الأربعاء، 24 أكتوبر 2018

"طريق الحرير" رسالة محبة لوحدة الشعوب من خلال الموسيقى والرقص





على المسرح الكبير بدار الأوبرا المصرية، قدمت فرقة أورنينا السورية للرقص المسرحي، عرضها المسرحي الراقص "طريق الحرير – رحلة العقد الفريد"، والتي ألف موسيقاها محمد هباش وصمم رقصاتها وأخرجها ناصر إبراهيم المؤسس للفرقة عام 1993.
يهدف العرض إلى تكريس فكرة أهمية التواصل بين الشعوب، ويربط بين فكرة التجارة التي كانت الطريقة المثلى لتعارف الشعوب المختلفة على بعضها قديماً، وبين الفن الذي أصبح الآن هو اللغة المثلى التي تشكل نقطة التواصل والتعارف بين الناس على مختلف جنسياتهم ولغاتهم، ومن هنا أتى المفهوم الذي بُني على أساسه عرض "طريق الحرير"، فهذا الطريق لم يكن شريان الحياة لكل شعوب العالم القديم فقط، ولكنه كان الممر الذي تتلاقى فيه الحضارات ببعضها البعض، فيتواصلون ثقافياً ومعرفياً.


تبدأ قصة العرض من مدينة بلنسية في الأندلس، حيث يلتقي الشاعر جبير بالقاضي أبو ليلى الذي كان مولعاً بالفنون ويفتخر بابنتيه "ليلى وسلمى"، اللتان يتقدم لخطبتهما جميع شباب المدينة راغبين في الزوج بواحدة منهما، فيختار القاضي الشاعر جبير ولكن يشترط عليه أن يعثر على العقد الفريد كي يكون مهر ابنته ليلى.
يقع جبير في الحيرة؛ فما هو هذا العقد الفريد الذي لا يحتوي على لآلئ وأحجار كريمة، لكنه يبدأ رحلته من أجل البحث عنه، فينطلق من الأندلس إلى المغرب ثم مصر ففلسطين، فسوريا ثم إلى العراق وعُمان والهند والصين وهذه هي البلاد التي كانت تشكل طريق الحرير قديماً.


من خلال هذه الرحلة التي يقطعها جبير نبدأ في مشاهدة تابلوهات راقصة تمثل كل بلد من هذه البلاد، ونستمع إلى موسيقاها، حيث يتم تقديمها من خلال جبير الذي يسألهم عن العقد الفريد وكيف يمكنه العثور عليه؟، وبعد أن يتم جبير رحلته يوقن أن العقد الفريد هو الناس على اختلافهم متى تعارفوا وتحابوا وتعاونوا، وأن الوسيلة الوحيدة التي يمكن أن يتعرف بها الناس المختلفين على بعضهم البعض، هي الفنون والحرف المختلفة والصناعات.
يختتم جبير رحلته بدعوة جميع الأشخاص الذين تعرف عليهم للقدوم إلى مدينته بلنسية ليؤكد لوالد محبوبته ليلى أن العقد الفريد هو "عقد الفنون والمواهب" التي تجمع البشر ولا تفرقهم، حيث أن الإبداع الإنساني لا حدود له وقادر على التآلف والتمازج مع كل مُختلف دون عداوة أو إحقاد.


هي رسالة إنسانية سامية يقدمها ناصر إبراهيم في لغة فنية بسيطة تقدم الكثير من المتعة للمشاهدين، فأنت لا تشعر وأنت جالس على مقعدك تتابع هذا العرض سوى بالبهجة، فتستدعي الذاكرة على الفور سوريا وفنونها الراقية ذات الطابع الخاص والتي تتميز بها دون غيرها في المنطقة العربية، كما يستدعي العرض إلى الذاكرة أيضاً الأوبريتات التي قدمها الموسيقار الكبير الراحل فريد الأطرش والتي كان يقدم من خلالها تابلوهات راقصة تعبر عن فنون ورقصات الشعوب العربية المختلفة، فجبير في رحلته التي يبدأها بالمغرب يأخذنا في رحلة من رقصات الشعوب وطربها الأصيل، ففي مصر نشاهد التحطيب والرقص البلدي، وفي فلسطين نستمتع بالدبكة وفي الشام ننصت إلى المواويل، وفي العراق نشاهد رقصها المختلف عن غيرها من البلاد العربية، وفي سلطنة عمان نشاهد الرقص الخليجي ونستمع إلى أغاني البحر والغربة، وفي الهند نشاهد عرضاً شديد الحرفية للرقص الهندي المميز عن باقي الشعوب، وحتى عندما ينهي رحلته في الصين نشاهد تابلوهاً راقصاً يمثل الفنون والثقافة الصينية مثل استخدام التنين والمراوح في الحركة.


