا، استعددت لإجازة منتصف العام الدراسية ووضعت خطة لابني وابنتي وأمي كي نخرج ونتنزه في أماكن عدة، لكن 25 يناير جاء هادراً مؤكداً أن مصر مهما غفت لا تموت، وأنها مهما شاخت، تعود لتولد من جديد كطائر فينيق عظيم.
ثمانية عشر يوماً من الصراع، مروا كثمانية عشر عاماً أو يزيد، يتساقط ورد بلادي أمام عيني، فمن يستحقون الفناء مازالوا يعيشون حتى الآن، بينما رحل صانعوا الحياة لهذا الوطن، ويرقد بين الحياة والموت آلاف من الشرفاء الذين فقدوا أعينهم وبُترت أعضائهم وأصيب من أصيب بالشلل، من أجل أن تحيا البهية، ويحيا باقي المصريين تحت ظلالها التي يجب أن نعيدها إلى نقطة الدفئ والحيوية.
يجب الاعتراف بشهدائنا كشهداء حرب، وبجراحانا كجرحى حرب، لأنهم بالفعل خاضوا حرباً، هي الأشرف من بين كل الحروب التي خاضها المصريون على مدار مئات السنين، هي الحرب من أجل العدل والحرية والمساواة وإقرار المواطنة لكل فرد يدب على تراب المحروسة، هي الحرب الفيصل بيننا وبين السقوط في مستنقع التخلف أو الارتفاع نحو ضوء الشمس المهيب. يجب منح أهالي الشهداء أوسمة شرف واعطائهم كافة المزايا التي تحصل عليها أسر شهداء أكتوبر وكافة الحروب التي خاضها المصريون من قبل، كذلك يجب منح الجرحى نفس الأوسمة ومخصصات تليق بما قدموه لهذا الوطن، تماماً مثل جرحى حروبنا العظيمة السابقة. الاعتذار إليهم وإلى أسرهم لا معنى له، بل تكريمهم وتشييد نصب تذكاري بأسمائهم وصورهم هو الذي ننتظره من مصر الجديدة التي حلمنا بها منذ الأزل، وها هي الفرصة بين أيدينا كي نبنيها.

