السبت، 7 يوليو 2018

"يوم معتدل جداً" ... لعبة مسرحية شيقة تأخذ الجمهور في رحلة من المرح




"يوم معتدل جداَ" مسرحية تستطيع أن تحول مزاجك من العكر إلى السعيد، فهي لا تتفذلك كثيراُ في تقديم فكرة فلسفية تُناقش أبعاداً إنسانية من خلال آليات العمل المسرحي بقدر ما تقدم لعبة مبتكرة تأخذ المشاهد في مراحلها ليتصاعد المرح تدريجياً من خلال رؤية مسرحية مسلية وشيقة تبعث على البهجة.


لا تدور المسرحية حول حكاية عميقة تدعو إلى التفكير بقدر ما تقدم حدوتة بسيطة لشاب يكدح في الحياة بتنفيذ كل ما هو مطلوب منه في المجتمع ليحظى بما هو بسيط وإنساني، بعض من الراحة المنزلية والحصول على الفتاة التي يحبها وشارع هادئ يتحرك فيه نحو عمله وبعض من التسلية مع الأصدقاء على المقهى، لكن "معتدل" وهو اسم البطل، رغم تخليه عن أي رغبة داخله في الجموح والانطلاق مثل باقي الشباب واتباع المنهج الروتيني في الحياة ليفوز بما هو عادي، لا يلقى سوى العثرات والهزائم.
تدور المسرحية في يوم واحد يمضيه معتدل، لكن عكس اسمه تماماً يمر عليه اليوم بأبعد ما يكون عن الاعتدال، حيث كل شئ يعانده ويعكر صفوه في البيت وفي الشارع وحتى مع حبيبته، فيقرر الذهاب إلى صديق لديه يعمل في أحد محال الملابس الجاهزة ليشكو إليه همومه، وهنا تبدأ اللعبة التي كتبها باحتراف كل من سامح بسيوني وسامح عثمان، وكتب أشعارها سامح عثمان، بينما أخرجها سامح بسيوني، من خلال ورشة ارتجال مسرحي استمرت ستة أشهر تقدم لها 150 شاباً وأختير منهم ثلاثين شاركوا في العمل كأول تجربة لهم على خشبة مسرح الدولة.

يتصدر بطولة اللعبة أيضاً مهندس الديكور وائل عبدالله الذي استطاع أن يبتكر ديكوراً مُلفتاً ليعبر عن محل الملابس الذي يتم تطويعه بتحريكات بسيطة لقطع مسرحية قليلة ليعبر عن الشارع ومنزل والد معتدل ومنزل عروستة، وبالتالي يتماهى الديكور في رشاقته مع رشاقة محتوى العرض نفسه، وكذلك فإن ميما محمد استطاعت أن تبتكر أزياءً موحية بالحدث الذي يتحرك للخلف فيعتدل يوم معتدل السيئ، فكل قطعة ملابس في العرض عبرت بشكل هزلي أو بمعنى أكثر اقتراباً، بشكل ساخر عن كوميديا عصرنا السوداء والتي نعيشها يومياً لتصبح أمراً عادياً، يثير غضبنا لكن لا نفعل حياله شئ، من باب أن كل هذا أصبح من مقتضيات العصر. الملابس أيضاً لم تخلوا من البهجة، فبإمكان الممثل أن يثير الضحك في الصالة من خلال ملابسه ودون أن يحرك شفتيه بأي جملة، وهذا ما رأيته عبقرياً في التصميم.


امتازت مسرحية " يوم معتدل جداً" كذلك بالحركة، فالمخرج استطاع أن يعبئ الفضاء المسرحي دون مبالغة أو زحام، بل جاءت الحركة المسرحية الغنية ممتعة ومسلية وفي نفس الوقت لا يمكن أن تخطئها أو لا تلحظها عين المشاهد، فمن فرط مرحها وحيويتها تشد عين الجمهور لها، فلا تصيبة أي حالة من الملل وبالتالي لا تضيع منه أي ملمح من ملامح المسرحية العامة أو تفاصيلها. ولا يمكننا هنا أن نغفل براعة الممثلين الذي أدهشونا كونهم مبتدئين ويواجهون الجمهور لأول مرة، فلقد استطاعوا الجمع بين الاحترافية في الأداء والرونق الشبابي المبهج، حيث استطاعوا باقتدار أن يؤدوا الحركة المسرحية رغم صعوبتها في بعض الأحيان، على أكمل وجه، فمن ضمن تفاصيل الأحداث المسرحية، وجود جنية صغيرة تظهر في حياة معتدل وهو نائم، وتقوم بـ "عدل" وقائع أحداث حياته من سيئة إلى جيدة، وبالتالي يقوم المخرج سامح بسيوني بابتكار حركة مسرحية أشبه بشريط الفيديو عندما نقوم بإرجاعه من النهاية إلى البداية، وهنا نجد الممثلين الذين شاركوا في مشهد يعبر عن حدث مؤلم في حياة معتدل، ينفذون نفس حركات هذا المشهد ولكن إلى الخلف وحتى يتوقفون عند بدايته لإعادة تمثيله ولكن هذه المرة في صالح "معتدل".


لم يتوقف سامح بسيوني عن اللعب المسرحي عند هذا الحد، فهو لم يرغب في أن تنتهي مسرحيته نهاية اعتيادية بإسدال الستار أو إطفاء الأنوار ليظهر أبطار المسرحية بعد ذلك تباعاً وفقاً لدورهم لتحية الجمهور، ولكننا فوجئنا ببطل المسرحية الذي لعب دور معتدل ينزل إلى المساحة الفارغة بين مقاعد الجمهور وخشبة المسرح، حيث يجلس على طاولة أمام امرأة ناداها باسم عمته وهي تقوم بخرط الملوخية، ليقص عليها مصائر أبطال العرض ولكن بأسمائهم الحقيقية ليبدأ كل واحد منهم في الظهور وتحية الجمهور، وبعدها يصعد هو ليحيي جمهوره، ثم يهبط الجميع وهم يغنون أغنية "سلفي" التي تدعو إلى التفاؤل والبهجة ويبدأون في التقاط صور السلفي مع الجهور.


لا يمكنني أن أطلق على "يوم معتدل جداً" سوى تعبير (لعبة مسرحية)، فهي فعلاً لعبة كسرت قوالب المسرح المعتادة، وحتى قوالب المسرح الذي يسمي نفسه تجريبياً، فمن خلال تقاليد مسرحية معتادة وقصة بسيطة جداً وحوار أكثر بساطة، قدم بسيوني وكل من عملوا معه، لغة مسرحية جديدة جمعت بين عناصر المسرح الكوميدي التقليدي، وعناصر المسرح البريختي الذي يلتحم مع الجمهور ويناقشه في أحواله، فبزغت هنا اللعبة الجديدة التي جمعت بين الصورة المسرحية والسينمائية في رشاقة مبهجة، قدمت متعة مسرحية جديدة ومتميزة.
تٌعرض المسرحية على مسرح أوبرا ملك بشارع نجيب الريحاني المتفرع من شارع عماد الدين.


 نُشر المقال بجريدة القاهرة بتاريخ 3 يوليو 2018

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق