السبت، 14 سبتمبر 2019

إسلام إمام يتفاءل رغم أنف فولتير على المسرح القومي




برغم أن الكاتب الفرنسي الكبير فولتير كتب رواية "كانديد" أو "التفاؤل" ليسخر من التفاؤل في عالم يراه مليئ بالشرور، إلا أن المخرج إسلام إمام أعد نص مسرحية "المتفائل" لتعزيز فكرة التفاؤل في الحياة مهما حدث لنا من شرور. عندما كتب فولتير روايته الفلسفية الخيالية "كانديد" في النصف الثاني من القرن الثامن عشر، كان هناك مذهب فلسفي سائد في أوروبا كلها، للفيلسوف جوتفريد فيلهلم لايبنتز، اسمه التفاؤل يقوم على أساس" كل شئ سيسير إلى الأفضل في أفضل العوالم الممكنة"، وذلك لأن "الله إله محب للخير".


كان فولتير من أكثر المعارضين لهذا المذهب، فوفقاً له: كيف يمكن التفاؤل في ظل كل هذه الشرور التي تحيط بالعالم؟، متأثراً بحرب السنوات السبع في أوروبا 1756 إلى 1763، وزلزال لشبونة المدمر، وتسونامي التي نتج عنها حرائق عيد جميع القديسين. وفي الوقت الذي عانى فيه الفلاسفة من أجل تفسير كل هذه الكوارث ضمن سياق عالم مذهب التفاؤل الأفضل، كتب فولتير رواية "كانديد" وقصيدة "زلزال لشبونة"، التي وصف فيها الزلزال قائلاً أنه:"واحد من أفظع الكوارث في أفضل العوالم الممكنة".
هذه الرواية الكبيرة والتي تقع أحداثها في ثلاثين فصلاً، قام إسلام إمام بإعدادها للمسرح القومي متبنياً نظرية لايبنتز على عكس فولتير، ليجعل من البطل كانديد متفائلاً بالفعل رغم كل الكوارث التي يلقاها في حياته، فهو يحافظ على تفاؤله وأنه بالتأكيد سيصل لما يحلم به ويتمناه، مادام يحمل حباً للعالم أجمع ولا يرتكب الشرور.
يضبط إسلام النص بحيث يتوافق مع التقاليد العربية، فيجعل من كانديد إبناً لأخت الأمير التي تزوجت من رجل من عامة الشعب وبالتالي فإن كانديد محروماً من أن يكون أميراً، في حين يعتبر كانديد ابناً غير شرعي لأخي البارون في قلعة ويستفاليا بالنص الأصلي، قام بتسليمه إلى أحد المعلمين داخل القصر ليعلمه، فعلمه مبدأ التفاؤل هذا طوال حياته داخل القصر، لا يعلم أي شئ عن ما يدور خارجه، إلى أن اكتشف خاله "وفقاً لتعديلات إسلام" أنه يحب ابنته فيطرده من القصر لأنه لا يحق له التفكير فيها كزوجة، نظراً لأنه ليس أميراً .


يحاول إسلام أن يمصر النص بقدر الإمكان، فرغم أن عائلة كانديد سواء خاله وزوجته وابنتهما التي يحبها يحملون أسماءً فرنسية ويرتدون جميعاً ملابساً ذات طابع أوروبي ينتمي إلى القرن الثامن عشر في ظل ديكور ينتمي إلى طراز الروكوكو، إلا أنه ينجح في صنع نوع من الازدواجية بين الأجواء الفرنسية، والأجواء المصرية بشكل يصنع مواقف كوميدية مضحكة، يقودها النجم الكوميدي ذو الطابع الخاص جداً سامح حسين على خشبة المسرح، في مباراة للضحك الراقي تجمع بين سوسن ربيع ويوسف إسماعيل وسهر الصايغ وعزت زين.