الاثنين، 7 فبراير 2011

الجيش ومعضلة رحيل مبارك

قبل أيام من اندلاع ثورة 25 يناير، سألتني إحدى الصديقات عن إمكانية تكرار سيناريو تونس في مصر، أجبتها وكلي يقين، أن سيناريو تونس من الصعب أن ينطبق على الحالة المصرية، فالجيش التونسي وبعد مرور شهر تقريباً على الثورة في تونس انحاز إلى الشعب وتخلى عن بن علي، لكن الجيش المصري لن يفعل الشيئ نفسه بالنسبة لمبارك، فهو واحد منهم ولا ننسى أنه الحاكم العسكري للبلاد والرئيس الأعلى للقوات المسلحة، وانحياز الجيش للشعب المصري ضد مبارك، يعني انقلابه على نفسه، وليس على مبارك كشخص، هذا غير أن من يديرون دفة الأمور داخل الجيش المصري، أصدقائه الشخصيين ولا يمكن أن نستثنيهم من الأمر، ما يجعل ثورة المصريين مواجهة مباشرة للجيش نفسه.
بعد 25 يناير، ظللت أترقب موقف الجيش، فعليه ولنكن صريحين يتوقف كل شيئ، نظراً لكوننا نعيش في ظل حكم عسكري صرف وإن شابته بعض المدنية أو الدينية في الحكم مؤخراً. للحظة اعتقدت أن الجيش سيأخذ جانب الشعب، لكنني عدت وأفقت على الحقيقة المرة، ألا وهي أن الجيش لن ينحاز إلينا، لأنه وببساطة ينظر إلى مبارك كواحد منه والاطاحة به إنقاص من هيبته شخصياً!
هل نتخلى عن ثورتنا إذاً ونرضى بما ألقوه إلينا من فتات؟ بالطبع لا ولكن وبمنتهى البساطة على الشباب في التحرير أن ينظموا أنفسهم أكثر من ذلك، فما حدث من خروج غير مسبوق للشعب المصري في كافة محافظاته، نقطة قوة عليهم التمسك بها والحفاظ عليها، هي ثورة وليست مظاهرات عاتية، وعليهم أن ينظموا صفوفهم في لجان متابعة وليست لجان تفاوض، فالثورة ناجحة بكل المقاييس ونقاط القوة في أيدي الشباب الذي قادها، لذا عليهم التحرك فوراً قبل أن ينقض على ثورتهم شلل المنتفعين من المعارضة المصرية، التي أثبتت فشلها وضعفها وانصياعها للنظام نفسه، حتى بعد الثورة، كل أجنحة المعارضة بما فيها الإخوان، تسعى الآن لتحقيق مكاسب شخصية من وراء تلك الهبة غير المسبوقة، وعلى الشباب الثائرين في جميع أنحاء المحروسة، أن يتجمعوا في شكل لجان تضم قيادات الثوار، ليملوا كل مطالبهم على النظام المنهار، وأول المطالب هي اطلاق سراح كافة المعتقلين دون قيد أو شرط من داخل السجون، ثم تغيير كل النظام وليس رأسه فقط، ومصر معبأة برجال القانون الذين بإمكانهم وضع دستور جديد يحكم مصر بقانون مدني يساوي بين جميع طوائف الشعب في الحقوق والواجبات، وإلغاء قانون الطوارئ فوراً وليس كما قال سليمان بعد أن يعود الأمن للبلاد، لأنه بذلك يقول علانية أنه سيلغي قانون الطوارئ بعد أن يقبض على كافة الثوريين ويودعهم في غياهب السجون.
ببساطة شديدة، فإن مطالب الثوار التي قاموا بتعليقها في ميدان التحرير يمكن تنفيذها، ومناقشة إجراء تعديلات من داخل الدستور القديم غير محل للنقاش فالشباب لم يخرجوا في ثورة من أجل إجراء تعديلات ولكن من أجل انهاء نظام كامل بدستوره بشخوصه بكافة مفرداته، ولن تجدي التغييرات الساذجة التي يتم إجرائها من تغييرات وزارية أو مقاضاة رجال أعمال ووزراء، أو تغييرات في الحزب الوطني، لأن الحزب الوطني في حد ذاته مرفوض من قبل الثوار ولا يعني المصريين الحقيقيين في شيئ.
أيها الثوار، يجب أن تنظموا أنفسكم في لجان متابعة، لأن مواصلة البقاء في التحرير لأجل غير مسمى، سيضعفكم تدريجياً وسيشيح أنظار العالم عنكم تدريجياً، وستقدمون للنظام فرصة على طبق من ذهب لعزلكم عن العالم حتى ينظم أوراقه خارج ميدان التحرير ومن ثم ينقض عليكم. يجب الإعلان بشكل واضح أن الأحزاب المعارضة والإخوان لا يمثلونكم في شيئ، ويجب أن تعلنوا وبوضوح في مؤتمر صحفي يحضره ممثلوا الإعلام العالمي، متطلباتكم، وكذلك اللجان التي شكلتموها والتي ستتابع مع النظام البائد كيفية رحيله نهائياً، ومن ثم وضع الدستور الجديد بواسطة القانونيين وبعدها إجراء انتخابات مجلسي الشعب والشورى ومن ثم الانتخابات الرئاسية. أثناء ذلك من الممكن أن تعود كل القطاعات في البلد إلى العمل بتنظيمات شخصية لحين إجراء كافة التعديلات الدستورية والقانونية، ولا أعتقد أبداً أن مصر كانت تدار بقانون أو دستور من قبل، سوى قانون الغاب وبلطجية مبارك.

ملاحظة:

أحد أصدقائي من المثقفين سياسياً، اقترح أمراً هاماً جداً، وددت أن أنقله إليكم: لماذا لا يقوم المستشارون القانونيون الذين انضموا إلى ثورة التحرير، بتقديم بلاغ إلى النائب العام، لمساءلة كل من جمال وعلاء وسوزان مبارك، وهم شخوص عادية لا تتمتع بأي حصانة، أن يقدموا مستندات تثبت شرعية حصولهم على تلك الثروة الهائلة التي تم الكشف عنها مؤخراً، وإذا لم يمثلوا أمام النائب العام للتحقيق، تتم ملاحقتهم ومقاضاتهم دولياً، ويعتقد وأعتقد معه أن هذا الإجراء سيشكل ورقة ضغط قوية ضد مبارك ونظامه المهترئ.
أرجوكم نظموا أنفسكم واطرقوا الحديد وهو ساخن!

