الثلاثاء، 17 مايو 2011

قليل من الهذيان الاقتصادي - تنويعات على خراب مصر






أنا لست بالخبيرة الاقتصادية، ولا أدعي امتلاكي لإجابات محكمة عن مشاكل الاقتصاد المصري التي يلقون بها في وجوهنا وكأننا نحن الذين "خربناها وقعدنا على تلها"، لكني على الأقل أمتلك عقلاً صغيراً يحاول التفكير وربط الأمور ببعضها.
تخرج علينا كل يوم آراء من الخبراء الاقتصاديين وتصريحات من السادة المسئولين الجدد في وزارة عصام شرف تؤكد بأننا وبدون أي نوع من الزينة سوف نشحذ قريباً ونموت من الجوع خلال الستة أشهر القادمة، لو لم تنته موجة الاعتصامات والإضرابات العمالية التي يحبون تسميتها بالفئوية، والتي تجتاح ربوع مصر الآن. كلل رسائل الفزع تلك، التصريحات التي خرج علينا بها المجلس العسكري الموقر، حيث حذر من تردي الأوضاع الاقتصادية عقب الثورة. تعالوا نفكك معاً هذا التحذير:
قال اللواء أركان حرب محمود نصر، مساعد وزير الدفاع للشؤون المالية، أن قطاع السياحة تراجع دخله بنسبة 80% وأن الحجوزات السياحية شهدت تراجعاً بنسبة 20% بسبب أحداث إمبابة، وهنا أوجه سؤالي الساذج إلى المجلس الموقر، لماذا تركتم الحبل على الغارب للجماعات الدينية المتطرفة وفتحتم لهم الأبواب على مصراعيها وتركتم لهم الشارع كي يعيثوا فيه فساداً وينشروا أفكارهم المتطرفة عبر مشايخهم الذين يشيعون الكره والفرقة بين الناس باسم الدين، دون أي رادع أو موقف قوي يوازي على الأقل نصف مواقفكم من الناشطين السياسيين الذين أصدرتم بحقهم أحكاماً عسكرية ظالمة، واتهمتموهم بالبلطجة رغم كل الأدلة والشهود النافية التي قُدمت لكم؟ لماذا لم تتخذوا مواقف رادعة منذ حادثة كنيسة صول واكتفيتم بعادة تقبيل اللحى المقيتة وتركتم من اعتدى على حرمات الأضرحة وقطع أذن المسيحيين طليقاً، ووقفتم تتفرجون على موجة رفض المحافظ المسيحي في قنا والتي ألفها وأخرجها مشايخ السلفيين في المحافظة؟ لماذا سمحتم بعودة ما لا يقل عن 3000 إرهابي مصري كانت أسماؤهم على قوائم الانتظار بكافة الموانئ والمطارات بالدولة وفتحتم الباب للجماعات الإسلامية ذات التاريخ الإرهابي الطويل وسمحتم للأخوين الزمر بالخروج من السجن في مشهد أشبه باستقبال الفاتحين؟ لماذا حتى الآن لم تصدروا قانون دور العبادة الموحد وتفعلوا كافة القوانين التي تساوي بين المواطنين المصريين وتتيح حرية العقيدة؟ هل بعد كل ما سبق نُلام نحن الشعب المصري على تراجع السياحة؟ أم تُلامون أنتم لأنكم أخفقتم في إدارة الملف الطائفي في مصر؟
أما بالنسبة للبورصة فهل ستضعون مشاكلها على كاهل الشعب المصري أيضاً؟ هل كان ضمن قائمة سوءاتنا أن نكتشف فساد أغلب رجال الأعمال المصريين، وأن معظم المستثمرين العرب اعتمدوا على الرشاوى والفساد الإداري المصري لأخذ ما لا حق لهم به؟ "مع الاحترام بالطبع للمستثمرين المصريين والعرب المحترمين"، ومع ذلك فالبورصة على مدار اليومين الماضيين أغلقت على ارتفاع ملحوظ، وكذلك صرح رئيس البورصة المصرية محمد عبد السلام، بأن درجة المخاطر السياسية انخفضت في مصر بعد الثورة مع اتجاه البلد إلى القضاء على الفساد، وهو ما أدى إلى تحول ملموس في هيكل المستثمرين في البورصة، حيث أصبحت المؤسسات وصناديق الاستثمار تسيطر على ما يزيد عن 60% من تعاملات السوق اليومية في المتوسط بعد أن كانت نسبتهم قبل الثورة لا تزيد عن 30%. أليس ذلك أمراً إيجابياً وينبئ بالخير؟
أما بخصوص ما صرح به المجلس العسكري الموقر بأن مصر موضوعة في درجة المخاطر فيما يتعلق بالتصنيف الائتماني، فالرد أيضاً يأتي على لسان رئيس البورصة ، حيث قال أثناء زيارته للكويت، أن المخاطر السياسية خلال حقبة الرئيس السابق مبارك كانت مرتفعة من عدم التيقن بمن سيقود مصر من بعده، خاصة أنه لم يتخذ نائباً له طوال فترة حكمه، ما أشاع حالة شك في كيفية انتقال السلطة، إلى جانب الاضطراب الاجتماعي والتشدد الديني، وهي العوامل التي أدت إلى وضع مؤسسات التصنيف الائتماني الكبرى في مصر في درجة الضعيف مع عدم التوصية بالاستثمار فيها. إذا فلنشكر الثورة والثوار يا مجلسنا العسكري العظيم لأنهم قضوا على ديكتاتورية آل مبارك التي كادت أن تقذف بمصر والمصريين إلى الجحيم، وأن الثورة أنقذتنا قبل الدمار بهنيهة بسيطة، وبالتالي نرجوكم أن لا تلقوا بهذا العبئ على كواهلنا لأننا الآن نعيد بناء ما تم تدميره بالفعل.
نعود مرة أخرى إلى محمد عبد السلام، الذي يثلج صدورنا بتصريحه في جولته الخليجية، أن هناك 400 مؤسسة جديدة تدخل السوق المصرية لأول مرة وهي في غالبيتها مؤسسات كبرى ومن مختلف الجنسيات، يعود رئيس البورصة ويكمل تصريحاته بقوله؛ أن تأثير الاضطرابات على البورصة المصرية كان محدوداً، حيث لم يزد التراجع عن 4% منذ إعادة فتح السوق، وأنه من الأمور اللافتة للنظر أن غالبية المستثمرين الأجانب اتجهوا إلى الشراء لاستغلال فترة تدني الأسعار، مما يؤكد جاذبية السوق المصرية، نظراً للأساس القوي الذي تتمتع به الشركات المقيدة بالبورصة. وإلى هنا نشكر ملاك الرحمة محمد عبد السلام رئيس البورصة المصرية، الذي أنقذنا بتصريحاته من الشعور بالذنب " لا نكون إحنا اللي خربنا البلد بصحيح ولا حاجة لا سمح الله".
نعود إلى تصريحات وتحذيرات المجلس العسكري الموقر والذي ينذرنا فيها بأننا على وشك الشحاذة رسمياً في خلال ستة أشهر، حيث يقول جزاه الله خيراً عنا إنشاء الله يا أحباب؛ أن معدل الفقر يقترب الآن من 70% منها 6% معدم، وأن الدين العام المحلي والخارجي وصل إلى 1080 مليار جنيه، والسؤال هنا، هل افتقر الناس وبلغت ديوننا هذا الحجم في أربعة أشهر؟ أم أن هذا هو حال البلد الذي أدى من الأساس إلى خروج الناس عن طورها في ثورة هزت أرجاء البلاد؟ أليس ذلك حرياً بكم كي تسرعوا في محاكمة مبارك وعائلته وحاشيته الفاسدة وتتخذوا كل الإجراءات اللازمة من أجل استعادة أموالنا المنهوبة في الخارج؟ أم أن تباطؤكم في المحاكمات واتخاذ الإجراءات اللازمة يعيد عليكم اللوم، بأنكم بدلاً من إدارة البلاد بأسلوب صحيح يقيمها مصلوبة القامة، تأخذونها إلى هاوية أشد وعورة؟ وبالتالي فعليكم بدلاً من إقامة الندوات في الفنادق الفاخرة كي تحذروننا من مصيرنا المؤلم القادم، أن تعودوا إلى مكاتبكم لتجتمعوا فيها وتتخذوا القرارات الحاسمة والمطلوبة لإنهاء هذه الأزمة في أسرع وقت ممكن.
أرجوكم كفى رعباً للشعب المصري الذي قام بأعظم ثورة في التاريخ الحديث، والذي هب بعد طول صبر ومعاناة من أجل كرامته وتحقيق العدالة على أرضه، وبدلاً من هذا الفزع، قوموا بواجبكم المنوط بكم كمجلس رئاسي للدولة، فإن كنتم غير قادرين على إنقاذ البلد، اتركوا الحكم لمجلس رئاسي مدني، على الأقل نتمكن من التحدث معه ومعارضته ونقده والخروج عليه دون الخوف من ملاحقتنا بالمحاكمات العسكرية ..... والله الموفق.

