الأربعاء، 26 يونيو 2019

تانيا صالح .. 25 عاماً من تطوير الغناء ومازال هناك جديداً في الأفق

الفنانون أصحاب المواقف هم الذين يلفتون نظري منذ البداية ولذلك كان هدفي أن أنتمي إليهم

 لم يكن سهلاً أن ألحن كلماتي فنحن نحتاج إلى الرجال في النهاية

 لم يخطر ببالي أن أكون مطربة وبدأت بدراسة الفن التشكيلي لأنه بوابة كل الفنون 



حوار: أمنية طلعت 


يمكننا بكل أريحية أن نطلق عليها لقب فنانة شاملة، فشمول الفن لا يعني بالضرورة ما هو شائع عنه (تمثيل ورقص وغناء) بل أن يكون الإنسان في داخله حاملاً لمعنى قيمة الفن ودوره في الحياة وأن يكون عطاءاته الفنية متعددة، وهذا ما ينطبق على الفنانة اللبنانية تانيا صالح، فهي مؤلفة أغاني وفنانة تشكيلية ومغنية، يعود إليها مع عدد آخر من الموسيقيين تطوير الأغنية العربية وتغليفها بثوب عصري يجمع بين الموسيقى العربية الأصيلة وألوان أخرى من الموسيقات العالمية، مثل الجاز والروك وغيرها، وقاموا بعمل نقلة للأغنية العربية بعد جيل الرواد بحيث تعبر عن مجموع المشاعر الإنسانية بعيداً عن آهات الحب وعذاباته، لتعبر عن الحالة الاجتماعية للمواطن العربي وعلاقته بالسياسي والاقتصادي سواء داخلياً أو خارجياً.
ترفض تانيا اسم موسيقى "الأندر جراوند" وترى أنها مستعارة من الغرب حيث نشأت الفرق الجديدة بعرض فنونها في محطات مترو الأنفاق وهو ما لم يحدث في الوطن العربي، ولذلك فهي تفضل اسم الموسيقى الحديثة أو المعاصرة، تتحدث تانيا عن الدوافع التي قادتها إلى هذا النوع من الغناء فتقول:
كنت صغيرة في العمر عندما بدأ عشقي للموسيقى، وكنت أنتمي لعائلة تستمع لأنواع مختلفة من الموسيقى، فقد كانوا يسمعون الطرب العربي سواء كان من إنتاج لبنان أو مصر أو أي دولة عربية أخرى، ولكنهم كانوا أيضاً يسمعون الموسيقى الفرنسية التي تنتمي إلى ستينيات القرن العشرين والتي كان فيها فنانون يكتبون كلمات الأغاني ويلحنونها، مثل جورج برساس وبريل وبربارا وغيرهم، وعندما بدأت أنا في سماع الموسيقى التي أحبها انتقلت لأسمع كل ما يُنتج في إنجلترا وأمريكا، وكل الفرق التي كتبت عن الوضع العالمي، مثل البيتلز وكوين وبوب ديلان وبينك فلويد وغيرها، وما كان يجذب أذني أكثر الفنانون الذين يكتبون كلمات أغانيهم ويلحنوها ويغنوها لأنهم بالنسبة لي كانوا الأقوى في توصيل رسائلهم إلى الجمهور ولديهم خطة ولا تتحكم فيهم شركات الإنتاج بتوليفة موسيقية محددة، وقد كانوا يدفعون ثمن أفكارهم بالاضطهاد والفقر، ونحن لدينا زياد رحباني الذي كنت أحلم بمقابلته وأنا صغيرة، وكنا كلنا في لبنان ننتظر كل ما يقدمه حتى في برامجه بالراديو لأنه كان أكثر وعياً سياسياً.