السبت، 5 فبراير 2011

مطالب الشباب في ميدان التحرير


لمن لا يفهم ولا يعقل। إلى كل من يقول أن طلبات شباب الثورة غير محددة وأنهم غير منظمين، إلى كل المزايدين على بقاء الثوار، وإلى كل من يقفز على أكتاف الشرفاء في كل مكان ثائر في مصر، هؤلاء هم الشباب أعلنوها من داخل ميدان التحرير من خلال يافطة علقوها بمطالبهم। هذه هي مطالب الثوار ومطالبنا نحن المصريون الشرفاء :

إسقاط الرئيس


حل مجلسي الشعب والشورى


انهاء حالة الطوارئ فوراً


تشكيل حكومة وحدة انتقالية


برلمان منتخب يقوم بعمل التعديلات الدستورية لإجراء انتخابات رئاسية


محاكمات فورية للمسئولين عن مقتل الشهداء


محاكمات عاجلة للفاسدين وسارقين ثروات الوطن


أعتقد كفاية بقى مزايدة على الشباب وكلام لا لزوم له، بخصوص أنهم غير منظمين وليس لهم أهداف محددة

الأحد، 9 يناير 2011

كيرياليسون .... يا رب ارحم



"لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى ذلك بأن منهم قسيسين ورهبانا وأنهم لا يستكبرون وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق يقولون ربنا آمنا فاكتبنا مع الشاهدين"، " إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئون والنصارى من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون".
الآيات السابقة من سورة المائدة، فلماذا لا يسمعها المسيحيون في مصر تخرج من أفواه المشايخ، الذين يملأون فضاء مصر سماً من على منابرهم في كل الشوارع والأزقة والحارات؟. بات مسيحيو مصر على يقين من أن الإسلام دين يحض على العنف والكراهية ونبذ الآخر، باتوا يوقنون أنهم ليسو إلا كفار جاحدين لحق الله، في أعين كافة المسلمين، خاصة وأن هذا هو الخطاب الديني الإسلامي المعروف والمنتشر في مصر منذ ما يقرب من العشرين عاماً الآن. لن أتحدث عن الأزهر ومشايخه لأنه وبكل بساطة، فقد مسلمو مصر الثقة فيه واعتبروه هيئة حكومية بحتة، تعمل ضد مصلحتهم تماماً مثل الحكومة التي تسيطر عليه، لذا وعذراً للأزهر وكافة رجاله، لم تعودوا ذوي قيمة في البلاد، تحديداً أمام مشايخ القنوات الدينية المتطرفة، التي تركتها حكومتنا الغراء بمشايخها الأفاقين والمرتزقة، تعمل بمنتهى الحرية ودون ضوابط، فعاثوا فساداً في البلاد ونشروا ثقافة الجهل والتخلف والعنف والكراهية والتكفير بين كل الناس، حتى بات أغلب مسلمي مصر، يؤمنون تماماً بأن المسيحيين كفار وفاسقون وأن وجودهم بينهم يجلب عليهم غضب الله.