السبت، 16 أبريل 2011

مشهدان مختلفان في حي إمبابة

أكانت مصادفة تلك التي حدثت في إمبابة منذ أيام؟ أم أن من حقنا قليل من سوء الظن؟ أم أنه علينا أن نتعاطف مع المجلس العسكري، الذي ينوء كاهلة بحمل ثقيل لشعب تم تجريف ثرواته وحريته وعلمه ومعرفته بدأب ونظام على مدار ثلاثين عاماً؟ أعترف بأنني احترت تماماً في فهم المشاهد التي يتم أدائها على مسرح الشارع المصري الآن، ربما لأن هذا الأمر، طبيعي أن يحدث عقب كل الثورات، فالثورة ليست خياراً جيداً للشعوب، ولكنها تأتي غالباً عندما لا يكون هناك حل آخر، وهذا على ما أعتقد، ما أوصلنا إليه حكم مبارك. نعود إلى المشهد أو ما قد يكون مصادفة بقليل من حسن الظن، والذي وقع في الحي المصري التاريخي " إمبابة". عقد مركز هشام مبارك الحقوقي بالتعاون مع بعض عناصر التيارين اليساري والليبرالي، مؤتمراً لرفض المحاكمات العسكرية للمدنيين، وذلك في أحد قاعات أرض عزيز عزت بإمبابة، لم يكن يتوقع القائمين على المؤتمر أن يحضره الكثيرون، لكنهم فوجئوا بتوافد الناس على المؤتمر بكثافة ملحوظة، وكذلك بالتفاعل معهم والاستجابة لما يتم طرحه. لم تكتمل فرحة القائمين على المؤتمر إلى نهايته، فلقد اخترق القاعة ضابط من الشرطة العسكرية، وأخذ يهذي بكلام غريب، مؤكداً أن ما يقومون به ضد مصلحة مصر، وأن المطالبة بعودة الجيش إلى ثكناته خيانة، فبقاء الجيش في الحكم هو صمام الأمان الحقيقي للبلد، ومن ثم بدأ يتحدث عن أن هناك أجانب في القاعة، مشيراً نحو مراسلي القنوات الفضائية مثل تلفزيون بي بي سي، وأن هذا يعد جاسوسية ! عندما تأهب الحاضرون للرد على اتهامات وإدعاءات الضابط العسكري، انسحب من القاعة بعد أن اطمأن لاقتحام اثنين من الرجال، أحدهما من السلفيين والآخر من البلطجية الذين كان الحزب الوطني يستعين بهم في الانتخابات، ليكملوا باقي المهمة، حيث صاح السلفي بأن هناك نساء عاريات داخل القاعة وأن الناس الموجودون جواسيس وضد الإسلام وضد محاكمة حسني مبارك، في حين تولى البلطجي أمر تكسير المقاعد وإثارة الرعب في المكان. أعتقد أن ما سردته كافي بالنسبة لكم، كي تكملوا المشهد بأنفسكم، فلقد انقلب أهل المنطقة على المؤتمر، معتقدين تماماً بوجود جواسيس وأناس يعارضون الثورة المصرية ويناصرون مبارك، وهكذا انتهى المؤتمر ليخرج الناس مذعورين، بينما أصيبت مراسلة البي بي سي في ذراعها برقبة زجاجة مكسورة. التقطوا أنفاسكم، ومع قليل من الموسيقى الهادئة، بإمكاننا الانتقال إلى المشهد الموازي في شارع آخر من شوارع حي إمبابة، حيث مؤتمر آخر، من نوع مختلف تماماً، نظمه وقام عليه الإخوان المسلمون. المؤتمر بكل بساطة يدعو إلى قيام الدولة الدينية في مصر، بعد أن يتمكن الإخوان من الأرض، والمعني بالأرض هنا مصر، وعندما تقوم الدولة الدينية، سوف يتم تطبيق الحدود الاسلامية، حيث قطع يد السارق ورجم الزانية، بالتأكيد دون الزاني فهذا دأب كل الدول الاسلامية التي تقوم في الأساس من أجل قهر المرأة، وبالطبع لم يصرح المتحدثون بالمؤتمر بباقي سيناريو الدولة الدينية، حيث سيقومون بهدم كل الآثار المصرية لأنها أوثان طبعاً أو لأنها تماثيل والتماثيل في الإسلام حرام، وكذلك سيجبرون غير المسلمين بدفع الجزية، والله أعلم بقيمة الجزية اليوم مع الغلاء في الأسعار وانخفاض قيمة الجنية، وإن كان المسيحيون سيدفعونها باليورو أم الدولار، عموماً هذه حسبة أخرى سنرجئها حالياً لحين تمكُن الإخوان من الأرض. بالطبع يجب أن أقول هنا، إن الإخوان لم يستطيعوا الصبر على إدعاءاتهم التي ملأوا الأسماع بها منذ قيام الثورة، فأبطلوها بأنفسهم قبل حتى أن ينقضي عليها ستة أشهر، ولكن ليس هذا هو المهم هنا، لكن المهم هو؛ عقد مقارنة بسيطة جداً بين المشهدين، مؤتمر الإخوان المسلمين الذي ينادي بالدولة الدينية، يمر بسلام وهدوء وعصافير تزقزق في الخلفية، وبين مؤتمر مركز هشام مبارك لحقوق الإنسان، والذي رعاه ليبراليون ويسار، ودعى لرفض المحاكمات العسكرية للمدنيين، وانتهى بـ "كرسي في الكلوب" رماه ضابط من الشرطة العسكرية، بمساعدة سلفي وبلطجي حزب وطني. هل يجب علينا أن نحسن النية ونقول أنها مجرد مصادفة بحتة، غير مقصودة بالمرة؟ أم أنه لزاماً علينا أن نشعر بالرعب، لأنه بنظرة بسيطة على أحداث متفرقة في جميع أنحاء مصر، يمكننا أن نتخيل والعياذ بالله، أن هناك اتفاقية غير معلنة بين المجلس العسكري والجماعات الدينية على اختلافها للسيطرة على حكم مصر. هل تجرأت وكتبت الجملة السابقة؟ لا، أنا أعلن أنني أتراجع عنها الآن وفوراً، فالجيش هو صمام الأمان لمصر، وهو الذي حمى الثورة المصرية، والجيش والشعب إيد واحدة.!!!!!