تستدرك تانيا وتكمل: وأنا صغيرة لم يكن حلمي هو الغناء، فلقد كنت أتعلم الرسم وأدرس الفنون وتاريخها ومدارسها ولكنني كنت أتأثر بكل أنواع الفنون (المسرح والسينما والموسيقى والفن التشكيلي)، فكنت محتارة إلى أي فن سأنتمي؟ فقررت أن أدرسم رسم لأن الفن التشكيلي في رأيي هو المدخل لكل الفنون، وفي نفس الوقت درست إعلانات لأن الفن وحده لا يؤمن حياة اقتصادية مستقرة وكنت أحب الإعلانات لأنها تعرفنا على المجتمع الفني بكل مجالاته من مصورين لممثلين لإعلاميين، وبالفعل بدأت أكتب دعايات مغناة لإعلانات الراديو ودخلت الاستوديو لغناء الإعلانات من باب التسلية وكذلك كنت أرسم الإعلانات للصحف ويافطات الشوارع، فمديري وقتها بشركة الإعلانات لفت نظري لأنني يجب أن أكتب أغاني ولا أتوقف عند حدود الدعايات لأنها في النهاية تموت. أثناء ذلك كنت أعمل في مسرحيات زياد رحباني ككورال، فكنت بالنهار أعمل في الإعلانات وبالليل أشتغل بالمسرح، فعرفت ماذا تعني كلمة مسرح (إضاءة وصوت وتمثيل لايف)، إضافة إلى خبرة التعامل والتواجد داخل تجربة زياد نفسها التي أعتبر تجربتي امتداد لها.
-         لكن تجربتك الموسيقية والغنائية أنت وريم بنا رحمها الله، تختلف كثيراً عن زياد رحباني؟!
بالطبع، لكن جيلي تربى على انفتاح زياد رحباني على الموسيقات الغربية بعيداً عن الكلاسيكيات التي تأثر بها جيل الرواد سواء في مصر أو لبنان، كما أن الموضوعات التي تناولها في أغانيه وتعبر عن تأثر الحياة الشخصية للإنسان العادي بالقرارات السياسية والنزاعات الطائفية ببعد نفسي وفلسفي قصت الشريط لجيلي كي ينفتح على موضوعات أكثر جرأة وذاتية، كما أن موسيقى زياد تتأثر بألوان الموسيقى قي الستينيات والسبعينيات، بينما عبرت أنا وجيلي عن موسيقى الثمانينيات والتسعينيات التي تشبه حركتنا الأسرع ربما أو المتجاوزة لكل التحفظات السابقة على استخدام الجاز والروك والميتال والبوسا نوفا والفانك ودمجها بالدبكة والموال.


-         كلمات الأغاني التي تؤلفينها ذات عمق إنساني بليغ وممزوجة بالسخرية الهادئة والموجعة رغم الابتسامة، كيف تجدين موضوعات أغانيكي؟
من المجتمع الذي أعيش فيه، سواء مجتمعي الضيق داخل لبنان أو مجتمعي الواسع العربي، فجيلي مثلاً نشأ في الحرب الأهلية وتطاحن الطائفية وفجأة أغلق أحدهم زر الحرب دون الاعتبار لآلاف الأرواح التي راحت ودون حل للمشاكل الطائفية التي مازالت موجودة بين طبقات الشعب اللبناني المختلفة، ولم يخبرنا أحد لماذا أشعلوا الحرب ولماذا أطفأوها، ومن تطاحنوا أمس على أرواحنا وضعوا أيديهم في أيدي بعضهم البعض على حساب مصالحنا، وهذا هو الوضع الذي أعيشه وأعبر عنه طوال الوقت، إضافة إلى القضية الفلسطينية التي تعد قضيتنا المحورية رغم كل شئ يحدث الآن.