عقب حادث كنيسة القديسين في الإسكندرية، لم يكن لدي ما أقوله، فأنا وبكل بساطة ضمن قائمة المغضوب عليهم من قبل التكفيريين الوهابيين، الذين يعبئون هواء مصر غازاً ساماً بأجندتهم، التي يتلقون مقابل تنفيذهاً أموالاً طائلة. فكرت كثيراً في كتابة مقال، لكنني لم أجد شيئاً لأقوله، أكثر مما قلته سابقاً وتم تكفيري على أساسه. فضلت الصمت، خاصة وأن الزفة الإعلامية التي رفعت شعار الهلال والصليب، طغت على جميع الأصوات، وتصدرت المشهد، فلم يكذب أجدادنا عندما قالوا " يقتل القتيل ويمشي في جنازته"، فالإعلام المصري، حتى بمنافذه التي تدعي الاعتدال، كانت جزء من لوحة التطرف البشعة التي أصبحت تمثل صورتنا الآن، ولا يمكن تبرئتهم، بمشايخهم الذين يستضيفونهم في كل موضوع، ليشيعوا أفكاراً، وإن لم تكن تحض على الكراهية بشكل مباشر، إلا أنها لا تخلوا منه.
قررت أن أحضر قداس ليلة عيد الميلاد، بصفتي مواطنة مصرية مسلمة تتضامن مع أهلها في الوطن من المسيحيين، كنت أعزي نفسي قبل أن أعزيهم، أحاول أن أعلن أسفي وحزني على ما صار عليه وطني، أبكي لما حدث وأعلن عجزي وقلة حيلتي، حيث لم يبق لي سوى قلبي لأغير به. هيأت نفسي ببساطة لسماع عبارات كراهية ضد المسلمين، وقلت لنفسي أن ذلك سيكون أبسط حقوقهم، وأن علي أن أتقبل هذا الكلام، لكنني وعلى العكس تماماً لم أسمع سوى عبارات المحبة، فالقسيس بدأ خطبته، بتوجيه الشكر إلى كل مسلم تضامن مع مصابهم، وطلب من شعب الكنيسة، أن يصبر على المصاب الأليم، وأن لا يفعل شيئاً سوى الصلاة لمن استشهد والصلاة لمن اعتدى عليهم، حتى يرحمه الله ويهديه إلى الصواب. أؤكد لكم أن القسيس لم يعلم أن هناك مسلم بالكنيسة، فلقد ذهبت مع صديقتي المسيحية، باعتباري مسيحية أيضاً، وكان هذا هو الأمر الذي زلزلني من داخلي، فمشايخ الكراهية، لا يفعلون سوى الصراخ في الميكروفونات والدعاء على غير المسلمين، بأن تتم إبادتهم، في حين يصلي القساوسة من أجل هداية متطرفينا! ومن هنا قررت أن أكتب شيئاً، خاصة بعد أن تلى القسيس صلاة " كيرياليسون، يا رب ارحم"، والتي تحمل في مضمونها رسالة حب وسلام للكون كله، وتدعو لكل الكائنات بالخير.
أنا الآن لا أكتب مقالاً أحلل به ما جرى وما سيجري. أنا الآن لا أكتب مقالاً أدعوا فيه إلى نبذ العنف والتطرف والكراهية بين المسلمين والمسيحيين. أنا الآن لا أدعي كذباً بأننا مازلنا نسيج واحد وأن الهلال مازال يحتضن الصليب. أنا الآن لا أكتب منددة بحكومتنا التي عجزت عن حل كل الأزمات بما فيها أزمة المواطنة والوحدة الوطنية. أنا الآن لا أتهم جهات أجنبية بمسؤوليتها عن الحادث. ولا أتهم مشايخ الفتنة والتطرف بأنهم القاتل الحقيقي. ولا أشير بأصابع الاتهام إلى بعض الباباوات المتطرفين الذين قالوا عن المسلمين أنهم ضيوفاً في مصر، ولا ألفت النظر إلى كُتاب أقباط المهجر الذين يشيعون أن المسيحيين هم السكان الأصليين لمصر وأن المسلمين مجرد غزاة. أنا الآن لا أفعل سوى أن أرفع يدي عالياً بالدعاء لأقول " الرحمة يا الله"، " يا رب ارحم"..... كيرياليسون.