اعتمد المخرج في العرض على المزج ما بين الحوار والموسيقى والرقص، فأنت تستمع إلى حوار مُنغم أشبه بالحوار في عروض الأوبرا ولكنه على موسيقانا الشرقية، وكذلك جاءت الكثير من المشاهد التمثيلية على شكل رقصات، فكانت أقرب إلى عروض الرقص المعاصر ولكن باستخدام حركات جسد تعتمد على الذاكرة الشرقية لحركة الجسد فكانت أكثر سلاسة في الفهم وقدرة الجمهور على التفاعل معها، هذا إضافة إلى التابلوهات الراقصة الصرفة التي خرجت بحرفية وتنوع كبيرين.
ربما كانت هناك تابلوهات راقصة مميزة أكثر من غيرها، فمما لا شك فيه أن التابلوه الخاص بمصر وفلسطين وسلطنة عمان والهند، هي الأكثر قوة ضمن العرض بشكل عام، حيث جاءت تفصيلية وغنية بالتنوع الغنائي والأداء الراقص وأكثر تعبيراً عن فنون وثقافة هذه البلاد، لكن التابلوه الخاص بالعراق جاء خاطفاً وغير معبر بشكل كبير عن اللهجة العراقية وموسيقى غنائها المميزة، كذلك جاء التبلوه الخاص بالصين سريعاً جداً وكأن المخرج كان يرغب في وضع نهاية للعرض.


الإضاءة في "طريق الحرير" كانت جيدة بشكل كبير، حيث ساعدت على إثراء وتعميق حالة الحركة التي يعيش فيها بطل العرض الشاعر جبير، فهي تعطي الانطباع بحالة الارتحال ويساعدها في ذلك شاشة العرض التي استمرت طوال العرض تحتل المساحة الخلفية كاملة من خشبة المسرح، والتي كان من خلالها يتم عرض صور من كل بلد يمر عليها جبير. كذلك جاءت الإضاءة في بعض المشاهد مخملية ساحرة تشيع جواً رومانتيكياً وتخلق حالة من النوستالجيا لماض قريب شهده الكثير منا، حيث بلاد عربية تصب فنها في قلب الأخرى وتتعاون وتتلاقح ثقافياً فيما بينها. وربما جاءت النوستالجيا أيضاً من افتقادنا للشام بفنونها وفنانيها الذين كانوا أهم حدث لكل فعالية فنية أو ثقافية عربية.


الأزياء بعرض "طريق الحرير" أيضاً كانت متميزة وناجحة إلى حد كبير خاصة الأزياء الخاصة بفلسطين وسوريا وسلطنة عمان والهند، فجاءت أكثر دقة وتعبيراً عن فنون هذه البلاد، كما أن استخدام آلات كثيرة من العود بين الراقصات في التابلوه الخاص بسوريا جاء موحيا ومستدعياً إلى الأذهان الصور المرسومة عن عالم الجواري والراقصات في العصور الذهبية لبلاد الشام.

كان حضور فرقة أورنينا بعرضها الذي جاب الكثير من البلاد العربية اختياراً موفقاً من دار الأوبرا المصرية، ونتمنى أن نشاهد عروضاً راقصة ذات روح عربية شرقية أخرى قريباً، سواء من خلال فرقنا المصرية أو من خلال فرق عربية متميزة مثل "أورنينا".

نُشر هذا المقال في جريدة القاهرة 23 أكتوبر 2018

هناك تعليق واحد:

  1. قال صلى الله عليه وسلم :

    كلمات الفرج
    لا إله إلا الله الحليم الكريم
    لا إله إلا الله العلي العظيم
    لا إله إلا الله رب السموات السبع
    ورب العرش الكريم.

    صحيح الجامع الصغير وزيادته (4571) .

    ________________

    قال ﷺ :
    " مَنْ أصابه همٌّ أو غمٌّ أو سُقم أو شدَّة فقال:
    الله ربي لا شريك له كُشِفَ ذلك عنه "

    رواه البخاري.

    ردحذف