-         لكن أغنية "بلا من نسميه" مثلاً فيها بعد عالمي له علاقة بضياع الهويات الثقافية أمام عجلة الرأسمالية العالمية؟!
هذا ما ترينه أنت وربما غيرك من الجمهور ولكن أنا ألفت هذه الأغنية لسبب أبسط من ذلك بكثير فلقد كنت في بداية زواجي وفوجئت بأنني حامل، وهذا ما لم يكن في حسباني، فأنا وزوجي حينها لا نملك شيئاً ومازلنا نخطو خطواتنا الأولى في الحياة، والأوضاع السياسية والاقتصادية في لبنان محبطة ولا أفق لأي مستقبل معتدل لأطفال، حينها كتبت أغنية "بلا ما نسميه" وكان الموسيقار شربل روحنا يمر بظروف مشابهة وينتظر مولوداً أيضاً، فاستطاع أن يعبر ببلاغة عن روح الكلمات.
المدهش بالنسبة لتانيا صالح أنها تعتبر شركة إنتاج متكاملة، فهي تصمم أغلفة ألبوماتها ودعايات حفلاتها، تبتسم تانيا وتعلق: مؤخراً بدأت أسند التصميمات للشباب الذين أرى فيهم إمكانيات فنية وأفكار معاصرة لامعة، لكن نعم؛ أنا التي تكتب أغانيها وتغنيها وتصمم أغلفة ألبوماتها ودعايات حفلاتها، لا يوجد من يساعدني في لبنان ولكن لدي من يساعدني في القاهرة وهي ريهام الشناوي.
-         لماذا لم تلحني أغانيكي أيضاً؟
في النهاية أنت لا ترغبين في إثارة الأزمات من حولك وأنا امرأة تعمل في مجال يسيطر عليه الرجال ولابد أن أستعين بهم في شئ، فتركت لهم التلحين، كما أنني غنيت لمؤلفين كبار أيضاً مثل صلاح جاهين الذي ورثت عشقه من عائلتي، وكذلك العظيم بيرم التونسي.
-         لديك تجربة مميزة مع المخرجة اللبنانية العالمية نادين لبكي في فيلمي (سكر نبات) و (هلأ لوين) حيث كتبت كلمات الأغاني ولكنك لم تغنها، لماذا؟
علاقتي بنادين كانت من فترة طويلة عندما شاهدت بعض الكليبات التي أخرجتها فسألت عنها فورا لأني وجدت شيئاً مميزاً لديها وتنبأت بأن تحقق نجاحات تتخطى حدود لبنان إلى العالمية، ولذلك كان تعاوني الأول معها في إخراج أغنية "بلا ما نسميه"، وعندما كانت تجهز لفيلمها "سكر بنات" ألف أغنية "مرايتي يا مرايتي" وهي الأغنية التي تلخص حالة شخصيات الفيلم، أما في فيلم "هلأ لوين" كتبت أغاني الفيلم بالكامل "حشيشة قلبي" و "كيفو ها الحلو" و "يمكن لو" ولم أغنيها للأسف في الفيلم لأن مدير أعمالي كان يرى أن هذا لا يتناسب مع مكانتي وأنه يكفيني أن يوضع اسمي على تأليف الكلمات، ولكنني أغني الأغنيات كلها في حفلاتي بنفسي.
-         أنت على الساحة منذ 25 عاماً الآن، كيف تقيمين مشوارك الفني؟
عندما بدأت لم يكن هناك جمهور لنوعية الموسيقى والأغاني التي أقدمها أو كان جمهوري يقتصر على المثقفين، الآن وأنا أبلغ من العمر خمسين عاماً أصبح لدي جمهوراً كبيراً في مصر ولبنان وحتى المغرب التي كانت مفاجأة لي أن يطلبوني لإحياء حفل هناك، وهذا ما يفتح شهيتي لتكملة الطريق وتقديم أفكار وموسيقى مختلفة وجديدة، فالفن كان هو هدفي من البداية ومازال هو هدفي حتى الآن.

تم نشر الحوار في جريدة القاهرة عدد 11 يونيو 2019 

هناك تعليقان (2):

  1. اول مرة اسمع عن هذه التالية ! شهرتها الحقيقية يبدوا انها ستكون من اثر كتابتك عنها..

    ردحذف
    الردود
    1. لا طبعاً تانيا صالح من رواد الغناء المعروف بالأندر جراوند من التسعينات وألف أغاني أفلام نادين لبكي اللبنانية ولها جمهور كبير جداً لكنها مش من مطربي البوب بتوع ألبومات الكاسيت

      حذف