الأربعاء، 13 أبريل 2011

لأ ..... لن يعيد التاريخ نفسه

لا أدري إن كان الظرف التاريخي الذي نمر به الآن يسمح بفتح أبواب محاسبة شخصيات تاريخية قديمة، لها ما لها وعليها ما عليها، ولكن يبقى أنها قامت بما استطاعت عليه وفقاً للمقدرات الزمنية والحدث التاريخي المحيط بها। استخدام بعض الكُتاب ثورة 1919 والأحداث التي مرت بها البلاد حتى وصلنا إلى دستور 1923 ثم وصلنا بعد ذلك بما عُرف في التاريخ بالاستقلال الإسمي لمصر عام 1936، للإسقاط على أحداث اليوم والصراعات السياسية الموجودة على الساحة أثناء وعقب ثورة 25 يناير، في رأيي أمر غير موفق بالمرة، فمصر التي قامت بثورة 1919 ليست هي مصر التي قامت بثورة 25 يناير، والمطالب الرئيسيه الذي خرج من أجلها المصريون عام 1919 لا تشبه من قريب أو من بعيد مطالبنا التي خرجنا من أجلها اليوم في عام 2011। لم يكن لمصر جيش عام 1919، فلقد كنا نقع تحت الحماية البريطانية التي أعلنتها علينا عام 1914 بعد اندلاع الحرب العالمية الأولى، والتي انهارت معها الإمبراطورية العثمانية التي كانت تسيطر على المنطقة ككل، بما فيها مصر لأكثر من أربعمائة عام. كما أنه ولمن لا يعلم – في الحقيقة لن أشير إلى مصادر تاريخية فلست بحاجة إلى أن أقول الدكتور فلان ذكر في كتابه الفلاني، فتاريخ مصر واضح ومن يريد التحقق من صحة كلامي، فأوعية المعرفة متاحة في عصر المعلومات الذي نعيشه – عام 1882 هزمت بريطانيا جيش مصر بقيادة أحمد عرابي وتم نفيه، هو وقادة جيشه خارج البلاد، وكان ذلك آخر جيش حقيقي ومنظم لمصر حتى عاد مرة أخرى بعد الاستقلال الإسمي عام 1936، ولمن لا يعرف أيضاً، فلقد تم إجبار مصر على أن لا يزيد عدد أفراد جيشها عن ثمانية عشر ألف جندي، وذلك عقب اجتماع الدول العظمى عام 1840 ، واتفاقهم في لندن على الحد من أطماع محمد علي الذي كان قد استطاع في ذلك الوقت، أن يدق أبواب الأستانة عاصمة الدولة العثمانية، بجيشه المكون من المصريين، وحينها كانت مصر قد انتزعت حريتها من السيطرة العثمانية بشكل فعلي، فاكتفت تلك الدول بأن تقتصر مصر على أن تستقل بسيادتها، دون التوسع خارج حدودها، وذلك تحت حكم محمد علي، على أن يخلفه أكبر أبناء الأسرة سناً. آسفة لهذا الكلام المطول في التاريخ، ولكني أحببت فقط أن أقول، أن مصر لم تكن تمتلك جيشاً وطنياً عندما قامت ثورة 1919، حيث تم حل الجيش بعد هزيمة عرابي عام 1882 ووقوع مصر تحت الحماية البريطانية عام 1914، والحماية هنا تعني أن جيش بريطانيا هو الذي يحمي مصر، وبالتالي لم يكن هناك جيش مصري قوي يحمي البلاد، فلقد تم إضعافه بحيث لا يخدم إلا مصالح الاحتلال البريطاني داخل البلاد وخارجها. أما بالنسبة لمطالب المصريين، فلا توجد أوجه للشبه نهائياً بين مطالب الثورتين، كيف يمكنني أن أزن في كفة، مطالب أجدادنا في ثورة 1919، والتي تتلخص في المطالبة بالاستقلال ورفع الأحكام العرفية البريطانية، ورغبة الوفد المصري بقيادة سعد زغلول، في عرض هذه الطلبات على المجتمع الدولي من خلال مؤتمر الصلح في باريس 1920، والذي عُقد بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى، فلما رفضت بريطانيا ونفت زغلول وأصحابه إلى مالطا، اندلعت الثورة في جميع أنحاء البلاد، حتى أجبروا بريطانيا على الإفراج عن سعد وأصحابه وعودتهم إلى مصر وإلغاء الأحكام العرفية وتقديم وعود للمصريين بالحصول على الاستقلال بعد ثلاث سنوات. كان من الطبيعي أن يبقى المصريون في الشوارع حتى يستمروا في الضغط على بريطانيا ليحصلوا على دستورهم واستقلالهم وتمثيلهم الدبلوماسي في دول العالم، لم يكن