في الوقت الذي يحتوي النص الأصلي لفولتير على كثير من المواقف المؤلمة التي تعرض لها كانديد بعد طرده من القصر، يقدم إسلام طبخته الخاصة على خشبة القومي، من خلال ديكور موحي وديناميكي، حيث يخرج كانديد من القصر ليتشرد في الشوارع معبراً عن ذلك بديكور متحرك لممرات تشبه قوس النصر يتنقل بينها سامح حسين "كانديد" حتى يصل في النهاية إلى مقر معسكر الجيش الهولندي الذي سيطر على فرنسا في حرب السنوات السبع، ليدور حواراً إنسانياً بسيطاً حول قيمة الإنسان في مقابل قيمة "فكرة الوطن" التي يبيعها الساسة للمواطنين البسطاء حتى يجرونهم في حروب مدمرة لتحقيق أطماع شخصية، وبعد أن يتمكن كانديد من الفرار من الجيش، ننتقل معه بسلاسة أيضاً إلى ديكور بسيط ولكنه شديد الإتقان والإيحاء لسفينة قراصنة يتورط معهم. وهنا يجب الإشارة إلى الفنان الصاعد والمتميز أمجد حجار الذي قام بدور القرصان، فأمجد يتميز بأسلوب خاص جداً في فن الكوميديا يبشر بوضعه على قمة النجومية قريباً، فلقد قدم مشهداً في غاية التميز مع سامح حسين، أشعلا فيه الصالة بالضحكات، حتى أكاد أجزم بأنه من أفضل المشاهد التي قدمتها المسرحية على الإطلاق.


ربما يلعب عنصر الديكور في مسرحية "المتفائل" دوراً بطولياً فلقد استطاع حازم شبل أن يقدم خطوطاً واضحة لديكور المسرحية، ورغم وضوح هذه الخطوط وانتمائها التاريخي للقرن الثامن عشر، إلا أنه أضاف عليها لمساته الموحية والتي بدت شديدة التضامن مع الأحداث لتبرزها وتؤكد عليها، ويتجلى ذلك في ديكور بوابات الشوارع المتحركة التي يتنقل بينها كانديد، وديكور سفينة القرصان وديكور جزيرة المجوهرات خاصة في المركبة التي تتحرك عليها الملكة "آيات مجدي" بعرض خشبة المسرح، ثم السفينة التي رحل عليها كانديد ليعود إلى ابنة خاله لينقذها.


كالعادة تبرع نعيمة عجمي في تصميم ملابس الشخصيات بمراحل تحولاتها، فهي لا تكل من الدراسة للعصور التاريخية المختلفة لأوروبا، وتتميز عن غيرها في وضع الخطوط الصحيحة لأزياء العصور الوسطى، كما تتمتع بخيال خصب لتصميم الشخصيات الفانتازية ويظهر هذا بوضوح في ملابس ملكة الجزيرة.
أوحت لي الأشعار التي كتبها طارق علي بأننا نشاهد كارتون مدبلج على قناة أطفال، ولا يمكنني التعليق على الألحان، فالكلمات فرضت هذا الشكل الطفولي عليها، وإن كانت المعالجة التي قدمها إسلام إمام بشكل عام وقعت في شرك السذاجة في التناول في كثير من المشاهد، أبرزها كان مشهد الجزيرة والملكة ، فلقد كان يليق للعرض أكثر على قناة سبيس تون.
مسرحية "المتفائل عمل مسرحي كلاسيكي لا يقدم رؤية جديدة لشكل المسرح التقليدي، وإن كنت أتساءل إن كان من المناسب لعصرنا الحالي تقديم عمل مسرحي مدته ثلاث ساعات ونصف؟!

المقال منشور بجريدة القاهر في أغسطس 2019 

هناك تعليق واحد:

  1. تحليل رائع للمسرحيه الممصره والفكره شديده الاغراء بالتناول في عصر (في الحقيقه الناس وخصوصا هنا يعيشةن في عصور!) يموج بالالاختلافات الشيقه والتحولات المستمره وبرغم معقوليه العمل الا انه كان من الممكن ان يكون شديد الكوميديه لو اخرج صناعه انفسهم من دائره الالتزام بالنص الاصلي والافكار الاساسيه وحقيقه الامر فالسياسه وبالتالي الخديعه ليست سوي اللعب علي تفاؤل وتشاؤم الشعوب والفكره علي بساطتها من ناحيه فولتير او ليبنتز فهي مرتبطه اكثر بال(رؤيه) واذا انعدمت هذه الرؤيه بفعل التجهيل او العزله فالموضوع في اساسه ليس الا كوميديا في كوميديا وطبعا هي كوميديا سوداء بلون النقاب!

    ردحذف