الأربعاء، 15 ديسمبر 2010

فكوا عن دربنا وجعتوا قلبنا

هكذا انطلقت الهتافات النسائية في السودان، اعتراضاً على جلد فتاة لم تتخط السادسة عشر من عمرها في السوق وأمام المارة، خمسين جلدة، على أثر اتهامها بارتداء البنطال. وأنا أرفع عقيرتي أيضاً معهن وأقول لكل الحكام الإسلاميين في كل أصقاع الأرض " فكوا عن دربنا وجعتوا قلبنا".
بغض النظر عن كون الحكم بالجلد على من ترتدي البنطال، أمراً لا علاقة له بالإسلام لا من قريب ولا من بعيد، حيث أن الإسلام الصحيح في كتاب الله عز وجل، لم يفرض أي عقوبة على الزي للمرأة أو للرجل، وأن عقوبة الجلد مخصصة لفعل واحد، ألا وهو الزنى، وحدد عدد الجلدات بمائة جلدة، يشهدها نفر من المؤمنين، ولم يقل في قلب السوق ليشهدها كل المؤمنين، حيث أن المبدأ العام في الدين الحنيف هو الستر وليس الفضح. بغض النظر عن هذا الأمر، حيث أن قلوبنا قد تعبت أيضاً من كثرة النقاش حول ما هو إسلامي وما هو غير إسلامي، لأنني اكتشفت أنه لكل بدعة ظلامية في الاسلام، حديث يخرج من بين طيات كتب فقهية علاها التراب وأكل عليها الدهر وشرب، اتخذها بعض المشايخ مصدر رزق واستنطاع على كواهلنا نحن المسلمين الغلابة، أو بالتحديد نحن المسلمات الغلبانات، حيث أصبحنا ممسحة لأحذية رجال الأمة الإسلامية من مشرقها إلى مغربها ومن جنوبها إلى شمالها، فالرجل المسلم وكما هو واضح، لم يجد سوى المرأة كي يثبت من خلالها عدم عجزه، بعد أن عجز عن فعل كل شيئ وأي شيئ، ولم يتمكن من الحفاظ حتى على ثقافته، فالمسلم "الكول"، أصبح هو صرعة الأجيال الحالية، فأن تتنكر للغتك وقيمك الثقافية، أمر لا علاقة له بأن تتحدث في الحجاب ووجوبه على المرأة، وكأن المرأة هي الوسيلة التي يستخدمونها لإثبات ذكورتهم المشوهة।
الفتاة السودانية التي تم جلدها، وتدعى "سلفا كاشف"، تنتمي إلى عائلة مسيحية نازحة من بلدة يامبيو بجنوب السودان، نزلت من بيتها لشراء بعض الحاجيات من السوق في منطقة الكلاكلة بالخرطوم، فاعتقلها الشرطي ساحباً إياها إلى المحكمة، وتم إدانتها والحكم عليها وتنفيذ العقوبة، دون حتى إخطار أهلها، نظراً لكونها قاصر. الفتاة التي تم جلدها في الشارع على مرأى ومسمع من الناس، والتي كانت تنادي على أمها كي تنقذها من بين براثن كلاب الشرطة السودانية، بأصواتهم التي يجلدونها بها، أثارت شفقة المارة، الذين انزعجوا من هذا المشهد، كونها المرة الأولى التي يشاهدون فيها عملية جلد علنية، وليست داخل ساحة المحكمة.
الغريب أن الشارع السوداني الشمالي، يرفض تعطيل قوانين سبتمبر التي تم سنها عام 1982، مؤكدين أنه " لا تبديل لشرع الله" – لا أدري أين شرع الله هنا؟ – لكنه يعترض فقط على أن تنفيذ القانون تم في الشارع وبين المارة، وأنه كان يجب أن يتم في ساحة المحكمة، كما هو متعارف عليه. والمتعارف عليه هنا يا سادة، أن الرجال والنساء السودانيون يتم جلدهم يومياً بذرائع عدة ما أنزل الله بها من سلطان، لكن بالطبع نصيب المرأة من الجلد أكثر بكثير، ففي الوقت الذي تُجلد فيه المرأة لارتدائها البنطال، يسير الرجل ببنطاله طليقا في شوارع السودان، وبينما لا يتم توجيه أي عقوبات للرجل القواد، يتم جلد وسحل المرأة التي تعمل في الدعارة....... إلخ. ما يجعل القضية نسائية بالدرجة الأساسية، ويكون من حق نساء السودان، الصراخ عالياً هاتفات " فكوا عن دربنا وجعتوا قلبنا".
بالنسبة لي لا أرى مثل تلك القضايا، بمعزل عن قضية انفصال الجنوب السوداني عن الشمال، فما الذي يجعل المسيحيين في الجنوب، يتحملون هذا الحكم الجائر الملقب بالإسلامي، بينما من الممكن أن ينعموا بقوانين عادلة وديمقراطية، تحت مظلة " مسيحية" فرضاً؟ ما الذي يجعل رجلاً أو امرأة جنوبية مسيحية يصوتان لعدم الانفصال، بينما بالإمكان أن يعيشا بحرية وكرامة بمعزل عن الشمال المتسلط وقوانينه الظلامية الجائرة؟. ببساطة شديدة لو كنت امرأة من جنوب السودان، سأتغاضى عن كل العواقب السلبية للانفصال، وسأصوت من أجل تحقيقه، فقط لأسير في الشارع بأمان مرتدية ما أريد بحرية.
أنا لا أدين الحكم في السودان، لما يصدره بحق النساء من أحكام جائرة، فوفقاً لناشطات سودانيات في حقوق المرأة، يصدر بحق النساء السودانيات مليون ونصف جلدة سنوياً، ما يجعل السودان ساحة تعذيب كبيرة للنساء. لكني أدين كل الأنظمة وكل الحكام العرب والمسلمين، الذين يستخدمون الإسلام لصالح هيمنتهم وسيطرتهم على مقدرات الشعوب، أدين تحويلهم لديننا الحنيف إلى دين دموي وسادي وظالم، ينصر جنساً على الآخر، ويفرق بين عباد الله على أساس النوع " ذكر وأنثى"، أدين تركهم لزبانية جهنم الملقبين بالشيوخ والدعاة، لكي يبثوا سمومهم بين الناس في كل مكان، ويقتاتون على بساطة الناس وسذاجتهم ورغبتهم في نيل رضا الله وجنته. أدين الشعوب العربية والمسلمة، التي لا تُعمل عقولها وتستسلم إلى ركنها جوار الحائط، مستسلمة للخنوع والذل. أدين المرأة العربية والمسلمة التي استسلمت، لفكرة الحجاب والنقاب، وأحبت أن يتم تشبيهها بالحلوى التي سيعف عليها الذباب إن لم يتم تغطيتها جيداً، بائعة بذلك كونها إنسان عاقل وليس مجرد جسد مصدر للشهوة والفتنة. أدين نفسي وأدينكم جميعاً لأننا بلا استثناء استسلمنا إلى هذا العفن.