هناك مبرر يدفع المصريون إلى العودة لديارهم والإغلاق على أنفسهم، والتفرغ للعب الطاولة على المقاهي، لمجرد أن بريطانيا وعدتهم بالاستقلال، كان لزاماً عليهم أن يستمروا في التظاهر حتى يحصلوا على ما يبتغون. أما اليوم، فقد قام المصريون بثورة 25 يناير، ليتخلصوا من الاستعمار الوطني، واستفحال نفوذ شلة من المنتفعين وعلى رأسهم رئيس البلاد وأسرته، ليتخلصوا من استعبادهم في بلادهم وأكل حقوقهم وإفقارهم، وتهميش وطنهم الكبير جداً " مصر" على الساحة الدولية، المصريون هبوا اليوم ليتخلصوا من الفساد الذي كاد أن يميت بلادهم للأبد ويحولها إلى خبر كان. نعم استطاع المصريون أن يخلعوا رئيسهم الخائن - أشدد على كلمة الخائن في انتظار ملاحقات سي مبارك القانونية لي – بدعم الجيش هذه المرة، لأننا نختلف عن الأمس وأصبح لدينا جيشاَ وطنياً يحمينا، ومن حقنا عليه أن يحمينا وأن يرعى رغباتنا، فهو جيشنا نحن وليس جيشاً للنظام، هو جيش يخدمنا وليس بسيد علينا أو متصرف في أمورنا، الجيش الوطني هو الذي يحمي أمن حدود بلاده، ويحمي أمن مواطنيه، وبالتالي عندما يقدم هذا الجيش على تصرفات تخرج عن دائرة المتوقع منه، فيعتدي على أمن المواطنين، ويتباطئ في تنفيذ متطلباتنا ونرى بأعيننا الرئيس الفاسد الذي خلعناه بالأمس يخرج علينا من خلال فضائية عربية ويهددنا بالملاحقة القانونية لأننا تعرضنا لشرفه وأمانته، حينها يكون من حقنا الخروج إلى الشوارع مرة أخرى واتخاذ كافة الإجراءات لدفع المجلس العسكري، كي يسرع من تنفيذ متطلباتنا التي هي في الأساس تعمل على حماية مصر وإعادتها إلى موقعها الصحيح على الخريطة، قلب العالم القديم وسيدته. أعجب من تلون بعض الكُتاب، واستخدامهم لأحداث تاريخية، والتلاعب بها من أجل الإسقاط على اللحظة الراهنة، ومن ثم التطبيل للمجلس العسكري، وهم الذي كانوا في صفوفنا بالأمس، معارضين للنظام ومحاربين للفساد، وأتساءل عن الثمن الذي حصلوا عليه في مقابل ذلك؟ ولو لم يكن هناك ثمن، يكون السؤال هو: هل تخافون من المجلس العسكري؟ هل تظنون مثلاً انه سيرسل إليكم الشرطة العسكرية أسفل منازلكم وإطلاق زخات ماطرة من الرصاص، ترعبكم وترعب أبنائكم مثلما فعلوا الجمعة الماضية 8 إبريل في التحرير؟ وإن لم يكن هذا يخيفكم، فعلى أي أساس تحاولون إثناء الناس عن المضي قدماً في ثورتهم حتى يكتمل المشوار ونقضي على الفساد في مصر بأكملها؟ لماذا تتركون صفوف الجماهير التي احتضنتكم من البداية، لتصعدوا وتجلسوا على كراسي فخمة ومريحة في ظلال المجلس العسكري؟ وإن كان كرسي اللحظة الراهنة يتطلب منكم كتابة هذه المقالات اللوذعية، فلماذا لا تعفون التاريخ وشخوصة من إسقاطاتكم العظيمة، فالأجانب الذين سقطوا أثناء ثورة 19 ليس هم أجانب اليوم، بالأمس كانوا محتلين ويتمتعون بامتيازات تجعلهم يتفوقون على المصري في بلده، أما اليوم، فهم إما سياح أومستثمرين، وأعتقد أن كلا النوعين، ستعجبه مصر بدون ديكتاتورية وبيروقراطية أكثر، وبإمكانهم تأجيل مخططاتهم حتى ننتهي من تنظيف مصر بالكامل، لأننا لن نقوم بثورة كل عام، فدعونا أيها المطالبين بالاستقرار وعودة السياحة والاستثمار الأجنبي ننهي ثورتنا على خير، لتعود مصر قوية إلى النهاية، وإن كنت أحب أن أشير إلى أن مؤشرات البورصة المصرية تراجعت عندما خرج علينا مبارك بتسجيله الصوتي العجيب، في حين عادت المؤشرات إلى الصعود عندما تم القبض عليه هو وأبنائه وشلة الأنس خاصته. مصر ستكون أقوى بدون هؤلاء الفاسدين ....ومازالت الثورة مستمرة.

الثلاثاء، 15 مارس 2011

دورة 2010 مسمار أخير في نعش "البوكر العربية"

كان حفل توزيع جوائز البوكر للرواية العربية 2010، بمثابة تصريح علني بأن الجائزة بعد دخولها غرفة الإنعاش العام الماضي، شارفت على لفظ أنفاسها الأخيرة " ويا تلحقوها يا ما تلحقوهاش". بالطبع هذا لا يعني أنني أقر بأن الأعمال الفائزة في أي من العامين لا تستحق الجائزة، فلقد استمتعت بشدة برواية " ترمي بشرر" للعبقري السعودي عبده خال، ولم أقرأ حتى الآن روايتي " القوس والفراشة" للمغربي محمد الأشعري، و "طوق الحمام" للسعودية رجاء العالم، لكن دعونا نسبح قليلاً في عالم البوكر منذ بدأ وحتى الآن.
دائماً ما تثبت لي الحياة أن ما يولد عملاقاً يموت قزماً، وها هي البوكر تتقزم عاماً بعد عام، رغم أنها ولدت عملاقة تصحبها ضجة غير مسبوقة في عالم الأدب العربي، حتى أنني لأجزم بأنها ساهمت بشكل كبير في نهضة الرواية العربية وعودة القارئ العربي إلى أحضانها بعد طول خصام، لكن هل كعادتنا كعرب " تبوظ طبخاتنا عشان ناقصة شوية ملح"؟ في العام الأول فازت مي منسى كامرأة وحيدة في القائمة القصيرة برواية أبلغ وصف لها أنها كانت بلا ملامح في حين تم رفض روايات لكاتبات عربيات مرموقات مثل هدى بركات مثلا، فكان التساؤل هو، هل يعمدون إلى تنحية الروايات المتميزة للنساء من أجل إفساح الطريق لرجل؟ في العام الذي تلاه فازت إنعام كا جاجيه بروايتها اللطيفة " الحفيدة الأمريكية" والتي كانت تتميز بفرادة موضوعها، لكنها في الحقيقة تمتعت بسقطات كبيرة في بنية الكتابة نفسها، وبالطبع كان من الصعب أن تنافس على الجائزة الكبيرة، والتي فاز بها يوسف زيدان برواية عزازيل التي كانت متميزة بالفعل، لكنها لا ترقى إلى عظمة " زمن الخيول البيضاء" لإبراهيم نصر الله، فبزغ السؤال هنا: هل هناك احتكار مصري للجائزة الكبرى " بهاء طاهر ويوسف زيدان في عامين متتالين"، وهل هناك عمد إلى أن تبقى المرأة مجرد تمثيل مشرف للنساء وتكملة لديكور المساواة بين الجنسين في الوطن العربي؟ في العام الثالث انطلقت سلسلة من الفضائح في كل الجرائد العربية قبل حتى الإعلان عن القائمة القصيرة للجائزة، وكان مصدر الشائعة الجرائد اللبنانية، التي تحدثت عن مافيا تديرها جومانا حداد عرابة الجائزة، واتفاقية عقدتها مع علوية صبح الأديبة اللبنانية، كي تفوز بالجائزة عن روايتها " اسمه الغرام"، ثم توالت الفضائح بانسحاب الناقدة المصرية شيرين أبوالنجا من لجنة التحكيم، معلنة أنها لم تطمئن إلى سلامة آليات النقد المتبعة لاختيار الأعمال الفائزة، وذلك قبل إعلان القائمة القصيرة التي اختفت منها رواية صُبح، وحلت محلها رواية المصرية منصورة عز الدين، والتي ظهرت كاسم بديل سريع تم اختياره من أجل سد خانة كوتة المرأة في جائزة البوكر، في الوقت الذي اضطرت فيه اللجنة لإخراج علوية صبح من القائمة بشكل ظهر مريبا للغاية، كأن اللجنة تقول " يا حيطة داريني"، فلقد كانت "اسمه الغرام" رواية متميزة وتستحق بالفعل الصعود للقائمة القصيرة.
أما هذا العام فلقد غابت الجائزة بشكل كبير عن المشهد الإعلامي، وكأن الصحف والإعلام العربي لم يعد يهتم بالجائزة التي نقص رصيدها كثيراً في دورة 2009، ولكني أظن أن طوفان الثورات العربية ساهم بشكل كبير في التغطية على أي حدث آخر على الساحة. لم أتابع كعادتي كل عام الأعمال المرشحة للجائزة، فلقد كنت أقرأ على الأقل خمسة أو ستة من الروايات المرشحة في القائمة الطويلة وقبل إعلان القائمة القصيرة، لكني حرصت على حضور حفل إعلان الفائز بالجائزة، ربما لأنني أحببت أن ألتقي بالأديب الكبير فاضل العزاوي، وأخبره كمراهقة مزمنة أنني أحبه كثيراً، لكنني في الحقيقة كنت قد سجلت تحفظي على اختيار رواية "معذبتي" لبن سالم حميش وزير الثقافة المغربي ضمن القائمة القصيرة، فالرجل وزير ومازال على رأس منصبة، ومهما كانت الرواية عظيمة، فمنصبه سيجرح أمانة الاختيار، لكن الحمد لله كانت اللجنة ذكية واختارت رواية وزير الثقافة المغربي السابق محمد الأشعري " القوس والفراشة" لتفوز مناصفة مع رواية السعودية رجاء العالم "طوق الحمام"! في الحقيقة أنا كدت ألطم خدودي عندما تم إعلان هذه المناصفة العجيبة، ورددت داخلي " يا فرحة ما تمت خدها الغراب وطار"، فعندما تفوز امرأة عربية بالجائزة، يضعون جوارها محرم رجل، وكأن المرأة لا يمكنها أن تهنأ بشيء وحدها في هذا العالم العربي يا ولداه.
أنا لا أفاضل بين روايتي رجاء والأشعري، لأنني في الحقيقة لم أقرأهما بعد لأصدر قراراً خاصاً من قبلي، لكنني أتساءل عن المعايير التي يتم اختيار الروايات الفائزة على أساسها، والتي يجب أن تقل عنها رواية دون الأخرى ولو بمقدار نصف في المائة، إذا ما تصارعت روايتان على القمة. كيف يمكن منح الجائزة مناصفة بين روايتين في ظل معايير محددة؟ أم أن الحقيقة ظهرت وبانت أخيراً، ولا توجد معايير من أساسه، واختيار الروايات يتم على أسس وأهواء شخصية تتغير كل عام بتغير لجنة التحكيم؟. الأمر الآخر الذي لفت انتباهي أيضاً، هو اختيار بروكلين هايتس لميرال الطحاوي ضمن القائمة القصيرة، رغم أنها فازت بجائزة نجيب محفوظ، ومن المعروف أنه من شروط قبول الأعمال الأدبية في أي جائزة، أن لا تكون قد فازت بجائزة من قبل؟
أسجل احترامي لكل الأدباء والأديبات الذين فازوا بالجائزة، لكنني لا أستطيع أن أنافق، فجائزة البوكر العالمية، تشوهت كثيراً عندما تم تعريبها، حيث تطبعت بطبائعنا العربية، من مافيات ولوبيات ثقافية، واختفاء كامل لمعايير وأسس واضحة، وخضوع كامل لأهواء بشر، وكذلك خضوع كامل لمعايير أخلاقية وسياسية تخص أبوظبي راعية الجائزة، فهناك الكثير من الأعمال العظيمة التي تم رفضها، فقط لكونها تسير في مسار سياسي مخالف لتوجهات الإمارات، وأخرى تم استبعادها لأنها تخرج عن منظومة أخلاقيات الإماراتي المتحفظ، فقط " ترمي بشرر" لعبدو خال، غردت خارج السرب، ربما بقصدية توجيه ضربة موجعة للنظام السعودي، وتذكيره بوجود قوة إماراتية تجاوره، بأسلوب ناعم مغلف بالثقافة، لكن يا حرام، رواية خال تم التعتيم عليها تماماً بعد ذلك، حتى أنها ممنوع بيعها داخل الإمارات نفسها، ويبدو أن رجاء العالم بكتابتها النسوية وتأكيدها بمظهرها غير الملتزم بالنقاب المفروض على السعوديات، جاءت كنوع من الترضية للمملكة، لأنها مع رجاء ترسل رسالة إلى العالم، مفادها: أن النساء السعوديات متحررات ومنطلقات ولا ينقصهن شيء، وبالتالي يردون على آلة الإعلام الغربي الضاغطة على المملكة كي يطلقن يد النساء المغلولة داخلها قليلاً.
بقى تساؤل خبيث لا أستطيع منع نفسي من إطلاقه: لماذا أشاد الأديب المصري الكبير جمال الغيطاني بأعمال القائمة القصيرة لعام 2010 وأعلن رضاه عن اختيارات اللجنة هذا العام؟ في حين أنه كان من كبار المهاجمين للجائزة خلال الأعوام الماضية، واشتدت طلقاته النارية العام الماضي بالتحديد، رغم أنه كان من الأولى به أن يجامل منصورة عز الدين، تلميذته التي تعمل تحت رئاسته منذ نعومة أظافرها في أخبار الأدب، حيث كان من المفترض على الأقل أن يصمت مراعاة لتلميذته، حتى لو كانت روايتها رديئة من وجهة نظره؟ سامحوني فأنا فلاحة وأفهم في الأصول .

الأحد، 27 فبراير 2011

شهيدات ثورة يناير وغموض قصة سالي زهران




قبل أن أكتب حرفاً واحداً، دعوني أعترف بأنني امرأة تافهة، تركت كل الموضوعات العالقة، والثورة المضادة، ومشاكل حكومة شفيق، والتعديلات الدستورية التي خرجت في شكل أشبه بالنكتة السخيفة، وأمسكت بتلابيب موضوع الشهيدات وتحديداً موضوع سالي زهران العجيب. والآن بعد أن أجبت على كل المهمين في البلد باعترافي سابقاً بالتفاهة، دعوني أكتب ما أرغب فيه بحرية.
كانت صورة سالي زهران هي وأحمد بسيوني، من أولى الصور التي تم تداولها عبر موقع الفيسبوك، كأول شهداء الثورة، كلنا حينها نظرنا إليهما بحسرة وترحمنا عليهما داعين من الله أن يتقبلهما لديه من الشهداء، قبل تخلي مبارك عن الرئاسة وتركها للمجلس الأعلى للقوات المسلحة بأيام قليلة، عرفت من إحدى صديقات سالي المرابطات في الميدان، أن أمها تلقت تهديدات من وزارة الداخلية بقتل ابنيها، إن لم تنف كون سالي ضمن الثائرين، وبالفعل عندما تحدثت الفتاة إلى أم سالي تليفونيا حتى تحثها على اتخاذ الاجراءات القانونية لمساءلة الداخلية في موضوع مقتل سالي، صرخت الأم عبر الهاتف مؤكدة، أن ابنتها لم تكن في المظاهرات وأنها لم تمت في التحرير وإنما في منزلها بسوهاج.
بعد انتهاء الاعتصامات في التحرير عقب تنحي مبارك، بدأنا نواجه حملة غريبة لطمس صور سالي من بين الشهداء في التحرير لتظهر صورة لها بعد ذلك بالحجاب، ودعوات في كل مكان بأن لا يتم استخدام صورة سالي بدون حجاب، كونها التزمت به قبل أن تموت في المظاهرات، هذا ما عاد ونفاه كافة أصدقاء سالي في التحرير وكذلك على موقع الفيس بوك، مؤكدين أنها ارتدت الحجاب لفترة بسيطة في بداية التحاقها بالجامعة ثم قررت خلعه عنها لأنها لم تقتنع به ولا بالتيار السياسي الاسلامي. في الحقيقة كونها كانت محجبة أم لا، ليس هو السؤال، لكن السؤال هو: لمصلحة من فرض الحجاب على سالي بعد وفاتها؟ لا أعتقد أبداً بأن حملة تحجيب سالي بعد وفاتها صادقة النوايا ولا تحمل أي أبعاد سياسية اسلامية، ولا أعتقد أيضا أنه علينا نحن غير المنتمين للأسلمة السياسية، أن نكبر دماغنا ونقول انه موضوع تافه يجب التغاضي عنه، لأن ببساطة محاولة تحجيب سالي بعد وفاتها، إعلان بغيض يروج لفكرة أن النساء غير المحجبات لا يصلحن أن يكن شهيدات أو يكن لهن موقف وطني جاد، وهذا ما لا يمكن السكوت عليه أبداً.
الغريب أيضاً، أنه ورغم استشهاد خمسة نساء بالإضافة إلى سالي، منهن واحدة مسيحية، إلا أنه لم يتم الاشارة إليهن من قريب أو من بعيد رغم أن ثلاث من المسلمات محجبات، وبالتالي يمكن للإخوة المتأسلمين الترويج لهن دون أن يخضعوا لألاعيب بغيضة لتحجيب واحدة ماتت بالفعل. الأمر الآخر الذي يدعو إلى نثر علامات التعجب في كل مكان، هو موقف أمها الغريب وغير المفسر على الأقل بالنسبة لواحدة تافهة مثلي، فالآم التي تم استضافتها بقناة دريم، استعرضت صور سالي خلال الفقرة بدون حجاب، بينما توجهت إلى الجرائد بطلب رسمي كي يستخدموا صورة سالي المحجبة مؤكدة انها التزمت به قبل أن تموت. في الوقت نفسه تقول الأم، أن ابنتها لم تشارك مطلقاً في مظاهرات التحرير ولكن في مظاهرات سوهاج، مع العلم أن سوهاج لم تشهد مظاهرات من أي نوع حتى يوم وفاة سالي في 28 يناير، وأن ابنتها عادت إلى البيت متعبة وعندما قررت النزول مرة أخرى منعتها الأم، لتقفز سالي من البلكونة وتموت. على الجانب الآخر، ينشر أصدقاء سالي فيديوهات لها في التحرير وهي تقود مظاهرة وأخرى وهي تلتقط صوراً للمتظاهرين، ويؤكدون أن سالي توفت بسبب تلقي ضربة على رأسها من أحد البلطجية، وأنها تم علاجها في المستشفى الميداني، لتنام للأبد بعد إصابتها بنزيف داخلي دون أن يدري أحد.
أنا في الحقيقة لا أتحيز لجانب دون الآخر، فلا أنا أصدق حكاية الأم ولا أصدق حكاية أصدقاء سالي في ميدان التحرير، ولا يهمني أن تكون سالي محجبة أو غير محجبة، ولا يعنيني أن تكون شهيدة أو منتحرة، لأنني وبعد كل هذا اللغط حول وفاتها، أومن تماماً بأن سالي شهيدة مجتمع يحكم بقسوة على المرأة ويصر على أن يضعها في قالب محدد حاظراً عليها الخروج عنه، سالي ابنة الصعيد، نموذج حي على النفاق الديني والاجتماعي، فقد تكون مجرد فتاة انتحرت لأن أهلها يضيقون عليها الخناق، وقد تكون ماتت في الميدان من أجل قضية وطنها، لكن الحقيقة هي، أنها ماتت في وطن لا يدري كيف يعترف بالمرأة وبحريتها في أن تكون وفقما شاءت، لا كيفما شاء هو. رحمة الله عليك يا سالي، أنت في نظري شهيدة مجتمع غبي ومنافق.
والآن، هل بإمكاننا التعرف على شخصيات باقي الشهيدات؟
أميرة من الأسكندرية – كريستين من القاهرة – أميرة محمد إسماعيل – رحمة محسن أحمد من روض الفرج القاهرة – رشا أحمد جنيدي من العمرانية جيزة.

السبت، 12 فبراير 2011

مصر جديدة تتشكل بأرواح شهداء اللوتس


لم يكن الثلاثمئة شهيد الذين سقطوا أثناء ثورة 25 يناير، هم أول شهداء يسقطون على تراب الوطن من أجل حريته، وإن كانوا يختلفون في كونهم دفعوا أرواحهم من أجل حرية مصر من المستعمر الداخلي أو المحلي. ولن يكونوا أيضاً آخر من سيضحي بدمائه من أجل رفعة المحروسة. طوال الأربعين عاماً السابقة استشهد كثيرون منا بشكل أو بآخر. كثيرون فقدوا أرواحهم داخل المعتقلات وخرجوا مجرد أجساد تتحرك، وكتاب تم قصف قلمهم بطريقة أو بأخرى فانزووا بعيداً أو هاجروا خارج البلاد، وآخرون تم سرقة أحلامهم بسبب المحسوبية والواسطة والبلطجة واستغلال النفوذ، وجيل كامل خرج للحياة دون تعليم أو إعداد لائق للعمل وكسب الرزق بكرامة، وشباب لا يمكن حصر تعدادهم وقعوا من اليأس وموت الحلم في شراك الإدمان، الذي فتحت حكومات مبارك منذ بداية عهده، بوابات البلاد على مصرعيها، مرحبة بمخدرات الصهاينة التي كانت تجارة للبعض داخل مصر، بينما هي خطة سياسية لتدمير الشعب من قبل إسرائيل. كثيرون وكثيرون، سُفحت أحلامهم وكرامتهم على تراب أم الدنيا، ولقد عبرت عن جيلي – جيل التسعينات – وما لحقه من ضرر على يد جمهورية مبارك الشيطانية، في روايتي " طعم الأيام" التي صدرت عام 2009، والتي تم ملاحقتها من قبل المثقفين المسيسين، مدعين أنها تقدم مبالغات لا أساس لها من الصحة، لكنها في حقيقة الأمر كانت صرخة مدوية، أطلقتها من نبع حزن ويأس صافيين، غمرا حياتي منذ قررت أن أنفي نفسي خارج الوطن، بعد أن تمت ملاحقتي حتى في لقمة عيشي من قبل أزناب مبارك التي انتشرت في كل ركن من أركان مصر. كلنا شهداء فقدنا أرواحنا على عتبات مصر، وكنا بالفعل قد وصلنا إلى مرحلة الجثث التي تسير على قدمين، تتعاطى مع الأيام بآلية، وشهية مفقودة تماماً للحياة. هذه كانت مصر وهكذا كنا حتى يوم الخامس والعشرين من يناير عام 2011.
أعترف بأنني لم أصدق أن شيئاً حقيقياً سيحدث، تجاربي الفاشلة في المظاهرات كانت من أسباب رحيلي، عندما كان المارون في الشوارع ينظرون إلينا باستخفاف ويعتبروننا ثُلة من الشباب الطائش، الذي يخرج طاقاته المكبوتة في العواء ضد السلطة الحاكمة، كانوا يأخذون المنشورات من أيدينا ليلقوا بها إلى الأرض فور إدارتنا لظهورنا، وكان الأمن المركزي أيضاً يستخف بنا، نحن المتظاهرون الأغبياء الذين لا يتجاوزوا على أكثر تقدير المائة شخص، مائة من الحالمين بسرابات يرونها هم ببساطة أوهام. لم أصدق 25 يناير واستخففت بها، كنت أرفض كل الدعوات التي تأتي لي على الفيس بوك لأشارك في المظاهرة، تعاملت مع أيامي بروتين اعتدت عليه منذ سنين، منذ أن فقدت الحلم وتشبثت بأهداب الكتابة، كآخر دليل لي على أنني مازلت أحيا، استعددت لإجازة منتصف العام الدراسية ووضعت خطة لابني وابنتي وأمي كي نخرج ونتنزه في أماكن عدة، لكن 25 يناير جاء هادراً مؤكداً أن مصر مهما غفت لا تموت، وأنها مهما شاخت، تعود لتولد من جديد كطائر فينيق عظيم.
ثمانية عشر يوماً من الصراع، مروا كثمانية عشر عاماً أو يزيد، يتساقط ورد بلادي أمام عيني، فمن يستحقون الفناء مازالوا يعيشون حتى الآن، بينما رحل صانعوا الحياة لهذا الوطن، ويرقد بين الحياة والموت آلاف من الشرفاء الذين فقدوا أعينهم وبُترت أعضائهم وأصيب من أصيب بالشلل، من أجل أن تحيا البهية، ويحيا باقي المصريين تحت ظلالها التي يجب أن نعيدها إلى نقطة الدفئ والحيوية.
يجب الاعتراف بشهدائنا كشهداء حرب، وبجراحانا كجرحى حرب، لأنهم بالفعل خاضوا حرباً، هي الأشرف من بين كل الحروب التي خاضها المصريون على مدار مئات السنين، هي الحرب من أجل العدل والحرية والمساواة وإقرار المواطنة لكل فرد يدب على تراب المحروسة، هي الحرب الفيصل بيننا وبين السقوط في مستنقع التخلف أو الارتفاع نحو ضوء الشمس المهيب. يجب منح أهالي الشهداء أوسمة شرف واعطائهم كافة المزايا التي تحصل عليها أسر شهداء أكتوبر وكافة الحروب التي خاضها المصريون من قبل، كذلك يجب منح الجرحى نفس الأوسمة ومخصصات تليق بما قدموه لهذا الوطن، تماماً مثل جرحى حروبنا العظيمة السابقة. الاعتذار إليهم وإلى أسرهم لا معنى له، بل تكريمهم وتشييد نصب تذكاري بأسمائهم وصورهم هو الذي ننتظره من مصر الجديدة التي حلمنا بها منذ الأزل، وها هي الفرصة بين أيدينا كي نبنيها.

الاثنين، 7 فبراير 2011

الجيش ومعضلة رحيل مبارك

قبل أيام من اندلاع ثورة 25 يناير، سألتني إحدى الصديقات عن إمكانية تكرار سيناريو تونس في مصر، أجبتها وكلي يقين، أن سيناريو تونس من الصعب أن ينطبق على الحالة المصرية، فالجيش التونسي وبعد مرور شهر تقريباً على الثورة في تونس انحاز إلى الشعب وتخلى عن بن علي، لكن الجيش المصري لن يفعل الشيئ نفسه بالنسبة لمبارك، فهو واحد منهم ولا ننسى أنه الحاكم العسكري للبلاد والرئيس الأعلى للقوات المسلحة، وانحياز الجيش للشعب المصري ضد مبارك، يعني انقلابه على نفسه، وليس على مبارك كشخص، هذا غير أن من يديرون دفة الأمور داخل الجيش المصري، أصدقائه الشخصيين ولا يمكن أن نستثنيهم من الأمر، ما يجعل ثورة المصريين مواجهة مباشرة للجيش نفسه.
بعد 25 يناير، ظللت أترقب موقف الجيش، فعليه ولنكن صريحين يتوقف كل شيئ، نظراً لكوننا نعيش في ظل حكم عسكري صرف وإن شابته بعض المدنية أو الدينية في الحكم مؤخراً. للحظة اعتقدت أن الجيش سيأخذ جانب الشعب، لكنني عدت وأفقت على الحقيقة المرة، ألا وهي أن الجيش لن ينحاز إلينا، لأنه وببساطة ينظر إلى مبارك كواحد منه والاطاحة به إنقاص من هيبته شخصياً!
هل نتخلى عن ثورتنا إذاً ونرضى بما ألقوه إلينا من فتات؟ بالطبع لا ولكن وبمنتهى البساطة على الشباب في التحرير أن ينظموا أنفسهم أكثر من ذلك، فما حدث من خروج غير مسبوق للشعب المصري في كافة محافظاته، نقطة قوة عليهم التمسك بها والحفاظ عليها، هي ثورة وليست مظاهرات عاتية، وعليهم أن ينظموا صفوفهم في لجان متابعة وليست لجان تفاوض، فالثورة ناجحة بكل المقاييس ونقاط القوة في أيدي الشباب الذي قادها، لذا عليهم التحرك فوراً قبل أن ينقض على ثورتهم شلل المنتفعين من المعارضة المصرية، التي أثبتت فشلها وضعفها وانصياعها للنظام نفسه، حتى بعد الثورة، كل أجنحة المعارضة بما فيها الإخوان، تسعى الآن لتحقيق مكاسب شخصية من وراء تلك الهبة غير المسبوقة، وعلى الشباب الثائرين في جميع أنحاء المحروسة، أن يتجمعوا في شكل لجان تضم قيادات الثوار، ليملوا كل مطالبهم على النظام المنهار، وأول المطالب هي اطلاق سراح كافة المعتقلين دون قيد أو شرط من داخل السجون، ثم تغيير كل النظام وليس رأسه فقط، ومصر معبأة برجال القانون الذين بإمكانهم وضع دستور جديد يحكم مصر بقانون مدني يساوي بين جميع طوائف الشعب في الحقوق والواجبات، وإلغاء قانون الطوارئ فوراً وليس كما قال سليمان بعد أن يعود الأمن للبلاد، لأنه بذلك يقول علانية أنه سيلغي قانون الطوارئ بعد أن يقبض على كافة الثوريين ويودعهم في غياهب السجون.
ببساطة شديدة، فإن مطالب الثوار التي قاموا بتعليقها في ميدان التحرير يمكن تنفيذها، ومناقشة إجراء تعديلات من داخل الدستور القديم غير محل للنقاش فالشباب لم يخرجوا في ثورة من أجل إجراء تعديلات ولكن من أجل انهاء نظام كامل بدستوره بشخوصه بكافة مفرداته، ولن تجدي التغييرات الساذجة التي يتم إجرائها من تغييرات وزارية أو مقاضاة رجال أعمال ووزراء، أو تغييرات في الحزب الوطني، لأن الحزب الوطني في حد ذاته مرفوض من قبل الثوار ولا يعني المصريين الحقيقيين في شيئ.
أيها الثوار، يجب أن تنظموا أنفسكم في لجان متابعة، لأن مواصلة البقاء في التحرير لأجل غير مسمى، سيضعفكم تدريجياً وسيشيح أنظار العالم عنكم تدريجياً، وستقدمون للنظام فرصة على طبق من ذهب لعزلكم عن العالم حتى ينظم أوراقه خارج ميدان التحرير ومن ثم ينقض عليكم. يجب الإعلان بشكل واضح أن الأحزاب المعارضة والإخوان لا يمثلونكم في شيئ، ويجب أن تعلنوا وبوضوح في مؤتمر صحفي يحضره ممثلوا الإعلام العالمي، متطلباتكم، وكذلك اللجان التي شكلتموها والتي ستتابع مع النظام البائد كيفية رحيله نهائياً، ومن ثم وضع الدستور الجديد بواسطة القانونيين وبعدها إجراء انتخابات مجلسي الشعب والشورى ومن ثم الانتخابات الرئاسية. أثناء ذلك من الممكن أن تعود كل القطاعات في البلد إلى العمل بتنظيمات شخصية لحين إجراء كافة التعديلات الدستورية والقانونية، ولا أعتقد أبداً أن مصر كانت تدار بقانون أو دستور من قبل، سوى قانون الغاب وبلطجية مبارك.

ملاحظة:

أحد أصدقائي من المثقفين سياسياً، اقترح أمراً هاماً جداً، وددت أن أنقله إليكم: لماذا لا يقوم المستشارون القانونيون الذين انضموا إلى ثورة التحرير، بتقديم بلاغ إلى النائب العام، لمساءلة كل من جمال وعلاء وسوزان مبارك، وهم شخوص عادية لا تتمتع بأي حصانة، أن يقدموا مستندات تثبت شرعية حصولهم على تلك الثروة الهائلة التي تم الكشف عنها مؤخراً، وإذا لم يمثلوا أمام النائب العام للتحقيق، تتم ملاحقتهم ومقاضاتهم دولياً، ويعتقد وأعتقد معه أن هذا الإجراء سيشكل ورقة ضغط قوية ضد مبارك ونظامه المهترئ.
أرجوكم نظموا أنفسكم واطرقوا الحديد وهو ساخن!