الأحد، 10 نوفمبر 2019

وليد عوني يخطو نحو المستقبل مع عرضه الجديد "دموع حديد"




يلعب الضوء دوراً محورياً في عرض "دموع حديد" للفنان وليد عوني، والذي قُدم على خشبة المسرح الكبير في ختام مهرجان القاهرة الدولي للمسرح المعاصر والتجريبي، فقد استطاع ياسر شعلان أن يصمم تكوينات وتشكيلات بالإضاءة، عملت على تعميق الإحساس بأحداث العرض، والتحولات التي شهدها المشوار العملي للفنانة المعمارية العراقية الكبيرة زها حديد، والتي تمكنت من عمل نقلة نوعية كبيرة في شكل التصميمات المعمارية في العالم كله.
كان الضوء بمثابة ديكور متحرك مع قطع الديكور التي يغير من وضعياتها الراقصون في خضم حركتهم التعبيرية عن الحدث المسرحي، وجاء استخدام الإضاءات الزرقاء والمعدنية انعكاساً واضحاً لرؤية "حديد" المعمارية والتي توحي بأننا دخلنا في عالم سينمائي فضائي لا يمت للواقع الأرضي بصلة.

ظلت فكرة تقديم عرض عن "زها حديد" تراود الفنان وليد عوني حتى قابلها في القاهرة عام 2011 وصارحها برغبته تلك، ما أدهشها وجعلها تتفاعل معه في التفكير في شكل العرض، وتناقشا حول علاقة الهندسة بالفن والرقص الحديث على الأخص، وكيف يمكن أن يكون هناك علاقة وثيقة بين الجسد البشري والإيقاع باعتباره نوعاً من الهندسة. كان هذا الاجتماع وهذا النقاش هو البذرة الولى للعرض وفقاً لوليد عوني، ولكن القدر لم يمهلها لتشاهد العرض الذي يحمل اسمها.
لم يتناول عوني حياة زها حديد في عرضه، فلقد كان واضحاً تماماً أنه يحوم حول تخوم فلسفتها أو رؤيتها الفلسفية في التصميمات المعمارية التي قدمتها، فهي وفقاً لرؤية عوني تحمل رؤية فلسفية صوفية، حيث رفضت كل التصميمات الجاهزة وكانت ترى أن التصميم عبارة عن خطين متوازيين لا يلتقيان، ليس لهما بداية وليس لهما نهاية، إنما فضاء متسع وهو نفس التفكير الذي يحكم عالم الصوفية، حيث لا بداية ولا نهاية، وهو ما بدا جلياً في عرض عوني الذي لا يبدأ ولا ينتهي، هو يدور في أفق زها حديد التي تبدو من خلال العرض، كائناً فضائياً هبط على كوكبنا قليلاً ثم صعد.

تعامل وليد عوني مع فضاء مسرحي خالي تماماً من الكتل الثابتة واقتصر الديكور على بعض التكوينات المفرغة لعواميد حديدية تأخذ أشكالاً مثلثية ومربعة وفقاً لرؤية حديد الهندسية، ليتحرك بينها الراقصون ويحركونها أيضاً، كما تم استخدام بعض التكوينات التي يتم حملها في اليد، إضافة إلى قطعتين من القماش الذهبي واللتان بدتا كنهر من الذهب السائل في بعض التكوينات الراقصة، في حين تم استخدامهما كمرايات عاكسة للإضاءة في مشاهد أخرى في ظل إظلام تام للمسرح، ما أخرج أشكالاً وتكوينات عبأت الفضاء المسرحي في رؤية جديدة لفكرة الديكور.


استخدم عوني أيضاً خلفيات صورية باستخدام تقنية الفيديو بروجيكتور، والتي قدمت أعمال حديد المنتشرة في كثير من بلدان العالم، بشكل يعبر عن مراحل تطورها الإعماري ورفضها للسائد عالمياً من رؤى جامدة لشكل العمارة الحديثة، لتذهب بالتصميم المعماري إلى عالم ما بعد الحداثة وربما إلى عالم المستقبل، إضافة إلى استخدام تكوينات لرسم صورة بروفايل لها في لحظات من الخط الدرامي للعرض، ما قدم إيحاءً بالدهشة وعمق تفاعل الجمهور مع العرض.
رغم أن عوني في الإطار العام للتصميم الحركي داخل الفضاء المسرحي لم يعتمد على حليات شرقية مباشرة، إلا أن العرض حمل الكثير من روح الشرق وإن كان بشكل غير مباشر، فكما فعلت زها التي تمردت على التقليدي العالمي وليس الشرقي فقط، وخرجت برؤية إبداعية خارقة لاستخدام المعدن بروح إبداعية أحيت من خلالها صوفية الشرق في الكتل المادية الغربية، هكذا جاءت رؤية وليد عوني للحركة الراقصة في عرض "دموع حديد" فقد خرجت الحركات الراقصة تمزج بين روح الشرق الصوفية وروح الغرب المادية بشكل رقيق شفاف لا يمكن القبض عليه من خلال تفاصيل صُوَرية مباشرة ولكن تصل إلى نفس المشاهد كم خلال تنفسه الهادئ أثناء العرض، الذي يأخذك في ثناياه فلا تشعر بالوقت ثم يفاجئك بالنهاية.


استخدم عوني تسجيلات صوتية لزها حديد وهي تتحدث عن نفسها، فجاءت الاختيارات وكأنها فعل درامي مسرحي على الخشبة. اختار عوني الجمل الحوارية لزها وقام بتنظيمها وضبطها لتخرج في شكل بناء درامي مسرحي، مثل خلفية درامية متصاعدة للحركة الراقصة على المسرح، ما ساعد على التفاعل مع العرض وفهم شخصية حديد التي تمردت منذ شبابها على كل ما كبل وأعاق حركتها كامرأة شرقية أولاً قبل أن تقلب المعايير المعمارية بعد ذلك.
قدم عوني في عرض "دموع حديد" لغة جديدة نسبياً في حركة الرقص المعاصر، حيث جمع بين لغته الحركية القديمة ولغة حديثة تحمل روحاً شرقية متطورة، والتي يقول أنها تأثرت كثيراً بالتراث العربي الذي تغذى عليه طوال الفترة الماضية، وبالتالي يمكننا اعتبار "دموع حديد" خطوة في طريق جديد سلكه عوني لتقديم رؤى مغايرة لفن الرقص المعاصر بحيث يتم توطينه في شرقنا بلغة تحاكي المستقبل ويفهمها العالم كله.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق